الخميس، 9 يوليو 2015

في ذكرى اخي الاكبر الشاعر سميح صباغ

في ذكرى أخي الأكبر، الشاعر الراحل سميح صباغ


في مثل هذا اليوم قبل ثلاث وعشرين سنة، اي في التاسع من تموز 1992 كنت اقضي معه تلك الساعات الاخيرة من حياته في مستشفى "رمبام" في حيفا ، او مستشفى الدكتور حمزة كما دأب ان يذكرني.  انه اخي الاكبر وصديقي الافضل ،ومعلمي الاول دروس المواجهات الصعبة على طريق الحرية وحب الوطن. رحلتْ روحه عنا الى مكان آخر، ودفن جسده في اليوم التالي، ليرقد في قريته البقيعة حيثما تمنى واوصى، ولكن ذكراه باقية تحوم حولنا ما بقيت فلسطين تنبض بالحياة. وسيرته النيرة، النظيفة من كل شائبة وإن كثرت الانهر الملوثة في تلك الفترة وازدادت اكثر واكثر في ايامنا، ما تزال زيتا سوريا ينير الطريق .....رفض التزعم في الحزب واطلق على الظاهرة تسميه "البوسيزم" وهو يعلم ان الوقت مبكر لهذه المواجهة، وأن ذلك سيكلفه ثمنا، ومع ذلك لم يتراجع لانه كان على قناعة بصدق موقفه.
مذّاك، لا اصادف شخصا من معارفه واصدقائه ومحبيه الا وامتدح اخلاقه ومبدئيته وتضحياته ونظافة فلبه ويديه وحبه للناس عامة ولشعبه خاصة.. وكم من "زعيم" لا يذكره الناس الا ببطشه او دناءته او طول لسانه او جشعه للمال او الجاه المبتذل!!! أما نحن، فنكتفي بالسيرة الحسنة اجيالا واجيال..

سميح صباغ، الاخ الذي رعى اخوته واخواته صغارا، الشاعر الذي احب فاخلص، وكتب فأوجز وابدع، ورفع راية الوطن فطُرد من العمل وتشرد وتعذب. واجه المرض كما واجه السلطات، بعناد وأمل والتزام، لم ينحنِ يوما ولم يساوم ولم يقل آه الا للوطن.

حين ودعناه صلينا وقلنا: "ليكن ذكره مؤبدا".. وان مر على ذلك الموعد ثلاث وعشرون سنة. فكأننا ودعناه بالأمس القريب ....

ليكن ذكره مؤبدا..مع كل الشرفاء في هذا العالم.


من قصائده التي احب:

                                      أنت حبي وأنت عذابي
يا بلادَ اللظى والحِرابِ
يا بلادَ اللصوصِ،
ويا أرضَ شعبي، ويا زرع كفِّي
ووجهَ جدودي، أنتِ
ويا شيطناتِ الطفولةِ
ويا مهدَ حبي وبؤسَ شبابي
إن كرهتك حينًا فمعذرةً،
لستُ خائنْ
إنما قد كرهت ديارًا تقامُ
على أرض شعبي وتُبنى مدائنْ
إنني قد كرهت عبوديتي في مصانعهم
وانسحاقي وكبتي وقهري وموتي
وسُكناي قلبَ المغائر، حرمانيَ النورَ
نافذة العصر، مستقبلي
إنني أكرهُ الموتَ أعزلَ، في الصمتِ،
فلينتصبْ وجعي
ولتكنْ رايتي جسدي
ولتقاتل - إذا قتلوني -
قداسةُ حبِّي وطيفي وذكرى دمي، بَدَلي

يا بلادَ الشقا والضّياعْ
وأمانيَّ عمري الـمُضاعْ
أنت حبي وأنت عذابي
لِهواك مذاقُ التشرُّدِ والبعد، والجوعِ
شكلُ الرحيل ورائحةُ الأرض والدّمِ
طعمُ الطفولهْ

يا بلادي الجميلهْ.
                         ________________________________________



حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .