الخميس، 15 مارس 2012

العدوان على غزة، هل حقق اهدافه؟



لم يختلف اثنان ان التفاهم الاسرائيلي الفلسطيني بوساطة مصرية لن يصمد، كما لم يصمد أي تفاهم او اتفاق مثله من قبل، وقد نعت اسرائيل هذا التفاهم الرمادي وغير المكتوب منذ اللحظة الاولي عندما صرح المبعوث الاسرائيلي عاموس غلعاد ان اسرائيل لم تلتزم بوقف الاغتيالات ولحق رئيس الحكومة  ليؤكد ان اسرائيل ستلاحق كل من "يفكر" او "ينوي" المساس بأمنها، وهل يوجد فلسطيني لا ينوي الدفاع عن نفسه؟ وكيف سنفند حجة اسرائيل اذا ادعت ان فلان كان "يفكر" في المساس بأمنها؟  ولا يختلف عاقلان ان العدون الاسرائيلي الاخير على قطاع غزة جاء في ظروف عربية وفلسطينية مؤاتية جدا، ففي حين انشغل الحكام العرب في تجييش العالم الغربي و"الأمة السنيّة" والحركات السياسية الاسلاموية التكفيرية ابتداءا من الوهاببين والسلفيين مرورا بالاخوان المسلمين وصولا الى القاعدة او بالاحرى القواعد على اختلاف ارتباطاتها المخابراتية ودعائمها المادية، بهدف اسقاط النظام السوري "العلوي" في نظرهم، وتنصيب حكام جدد يمكنهم الاندماج في شرق اوسط جديد لا يهدد الانظمة النفطية الرجعية كما لا يهدد حليفتهم الكبرى وسيدة نعمتهم، الويلات المتحدة الامريكية. ما يؤكد ذلك ان وزراء الخارجية العرب تنادوا على عجل واجتمعوا في القاهرة ، بقيادة حمد ونبيل، مع وزير الخارجية الروسي لافروف في ظل القصف الاسرائيلي لقطاع غزة، والهدف؟ هو تغيير موقف روسيا المساند لشقيقتهم سوريا من اجل اسقاط الرئيس بشار الاسد "العلوي"، وقد سخروا كل طاقاتهم لأجل ذلك،  دون ان يصدروا ولو موقفا من العدوان الاسرائيلي على غزة او حتى التذكير به. فهل كانت اسرائيل تحلم بظروف افضل مما وفرها لها هذا "الربيع" العربي؟

ولأن من عادة الفلسطينيين ان يقلبوا صفحة كل عملية عسكرية او حرب يواجهون بها اسرائيل دون تقييم لأهدافها وادواتها وطابعها المميز .....الخ، لا بد لي من فعل ذلك هنا وان لم أكن مسؤولا في أي تنظيم او سلطة.

ما ميز العدوان الاخير وقبل ان تتضح اهدافه الحقيقية، وبالرغم من عرضه اعلاميا وكأنه ردة فعل، او عملية عسكرية محدودة، هو شمولية التخطيط والتنفيذ. أي، حملة عسكرية من البر والبحر والجو، بالاضافة الى حملة اعتقالات في منطقة الخليل من الضفة الغربية المحتلة، ترافقها حملة دبلوماسية دولية واقليمية اسكتت كل من يمكن ان يندد او يعترض على العدوان، وتجنيدا شاملا لوسائل الاعلام الاسرائيلية منذ اللحظة الاولى وحتى اللحظة ما بعد الاخيرة مع تجند اكثر الاعلاميين الاسرائيليين خبرة في الحرب النفسية تجاه المواطن الاسرائيلي او العربي، ولم ينس الاعلاميون ضرورة فحص ردود الفعل والاجواء النفسية لدى الطرف الأخر للتعرف على التأثير النفسي على القوى السياسية او الشعبية الفلسطينية بحثا عن شقوق يمكن ان تدق فيها اسافين الفرقة الدائمة. في الوقت ذاته بادرت الحكومة الاسرائيلية الى تقديم الوعود بالتعويض للاسرائيليين من اصحاب الممتلكات الخاصة او العمال او اصحاب العمل الذين تضرروا من الحملة العسكرية هذه، كما لاحظنا تجند خبراء علم النفس الحربي، إن كان من خلال استديوهات وسائل الاعلام او ببث مباشر أعد له مسبقا من المدارس وأماكن اخرى في جنوبي البلاد، بحيث بدت العملية العسكرية المحدودة للمراقب المختص وكأنها بداية حرب طويلة الامد. ويبدو ان حكومة اسرائيل استعدت، ضمن سيناريوهات استعداداتها لهذا العدوان، لأن لإمكانية تدحرج هذه العملية الى حرب أكبر، وربما كانت ترى فيها تمرينا حربيا كاملا لحرب منتظرة، أي تطبيق حي وليس مجرد مناورة عسكرية، وهذا ما يطلق عليه في اسرائيل ب "الأمن الجاري"، أي، القيام بتدريبات حية في أرض العدو وعلى حساب دماء أطفاله وأرواح ابنائه، بين الحين والآخر، وهو فصل ومركب اساس في العقيدة العسكرية الاسرائيلية؟ أي، عمليات عسكرية ليس لها اسباب وانما لها أهداف تكتيكية واستراتيجية في آن معا.

ان من تابع الاعلام الاسرائيلي خلال ايام العدوان ويتابعه اليوم ايضا يستطيع ان يحدد اهداف العدوان وما اذا كانت اسرائيل قد حققت اهدافها ام لا، وبالتالي يحدد الاسباب التي دعتها الى وقفه، ولو لم يكن بالكامل، بعد اربعة أيام من القصف الدموي وفق تفاهم رمادي غير مكتوب. وفي اعتقادنا ان للعدوان اهدافا عسكرية وسياسية عدة تكمن فيما يلي:

أولا، اختبار فاعلية منظومة القبة الحديدية، وفي هذا يجب ان نذكر ان وزارة الحرب الاسرائيلية كانت في منتصف شباط الماضي قد اوقفت شراء ثلاث بطاريات لمنظومة القبة الحديدية بسبب نقص في الميزانيات، وبسبب الشك الامريكي في فاعلية هذه المنظومة، باهضة الثمن، مقابل الصواريخ الفلسطينية الرخيصة، وفي تقديرنا ان اسرائيل امتنعت عن القيام بعدوانها هذا قبل زيارة نتانياهو الى واشنطن، ولكنه اصبح ممكنا، وربما ضرورة، بعد عودته مباشرة، خاصة ان امريكا ابدت شكا في قدرة اسرائيل على مواجهة الصواريخ الايرانية او صواريخ حزب الله وحماس في حالة نشوب حرب كبرى. من هنا رأينا انشغالا اعلاميا وعسكريا كبيرا في اداء منظومة القبة الحديدية حتى وصلت التقييمات الى حد المبالغة المفضوحة والهدف من ذلك هو تجنيد الاموال اللازمة وشراء المزيد من المنظومات من الشركات المصنعة من جهة واقناع الولايات المتحدة والشعب الاسرائيلي بامكانية خوض حرب اوسع واكبر، وستثبت الاسابيع القريبة ما اذا كانت ستجد وزارة الحرب الميزانيات مجددا لشراء منظومات جديدة. هذا مع العلم ان الجيش الاسرائيلي يستخدم حتى الآن ثلاث منظومات فقط ويخطط لشراء واستخدام 13 منظومة تصل تكاليفها، مع القذائف الضرورية لها، الى مليارات الدولارات. فهل يتجدد الحراك الاجتماعي الاسرائيلي في تل ابيب، كما كان متوقعا مع حلول الربيع، أم ان قيادة هذا الحراك ستلتزم الصمت لأن الجيش اكثر حاجة الى الميزانيات من الازواج الشابة؟

الهدف الثاني، يكمن في اختبار هوية حماس ومصر الاخوانية –السلفية، في ظل ارتباط وتأثر حماس بالاخوان المسلمين، الذين يتزايد نفوذهم خاصة بعد تسلمهم للحكم في مصر وتونس، فهل تشهد حماس تحولا لتصبح حركة سياسية "عقلانية" و"واقعية" كما تحولت فتح في بداية التسعينيات؟ ام انها تاخذ اتجاها اكثر عنفا تجاه اسرائيل؟ انه في الوقت ذاته إختبار لرد فعل الاخوان على أي عدوان اسرائيلي في ظل ما يسمى بالربيع العربي وتوجهاتهم المستقبلية بعد الوصول الى الحكم. ويبدو جليا للمتابع ان عددا من المحليين السياسيين في اسرائيل، وخاصة اولئك الذي يبحثون او يتابعون الحالة العربية تابعوا ذلك وفوجئوا ان الاخوان، وخاصة في مصر، لم يختلفوا عن النظام المصري السابق، بل تركوا أمر معالجة العدوان على غزة الى طواقم النظام السابق وبالنهج نفسه، هروبا من المسؤولية ودون ان يحملوا انفسهم أي عبئ في ذلك.

اما الهدف الاسرائيلي المباشر من هذا الاختبار، فيتمثل في محاولة عملية وميدانية لتحريك حماس من موقعها على مفترق طرق هام الى اتخاذ القرار الصعب، إما ان تعود الى ما كانت عليه تنظيما مقاتلا، او ان تنتقل الى موقعها الجديد، موقع المهادن والمساوم و"المسؤول" و"المعتدل" ، هذا الخطوة، من وجهة النظر الاسرائيلية، لا تحتاج الى مزيد من التحليل او التأجيل وعلى حماس ان تقرر. هذا الموقع الجديد هو ما وُعِدت به اسرائيل عشية صفقة شاليط، وهذا مطلبها اليوم، وهو الامتحان نفسه الذي واجهته حركة فتح في بداية التسعينيات عشية اوسلو وبعد اوسلو. بمعنى آخر، كان على حماس ان تثبت قدرتها على ضبط النفس واستعدادها للدخول في انفاق التسويات مقابل احتفاظها بالحكم في القطاع، في ظل نظام شرق اوسطي جديد يكون فيه الحكم للتنظيمات الاسلاموية المستعدة للتفاهم مع الولايات المتحدة واسرائيل ضمن تقاسم وظيفي معين، مع توجيه النيران الى "عدو مشترك" هو ايران والشيعة وحزب الله والنظام السوري "العلوي" على حد قولهم. حماس بدت في ظل هذا العدوان كما كانت فتح في بداية التسعينيات خلال اوسلو او بعدها، ونجحت في الامتحان من وجهة النظر الاسرائيلية، ومن هنا جاء تصريح ليبرمان، وان كان فيه شيء من الامنية اكثر من الواقع، ان قطاع غزة قد فصل عن الضفة الى عقود قادمة. مع ذلك ربما بدت حماس ، من وجهة النظر الفلسطينية، اسوأ من فتح التسعينيات، لان فتح الرئيس عرفات لم تتخل عن العراق في ظل الهجوم الدولي والعربي عليها،  بينما تخلت حماس عن سوريا وايران واعلنت مسبقا انها لن تقصف المواقع الاسرائيلية اذا ما وقع العدوان على ايران او سوريا او حزب الله، ولأن فتح لم تتخل عن الكفاح المسلح بسرعة، بينما تخلت حماس حتى عن نصرة اخوانهم من ابناء الجهاد الاسلامي في ظل عدوان اسرائيلي دموي. المفاجئ في نظر اسرائيل هو موقف الاخوان والسلفيين في مصر، لا جديد في الموقف المصري في ظل الحكم الجديد، وهذا مريح جدا لاسرائيل، بل هو مشجع للاستمرار في السياسة نفسها في المستقبل.

اخيرا، ربما اجازف اذا قلت: ان احد اهداف العدوان الاسرائيلي ايضا هو محاولة الضغط على سلطة  ابومازن وإعادتها الى طاولة المفاوضات بالشروط الاسرائيلية، خاصة وان السلطة تحولت الى واسطة للتهدئة. اسرائيل لم تتردد ، حتى في اليوم الاول من عدوانها، من اقتحام منطقة الخليل واعتقال عدد من الاسرى المحررين، دون أي اعتبار للسلطة الفلسطينية او اي رد فعل منها. في الحقيقة، لم يتضح لأحد بعد، ما اذا ان كانت هناك اتصالات من تحت الطاولة مع السلطة لاعادتها لطاولة المفاوضات العبثية، ولكني لا استبعد ان تكون امريكا والانظمة الرجعية قد قامت بالضغط على ابو مازن للقبول بالعودة مقابل وقف العدوان وربما حماس موافقة على ذلك ايضا.

