الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012


حول مؤتمر تجنيد الشباب المسيحي.

 

               لا تلطخوا أثواب الكهنوت او اخلعوها عنكم!

المسؤولية جماعية للمسلم والدرزي والمسيحي على حد سواء، وليبدأ كل منا بنفسه.

من يتنازل عن تاريخه المشرف ويستبدل انتماءه الوطني بانتماء المواطنة فهو خاسر ولو بعد حين.

تناولت وسائل الاعلام المحلية وكذلك صفحات الفيسبوك يوم ومساء أمس موضوع المؤتمر الذي عقدته جهات امنية في نتسيرت عليت بهدف تحفيز الشباب المسيحيين في بلادنا للتجند في الجيش الاسرائيلي، وشارك في هذا المؤتمر عدد من رجال الدين المسيحيين، وقدموا مداخلات لا نعرف مضمونها، ولكن مجرد مشاركتهم، وافتتاح المؤتمر بصلاة "أبانا الذي في السماوات".. واختتامه بنشيد "هتكفا"، يعني الكثير الكثير ومن هنا ارتفعت الاصوات الغاضبة.

الملفت للانتباه ان وسائل الاعلام المحلية تحدثت بالأمس، 29 اكتوبر، عن مؤتمر عُقد في نتسيرت عليت يوم 16 اكتوبر، أي بتأخر كبير يلفت الانتباه. والمثير ايضا ان اهالي الناصرة ومجلس الطائفة الارثوذكسية، على سبيل المثال، لم يعلموا بالامر الا من خلال وسائل الاعلام، هل يعقل؟ واذا كان مجلس الطائفة الارثوذكسية قد اصدر بيانا واضحا وجريئا من هذا الموضوع فاين هي الهيئات التمثيلية للطوائف المسيحية الاخرى؟ خاصة وان رجال دين وفرق كشفية غير ارثوذكسية شاركت في هذا المؤتمر؟

ربما لو ان المؤتمر المذكور ضم افرادا من هذه الطائفة او تلك بصفتهم الشخصية لما اثار كل هذا الغضب، واكتفينا بالتعبير عن القرف والتقزز من المشاركين فيه فقط، اما وانه ضم رجال دين، باثوابهم الدينية، فلا بد من تأكيد ما يلي: اولا، نحن لسنا ضد تدخل رجال الدين المسيحيين في السياسة من خلال التعبير عن مواقفهم الانسانية الروحية والوطنية وليس اكثر، وهذا يضمن أن يحترموا ثوبهم الديني وألا يطلخوه بثياب الاحتلال والقمع والقتل لابناء شعبنا ومنهم أبناء الطائفة المسيحية.  وليتذكر رجال الدين ان ثوبهم الديني لا يمثلهم بشكل فردي فقط بل يمثل أبناء "رعيتهم" عامة، ولذا فمن أراد ان يسير في درب لا تتلائم مع القيم الروحية والوطنية الحقة، فليخلع ثوبه ويرحل عنا الى غير رجعة، وليفعل، بصفته الفردية، ما يشاء. ثانيا، ولكي لا يسألني أحد، لماذا توجه سهامك الى الكهنة وليس الى قياداتهم الروحية؟ اقول: ان كلامي موجه الى الرئاسة الروحية أولا ولا استثني أحدا. ولا يجوز ان ننسى مواقف مشابهة للمطران شقور من التجنيد او الخدمة المدنية، او ننسى ان البطريرك ثيوفيلوس قام قبل شهرين فقط، بالمشاركة في لقاء رجال الدين المسيحيين والمسلمين في استنبول تحت رعاية اردوغان وبطلب طارئ من السفارة الامريكية في اسرائيل، ذلك اللقاء الذي رفض بطريركي القسطنطينية وانطاكيا المشاركة فيه، لأنه يعطي لاردوغان رعاية لا يستحقها وهو يشارك، مع امريكا واسرائيل، في تهجير المسيحيين من الشرق. وللتأكيد، لا أستغرب أبدا ان يكون الكهنة قد شاركوا في مؤتمر التجنيد المخزي بتكليف من رئاساتهم الروحية، العربية او اليونانية، وهذا ما كنت انتظر توضيحه من الأب نداف مساء أمس، من خلال صفحتة الخاصة على الفيسبوك، الا انه، وللاسف،رفض ذلك، وعليه فهو يتحمل مسؤولية أفعاله.

لا ينكرن احد ان المسيحيين في الشرق يتعرضون الى اضطهاد وقتل وذبح من قبل جماعات تكفيرية تدعي الاسلام، ولكن هذه الجماعات لا تعمل وحدها ولا تقتل المسيحيين وحدهم، ويجب ان نرى من هي القوى التي تساندها. اليست اوروبا المسيحية، وأعني فرنسا والمانيا وايطاليا وبريطانيا؟ أوليست أمريكا المسيحية او المسيحية المتصهينة؟ أوليست اسرائيل الصهيونية ايضا؟ التي تدعون الشباب للتجند في صفوف جيشها؟ ومن هو الذي يدافع عن هؤلاء المسيحيين العرب في سوريا بالتحديد؟ أليس المسلمون العرب من ابناء هذه الامة الذين عاشوا مع اخوانهم المسيحيين منذ اكثر من 1400 عام؟ وكذلك روسيا المسيحية والصين الملحدة؟ اذن فالاصطفاف ليس طائفيا، بين مسيحيين ومسلمين، بل هو سياسي بين قوى اقليمية ودولية كل تبحث عن مصالحها، وكل ادعاء بان التجند للجيش الصهيوني يأتي بدوافع الدفاع عن المسيحيين هو محض كذب ووقاحة. ومن هنا يجب ان نوضح ان مسؤولية مقاومة تجنيد الشباب المسيحيين في جيش الاحتلال لا تقع على المسيحيين وحدهم، بل تقع على عاتق الجميع كل في زاويته وفي بيته وطائفته، ومن موقع مسؤوليته، وهنا يتحمل رجال الدين عامة مسؤولية مضاعفة في الرعاية والتوعية وتقديم النموذج الحسن.

من يعتقد ان التسلح يحميه او ان التجند في جيش الاحتلال يعطيه حقا مسلوبا، فليسأل اخوانه من الدروز والبدو الذين تجندوا لجيش الاحتلال. ماذا جنوا سوى المزيد من الابتعاد عن شعبهم، والمزيد من التخبط بين انتماءاتهم والمزيد من فقدان ابنائهم في الحروب. وإذ نحن الآن في الذكرى الخامسة لاحداث اكتوبر 2007 في البقيعة، اسألوا أبناء البقيعة، الدروز منهم بالذات، هل حققوا انجازا بالسلاح، وان كان موجودا في البيوت؟ ام انهم حققوه بوحدتهم ووعيهم ومثابرتهم واصرارهم على طرد المستوطنين من القرية؟ وان اردتم عنوانا آخر، اسألوا أبناء قرية برعم المهجرة، الذين تجندوا في الجيش الاسرائيلي طمعا في الاندماج وتطمين المؤسسة الحاكمة، هل عادوا الى قريتهم؟ واسألوا أبناء النقب الذين يعيشون في بيوت من الصفيح، هل اعترفت المؤسسة الصهيونية بحقوقهم الاساسية؟ هل اعترفت بقراهم؟  هل شفعت لهم الخدمة العسكرية و"الموت في سبيل الدولة" ؟ وفي العمق نقول: لا يمكن القبول بمبدأ الواجبات شرطا لتحقيق الحقوق في أي دولة في العالم، انه مبدأ مخالف لكل القواني الدولية. وفي العمق ايضا، لا يمكن التوفيق بين الانتماء للوطن المحتل والانتماء للدولة التي احتلت وطنك. وعلينا ان نذكر دائما او الوطن ابدي أما الدول فهي عابرة.

ولا ينكرن احد ان المسيحيين في وطن السيد المسيح يتعرضون الى مضايقات في حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما الى ذلك. فمن المسؤول عن اتساع هذه الظاهرة ؟ اليس الاحتلال الاسرائيلي الذي يخنق كل حرية ونشاط؟ اليست الحكومة الاسرائيلية هي المسؤولة عن تناقص عدد الموظفين المسيحيين في سلك التعليم والوظائف الحكومية الاخرى؟ اليست الحكومة الاسرائيلية والمؤسسات الصهيونية عامة، ومن دعمهم من مخابرات دولية، هم المسؤولون عن حماية النفوذ اليوناني وسيطرته على مؤسساتنا الروحية واوقافنا لكي يتمتع بها اليهودي واليوناني بدلا من  صاحب الحق الطبيعي؟ اليست الحكومة الاسرائيلية هي التي تمنع من ابناء الطائفة المسيحية الارثوذكسية اقامة جسم قانوني يمثل ابناء الطائفة في المحافل القضائية ضد الطغمة اليونانية المتغطرسة؟ ولا استثني من المسؤولية الجهلة والمنتفعين من ابناء الطائفة.  لا انكر ابدا ان المسؤولية عن الظاهرة تقع ايضا على عاتق مركبات مجتمعنا كافة. نعم على "الاكثرية" كما "الاقلية"، في كل قرية ومدينة، وعلى طول ابلادنا وعرضها، وهي تتطلب ارتقاءا الى مستوى المسؤولية الجماعية، والى مستوى عميق من الوعي الوطني والانساني، يبدأ بتصريحات السياسيين وافعالهم، مرورا بحديث الوالدين مع ابنائهم. لا تسمحوا لابنائكم ان ينضموا الى قطيع الاغنام الذي لا يرى الا ما يغطي سطح الارض. لا تسمحوا لهم ان يكونوا كالعُربان، "فلا يقوون الا على الصغائر" ، و"لا يستقوون الا على أهلهم وذويهم".  

كالعادة، يقوم بعض المنتفعين باستغلال الجهلة او الفاشلين، باسم الدين او الطائفة تارة؟ وباسم المصلحة تارة أخرى،  مستغلين ضائقتهم الاقتصادية او الاجتماعية لدفعهم في اتجاهات تكرس ضائقتهم وجهلهم، فمن اختار ان يكون من قطيع الاغنام فليذهب الى غير رجعة، ومن إختار ان يحافظ على أوسمة الشرف التي أورثها لنا آباؤنا وأجدادنا فلينتصب، لان الاغنام تطأطئ رؤؤسها على الدوام.

 

اليف صباغ

مدونة حيفا برس

30 اكتوبر 2012



حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الجمعة، 26 أكتوبر 2012

صفحات انتخابية 2



                     تحالف فنكلشطايني خطير

  تحالف يستعد لشن عدوان عسكري على ايران وعدوان اقتصادي على المواطنين الفقراء


  اعلن بنيامين نتانياهو وافيغدور ليبرمان بالامس عن تحالف حزبيهما-الليكود واسرائيل بيتنا- في قائمة انتخابية واحدة لخوض معركة الانتخابات الاسرائيلية القادمة في الثاني والعشرين من شهر كانون ثاني 2013، الامر الذي وصفة المراقبون "بالهزة السياسية" التي فاجأت الجميع بما في ذلك قيادات حزب الليكود، الذين لم يعرفوا عن نية زعيمهم تحالفه مع ليبرمان، وهذا إن اشار الى شيء فهو يشير الى ما قاله الوزير موشيه كحلون بعد استقالته المفاجئة والغامضة من الحياة السياسية، رغم نجاحه المشهود، بان "الليكود قد يفقد السلطة بسبب سياسة نتانياهو داخل حزب الليكود". هل يعقل ان يُقدِم رئيس الحزب، نتانياهو، حتى وان كان رئيسا للحكومة، على خطوة كبيرة من هذا النوع دون التشاور مع قيادات مثل مريدور وبيغن وايتان وغيرهم؟ هل يعقل الا يؤثر هذا القرار سلبا على هؤلاء ومن والاهُم وعلى الحياة الحزبية بشكل عام؟ هل اصبح نتانياهو ملكا ، آمرا، ناهيا، في الليكود دون معارض له؟ وانهم يخشون سطوته وقدرته على تهميش من يعارضه الرأي وبالتالي عزله سياسيا؟ واذا كان هذا هو سلوك نتانياهو تجاه زملائه في قيادة الحزب وهم الذين يقدمون له كل الدعم والتغطية الدولية، وهم يعضون على جراحهم، جراء سياسته العدوانية تجاه أهم حليف دولي أي امريكا، فكيف يكون سلوكه تجاه حلفائه المستقبليين في الحكومة او تجاه الطبقات الفقيرة التي تعاني ما تعانية من جراء سياسته الاقتصادية؟

في المؤتمر الصحفي، بالامس، صرح نتانياهو وليبرمان على حد سواء ان الدافع لمثل هذا التحالف هو ضرورة قيام حكومة قوية في المستقبل تعتمد على حزب قوي وكبير، تستطيع اتخاذ القرارات المصيرية "للوقوف ضد المشروع النووي الايراني" ولاتخاذ "خطوات جريئة في السياسة الاقتصادية"، دون حسابات كثيرة لمركبات البرلمان او الحكومة. من هنا لا بد ان نفهم ان الحكومة القادمة التي يخطط لها نتانياهو وليبرمان ستكون حكومة حرب وعدوان وسحق للطبقات الفقيرة في آن معا. وهنا لا بد من استحضار ما قاله زميل نتانياهو ومنافسه من اليمين داخل الليكود، موشيه فيغلين، من ان نتاياهو يخشى من فقدان دعم حزب شاس برئاسة درعي لحكومته القادمة، وتشكل هذه الخطوة استباقا للاحداث. وهنا لا بد من التذكير بان القانون الاسرائيلي لا يعطي لاكبر حزب حق تشكيل الحكومة بشكل اتوماتيكي، بل يعطي الفرصة لاكثرعضو كنيست حصل على توصيات من أعضاء الكنيست الآخرين لتشكيل الحكومة.

الملفت للانتباه، هو ما تناقلته وسائل الاعلام في اليوم التالي ومفاده ان ارثور فنكلشطاين هو الراعي لهذه الوحدة وقد تم الاتفاق عليها منذ شهرين بين الزعيمين دون ان يعلم بها أحد. ويذكر ان فنكلشطاين هو مستشار انتخابات امريكي، مثلي الجنسية، عُرف بتنظيم حملات انتخابية عنيفة، امريكية واسرائيلية، كما عرف بمواقفه اليمينية.

بناء على ما تقدم، يمكن ان نستنتج ما يلي:

اولا، سيكون لهذا التحالف اثره على الخارطة السياسية، بمعنى المجموعات الحزبية، كما سيؤثرعلى الخارطة الحزبية في اسرائيل، وربما يدفع احزاب اخرى الى التحالفات المسبقة تماشيا مع رغبة جمهور الناخبين في رؤية التحالفات المحتملة مسبقا، ومع رغبة الجمهور في تأييد الطرف القوي والشخصية الكارزماتية.

ثانيا، يؤكد هذا التحالف ان كل ما شهدناه من خلافات بين نتانياهو وليبرمان خلال السنوات السابقة لم يكن اكثر من تمثيل ادوار، ليبرمان يهاجم الرئيس محمود عباس ونتانياهو يصرح بان ليبرمان لا يعبر عن رأي الحكومة، ليبرمان وموظفو وزارته يهينون السفير التركي ونتانياهو يأسف لذلك... وكم شهدنا من هذه التمثيليات خلال السنوات الاربع الماضية؟

ثالثا، يؤكد هذا التحالف ان هناك قوى اقتصادية وسياسية ، بما في ذلك خارجية قادرة ان توحيد قوى اليمين، الامر الذي لا يتوفر لمن يسمون انفسهم باليسار.

والملاحظة الاخيرة، ان اليمين الاسرائيلي يفرض اجندته السياسية الامنية على الحياة الانتخابية باساليب مختلفة ويبدو ان المعارضة تنجر الى ذلك دون ان تحاول وضع الاجندة الاقتصادية والاجتماعية في صلب المعركة الانتخابية، ولو استمر الوضع على هذا النحو فسنجد ان الطبقات الوسطى والفقراء، اكثر المتضرربن من سياسة نتانياهو الاقتصادية والاجتماعية، هم من يعيدون نتانياهو الى الحكم من جديد، لأن البحث عن الامن الشخصي والجمعي عشية الانتخابات ينسي الفقراء همومهم المعيشية ولكنه يوقظها بعد فوات الاوان.

 

اليف صباغ

مدونة حيفا برس

26 اكتوبر 2012



حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الخميس، 25 أكتوبر 2012

صفحات انتخابية

صفحات انتخابية

                   بين الانتخابات الاسرائيلية والتصعيد العسكري                                


اذا كان سقوط الحكومات الاسرائيلية وتقديم موعد الانتخابات يجري على خلفية اجندة داخلية، وهي بالاساس اجندة اجتماعية واقتصادية، فان الحملات الانتخابية تجرى على خلفية اجندة خارجية وبشكل خاص اجندة عسكرية.  من هنا يمكن ان نفهم كيف يستطيع اليمين الاسرائيلي ان يوجه اللطبقات الفقيرة صفعات اقتصادية موجعة  ويعود ليكسب تأييدهم في الانتخابات، وهكذا يمكن ان نفهم سعيي اليمين المنتطرف الى التصعيد العسكري ضد غزة،  والقيام بعملية عسكرية كبرى في السودان، بعد ان فشل في تجنيد امريكا لشن عدوان عسكري ضد ايران.
لكن، لهذا التصعيد عدة دلالات، عدا عن التوقيت المرافق للانتخابات، لا بد من الاشارة اليها وأهمها:
اولا، عادت مصر الى القيام بدورها السابق في تهدئة الاجواء والتنسيق الامني للوصول الى هدنة ما بين اسرائيل وحماس، ويؤكد المعلقون السياسيون الاسرائيليون ، الذين رافقوا جهود التنسيق والتهدئة سابقا وحاليا، ان مصر تقوم بالدور المطلوب منها على افضل وجه وان الطاقم المصري هو نفسه مع تغييرات طفيفة .
ثانيا، أشار المراقبون الاسرائيليون الى ان الرسائل التي وصلت الى اسرائيل مباشرة من حماس او عبر مصر او جهات أخرى تؤكد ان حماس غير معنية بالتصعيد وانها قادرة ومستعدة لضبط الاوضاع الامنية في القطاع  لمنع اي صدام مع الجيش الاسرئيلي ( وهذا هو المطلب القطري تحديدا)، ومن هنا نفهم ان تبني حماس والوية الناصر للعملية  التي اصيب فيها الضابط الاسرائيلي بجراح خطيرة، بعد يومين من تبني الجبهة الشعبية للعملية، وبالذات بعد مغادرة امير قطر ارض القطاع، جاءت لتقول ان كتائب القسام لا تتأثر باموال قطر وان المقاومة ما تزال مستمرة  على نهجها السابق بان ترد على كل اعتداء اسرائيلي.
ثالثا، ان قيام سلاح الجو الاسرائيلي بعملية عسكرية في السودان التي تبعد 2000 كم عن حدودها، فيما تبعد ايران 1600 كم، وقيام الطائرات الاسرائيلية بقصف مخازن اسلحة ومصانع عسكرية بالقرب من العاصمة الخرطوم، دون ان يضع مجلس الامن اي "خطوط حمراء" للسياسة العدوانية الاسرائيلية، ودون ان تقوم السعودية او الاردن بمنع الطائرات الاسرائيلية بالتحليق فوق اجوائها للوصول الى السودان، يشكل امتحانا اضافيا لهذه الممالك التي لا تملك  اجواءها، وانه في حالة قررت  فيها اسرائيل والولايات المتحدة شن عدوان عسكري على ايران، لا يمكن لهذه الممالك ان تمنعهم من استخدام اجوائها؟  وهي، اي العملية العسكرية، تشكل تدريبا عملياتيا تؤكد فيه اسرائيل لامريكا ولنفسها وللعالم ان سلاح الجو الاسرائيلي قادر على القيام بعملية معقدة من هذا النوع وعلى بعد 2000 كم ايضا، وهنا لا بد من التذكير بان عمليات من هذا النوع تتطلب عملية تنويم لشبكات المواقبة الالكترونية، او ما يسمى في اسرائيل طبالحرب الالكترونية" وهذا ما حدث بالأمس ايضا.

هكذا يفعل بيبي نتانياهو  هذه الايام ، كما فعل في الماضي اسلافه في اليمين عشية كل انتخابات، وهو يختار التصعيد ضد قطاع غزة والسودان لتحقيق نجاحات يعصب تحقيقها في ساحات اخرى.  ومن هنا، يخطئ من يتوقع ان اسرائيل ستلتزم بالتهدئة حتى لو التزمت بها حماس ، ويخطئ من يعتقد ان مصر الاخوانية ستكون مختلفة عن مصر مبارك في الدور الذي تلعبه في العلاقة بين اسرائيل وحماس، ويخطئ من يعتقد ان المشاريع القطرية سيتم تحقيقها على الارض بالفعل وبالسهولة المرغوبة. إذن لن  نتفاجأ اذا ما علمنا ان تحقيق مشاريع الاعمار تتطلب تنسيقا مصريا اسرائيليا وخاصة ادخال معدات ثقيلة الى القطاع.


اليف صباغ
25 اكتوبر 2012
مدونة حيفا برس

حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

لا تلوموا الضحية! بل انظروا الى ما بعد بعد غزة!



 

               لا تلوموا الضحية واٌنظروا إلى ما بعدَ... بعدَ غزة!

حضر أمير قطر، حمد بن جاسم آل خليفة، وزوجته الشيخة موزة، بالأمس الى قطاع غزة في زيارة استمرت ست ساعات، فاستُقبل هناك، من قبل حركة حماس، استقبال "الفاتحين"، وأعلن رئيس الحكومة المقالة اسماعيل هنية باسم الضيف ان الزيارة تشكل كسرا نهائيا للحصار الاسرائيلي على القطاع، هل حقا؟ وبدوره، أشاد الضيف بصمود أهل غزة الذين واجهوا العدوان الاسرائيلي بطائراته المحملة بالفوسفور الابيض والمصبوب فوق أهل القطاع، "بصدورهم العارية وجباههم العالية"..... "فكانوا مفخرة للعرب أجمعين". يبدو هذا المشهد مربكا ومعقدا حين نتذكر، ويتذكر أهالي غزة بالذات، ان الفوسفور الابيض نقل الى اسرائيل من قاعدة السيلية في قطر على طائرات أمريكية، ليُصبّ نارا حارقة وقاتلة فوق رؤوس الاطفال والنساء والرجال ذوي "الصدور العارية" في قطاع غزة، ومن منا لا يتذكر تلك الصورة التي التقطت لامير قطر هذا وهو يلتقط صور الطائرات الامريكية المقلعة من السيلية محملة بالفوسفور الابيض من هناك الى سماء القطاع؟ وهل من فارق بين الطائرات الامريكية والاسرائيلية؟ ويبدو الأمر اكثر تعقيدا حين يُستقبَل هذا الأمير بالذات استقبال "الفاتحين" مقابل دعم مالي يبدو كبيرا، ويحق لكل منا ان يتساءل: هل هذا المال هو تعويض لذوي الضحايا او للضحايا الذين ما زالوا يعانون ويلات تلك الحرب؟ ام انه تبرئة للذمة يقدمها امير قطر تعويضا عن خطاياه الكثيرة تجاه شعب فلسطين؟ ام محاولة لشراء الذمم وتحويل المسارات السياسية بما يخدم مخططات قطر ومن يسيّرُها؟ ام عقابا للسلطة الفلسطينية التي لم تستطع التجاوب مع المطلب القطري الامريكي الاسرائيلي بالتراجع عن مطلب الاعتراف بحدود الدولة الفلسطينية في الامم المتحدة؟ أم ان الخطوة تأتي ضمن استراتجية اقليمية بعيدة المدى آخذة بعين الاعتبار الاحداث الجارية على المستوى الاقليمي من تونس وحتى سوريا مرورا بليبيا مصر والسودون، والمتغيرات الحاصلة او المرغوبة؟ وكل ذلك بالتنسيق الكامل مع اطراف اقليمية ودولية. أم ان كل هذا الامور مجتمعة وغيرها هي التي دفعت بأمير قطر ان يخطو هذه الخطوة، وهي بدون شك مثيرة للبعض ومربكة للبعض الآخر، وتستأهل ان نقف عندها بتمعن وموضوعية. وخوفا من تفسير الزيارة والدعم المادي على انها شراء للموقف الوطني الحمساوي اعلن اسماعيل هنية خلال استقباله للامير ان "حماس لن تتنازل عن ذرة واحدة من تراب فلسطين" ومن يدري؟ ان غدا لناظره قريب...

قد يتساءل بعضنا، بحميّة وغضب صادقين، وعلى خلفية احتضان قطر للقواعد الامريكية وعلاقاتها المفضوحة مع اسرائيل، كيف يمكن ان يستقبله أهالي غزة الجريحة دون علاج او دواء، الجائعة دون غذاء او ماء كافيين، المظلمة الا من "أضواء" النيران المعادية، والمحاصرة من الصديق والعدو على حد سواء؟ كيف يمكن ان يستقبله اصحاب "الصدور العارية" وهم يعيشون مع اطفالهم في العراء منذ اربع سنوات، بغير "الأحذية المهترئة" ؟ كيف لا يقابَل بشعار "لا اهلا ولا سهلا" على الاقل؟ وهو الحليف لاعداء الشعب الفلسطيني، امريكا واسرائيل؟ وهو الراعي  لضرب روح المقاومة وظهرها السوري حين غابت ظهور العرب الاخرى؟ اسئلة محقة، ولكني مع كل ذلك ورغم الجراح والآلام، لا ألوم أهالي غزة، لانني لا الوم الضحية، ولأنني لا أشكك في وعي أهلنا هناك وقدرتهم على التفريق بين العدو والصديق، وما الخطابات السياسية لمن يرون بانفسهم ممثلين للشعب الا نفاقا يحضر مع الربح ويذهب مع الريح. والفارق دائما نقطة.

قد يتساءل آخرون كيف يمكن ان تعلن وزارة الخارجية الاسرائيلية، معارضتها للزيارة مع ان مندوب قطر في غزة اعلن مسبقا ان الزيارة تتم بعد التنسيق الكامل مع اسرائيل ومصر؟ هل هي محاولة اسرائيلية لاظهار امير قطر بالوجه الذي يرغب به الفلسطينيون، أي عدوا او خصما للمحتل الاسرائيلي؟ ام ان ذلك هو الخطاب المعهود لوزارة الخارجية بوجهها المعروف افيغدور ليبرمان وبمواقفه المتحدية والمنافسة في التطرف لرئيس الحكومة نتانياهو؟ خاصة عشية الانتخابات البرلمانية. فلا غرابة في مثل هذه المنافسة اليمينية عشية الانتخابات البرلمانية في اسرائيل، ولا غرابة ايضا في تصعيد عسكري دموي ضد اهالي قطاع غزة بالذات.

محللون سياسيون وعسكريون ورجال مخابرات في اسرائيل يرون الزيارة القطرية بعيون مختلفة وتبدو اكثر بعدا مما يراه القادة السياسيون في اسرائيل. فعلى موقع "هآرتس" كتب المراسل السياسي آفي سخاروف مع زميله المراسل العسكري عاموس هرئيل، قبل يوم من زيارة الامير القطري انه تم "الاتفاق على ان تعلن حماس بهذه المناسبة عن كسر الحصار الاسرائيلي على القطاع"، وهذا ما تم في اليوم التالي فعلا، وان الزيارة ستتم "بالتنسيق الكامل مع اسرائيل ومصر"، عكس ما صرحت به وزارة ليبرمان في اليوم التالي.

الملفت للانتباه هو ما قام به محللون عسكريون ومخابراتيون من خلال موقع "ديبكا" وتسليط الاضواء على البعد الاقليمي لهذه الزيارة ضمن متغيرات القوى الحاكمة اقليميا والتحديات التي تواجهها قطر ومن يوجه سياستها في المنطقة. ويرى هؤلاء ان امير قطر لم يزر غزة بصفته متبرعا كبيرا وكريما، حتى وان كانت المشاريع المدشنة تحمل اسمه، الا انه جاء "كحاكم دولة، وان كانت صغيرة الحجم، الا انها تلعب في الآونة الاخيرة دور دولة اقليمية كبرى تؤثر في الاحداث وتقودها الى واقع شرق اوسطي جديد، تتبدل فيه القوى الحاكمة"، مع نظرة مشابهة الى الحالة الفلسطينية اذ اشار امير قطر الى ذلك في خطابه وفي زيارته من خلال التعامل مع كيانين فلسطينيين وليس كيانا واحدا. واهم ما اشار اليه المحللون انه ستكون لهذه الزيارة "ابعادا سياسية واستراتيجية وعسكرية على المدى البعيد، على اسرائيل والاردن ومصر والسلطة الفلسطينية برئاسة ابو مازن"، ففي بعض البلدان حيث دعمت قطر عملية التغيير فيها مثل ليبيا وتونس ومصر ترتد بعض القوى على خالقها، ويحتد الصراع بين الحركات الاسلاموية من القاعدة والسلفيين والاخوان المسلمين، وهذا ينعكس على الحالة الفلسطينية في قطاع غزة، ومن هنا، يقول المحللون، جاءت ضرورة التدخل القطري لحسم هذا الصراع لصالح حماس من خلال هذه الزيارة والدعم المادي الكبير لترميم ما زرعته الحرب من دمار. ويضيف الكاتب، ان "آل ثاني، الذي يئس من قدرة مصر، المفلسة ماديا، في السيطرة على ما يجري في سيناء وقطاع غزة، يعلم جيدا انه بدون تثبيت سلطة حمساوية قوية في غزة تفرض هيبتها على بدو سيناء وعلى الجماعات السلفية وعلى تجارة وتهريب الاسلحة الجاري بين ليبيا ومصر سيناء وقطاع غزة، ستفقد قطر تدريجيا سيطرتها وتأثيرها في ليبيا، ودورها الاقليمي، وهذا هو السبب الرئيس لحضور آل ثاني الى غزة وتقديم الدعم بما يقارب ربع مليارد دولار لاعادة الاعمار". وهذا سبب كاف في رأي المحللين الاسرائيليين، لمزيد من التصعيد العسكري على الحدود مع قطاع غزة في المستقبل القريب.

لا يفوتنا ان نذكر ايضا ان الزيارة القطرية جاءت استكمالا للتعهدات التي قطعتها قطر على نفسها ضمن صفقة شاليط، وقد اشار اليها هنية في خطابه المذكور، كما لا يفوتنا ان نرى ما تعد له اسرائيل وامريكا من عدوان مرتقب على لبنان او سوريا او ايران وضرورة ان يكون قطاع غزة هادئا تحت النفوذ القطري الحليف لامريكا واسرائيل في هذا الصراع.

 

اليف صباغ

مدونة حيفا برس

24 اكتوبر 2012


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الأحد، 21 أكتوبر 2012

                          بين نظرية المؤامرة والتحليل السياسي

 
قد يصعب التحليل السياسي العلمي لحدث معين احيانا وتلتبس الامور على المهتم فيذهب الى السؤال، من المستفيد؟ فيبني عليه جوابا واحدا وليصل سريعا الى الاستنتاج الاوتوماتيكي ان المستفيد هو الفاعل وان الاستفادة هي الدافع للقيام بالفعل. قد يكون هذا المنهج صحيحا احيانا قليلة فقط، وليس دائما، وقد يوصل الى الجواب الصحيح، لان للاعمال اهداف وفوائد مرجوة، لكن الاستكانة في البحث  عن جهات اخرى مستفيدة ايضا واستسهال المنهج هو كسل مقيت قد يوصل الى الخطأ ، وحتى الى التورط في "نظرية المؤامرة" وفق مفهومها الحقيقي وليس المتداول.
وللتوضيح، يكمن جوهر "نظرية المؤامرة" في القاء المسؤولية والتهمة على طرف معين دون دليل حسي، بحجة انه الطرف المستفيد، وفق وجهة نظر ما، مع تعظيم غير واقعي لقوة ذلك الطرف وقدرته على التخطيط والتنفيذ واخفاء الدليل وما الى ذلك. ومن هنا فان التحليل الموضوعي لحدث ما لا يحصل الا بالاطلاع على الحقائق الموضوعية المرتبطة بالحدث  والدليل الحسي وربطها بشكل منطقي يقبله العقل مع الاخذ بعين الاعتبار التجربة التاريخية  ومصالح الاطراف المعنية دون اتهام مسبق او استثناء لطرف مستفيد من الصورة المتكاملة. وفي كل الحالات يبقى الدلبل الحسي هو العامل الحاسم في تحليل المشهد، اما المستفيد او المنطق فهي ادوات التحليل التي لا ترقى الى مستوى الدليل بأي شكل.
اسوق هذه المقدمة العامة قبل الدخول في تحليل القضية العينية وهي حادث اغتيال العميد وسام الحسن رئيس فرع المعلومات في قوى الامن اللبناني لكثرة ما تقوم جهات اعلامية وسياسية باستغباء الناس وتسخيف وعبهم.  وبما ان الدلائل التي يمكن ان تشير باصبع الاتهام الى الفاعل غائبة في الوقت الحاضر فانني اتفهم استخدام المنهج المعتمد على السؤال، من هو المستفيد؟ وكيف؟ وهل توجد لدى المستفيد الدوافع الكافية للقيام بهذا العمل؟ وهل يمكن للتجربة السابقة ان تعزز الاستنتاج بان المستفيد هو الفاعل؟ ولكن كل ذلك لا يكفي للوصول الى الحقيقة.
  • للوصول الى الحقيقة الموضوعية لا بد من استخدام العقل وادوات التحليل، ولا بد من معرفة الجهة المتهمة على اعتبار انها المستفيدة ايضا، ومنهجية وادوات عملها وقدراتها وسلوكياتها السابقة ومصالحها، ولا بد من اخذ كل الحقائق او المعطيات المعروفة بعين الاعتبار، وهي تساعدنا في تكوين صورة متعددة الابعاد، ولا بد من استيضاح كل وجه من هذه الوجوه بما يتضمن من تفاصيل ومعطيات، ومن هذه المعلومات: اولا، ان وسام الحسن كان في زيارة رسمية او عائلية الى فرنسا سويا مع العميد اشرف ريفي مدير الامن الداخلي، وانهما اتفقا ان يعودا الى لبنان كل على حدا، لاسباب امنية دون تحديد زمان وطريق العودة، وان الريفي، كما صرح هو، لم يعرف ان الحسن قد عاد الى لبنان  قبل يوم واحد فقط من اغتياله ، الا بعد الاعلان عن اغتياله  في حادث التفجير المذكور. ثانيا، ان التفجير حدث في حي الاشرفية وهو حي مسيحي وليس سني، وبالقرب من مكاتب حزب الكتائب وليس حزب الحريري، وان العميد الحسن كان ينام في ذلك الحي، وتحديدا في احد البيوت الاربعة التي يتنقل بينها ، ومن يعرف عن وجود هذا البيت في تنقلاته هم قلائل جدا، حتى ان الريفي ليس منهم، وان احدا لا يعرف ما هي السيارة التي يتحرك بها العميد الحسن. ثالثا، كان يفترض ان يشارك وسام الحسن ، وفق مسؤول مصري صرح لوسائل اعلام لبنانية، في دورة لضباط امنيين من عدة دول عربية، في القاهرة، الاسبوع القادم، للتباحث في كيفية التصدي لللنشاط المتزايد للحركات السلفية والقاعدية في الشرق الاوسط. رابعا، يعتبر فريق الرابع عشر من آذار ان الحسن هو رأس الحربة في مقاومة اي نشاط سوري في لبنان وهو المسؤول عن "احباط مخطط سوري للقيام بسلسلة تفجيرات في لبنان بواسطة الوزير السابق ميشيل سماحة"، المعتقل حاليا بهذه التهمة. خامسا، يعتبر فريق الثامن آذار ان وسام الحسن هو احد المسؤولين عن اتهام سوريا  اولا في مقتل الحريري ومن ثم اتهام عناصر من حزب الله في ذلك، ولكن حزب الله يرى به "صندوقا اسود" لعملية اغتيال الحرير وعمليات اغتيال أخرى في لبنان بسبب تغيبه بشكل غير مبرر مقنع عن  رئاسة فريق الحراسة للحريري يوم اغتياله، وانه، وهو يشغل منصب رئيس فرع المعلومات حدثت عمليات اغتيال عديدة لشخصيات سياسية دون ان يستطيع الامن الوصول الى القتلة وانما اكتفى من له مصلحة في ذلك باتهام سوريا بالمسؤولية عن عمليات الاغتيال دون دلائل. سادسا، وسام الحسن، بصفته رئسا لفرع المعلومات قام بالقبض على عدد من شبكات التجسس الاسرائيلية في لبنان، بالتعاون مع قوى سياسية اخرى في لبنان ومنها حزب الله، الامر الذي اثار غضب اسرائيل اكثر من مرة مطالبة الفرنسيين والامريكان بعدم تقديم المعدات التكنولوجية لفرع المعلومات، والتي من شانها ان تساعد على اكتشاف شبكات التجسس الاسرائيلية. سابعا، شهدت الساحة اللبنانية خلال الاسبوعين الاخيرين تحريضا غير مسبوق على حزب الله من قبل قوى 14 آذار بسبب طائرة "ايوب" التي ارسلها  الحزب فوق الاراضي الاسرائيلية، وكأن الطائرة قامت بالتجسس عليهم وليس على العدو الاسرائيلي، متناسين ان اسرائيل خرقت الاجواء اللبنانية منذ عام 2006 وحتى ذلك التاريخ اكثر من 20 الف مرة بطائرات تجسس مزودة بالكاميرات والذخيرة وبطائرات مقاتلة محملة بالاسلحة وغيرها وغيرها، ولم نر منهم حملة ضد العدو الاسرائيلي!!! ثامنا، في الآونة الاخيرة، نشطت الشركات الاسرائيلية التي تنقب عن النفط والغاز في المياده الدولية اللبنانية  بالذات لتقريب  ساعة بدء الانتاج بالرغم من الجهود اللبنانية للتصدي للاعتداء الاسرائيلي على الحقوق اللبنانية، وقد جاءت طائرة ايوب لتجبر اسرائيل على اتخاذ اجراءات امنية متزايدة لحماية الشركات التي تعمل في البحر المتوسط. من هنا ان نتحقق من ان الجهات المستفيدة من اغتيال الحسن متعددة بل متناقضة الااستفادة والدوافع.
على صعيد آخر، وبعد مراقبة ومراجعة لما تضمنته وسائل الاعلام اللبنانية والاسرائيلية من اخبار خلال الساعة الاولى من الانفجار، يتبين ان موقع rotter.net هواول من تحدث عند الساعة 14:21عن اغتيال شخصية "ثقيلة" مقربة من الحريري، اي بعد اكثر من عشرين دقيقة بقليل من الحادث في حين صرح مصدر لبناني، وفق الموقع نفسه الساعة 14:29 ان "الحادث ليس اغتيالا وانما قد يكون رسالة الى الحريري وفريق 14 آذار". وكانت مجمل المواقع الاسرائيلية تنقل خلال الساعة الاولى خبر مقتل ثمانية اشخاص وعشرات الجرحى دون ذكر اسماء، ولكنها كانت تتهم حزب الله في النفجير مع التذكير ان الحسن يشكل رأس الحربة ضد سوريا وحزب الله، حتى جاءنا الخبر عن مقتل وسام الحسن في هذا ىلتفجير على موقع هآرتس الساعة  15:18  وذلك بناء على  معلومات ادلى بها  "مسؤول كبير في وزارة الداخلية " ولم يذكر مراسل هأرتس آفي سخاروف، من هو الموظف؟ ولمَن ادلى بالمعلومات؟  وتبين لاحقا ان المعلومات صحيحة، يعني ان صحيفة هأرتس عرفت بهوية المقتول قبل ان تعلن عن ذلك الجهات اللبنانية المعنية وهذا يثير الاستغراب ويتطلب التمعن.
اما ردود الفعل، فقد كانت عنيفة الى حدود سفك الدماء وهائجة الى حدود الفوضى، فقد وجهت قوى الرابع عشر من آذار خلال اجتماع طارئ لقياداتها  اصبع الاتهام الى سوريا والى الرئيس بشار الاسد شخصيا، كما حملت الرئيس ميقاتي دون غيره المسؤولية الشخصية عن الاغتيال وطالبته  بالاستقالة فورا، ولاحقا ، عندما وضعوا امام اتهامهم بالسعي الى الفوضى واللاحكومة، طالبوا بنقل السلطة الى حكومة انقاذ وطني يشكلونها هم ، مع التذكير بان كل محاولاتهم لاسقاط الحكومة على مدى السنوات السابقة لم تنجح . لقد وصل مستوى التحريض على سوريا وفريق الثامن من آذار وخاصة حزب الله، خلال تشييع جنازة الحسن ورفيقه الصهيوني ، على لسان السنيورة واحد مشايخ السنة واحد الشباب، الى حد التحريض على القتل والتخريب  وبالفعل تحول التحريض الى فعل حقيقي ضد قوى الامن اللبنانية بالهجوم العنيف على السرايا الحكومة وبمظاهر التسلح الثقيل في شمال لبنان على مرآى ومسمع من الجيش اللبناني.
لا شك ان ردود الفعل هذه والاتهامات التي اطلقتها قوى الربع عشر من أذار ضد سوريا وحزب الله ورئيس الحكومة اللبنالنية بشكل خاص، لا تستند الى دليل حسي، بل هي ممهورة بدوافع سياسية بحتة، فترقص على الدم المسفوك لتحقيق اهدافها، او ان  نظرية "المؤامرة السورية"  قد سيطرت على ذهنية السنيورة والحريري ومن لفهما، فمن يعلم؟ اما نتائج هذا التحريض  فهي تتساوق وتتناغم مع النتائج  المتوقعة من عملية الاغتيال نفسها. فهل يشك احد ان اغتيال شخصية مثل وسام الحسن ستؤدي الى ما ادت اليه حتى الآن وربما كثر؟ لايشك في ذلك احد بغض النظر من اي فريق يكون، ومن الطبيعي في هذه الحال ان تكون النتائج هي نفسها الاهداف المرجوة من عملية الاغتيال، وهي معلومة للفاعل مسبقا.
اذا اتفقنا ان النتائج  المتوقعة من هكذا اغتيال تتطابق مع النتائج المرئية حاليا والمنظورة قريبا ومع المطالب المعبَّر عنها صراحة، دعونا نحاول التعرف على صاحب المصلحة او المستفيد من حل الحكومة اللبنانية ومن سايدة الفوضى في لبنان ومن اشعال الفتنة المذهبية في لبنان؟  هل تستفيد سوريا من كل هذا؟ وهل لها مصلحة في حل حكومة ميقاتي بالرغم مما لها من عتب على هذه الحكومة؟ اليست هي حكومة اصدقائها في لبنان؟ اوليس حلها يعني سيطرة الطرف المعادي لسوريا على الحكم في لبنان؟ وهل فعلا يشكل وسام الحسن حجرا كبيرا في لعبة الشطرنج الدولية ضد سوريا؟ وهل تترك سوريا كل اعدائها الكبار في قطر والسعودية وتركيا وفي الداخل السوري  لتتفرغ لوسام الحسن بالذات؟ وهل لديها اي مصلحة لاغتياله في الحي المسيحي بالذات في بيروت ؟ وهل لدى المخابرات السورية المنهمكة بالف قضية وقضية في الداخل السوري القدرة على معرفة تحركات الحسن في حين ان اقرب رفاقه لا يعرفون ذلك؟ الم تثبت الاحداث ان غول المخابرات السورية ليس اكثر من وهم في اذهان الناس وليس في الميدان؟ الم تعلمنا السنتين الاخيرتين على الاقل ان القيادة السورية لا تعمل بروح ودافع الانتقام وانما بعقل هادئ يحسب لكل خطوة حسابها القريب والبعيد، وهي تحجم عن افعال كثيرة يرغب مؤيدوها ان تفعلها انتقاما لشهداء سوريا وكرامة شعبها؟
واذا كان حزب الله هو المستفيد، فماهي الاستفادة من فقدان الحكم او المشاركة فيه لصالح الخصوم والمحرضين صباح مساء؟ وما هي الاستفادة من الفوضى الامنية والفتنة المذهبية؟ اليس حزب الله هو من يعض على الجرح ويحتمل كل التهديدات والتحريض والطعن في الظهر حتى من رئيس الحكومة وليس فقط من خصومه ، منعا لاندلاع الفتنة التي يخطط لها اعداء لبنان واعداء حزب الله؟  وهل حزب الله من الغباء ليقوم بعمل من هذا النوع وهو يعلم  ان خصمه والاعداء هم المستفيدون؟
الفرضية الثالثة تقول ان التنظيمات السلفية هي المستفيدة من اغتيال العميد الحسن على اعتبار انه مسؤول الى حد كبير في تحديد نشاطها في لبنان، وانه ملتزم  ببرامج مستقبلية لمحاربة نشاطاتها سويا مع قوى امنية عربية أخرى وفق ما جاء على لسان المسؤول المصري، كما ذكر آنفا. فهل تستفيد الجهات السلفية من حالة الفوضى الامنية في لبنان؟ وهل تستفيد من تغيير الحكم في لبنان لصالح قوى 14 آذار؟ وهل تصفية وسام الحسن يمكن ان تشكل رسالة الى باقي رؤساء الاجهزة الامنية بالابتعاد عن نشاطات السلفيين والقاعدة في لبنان؟
اما الفرضية الرابعة فهي ما حاول سمير جعجع ان ينفيها قبل ان يتحدث عنها احد وهي فرضية ان تكون اسرائيل هي الجهة الفاعلة وهي الجهة المستفيدة من هذا الاغتيال. أليس لوسام الحسن دور كبير في كشف شبكات ىالتجسس الاسرائيلية في لبنان، والقبض على ومحاكمة العشرات من اعضاء هذه الشبكات؟ اليست الفتنة المذهبية والفوضى السياسية حالة تسمح لاسرائيل بالعودة الى لبنان لتجنيد المزيد من العملاء ضد حزب الله ؟ وهل من الصدفة ان الاعلام الاسرائيلي ركز اتهامه ضد حزب الله وليس ضد سوريا كما فعل فريق 14 آذار؟ اليست اسرائيل هي المستفيد من غياب حكومة لبنانية تزعج عمليات التنقيب وسرقة الغاز اللبناني من البحر المتوسط؟ فوق هذا وذاك، لماذا ننسى ان عملية التفجير حدث في اوج عملية مناورات وتدريبات اسرائيلية امريكية على الحدود اللبنانية بالذات، وهي ترسم سيناريو الحرب ضد لبنان وسوريا، وفي حين ان كل اجهزة المراقبة والمعلومات عالية التطور مشغلة بشكل مشترك ضد لبنان وسوريا وان مكان التفجير لا يبعد عشرات الكيلومترات من مكان تواجد وتدرب الجنود الامريكان والاسرائيليين في اضخم تدريبات شهدتها الحدود اللبنانية بين هاتين القوتين؟
نعم، في غياب الدليل الحسي، لا بد من السؤال من المستفيد، ولكن الاجابة الكسولة على هذا السؤال قد توقعنا في مطب نظرية المؤامرة، او  التعصب السياسي الاعمى كما فعل فريق 14 آذار، ولذلك لا بد من  طرح المزيد من الاسئلة وترك الاجوبة مفتوحة لمزيد من الاجتهاد.


اليف صباغ
مدونة حيفا برس
22.10.2012







حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الاثنين، 8 أكتوبر 2012

الطائرة التي طيرت عقل الاسرائيليين.

                          حرب قائمة في الفضاء الالكتروني. من يكسب ساحات المعركة القادمة؟


يبدو ان الطائرة بدون طيار التي حلقت فوق ديمونة امس الاول ومن ثم اسقطتاها طائرتان حربيتان اسرائيليتان f16 ما تزال تقلق القيادة الاسرائيلية الى حد الجنون. اقول الجنون لان المعني يكتشف بين ليلة وضحاها  وبسبب فضيحة صغيرة انه ليس عظيما بل يعاني من جنون العظمة فقط، وهذا ما يقلق قادة اسرائيل، ويجعل المواطن الاسرائيلي اليهودي يستصغر نفسه في المرآة ، فتصوروا لو كانت هذه الطائرة مع طيار او محملة بالاسلحة.  ربما يكون هذه هي العبرة التي رددها العديد من قادة الحركة الصهيونية منذ حرب تشرين ولغاية اليوم مرورا بحرب تموز ومفادها ان انهيار القوة / الشعور بالعظمة الاسرائيلية في نظر الاسرائيليين اخطر على الوجود الاسرائيلي من اي شيء آخر.
ما يقلق الاسرائيليين بالتفاصيل، هو : اولا، كيف دخلت هذه الطائرة ؟ دون اكتشافها بواسطة  السايفر الالكتروني  (رادار يراقب الفضاء الالكتروني) الاسرائيلي في الجنوب وآخر الامريكي ومركزه في النقب. هل هي طائرة صديقة جاءت لتفحص مدى اليقظة الاسرائيلية كما يقول البعض؟  هنا تدخل الامور في نظرية المؤامرة فعلا. وثانيا، هل صورت الطائرة مواقع حساسة مثل مفاعل ديمونة  ومضادات الصواريخ الامريكية والاسرائيلية في الجنوب؟ وهل استطاعت ان ترسل الصور الى القاعدة على الارض؟ وهل أُرسِلت الصور مباشرة الى القاعدة؟ اوهذا يعني ان القاعدة على اتصال مباشر وقريب من العين الالكترونية في الطائرة، وهذا لا يمكن ان يتم الا من غزة. اذن هل تمتلك جهة ما في غزة هذه الطائرات وما يرافقها من تكنولوجيا وخبراء؟ أم انها ارسلت بواسطة قمر اصطناعي؟ وهذا يعني ان المرسل يستخدم تكنولوجيا متطورة تقلق اسرائيل اكثر مما يقلقها السلاح المتطور، وهنا لا بد ان تكون ايران هي المرسل او حزب الله. واذا كان الامر كذلك فهل مرت الطائرة كل هذه المسافة فوق دول عربية تراقبها الاجهزة الالكترونية الامريكية دون ان يكتشفها أحد؟ وهذه بحد ذاتها مصيبة من وجهة النظر الاسرائيلية. اما اذا كان حزب الله هو المرسل للطائرة عن طريق البحر فهذا يعني ان حزب الله يحدد اهدافا كبرى وبوسائل تكنولوجية متطورة تعجز عنها دول صناعية كبرى وهذه ايضا مصيبة.  يكبر القلق طالما ان مصدر ارسال الطائرة غير معروف، لانه يصعب على الخبراء الاسرائيليين، وقد تحطمت الطائرة بالكامل، تقدير ما قامت به هذه الطائرة وقدرات الجهة التي ارسلتها وما يمكن ان يترتب على ذلك من مفاجئات في حالة حرب قادمة. ومن يشعر بالعظمة لا يحب المفاجئات ابدا.

ما زالت اسرائيل تتكتم على الكثير من المعلومات فيما يخص الطائرة المذكورة، وتجاريها في ذلك وسائل الاعلام الكبرى مثل موقع هارتس، اكثرهم مجاراة، الذي نقل رواية الناطق باسم الجيش باختصار مشيرا ان الطائرة حلقت في سماء اسرائيل مدة ربع ساعة بينما قال موقع معاريف انها حلقت نصف ساعة قبل ان تسقطها الطائرات الحربية الاسرائيلية، وهذه فترة طويلة جدا بالمفهوم العسكري. بينما اضاف موقع ديبكا امقرب من مصادر مخابراتية معلومات اضافية منتقدا اداء سلاح الطيران والمراقبة بحدة، واعتبر الكاتب ان حقيقة دخول الطائرة في الاجواء الاسرائيلية وتحليقها لمدة نصف ساعة دون ان يستطيع خبراء السايفر الالكتروني الاسرائيلي والامريكي من اكتشافها  وفشل الخبراء في التحكم بها  وقدرة مرسليها على الهروب والمناورة، او الطائرات الحربية من اسقاطها ، يعني ان اسرائيل فشلت فشلا ذريعا في  عملية الدفاع  عن الفضاء الالكتروني، وهذا يعني انها غير مستعدة بعد لحرب اسرائيلية ومفاجئات محتملة من الطرف الآخر، بالرغم من صرف 10 مليارات شاقل في السنة الاخيرة على التدريبات والتزود بكل الوسائل اللازمة لخوض الحرب القادمة، تلك الحرب التي سيشكل فيها الفضاء الالكتروني ملعبا اساسيا اكثر من كل الحروب السابقة التي عرفها العالم حتى اليوم.
يبدو ان الفضاء الالكتروني تحول الى الشغل الشاغل لمن يبحث عن التفوق العسكري. لم تعد قوة الجيوش والعتاد العسكري المتطور واللوجستيكا  العسكرية تكفي لتدخل الدول الى نادي الدول العظمى اقيليميا او عالميا. بل تحتاج في الاساس الى علوم وتكنولوجيا متطورة جدا وخبراء على افضل مستوى لانهم هم الذين يصنعون العظمة الحقيقية.  اليس هذا ما يجعل اسرائيل تطمح لضرب مسيرة التطور التطنولوجي لايران؟

اليف صباغ
8 اكتوبر 2012







حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .