الاثنين، 2 يونيو 2014

رسالة عاجلة الى غبطة البطريرك الراعي



                            مَن أغواكَ يا غبطة البطريرك؟

كغيرنا من اصحاب الشأن، وعشية زيارتكم الى بلادنا، ناقشنا معنى وتداعيات هذه الزيارة عليكم في لبنان وعلينا كفلسطينيين يقبعون تحت الاحتلال الاسرائيلي، وعلى المسيحيين العرب عامة والفلسطينيين منهم خاصة، وهم يمرون ظروفا معقدة ويقفون في مواجهة تحديات مصيرية تتمثل في مخططات اسرائيلية لتجنيد الشباب المسيحي في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948 في صفوف قوات الاحتلال.

في هذه الظروف بالذات نقوم، مسيحيون ومسلمون ودروز، بجهد كبير جدا لمواجهة هذا المخطط بعد ان سقط في شراكه عشرات الشباب بادعاء الحاجة الى تأمين عمل او الحاجة الى حماية اسرائيلية من شرور ابناء جلدتهم، الأمر الذي يذكرنا بتجنيد المحتل الاسرائيلي لمليشيات لبنانية ساعدته في قمع اللبنانيين وشاركته القتل والتدمير والتعذيب في سجون يخيم فيها الظلم والظلام، واشهرها كما تعلمون هو سجن "الخيام" في جنوب لبنان، كما يذكرنا هذا بالمصير المأساوي الذي واجهه وما زال يواجهه هؤلاء العملاء ممن جندهم الاحتلال لخدمته ضد ابناء شعبهم ووطنهم بادعاء حمايتهم.

حين سُئلت عن موقفي من زيارتكم الى بلادنا استغرب سائلي جوابي الايجابي، المرحِّب بالزيارة، فقلت : ان الزيارة كما تم التصريح عنها لا تعدو كونها زيارة رعوية وواجب يقوم به اب روحي تجاه ابنائه فهذا حق ابنائه عليه وواجبه تجاههم. لم يكن موقفي نابعا من سذاجة ما وانما قلت ذلك بعد ان تابعت تصريحاتكم وتأكدت من مصادر موثوقة، اضافة الى التصريحات المباشرة، ان زيارتكم لن تتضمن أي لقاء مع شخصية سياسية او دينية اسرائيلية، الامر الذي يمكن ان يحسب تطبيعا مع العدو لو حصل لا سمح الله. وأضفت، انني لا اعارض الزيارة باعتبار ان المضمون اهم من الشكل مع عدم انكار العلاقة بينهما، وباعتبار ان التواصل بين ابناء الشعب الواحد، كما التواصل بين الرعية وابيها الروحي يُفتَرض ان يكون هو الامر الطبيعي وليس تطبيعا.

وعليه، يا غبطة البطريرك، قمت بالمشاركة في استقبالكم في قرية برعم المهجرة لاستمع الى ما تقولون بشكل مباشر وليس فقط عبر شاشات التلفزيون، وحين سُئِلت هناك من احدى الصحفيات عن موقفي من الزيارة كررت الموقف نفسه. وماذا عن مقابلة عملاء لحد غدا؟ سألت الصحفية، فأجبت، ان الأهم في الامر ليس المقابلة نفسها بل مضمونها. أي ماذا سيقول لهم غبطة البطريرك، واشرت ان رجال الدين عامة لا يمكنهم ان يتخلوا عن ابنائهم مهما كانت افعالهم، متسامحون، يصلون لاعدائهم، ويحبون مبغضيهم، هكذا هي التعاليم الدينية المسيحية التي يلتزم بها كل رجل دين، فكم بالحري لو كان البطريرك نفسه؟. واشرت الى موقفكم المتكرر عند لقاء رعاياكم في الايام الاخيرة وتوصيتكم لهم "ألا يهاجروا بلادهم مهما كانت الأسباب"... "لان من يترك وطنه انما يخسر ذاته وكل شيء". هكذا قلتم لأهل برعم وإقرث والمنصورة، وتمنيتم ان تحتفلوا معهم قريبا بالعودة الى قراهم التي هجرتهم منها دولة اسرائيل قسرا وهدمت بيوتهم امام اعينهم. كل هذه التصريحات، وخاصة انها تكررت سابقا ولاحقا عند الالتقاء بابناء الرعية في مدنهم وقراهم الفلسطينية، زادتني قناعة بمصداقية موقفي من الزيارة. حتى انني تراجعت عن نيتي تسليمكم رسالة اطالبكم فيها توجيه كلمة الى الشباب المسيحيي في فلسطين بعدم الانحراط في صفوف قوات الاحتلال الاسرائيلي مهما كانت المسميات، خاصة وانكم تعلمون أي حال من البؤس والذل والمهانة يعيشها اولئك الجنوبيون من جنود لحد في اسرائيل، واكتفيت بتصريحاتكم المذكورة ليفهم ابناء رعيتكم الرسالة، ومنعا للإحراج.

بعد انتهاء اسبوع حافل بالزيارات والتصريحات التي اكدت الطابع والمضمون الكنسي لزيارتكم، جاء تصريحكم الاخير مُدوّيا ينسف كل ما صرحتم به من قبل.  فوجئنا من حدة التصريح الذي يبرئ عملاء لحد من الجرائم التي ارتكبوها ضد دولتهم اللبنانية وشعبهم وشعبنا الفلسطيني المشرد في لبنان. فوجئنا من اعتبار مَن تجند في صفوف العدو الاسرائيلي وقتل ابناء قريته وشعبه واعتقلهم وعذبهم وشردهم، ليس مجرما بل برئ حتى انه، وفق تصريحاتكم، افضل من "الآخرين" الموجودين في لبنان. فوجئنا من توقيت هذا التصريحات ونحن على بعد اسبوع واحد من انعقاد المؤتمر الوطني العام ضد الخدمة العسكرية والمدنية بكافة أشكالها، التي تخطط اسرائيل لفرضها على الشباب المسيحي بشكل خاص. فوجئنا ونحن نخشى تداعيات هذا التصريح الخطير على موقف شبابنا من الخدمة في صفوف الجيش الصهيوني . ليس هذا فقط، بل شعرنا بطعنة جنجر مسموم في خاصرتنا. فهل تعطي يا غبطة البطريرك، تبريرات لمن قدموا اقذر الخدمات لجيش الاحتلال؟  وهل يمكن تبرير ذلك؟ وهل يمكن تصنيف اعمالهم الا بالخيانة مهما كانت المبررات؟ وهل تقدم لشبابنا المسيحي هنا تبريرات مسبقة ليخدموا جيش الاحتلال ويشاركوا في قمع شعبهم ودوام تشريده واذلاله؟

لقد تأكد لنا يا غبطة البطريرك ، للمرة الالف، ضرورة ان يهتم رجال الدين في الشؤون الروحية والرعوية دون السياسية . ولا ادري ان كان احدهم قد اشار عليكم بهذا التصريح، بشكل مقصود، ام انكم اصحاب الفكرة والموقف، وفي الحالتين فقد اخطأتم.

ما زال الخنجر يؤلمنا يا غبطة البطريرك، والجرح مفتوح ينتظر منكم رسالة تراجع عن ذلك الموقف المُحزن، رسالة وموقفا لا لبس فيهما ولا تبريرات، علها تخفف الالم وتلأم الجرح المفتوح. اننا ونحن نتجه لعقد المؤتمر الوطني العام ضد كافة اشكال الخدمة في صفوف الاحتلال، العسكرية منها والمدنية، ونحن نبذل كل جهد لنحمي شبابنا المسيحي وغير المسيحي من ملوثات الاحتلال، نطالب غبطتكم برسالة واضحة الى شبابنا المسيحي بشكل خاص، تُنقَل اليهم من خلال المؤتمر المذكور أعلاه، رسالة لا لبس فيها ولا تأويل، لا تبرر أي خدمة في صفوف العدو، ولا تبرئ من خان شعبه وأهله من اجل حفنة مال مهما كانت الاسباب.

كلنا امل ان تكون تصريحاتكم المذكورة مجرد زلة لسان، لا موقفا يعكس قناعاتكم الشخصية او تلبية لنصيحة من هذا وذاك استرضاء لعدو لا يؤمن جانبه.

                                                             باحترام: اليف صباغ.

.البقيعة- الجليل الاعلى

1 حزيران 2014

 

الكاتب هو عضو اللجنة المبادرة واللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني العام ضد الخدمة العسكرية وكافة اشكال التجنيد. الذي سيعقد في مدينة سخنين يوم الجمعة القادم 6 حزيران تحت شعار "أُرفض! لستَ خادما"




حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

هناك تعليقان (2):

  1. عزيزي اليف اجيبك بكل شفافية اذا كان موقف المسيح من الخاطئة :"من منكم بلا خطيئة فاليرجمها بحجر" علينا أن نفهم بوضوح، الغفران هو أساس العدل والسلام، كيف ممكن على رجال الكنيسة أن يفعلوا....اصلوه....أصلبوه... ام نقول اغفر... اغفر....
    هل الأب يدين ابنائه؟ ام يصلح معهم كي يعوا حالهم؟
    هذا هو مسيحنا وإلاّّّ...!
    مع محبتي
    الأب عفيف مخول

    ردحذف
    الردود
    1. ليس لدي اعتراض ، لا سمح الله، على موقف السيد المسيح من الخطيئة والخاطئين يا ابونا عفيف. ولكن لا بد ان يكون الاعتراف بالخطيئة خطوة سابقة للغفران او طلب الغفران اليس كذلك؟. للاسف لم يكن موقف غبطة البطريك طلبا للغفران يا ابونا بل انكارا للخطيئة وتبرئة للمجرمين في حين ان بعضهم ما يزال يمارس اجرامه وخطيئته. هنا تكمن المشكلة الاولى. اما المشكلة الثانية وهي في نظري لا تقل اهمية عن الاولى هي انعكاس هذا الكلام على ابناء الرعية هنا الذين يتعرضون لاغواء واغراء لاسقاطهم في خدمة المحتل تحت الذريعة نفسها التي سقط فيها جنود لحد وسعد حداد. فهل هي تبرئة مسبقة ام تشجيع لارتكاب الخطيئة مع صك براءة مسبق؟ في حين اننا نبذل كل جهد لابعاد شبابنا عن الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال، والتي هي خطيئة بحد ذاتها، الا ترى هذه الخطورة؟ بغض النظر كانت مقصودة او غير مقصودة؟ الا يستحق شبابنا كلمة روحية من غبطة البطريرك يبعدهم عن ارتكاب الخطيئة ؟

      حذف