خلاصة الامر، ان انتهاء العملية العسكرية بتهدئة هشة اصلا كتفاهم مبهم لا قيمة له، وان عتبرته "الجهاد الاسلامي" انتصارا، فهو انتصار وهمي واعتباطي بامتياز. "هدوء مقابل هدوء" من الذي فرض المعادلة؟  واسرائيل  تؤكد مباشرة انها مستمرة في سياستها بملاحقة كل من "ينوي" او "يفكر" او "يخطط" للقيام بعمل ضد اسرائيل، وهذا يعني ان اسرائيل مستمرة في التذرع "بنية" المقاومة او انها "تخطط" او "تفكر" ب......والاهم من كل ذلم هو سعي اسرائيل الدائم لأن يذوت  العالم كله، والعرب بشكل خاص، والفلسطينيون ايضا، بشرعية "محاسبة" المقاومة على ما "يفكر" افرادها او "ينوون" او "يخططون"، ويبدو ان العالم والانظمة الرجعية العربية، بما في ذلك الانظمة الاسلامية الجديدة، قد ذوتت ذلك وهي تعلن عجزها المستمر عن مقاومة اسرائيل من خلال استجداء التهدئة وفق الشروط الاسرائيلية، والانكى من ذلك، او المحزن المبكي، انها تسمي الوصول الى تهدئة انتصارا "للحكمة" و"التعقل" و"الدبلوماسية" و"الواقعية" ، وهي في الحقيقة تجسيد حسي  للهزيمة الميدانية والنفسية وتعبير عن العجز العربي والاسلامي استمرارا لما سبق....

فهل حققت اسرائيل اهدافها؟ الجواب: نعم...



اليف صباغ

مدونة حيفا برس

15.3.2012




حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الأربعاء، 7 مارس 2012

قراءة في سفر الايام



مع وصول بنيامين نتانياهو الى واشنطن أطلق وزير الخارجية الاسرائيلي، افيغدور ليبرمان، تصريحا مقتضبا قال فيه: "كل اللقاءات الرئاسية بين اسرائيل وأمريكا هامة، ولكن اللقاء المرتقب بين نتانياهو وأوباما هو أهم لقاء في تاريخ العلاقات بين البلدين". فهل كان كذلك؟

منذ ان وصل اوباما الى البيت الابيض، قبل ثلاث سنوات ونيف، ونحن نراقب لعبة شد الحبال او لي الذراع بينه وبين نتانياهو، وكان العرب قد علقوا آمالا على اوباما بانه "سيجلب لهم رأس كليب"، كما علقوا آمالا على من سبقه ومن سبق من سبقه وهكذا دوليك دون نتيجة. كل مراقب موضوعي لا يخطئ اذ يقول: ان اوباما خسر في كل معاركه وكانت المعركة الاكثر قسوة اثناء لقاء الفريقين في السنة الماضية فأُهين اوباما امام الكونغرس وامام إيباك وامام نتانياهو ولم يبق له سوى الركوع على ركبتيه، كل ذلك بفضل النفوذ والقوة التي يتمتع بها اللوبي الصهيوني في امريكا، و"بفضل" العجز العربي المتوارث والمتراكم، الذي لايشكل أي قوة سياسية في الولايات المتحدة بالرغم من تراكم مئات ملياردات الدولارات التي يوفرها او يستثمرها او يخسرها العرب في البنوك الامريكية والبنك الدولي على حد سواء. يذكر ان إيباك هو احد اللوبيهات الثلاث الاقوى في الولايات المتحدة (المتقاعدون، مجمعات الانتاج العسكري وإيباك).

قبيل هذا اللقاء بين نتانياهو واوباما سمعنا خطابات ومواقف، وهي بموجب العرف الدبلوماسي مقدمة للقاء المشترك واستعدادا له، وضمن هذا الاستعداد لاحظنا غياب قضية فلسطين من خطاب اوباما، ولأول مرة، في محاولة لاسترضاء نتانياهو واللوبي الصهيوني. وهو اول انجاز حققه نتانياهو قبل اللقاء، ليس هذا فقط، بل سبق اللقاء استضافة مميزة للرئيس الاسرائيلي في البيت الابيض وتقليده أعلى وسام في الولايات المتحدة، هذا الوسام الذي يقدم عادة لمن قدم خدمة تاريخية ومميزة لأمريكا، فماذا قدم بيرس؟ ام انه محاولة استرضاء اضافية؟ فوق هذا وذاك، اكد اوباما التزامه الشخصي، وبنبرة اختارها بدقة لكي لا تقبل التشكيك، والتزام امريكا "بالحفاظ على التفوق العسكري الاسرائيلي"، كما أكد على "قدرة اسرائيل ان تقرر ما هي حاجاتها طبقا لقدراتها الامنية". وكان اوباما قد تطرق قبيل اللقاء الماضي الى مطالب اسرائيل بحيازة تكنولوجيا متطورة لكي تبقى متفوقة ليس فقط عسكريا بل تكنولوجيا ايضا. وفي اللقاء الاخير مع نتانياهو اكد ان "لأمريكا واسرائيل هدفا مشتركا لمنع ايران من الحصول على سلاح نووي" في حين طالب نتانياهو ان تعمل امريكا على منع ايران من الحصول على "القدرة النووية"، وهذا الاختلاف ليس كلاميا او عفويا بل هو في صلب الموضوع، الامر الذي يعني ان القدرة النووية السلمية أي القدرة التكنولوجية العالية في مجالات عديدة ومنها الطب وانتاج الطاقة وتطوير العلوم الفضائية والالكترونية هي ما يقلق اسرائيل، وليس فقط القنبلة النووية. فاسرائيل تعلم كما يعلم كل مطلع سياسي وعسكري في العالم ان استخدام القنبلة الننوية الايرانية، ان حصلت عليها، ضد اسرائيل، يعني توجيهها ضد الفلسطينيين ايضا، وبالتالي فاحتمالية استخدامها تقرب من الصفر.

الخشية من القدرة التكنولوجية ليس جديدا ولكنه لا يعرض للعالم لأنه لا يعطي الشرعية لحرب مدمرة لمنع دولة ما من الحصول عليه، وهذا يذكرني بمقال كتبه موشيه آرنس عشية الحرب على العراق بحجة احتلالها للكويت، ونشره في المجلة الايديولجية باللغة العبرية عام 1990 فقال: "ان ما يقلقنا ليس ما بقي عند صدام من فرق عسكرية مدربة وعتاد عسكري بعد وقف الحرب مع ايران، بل ما بقي عنده من تكنولوجيا وعقول علمية قادرة ان تعمل وتنتج"، ويذكرني ايضا بان المطلب الاهم، والخير الذي طالب به بوش ورفضه صدام حسين عشية غزو العراق عام 2003 هو قائمة العلماء العراقيين، وان المستهدفين الاوائل بعد احتلال العراق كان العلماء العراقيين. اذن، القدرة العلمية هي المستهدفة في ايران اولا وقبل السلاح نفسه. وما يزيد الامر تأكيدا هو المطلب "الوحيد" لنتانياهو من اوباما استعدادا لمفاوضات الدول الست العظمى مع ايران، "الانجاز المطلوب من هذه المفوضات هو اغلاق موقع تخصيب اليورانيوم فوردو بالقرب من مدين قم، التوقف نهائيا عن عن تخصيب اليورانيوم في ايران واخراج كل غرام يورانيوم مخصب بدرجة اعلى من 3.5% خارج ايران". اما دون ذلك فاسرائيل "غير مستعدة ان تنتظر اكثر" يقول نتانياهو وهو يعلم ان اوباما لا يستطيع ان يقنع حتى الدول الست بهذا المطلب، ويعلم الجميع ان اليورانيوم المستخدم في صناعة القنبلة النووية يجب ان يصل تخصيبه الى 90% واكثر، وبين هذا المستوى من التخصيب ومستوى 3.5% هناك درجات كثيرة يمكن استخدامها في تطوير العلوم والتكنولوجيا المدنية السلمية. ويمكن ان نتساءل ايضا، لماذا عرضت امريكا وفنسا تقديم اليورانية المخصب بنسبة 22% واكثر الى ايران شرط ان يتم تخصيبها في الغرب وليس في ايران؟

إذن اسرائيل ذاهبة الى حرب نووية، وما يمنعها اليوم هو الموقف الامريكي المتردد طبقا لمصالحه، ولكن ذلك لا يمنع اسرائيل من زيادة الضغط لرفع مستوى الاسترضاء، وزيادة اسعار النفط في العالم، وزيادة الارباح المتراكمة في البنوك اليهودية في الولايات المتحدة واسرائيل، وزيادة ارباح الشركات العالمية المنتجة للسلاح والتي لا تجد صعوبة، في هذه الاجواء، من تصدير اسلحتها الى دول النفط بعشرات ملياردات الدولارات سنويا. سياسة الاسترضاء التي انتهجتها اوروبا في الثلاثينيات من القرن الماضي لاسترضاء هتلر لم تمنعه من شن الحرب على جيرانه، هذا الحرب التي حصدت اوراح اكثر من 51 مليون انسان ولم تجلب سلاما لالمانيا ولا لأي دولة في العالم، ولم توقف سبق التسلح بل جعلت من السلاح النووي منتشرا في عدد كبير من دول العالم بدل ان كان حكرا على امريكا.

نتانياهو لم يبق ورقة لديه الا واستخدمها لكسب التأييد للحرب القادمة، بما في ذلك ورقة التذكير بالمحرقة اليهودية، متهما العالم وامريكا بشكل خاص بعدم القيام بعمل عسكري كان مطلوبا لإنقاذ اليهود، ويرى الوف بن، المعلق العسكري في صحيفة هأرتس العبرية ، في ذلك اقتراب نتانياهو الى الحد الاقصى من الالتزام الذي لم يعد يمكنه التراجع بعد. ويرى عكيفا الدار، المعلق السياسي في هأرتس، ان ما اراده اوباما خلال لقائه مع نتانياهو هو التأكد من ان الاخير فهم الرسالة بان الحرب على ايران قبل الانتخابات الامريكية هي ضربة موجهة ضد اوباما نفسه ، وان امريكا مستعدة ان تدفع كل ثمن لكي تمنع هذه الحرب في هذا التوقيت بالذات. وعليه، اتفق الطرفان  في نهية لقائهما على زيادة التنسيق العسكري والاستخباراتي والتكنولوجي بينهما وهذا بحد ذاته مكسب كبير لاسرائيل وكعادتها لا تتردد ولا تتأخر في استثمار الاستعداد الامريكي حتى آخر لحظة وأخر معلومة وأخر اختراع، المهم، كما يؤكدون دائما هو "مصلحة اسرائيل".

اما نحن فتبقى امامنا اسئلة مفتوحة تحتاج الى اجوبة: ما هي مصلحة شعبنا الفلسطيني؟ وما هي مصالح الشعوب العربية من الحرب القادمة؟ و لماذا يتوجب على شعوب العالم ان تدفع ثمنا باهضا للنفط من اجل عيون اسرائيل، وثمنا لتهديدها الدائم لكل من يفكر في امتلاك تكنولوجيا قد تنافسها في المستقبل؟ لقد دفع العالم، والعرب اولا، ثمنا لا يقدر بمال نزولا عن رغبة اسرائيل في ضرب العراق بقيادة صدام حسين بذريعة انه يطور سلاحا نوويا وبحجة تعاونه مع القاعدة وثبت للعالم كله ان الادعاءات الاسرائيلية كانت كاذبة. منذ ذلك الوقت وحتى اليوم ارتفع سعر النفط من 11 دولار الى 128 دولار للبرميل. من المستفيد؟ ومن الذي يدفع الثمن؟ الجواب واضح. المستفيد هم شركات النفط العالمية وشركات انتاج الاسلحة الامريكية والاسرائيلية والاوروبية والبنوك الكبرى التي لا يكفيها كل اموال العالم، حتى اصبح 1% من سكان العالم يملكون اكثر من 40% من امواله ومقدراته.



اليف صباغ

مدونة حيفا برس

البقيعة 7.3.2012








حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الثلاثاء، 6 مارس 2012

أَهو قَدَر أم فِعل بَشَر؟



                       ربيع طبيعي وأخر اصطناعي وثالث افتراضي ورابع فلسطيني  مدور؟

قبل عدة ايام قرأت خبرا في احد المواقع العربية يقول : ان طالبة فلسطينية استطاعت ابتكار طريقة لتدوير العجلات المطاطية بعد نفاذ مفعولها،  لتجعل منها مسطحات خضراء لملاعب كرة القدم وحدائق الاطفال والاماكن العامة، بدلا من تحولها الى عامل ملوث للبيئة كما هو حالها اليوم. وتقول الطالبة الفلسطينية، التي نجحت في ابتكارها هذا ضمن مسابقة الفيفا، ان احدا من السلطة الفلسطينية لم يهتم بابتكارها ولم يقدم لها أي دعم مادي او معنوي لتسجيله وتحويله الى مشروع علمي صناعي، مربح ماديا، ومفيد للبيئة الفلسطينية وللعالم. وتضيف، ان ابتكارها يمكن ان يستبدل الربيعة (العشب الاخضر) الاصطناعية المستخدمة في ارض الملاعب الرياضية اليوم وكذلك الربيعة الطبيعية المكلفة جدا.

لا اخفيكم سرا انني فرحت كثيرا لهذا الخبر وقلت في نفسي: يا الله! كم فينا من القدرات المخزونة التي يحتاجها العالم اكثر مما نحتاجها نحن! واي اسهام للبشرية يمكن ان نقدم، كفلسطينيين، لو استطعنا تحقيق ابسط حقوقنا وهو اقامة الدولة المستقلة لنكون شعبا حرا على ارض وطنه، يقرر مصيره بنفسه، وكم نحتاج الى الدولة كإطار ومؤسسة اساسيين لرعاية القدرات البشرية،  لكي نساهم بقسطنا، كباقي الشعوب، في اعمار الحضارة البشرية على الارض !

لا اخفيكم سرا ايضا ، ان فرحتي لم تدم طويلا، فقد خفت وهجها وفقدت بعضا من دفئها بعد دقائق معدودات تُهتُ فيها في معنى الربيعة والربيع، الطبيعي والاصطناعي والمدور من بقايا عجلات المطاط.  وتساءلتُ: هل هو قدرنا يا ترى؟ ام اننا نحن من يصنع القدر في اذهاننا؟ اننا نثبت لأنفسنا مرة تلو الاخرى ومرة اخرى بعد المليون اننا قادرون ....فلماذا نبقى على حالنا في حين ان العالم كله يتغيرويتقدم؟ نثبت اننا قادرون على تغيير واقعنا وان جار الزمان والاصدقاء والاخوان، قادرون، عندما نعتمد على الذات وليس على ابناء الذوات.

لماذا يا ترى؟ يعيش العرب في ربيع افتراضي او اصطناعي، وتعيش اسرائيل التي اغتصبت ارضنا ومياهنا في ربيع طبيعي؟ هل لأنها صادرت ارضنا ومياهنا فقط، اما لأننا آمنا بعجزنا و"كفي الله المؤمنين شر القتال"؟

لماذا يعيش الاسرائيليون فوق ربيعنا الطبيعي، ينعمون بارضنا ومياهنا، ويعيش العرب في ربيع اططناعي او افتراضي، اما نحن فنرضى بربيعة تم تدويرها من عجلة تم تصنيعها في بلاد الغير؟ ولماذا قبلنا بالقَدَر الذي يحوّل بلادنا إما الى مكب للنفايات او الى مصانع لتدوير النفايات؟ السنا ابناء بلاد الشام، التي اعطت الابجدية للبشرية جمعاء؟ السنا ابناء فلسطين التي نشرت نور الاديان للبشرية جمعاء؟ الم يحن الوقت بعد لنعرف من نحن ونتعرف على ذاتنا البشرية؟



اليف صباغ

مدونة حيفا برس

6 آذار 2012



حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .