الأربعاء، 30 سبتمبر 2015

المناضل سعيد نفاع، النموذج القيادي


مساء امس لبى المئات من شرفاء شعبنا ، من النقب مرورا برامالله والمثلث والجليل، حتى الجولان السوري المحتل،نداء اللجنة الشعبية لتضامن مع المناضل سعيد نفاع، الذي ابى ان يعتذر للسلطات الاسرائيلية عن عمل انساني ووطني وقومي قام به في ظل "حصانته" البرلمانية التي لم تحمِه أمام المحاكم الصهيونية. ما قام به المناضل سعيد نفاع يتلخص في مساعدة ابناء شعبه "من جميع الطوائف" للتواصل الانساني مع اقربائهم، اخوتهم واخواتهم وامهاتهم وابنائهم في سوريا الام والحاضنة الوطنية الكبرى، كما ساعد رجال الدين الدروز للقيام بواجباتهم الدينية  وزيارة مقامات دينية لهم في سوريا، وهو حق لا يُنكر على المسلمين او المسيحيين كما لا ينكره أحد في الدنيا على اليهود، فلماذا اذن ينكر على الدروز هنا ويحاكم عليه نفاع ؟
لماذا نقول انه حوكم على جنحة التواصل وليس على جنحة أمنية، كما يدعي المروجون في الاعلام العبري وحتى العربي احيانا؟ و للاجابة على هذا السؤال، لا بد هنا من التذكير ان قرار المحكمة الاسرائيلية يتضمن تعليلا للخطر الامني من لقاء نفاع مع المناضل الفلسطيني طلال ناجي في وسريا، فيشير القاضي في قراره انه "ليس لديه دليل على خطر امني عيني" حصل خلال اللقاء بين المناضلين، ولكنه، يضيف، انه "كان من الممكن ان يحصل ذلك". وقد صدق نفاع حين شبه هذا التعليل بمشهد من مسرحية ضيعة تشرين، حين قال غوار الطوشة لرجل مر بجانبه: تعال وكل كف تعال!"، سأله الرجل المسكين، ولماذا؟  فماذا فعلت لك؟ رد غوار: "لانك دعست على خيالي". استغرب الرجل وقال له: ولكني كنت بعيدا عنك وخيالك في الجهة الاخرى"، فرد غوار قائلا: صحيح انت مريت بعيد بس لو كنت انا قاعد هناك، كنت راح تدعس على خيالي، اذن، تعال وكل كف". هكذا هي الحال في المحاكم الاسرائيلية وفي حالة نفاع بالذات. هذا يذكرني ايضا بالاعاءات الاسرائيلية بعد ان يقتل جنود الاحتلال شابا فلسطينيا بدم بارد يخرجون برواية تقول : لقد كان "ينوي"، "يخطط "او "يفكر" او "يقصد " ان يقوم بعملية  ضد جنودنا.  سبحان الله ، لقد اوحى لهم الله بما يخالج صدور الشباب الفلسطيني او يفترض انهم يفكرون به. هذا هو حالنا الذي لا بد من تذكره في المستقبل، بالضبط كما نذكر اليوم ما يسمى بقوانين "قراقوش" منذ أمد طويل.
نعم انه قرار سياسي مبني على افتراض وهمي في ذهن القاضي ومن يقف فوقه، لأن القاتل يتوهم دائما بان أحدا من دائرة الضحية لا بد ان يقوم عليه يوما فينتقم منه، وهي في الحقيقة ازمة القاتل وليست ازمة الضحية. انه قرار سياسي مناهض لكل حق او عرف انساني او طبيعي تحفظة القوانين والأعراف الدولية وحتى الاسرائيلية، ولكنها تحفظه لناس وناس وفق اعتبارات سياسية  فقط. وهو قرار خطير قد ينسحب على اي فلسطيني عند لقائه اقرباءه في اي مكان في العالم، فاذا كانت عضوية الكنيست لم تحم سعيد نفاع، فاي قوانين ستحمينا؟
لماذ سعيد نفاع، وليس غيره ممن دعموا او ساهموا في عملية التواصل؟ ولماذا التركيز على التواصل بين ابناء الطائفة المعروفية بالذات؟ وفي اعتقادي واعتقاد الكثيرين منا ان الجواب واضح وضوح الشمس في تموز. اليس التواصل هو ما يعزز الهوية المشتركة لابناء المذهب التوحيدي في سوريا ولبنان وفلسطين؟ اليس هذا التواصل هو ما يعزز الانتماء العربي المشترك لابناء الطائفة المعروفية، على حساب مشروع "القومية الدرزية" الذي عملت على انتاجه حكومات اسرائيل ورعته منذ ستين سنة ونيّف؟ الا يكفي هذا السبب لتتشابك ايدي السلطات القضائية والسياسية والأمنية للدفاع عن مشروعها الاصطناعي والفارط؟
في كل الاحوال، كان المهرجان سياسيا وحدويا، وطنيا وعروبيا، ولم يكن سعيد نفاع وحده كما كانوا يتمنون، ولم يكن سعيد نفاع هو المتهم والمُدان، بل كانت حكومة اسرائيل وسلطاتها الثلاث هي المتهمة والمدانة.
لم يكن سعيد نفاع خلال السنوات الاخيرة معزولا وخائفا من السجن، بل كان نموذجا للمناضل القائد، الذي يابى ان يتراجع عن عمل قام به بقناعة تامة، ابى ان يعتذر للحكام ولو كان الثمن هو السجن الفعلي، كان وما يزال نموذجا لكل من يرى نفسه قائدا في مجتمعه او قياديا بين ابناء شعبنا، فابن الجرمق، كما عرفته من ايام شبابنا الاولى، لم يترجل، ومن تخلى عنه فقد تخلى عن نفسه اولا.
اليف صباغ

البقيعة- 30/9/15


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .