السبت، 11 أكتوبر 2014

زمن التحديات الكبرى ! اليف صباغ



                    زمن التحديات الكبرى !                                                                   

قال لي أحد الارثوذكسيين العرب: والله مش عارفين من وين نلاقيها؟ من إسرائيل أو من الاردن او السلطة الفلسطينية او من داعش؟ فظُلم مَن أقل وطأة؟ لأننا بتنا لا نبحث عن عدل وإنصاف بل عن ظلم يمكّننا من البقاء على هذه الارض. ألا يكفينا ما لاقاه اجدادنا من استبداد اليونان على طول الحكم العثماني والبريطاني؟ ألم يحن الوقت لتكون لنا سلطة وطنية على مقدساتنا وأوقافنا بعيدا عن أي استعمار او استِحمار؟

لا يخفى على متابع، او مجرد مهتمّ بما يحدث في هذا الشرق، حجم التحديات التي يواجهها كل عربي شريف في مكافحة الظلم والفساد والارهاب، ومَن مِنّا لم يسمع ولم يرَ هذه الفظائع بحق الأبرياء، وبحق المسيحيين العرب بالذات؟ وعليه، فالتحديات التي تقف أمام الجميع أكبر من أي فرد او جماعة صغيرة كانت او كبيرة، وإن لم نفهم جميعا ضرورة التعاضد الفعلي، وليس مجرد الكلامي، فلن يكون لأي شريف في هذا الشرق مكان او زاوية تحميه.
في هذه الظروف التي لا تخفى على أحد في الدنيا، يقف المسيحيون العرب عامة، والأرثوذكس التابعين للبطريركية اليونانية في القدس منهم بالذات، أمام تحديات تواجههم من كل الاتجاهات وبكل المستويات. تاريخيا، واجه الارثوذكس العرب استبداد البطريركية اليونانية المسيطرة على أملاك الكنيسة المقدسية، أُم الكنائس، ومقدراتها منذ 500 سنة بمساعدة الحكم العثماني ومن ثم الانتداب البريطاني، وتبعهم الاحتلال الاسرائيلي الذي لم يترك فرصة لاقتناص حقوق العرب الارثوذكس بالتعاون مع البطريركية اليونانية إلا واستغلها. وقد اثيتنا في دراسة طويلة وموثقة ان هذا التعاون لم يكن بعيدا عن رعاية الاجهزة المخابراتية الدولية أبدا، وقد عملنا على خطى اجدادنا، على مدار العقود الماضية، لفضح هذا التعاون ومضمونه وأهدافه، مستعينين بالوثائق الأصلية قبل المقالات والتقارير الصحفية، ومع ذلك لم ننجح في إيقاف هذا التفريط الذي أصبحت نتائجُه واضحة في تغريب أبناء الطائفة العرب وابتعادهم عن كنيستهم، بانتقالهم الى كنائس أخرى او بالهجرة من الوطن كليا، وتثبت الاحصائيات الرسمية أن ما بقي من المسيحيين الارثوذكس في فلسطين، غربا وشرقا، لا يتعدى 80 ألفا، في حين أن عددهم في بلاد الاغتراب تعدى المليونين باقل تقدير.
بناء على ما تقدم، وفي الظروف الاستثنائية التي نعيشها في السنوات الأخيرة، باتت المهمة الكبرى، والتحدي الأكبر، أمام كل شريف في هذا الشرق، هو كيف نحافظ على ما تبقى من مسيحي الشرق العرب في أوطانهم؟ وهنا لا بد أن يُسألَ كل رجل دين، بغض النظر عن دينه أو مذهبه، وكل شخصية سياسية يدعي العروبية والوطنية والتعايش بين الأديان في الوطن المشترك، ماذا فعلتَ؟ ماذا قدمتَ لكي تحقق هذه المهمة الشريفة؟
 قد يكون هذا السؤال عاما وصحيحا ولكنه ليس السؤال الأصعب. فالسؤال الأكبر والأصعب الذي يكرره كل ارثوذكسي عربي في فلسطين والأردن هو، من اين نلقاها؟ من أي اتجاه نواجه التحديات؟ ناضل أجدادنا ضد الحكم العثماني الذي ناصر الاستعمار اليوناني ضدنا، وناضلوا ضد الانتداب البرطاني الذي دعم مندوبُه السامي سيطرة اليهود الصهاينة على مقدساتنا وأوقافنا، وما نزال نناضل ضد تسريب الأوقاف الارثوذكسية للحركة الصهيونية.  وكنا على أمل دائم ان تكون الأردن، الدولة التي يفترض ان تكون البطريركية اليونانية تحت عباءتها بموجب القانون، حامية لحقوقنا، ولكن هيهات!! وفي لحظة ما طاب لنا ان نحلم بقيام دولة فلسطينية، او حتى سلطة فلسطينية، تكون عونا لنا وضامنا لحقوقنا المسلوبة من قبل المستعمر اليوناني، ولكن للأسف، سرعان ما خاب ظننا، وشهدنا بأم العين تسريبا للأوقاف الى الحركة الصهيونية دون ان تحرك السلطة او الحكومة الأردنية ساكنا، لا بل شهدنا تعاونا إسرائيليا أردنيا فلسطينيا بأوامر المخابرات الامريكية لرعاية بطريرك من صناعة هذه المخابرات، لخدمة المحتل الاسرائيلي. وعندما تقدمنا بالشكوى للسلطات الاردنية والفلسطينية ضد البطريرك الذي خان كل تعهداته المكتوبة لهذه السلطات وخالف القانون الأردني، الذي يُفترض انه ملزم بتنفيذه، سمعنا جوابا يقول: لا نتدخل في "أمور الكنيسة الداخلية" ، عجبا!! مع ان كل ذي عقل يعلم أن هذه المخالفات ليست أمورا "كنسية داخلية"، ولكن حين يأخذ البطريرك قرارا كنسيا داخليا ضد احد الرهبان العرب، بنقله او اخراجه من ديره او حرمانه من القيام بواجباته تجاه رعيته العربية، "تتطوع" أجهزة الأمن الفلسطينية او الاردنية لتنفيذ القرار، ولو بالقوة، دون اي اعتبار لحقيقة كون هذه القرارات هي شأن كنسي داخلي فعلا ، وفق كل المعايير القانونية. ففي رامالله تدخلت قوى الأمن الفلسطينية لطرد الارشمنديت ملاتيوس بصل من الدير تنفيذا لقرارات البطريرك وزبانيته، وفي الاردن "يتطوع" اليوم رئيس الوزراء ووزير داخليته لتنفيذ قرار البطريرك اليوناني بنقل الأب خريستوفورس من دير دبين ومن بين ابناء رعيته، الى دير البطريركية ليكون حبيس الاجراءات القمعية اليونانية والرقابة المخابراتية الاسرائيلية. وليفسر لي رئيس الوزراء او وزير داخليته بأي عمل وطني او عروبي يقومون؟ وليفسر لي اولأبناء الأردن العرب الارثوذكس، ما هي مرجعيته القانونية التي يعمل بموجبها؟ وليُفسّر لأبناء الأردن الشرفاء كيف ينسجم هذا العمل مع تصريحات جلالة الملك بان الأردن كان وسيبقى حام للمسيحيين العرب ويسهر للحفاظ عليهم في وطنهم الأم؟  
هل نعتب على "داعش" ام على اشباههم من المنافقين؟ لا عتب.... لا عتب على احد حين تكون السلطات الحكومية، التي تتغنى "بالعيش المشترك" و"الوطنية" و"العروبية"، لا تتأخر في تنفيذ قرارات المستعمر اليوناني ضد ابناء الوطن المشترك، وتتردد او حتى تتمنّع عن تنفيذ قوانين سنتها الهيئات التشريعية المنتخبة.
نعي جيدا ثقل المسؤولية وحجم التحدي الذي يواجهنا، ونعي جيدا ان اعتمادنا الأساس على إيماننا بصدق قضيتنا وبطريقنا القويم ، اعتمادنا على أنفسنا وعلى كل الشرفاء في هذا الوطن العربي الكبير،ناضل اجدادنا فبقينا في وطننا ونناضل ليبقى اطفالنا في وطنهم، في ظروف مشابهة تحرر اخوتنا في بطريكية انظاكيا عام 1899 من الاستعمار اليوناني ولن يطول الزمان حتى نتحرر نحن ايضا، شاء من شاء وأبى من أبى، أنها حتمية النضال المستديم، فمن اختار ان يكون معنا فأهلا وسهلا به، ومن اختار ان يكون مع المستعمر اليوناني فبِئسَ المصير!


اليف صباغ 
البقيعة 11.10.14
                                   ______________________________ 


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق