الجمعة، 28 أكتوبر 2011

في ذكرى سقوط ترشيحا...ان الحياة لا تحب العاجزين!

بمناسبة ذكرى سقوط ترشيحا عام 48

إن الحياة لا تحب العاجزين!

ترشيحا ليست ككل قرية فلسطينية، كما أن فلسطين ليست ككل الأوطان....مقارنة أو تشبيه مبالغ فيه يقول بعضكم، خاصة وان ترشيحا ليست قريتي أما فلسطين فهي وطني. وطني الذي أحب وأهوى واعشق.
نعم ترشيحا ليست قريتي، واعترف انني احب قريتي ، البقيعة، واهوى ينابيعها العذبة وحواكيرها المروية وبساتينها، واشتاق الى العنب المتعربش فوق أشجار الميس الخضراء، وأتلذذ برمّانها خالي البذور ولا اتنازل عن الديوان تحت التوتة بجانب عين البلد، لكن ترشيحا هي فلسطين الصغيرة.
اليوم يحيي اهالي ترشيحا، ومعهم كل اللاجئين التراشحة في الشتات، وكل شعبهم، ذكرى سقوطها في أيدي المحتلين عام ثمانية وأربعين وتسعمائة وألف، عام "النكبة"، وان كنت لا أحب هذه التسمية، أقول: لا أحب التسمية لأن النكبات تحدث بفعل الطبيعة، أما احتلال فلسطين وتهجير أهلها لم يكن بفعل الطبيعة، بل بفعل الوحوش البشرية، الحكومات والاستعمار الاجنبي (العصابات القانونية) والتخاذل وحتى التآمر العربي والتناحر الفلسطيني الداخلي.
هي ترشيحا، بلد الآلاف الخمسة قبل عام 48، واكثر من خمسين الف في الشتات اليوم، غالبيتهم من المسلمين واقلهم من المسيحيين، بلد التعايش الحقيقي والاحترام المتبادل ولا فرق بين "اقلية" و"اكثرية"، كلهم ابناء ترشيحا. بلد الزراعة المتميزة قبل الاحتلال ، وبلد النواة الصناعية في الجليل وما تزال حارة الحدادين تشهد على ذلك. ترشيحا البلد التي احتضنت الثوار عام 36-39 وهي التي احتضنت جيش الانقاذ عام 48 ، وهي البلد التي قُصِفت بيوتها من الجو فوق ساكنيها وكان احد الطيارين الصهاينة هو داعية السلام لاحقا، ايبي ناتان، وما تزال السيدة فاطمة هواري، التي تجلس على كرسي العجلات من جراء ذلك القصف، وبطلة فيلم "عروس الجليل"، شاهدة حية على أدق التفاصيل. ترشيحا المدرسة التي تخرجت منها الأجيال تلو الأجيال منذ الإنتداب وحتى اليوم، وان تراجع مستواها في السنوات الأخيرة، "بفضل" البلدية المشتركة و"رعاية" رئيسها بعينه التي لا تنام ! نعم ،هي ترشيحا بلد الموسيقى والفنون الجميلة وابناؤها الموسيقار العالمي سيمون شاهين ونسيم دكور قائد فرقة ترشيحا للموشحات، والفنان ابراهيم عزام والراحل حكمت شاهين وغيرهم يشهدون على ذلك.
اليوم يحيي أهالي ترشيحا للمرة الثامنة ذكرى سقوطها، وهي آخر البلدات الفلسطينية التي سقطت في ايدي المحتلين. ويتساءل البعض، وماذا فعلوا منذ عام 1948 حتى 2004؟ السؤال وجيه والجواب صعب. كانت الغالبية منهم تخاف وتحسب ان للحيطان آذان صاغية وعيون تراقب الجميع. ليس هذا وحسب، بل كانوا يشاركون سكان معلوت التي أقيمت فوق أرضهم فرحة ذكرى إقامة المدينة. على اعتبار أنها مدينة مشتركة، أليس كذلك؟ ويا ويل ...من لا يرسل ابنه او ابنته ضمن وفد مدرسي شامل للتلويح بالعلم الاسرائيلي أمام بلدية معلوت احتفالا ب"عيد الاستقلال". تصوروا ان اليهود يسمونه بالعبرية "يوم" الاستقلال، وفي اللغة العربية يسمونه "عيد"، والمقصود هو ذكرى النكبة او الاحتلال، اليست هذه مهزلة؟ هل يوجد شعب في العالم يُلزم بالتلويح بعلم محتلي أرضه؟ وسارقي خيراته؟ ومصادري سيادته؟ كل هذه التناقضات وغيرها تراكمت وتحاشرت فتصارعت في وجدان وعقول الجيل الجديد من شباب وصبايا ترشيحا، وكان لا بد من اتخاذ القرار الصحيح، لن تستمر المهزلة! وهم اليوم من يقود هذه المسيرة الشاقة ولكنها الملهمة للأجيال القادمة وشعارهم ، "ترشيحا باقية بهويتها العربية للأبد"، وكلنا على ثقة ان يوم تحقيق الهدف ليس بعيدا.
ليس هذا فقط، بل ما يجعلني ارى ترشيحا نموذجا مصغرا لفلسطين، وخاصة لفلسطينيي ال 48، هو ان ترشيحا ملكت ما يزيد عن 64 الف دونم من الارض ووصلت املاكها من وسط الجليل الى شاطئ الزيب على البحر المتوسط، منهم 15 الف دونم مسجلة باسم اهالي ترشيحا، والمجلس المحلي، الذي اقيم عام 1922،مؤتمن عليها. على أراضها الواسعة اقيمت 14 مستوطنة يهودية لغاية الآن، ولا احد يعلم ماذا يخبئء لنا المستقبل، منهم مستوطنات "عين يعكوف" المجاورة حتى ان ارض السوق المشهور في ترشيحا يتبع تلك المستوطنة، "جعثون"، "الكابري"، "يفيه نوف" التي تزاحم اهالي ترشيحا على ما تبقى لهم من ملك خاص، "كفار فراديم" وهي مشروع مدينة كبيرة تبنى على مراحل وقد تم تغيير اسمها من مدينة الورود الى قرية الورود للتقليل من خوف واعتراض أهالي القرى المجاورة، وها هي تتسع لتقترب من مدينة، ومستوطنات اخرى، ولكن أهم المستوطنات واخطرها التي اقيمت على اراضي ترشيحا هي "معلوت". لأن سكان معلوت الاوائل استوطنوا قبل اقامتها في ترشيحا واحتلوا منازل اللاجئين الفارغة، منهم من هاجر من رومانيا وآخرون من هنغاريا ودول اخرى. في الستينات، مع اقامة معلوت، لحق بهم اليهود المغاربة، وهم من اصل بربري، وفي السنوات الأخيرة أصبح اليهود الروس مركبا أساسيا في المدينة.
يهود معلوت يحبون "التعايش" مع العرب، ولذلك اقامت لهم حكومة اسرائيل بلدية مشتركة مع ترشيحا. هل حبا في التعايش فعلا؟ هذه هي الكذبة الكبرى ومن هنا جاء العنصر الاساس في التشبية والمقارنة. تقول الوثيقة الاولى لتأسيس معلوت، ان اقامة معلوت ودمجها مع ترشيحا تهدف الى "الغاء الكيان المستقل للقرية العربية ترشيحا". وكيف لا؟ فلاجئوا ترشيحا تركوا عشرات الاف الدنمات من الاراضي الخصبة وراءهم، ومئات البيوت الفارغة التي يمكن ان تقدمها الحكومة الاسرائيلية الى من بقي من اهالي ترشيحا بدل اراضيهم الشاسعة التي تمت مصادرتها بقوة القانون، الم يقل الشاعر الفلسطيني نايف سليم: "قد يسحبون حديد السقف ذات ضحى باسم قانون هنا مرن" ؟. وكيف لا، وقد قدمت لهم هذه الشراكة سيطرة كاملة على 15 الف دونم أصبحت مسجلة باسم المجلس البلدي "المشترك"، والذي ورث مجلس محلي ترشيحا وفق القانون؟ أليست هذه الصورة الصغرى أشبه بالكبرى؟
تعايش، كلمة تبدو جميلة، ولكنها في المضمون وفي حالتنا العينية، هي سرقة قانونية في وضح النهار. قد يقول البعض: هرمنا وما استطعنا ان نفعل شيئا، وأقول لهم، بوركتم بأبناء أبوا أن يكونوا وارثين للعجز، لأن العجز هو المحطة الأخيرة قبل الموت، أبوا الا ان يكونوا أبناء الحياة، وأبناء المستقبل، فباركوا مسعاهم ولا تشككوا في النوايا. ان الحياة أمل وحلم وعطاء، إن الحياة لا تحب العاجزين!

اليف صباغ- مدونة حيفا برس
البقيعة- 28.10.2011



حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

من هو جلعاد شاليط؟ وما هو دوره العسكري؟

من هو جلعاد شليط؟ وهل خُطِفَ أم أُسِرَ؟

بالأمس عاد ابني من المدرسة، وهو طالب في الصف الثاني، يتحدث عن جلعاد شليط ، ويحضر إلي نصا كانت مربية الصف قد لقنتهم اياه تحت عنوان "الجندي المخطوف جلعاد شليط"، فيقول النص فيما يقول: ان الجندي "خُطِفَ وأسِرَ على أيدي حزب حماس" وان اسرائيل بادلته ب 1027 اسيرا فلسطينيا، ليعود الى أهله "المشتاقين اليه". فتساءلت، وهل أهل الأسرى الفلسطينيين غير مشتاقين لأبنائهم؟
ولكي لا يفهم كلامي هذا نقدا للمعلمة اقول: انني لا أمانع، بل أحبذ وأطالب أن يكون الأطفال شركاء في معرفة ما يحدث حولهم من أحداث سياسية وغير سياسية، ولا أعتقد ان ما قامت به المعلمة هو مبادرة شخصية منها بل بتوجيه رسمي من وزارة التربية والتعليم. وهنا لا بد ان نتساءل: هل تسمح الوزارة ان يتعلم أطفالنا أيضا أن هناك أكثر من 5000 أسير فلسطيني ما يزالون في السجون الاسرائيلية وأهلهم "مشتاقون" اليهم ايضا؟ وأن منهم من لم ير اطفاله او والديه منذ سنوات، ومنهم من لم يودع والده او والدته الوداع الأخير؟ وان هناك عشرات آلاف الأطفال الفلسطينيين الذي لم يتربوا في أحضان آبائهم او أمهاتهم لا لذنب الا لأنهم دافعوا عن حقهم وحق أبنائهم في العيش الحر الكريم كباقي أطفال العالم؟
واستكمالا للمعرفة المطلوبة، ليس فقط للاطفال بل للكبار ايضا، لا بد من التذكير بأمرين:
الاول، أن "الخطف" هو ان تقبض على شخص مدني من بيته او من الشارع وتقتاده الى مكان مجهول او معلوم وقد يسمى ذلك اعتقالا ايضا. اما ان تأخذ جنديا من ارض المعركة الساخنة بعد خروجه من دبابته المحترقة مستسلما، فهو أسر بكل المعايير القانونية الدولية، وليس خطفا. ومن المؤسف ان تسمع وسائل إعلام عربية فلسطينية، وحتى قيادات فلسطينية رسمية، تستخدم كلمة "خطف" او "مخطوف" بل "أسر" او "أسير" دون التمييز بين المصطلحين، وبذلك فهي تخدم الاعلام الاسرائيلي الهادف. وقد آثر الاعلام الاسرائيلي ان يقدم الضابط جلعاد شليط، وبالرغم من كل شيء، على انه "طفل" او "ولد" مسكين و"مخطوف"، في حين يُقدم أي طفل فلسطيني على انه مجرم وتنزع منه انسانيته. في السياق ذاته يمكن مقارنة توجه الاعلام العربي الى جلعاد شليط مقابل توجه الاعلام الاسرائيلي الى أي اسير فلسطيني بالمثل العيني، فالمقابلة التي أجرتها الصحافية المصرية مع الضابط الاسير جلعاد شاليط عند وصوله الى مصر في اطار صفقة التبادل، لم تكن تافهة وحسب، بل لوحظ التعاطف مع الضابط الاسرائيلي بالاضافة الى ترجمة أقواله وتأويلها ليجعلوا منه حمامة سلام، الأمر الذي لا يمكن ان تراه او تلاحظ شبيها له في أي مقابلة مع أسير فلسطيني او حتى مع مسؤول فلسطيني اذا ما قابله صحفي إسرائيلي. فهل هذا التصرف تعبير عن غباء ام عن موقف؟ وكلا الأمرين مقزز.
اما الامر الثاني فهو جلعاد شليط نفسه، من هو وما هو دوره العسكري؟ هل هو ولد مسكين ام ماذا؟
ولد جلعلد شاليط في 28 آب 1986 في مدينة نهاريا وهو يحمل الجنسيتين الاسرائيلية والفرنسية، وانتقل مع والدية في جيل سنتين للسكن في مستوطنة "هيلا" المقامة على أراضي قرية معليا في الجليل الغربي. وتعلم في المدرسة الابتدائية لمستوطنة معونة المقامة على ارض ترشيحا وفي المرحلة الاعدادية تعلم في مدرسة قرية الورود (كفار فراديم) المقامة على اراضي ترشيحا ايضا، وانهي تعليمه الثانوي بامتياز في مدرسة "منور" في كيبوتس الكابري، وهو على ارض ترشيحا وقرية الكابري المهجرة، بتخصص علوم..
في تموز 2005 التحق بالخدمة العسكرية الاسرائيلية وانضم الى سلاح المدرعات كتيبة 71 في لواء 188 ووصل الى رتبة "سمال رشون" ويعتبر صاحبها ضابطا استثنائيا في القوات البرية للجيش الاسرائيلي، وهي توازي رتبة رقيب أول، او ما يقابله first sergeant في الجيش الامريكي، وأسر في 25 حزيران 2006 خلال معركة عسكرية بين كتيبته العسكرية ورجال المقاومة الفلسطينية على حدود قطاع عزة . ومن ثم منح رتبة "راف سمال". وقد لاحظنا على شاشات التلفاز ان الجيش الاسرائيلي اصر على اعادة اللباس العسكري للاسير المحرر جلعاد شاليط كما اعاد اليه مسدسه واصر على تقديم التحية العسكرية لرئيس الحكومة ووزير الحرب وقائد الاركان، امعانا في تأكيد هويته العسكرية بل واستمرار حمله للسلاح.
شارة اللواء

تقول المصادر الاسرائيلية نفسها، ان في صبيحة الخامس والعشرين من حزيران 2006، أي قبل ساعة من طلوع الشمس، بدأت كتيبة جلعاد شليط بقصف مكثف لقطاع غزة، فردت عليها المقاومة الفلسطينية مباشرة بعملية عسكرية قام خلالها سبعة مسلحين بمهاجمة الكتيبة من خلال نفق حفر مسبقا ليصل الى الارض التي تمركزت عليها الكتيبة الاسرائيلية بجنودها ودباباتها وذخيرتها. الخلية الفلسطينية هاجمت مدرعة فارغة كانت قد وضعت في المكان للتمويه كما هاجمت نقطة مراقبة فجرحت ثلاثة جنود بالاضافة الى اطلاق صاروخ مضاد للدبابات على دبابة مركفاة 3 كانت تقوم بقصف القطاع ، وبعد ان اشتعلت النيران في الدبابة خرج منها قائد الطاقم وجندي آخر برتبة رقيب اول فقتلا كما خرج منها رقيب اول جلعاد شليط مستسلما فأسرعلى ايدي شباب المقاومة، اما سائق الدبابة الذي عانى من اصابة فلم يخرج وبقي فيها جريحا. استطاع شباب المقاومة، خلال دقائق معدودات، من إخفاء رقيب أول جلعاد شليط، واستمر أسره أكثر من خمس سنوات تم خلالها التفاوض بين الحكومة الاسرائيلية وممثلي المقاومة بهدف إطلاق سرح ألف أسير فلسطيني مقابل إطلاق سراح الجندي جلعاد شليط.
اما لواء 188 او ما يسمى ايضا لواء براك ، فهو لواء محارب في سلاح المدرعات، أقيم عام 1967 وحارب ضد الجيش الاردني في حرب حزيران ومن ثم شارك في حرب تشرين عام 1973 ضد القوات السورية في الجولان فتكبد خسائر كبيرة جدا، وفي غزو لبنان عام 1982 شارك اللواء في معركة قرية سيل اللبنانية، كما شارك في الانتفاضة الاولى والثانية وفي حرب تموز 2006 وشاركت الكتيبة 71 من هذا اللواء (أي كتيبة جلعاد شليط نفسها) في عملية الرصاص المصبوب في قصف سكان قطاع غزة عام 2008-2009 وكانت آلياته الاساسية هي الدبابة مركفاه 3 .

من بين قادة هذا اللواء هو عمرام متسناع بين 1975- 1976 ومئير دغان بين شباط 1982- وتشرين ثاني1982 وموشيه شطريت 2005-2007 وعوفر تسفرير بين 2007-2009

_______________________
اليف صباغ- 19.10.2011
مدونة- حيفا برس


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الخميس، 13 أكتوبر 2011

ألمَخفي أعظم !

ألمَخفي أعظم !
هل يختبىء جوهر الصفقة بالتفاصيل أم فيما وراءها؟
منذ اللجظة الاولى لإعلان الاتفاق على صفقة تبادل الاسرى بين اسرائيل وحماس يجتهد الصحافيون في البحث عن التفاصيل المثيرة، ماذا حدث في اللحظة الاخيرة؟ وكيف تنازلت حماس عن قيادات حمساوية من الصف الاول وقيادات اخرى مثل مروان البرغوثي واحمد سعدات، بالرغم من ان اسماءهم كانت مطروحة منذ البداية ولم يشكك احد بان حماس لن تتنازل عن ضمهم الى قائمة المحررين؟ وهل عدد الاسيرات 27 ام 33 وهل سيتم اطلاق سراح المعتقلات اللواتي لم يحاكمن بعد؟ ومتى سيتم التنفيذ وهل الجندي الاسرائيلي الأسير قد وصل مصر أم لا؟ وعشرات الاسئلة التي تتمحور في مضمون الصفقة وتفاصيلها، ولكني في هذا المقال اريد التطرق الى ما وراء الصفقة وليس الى ما في داخلها. فهل يوجد للصفقة المذكورة بعد سياسي؟ وهل بعدها السياسي ينسحب على المستوى الفلسطيني الضيق ام على المستوى العربي عامة؟ وحين تذكرت ان المفاوضات توقفت في صيف العام 2010 يتصريحات قاطعة من خالد مشعل يتهم فيها امريكا بتعطيل اتمام الصفقة، واتذكر ان مضمونها الحالي لا يختلف كثيرا عن مضمونها في تموز 2010، كان لا بد من البحث عن الموقف الامريكي من هذه الصفقة، واتساءل عن سبب الصمت، عدا تصريح واحد يوم أمس، قالت فيه الناطقة باسم البيت الابيض: ان الصفقة "كان يجب ان تتم منذ زمن". هل حقا؟ إذن لماذا لم تتم؟
للجواب على هذه الاسئلة لا يجوز البحث عما حدث في الليلة الاخيرة او في اللحظة الاخيرة او في المشهد الدراماتيكي الذي تدخل فيه الوسيط المصري او الالماني ليحسم الموقف، بل يجب البحث في مضمون ما حدث في الاسبوع الأخير منذ زيارة وزير الحرب الامريكي، ليون فانتا، الى اسرائيل ومصر في الثالث والرابع من هذا الشهر، ولقاء مدير القسم الاسرائيلي- الفلسطيني في مجلس الأمن القومي الامريكي، المدعو بريم ج كومار، مع رئيس حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسي لحركة الاخوان المسلمين في مصر)، د. محمد سعد الكتاتني في الثاني من هذا الشهر ايضا، مع العلم انه ليس من مهام هذا المسؤول الامريكي البحث في قضايا حقوق الانسان في مصر، بل في السياسة الخارجية للولايات المتحدة وتصوراتها الاستراتيجية، وربما يجب البحث عن المخفي ايضا في مضمون ما حدث في الاشهر الاخيرة من تطور للموقف الفلسطيني الرسمي بتوجه السلطة الفلسطينية الى مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة بطلب رسمي لقبول دولة فلسطين عضوا في كاملا في الامم المتحدة متحدية بذلك الموقف الامريكي المتصهين، في الوقت الذي أبدت فيه حماس معارضتها للخطوة المذكورة دون تفسيرات مقنعة، وليس من المبالغة أن نبحث عن المخفي ايضا فيما حصل في السنة الاخيرة من تطورات هامة في الشرق الاوسط والتقارب الحاصل بين الولايات المتحدة وحركة الاخوان المسلمين او ما يسمى "بتقاطع المصالح"، وخاصة في مصر وتقارب الاخوان مع المشير طنطاوي، ضمن استراتيجية جديدة للولايات المتحدة في الشرق الاوسط عامة.
ما يجعلنا نذهب بعيدا الى هذا الحد في البحث عما وراء الحدث وعن ابعاده السياسية، هو التصريح الاول والهام، في نظري، وان لم تعطه وسائل الاعلام الاسرائيلية اهميته، الذي صدر عن المفاوض الاسرائيلي دافيد ميدان، في الوقت الذي كان فيه مجلس الوزراء الاسرائيلي يبحث مضمون الصفقة بهدف المصادقة عليها، وقال فيه: "لقد تمت الصفقة لأن حماس أصبحت طرفا صالحا التفاوض" او בר שייח باللغة العبرية. وهنا كان لا بد من الوقوف برهة والتساؤل: أليست حماس هي التي فاوضت طيلة السنوات الخمس؟ وهل كانت غير صالحة للتفاوض طيلة هذه السنوات اما الان فقد اصبحت صالحة؟ فوق ذلك، في نظر مَن تغيرت حماس لتصبح صالحة للتفاوض؟ في نظر اسرائيل ام في نظر امريكا؟ واذا اضفنا لهذا التصريح ما قالته السيدة كلينتون في برنامج "الحياة اليوم" لقناة "الحياة" في الاول من اكتوبر، أي عشية زيارة وزير الحرب الامريكي لإسرائيل ومصر، من ان "الولايات المتحدة مستعدة للتعاون مع أي حكومة مصرية حتى لو كانت اسلامية"، وانها تنتظر "استكمال" المحادثات مع الاخوان المسلمين قريبا، وبالتالي فما سمي باللقاء الاول يوم 2 اكتوبر لم يكن الا "استكمالا" للقاءات سابقة لم يعلَن عنها. وتشير تصريحات الطرفين بعد هذا اللقاء الى ان ما تريده امريكا من الاخوان هو التعاون في السياسة الخارجية للولايات المتحدة مقابل السلطة السياسية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لمصر كما يطلب الاخوان.
الى ذلك، تشير وسائل الاعلام المتخصصة ان وزير الحرب الامريكي الجديد ، ليون فانتا، والذي استلم مهامه في الاول من تموز 2011 كان يشغل منصب مدير شعبة الاستخبارات المركزية في ال سي آي ايه قبل استلامه وزارة الحرب، وخلال ذلك التقى في إحدى دول الخليج مع خالد مشعل مشجعا إياه ان تترك حماس دمشق وتنتقل الى مصر او قطر، ولكن ذلك لم يحصل لعدم وجود مبرر لذلك. وتؤكد تلك المصادر ان خروج حماس من دمشق يشكل في أعين الأمريكان ضربة قاسية للنظام السوري وعلاقته بالفلسطينيين، الامر الذي يعمل الامريكان مع المعارضة السورية لتحقيقه من خلال زج الفلسطينيين في الصراع الداخلي السوري. ومن هنا يمكن فهم ايات الشكر التي وجهها مشعل الى تركيا وقطر ومصر لإتمام الصفقة.
كل ما أوردناه آنفا يدل على تأثير الموقف الامريكي في الجهة الفلسطينية الحمساوية والمصرية الاخوانية. في الوقت ذاته مارس وزير الحرب الامريكي تأثيرا مباشرا على الموقف الاسرائيلي من خلال ايهود براك اولا، ومساعدة اضافية من رئيس الموساد والشاباك، على بنيامين نتانياهو. في طريقه الى اسرائيل، يوم الثالث من هذا الشهر، تحدث الوزير الامريكي الى الصحافيين المرافقين له في الطائرة، ونقله بعض الصحافيين الاسرائيليين، فقال بوضوح لا يقبل التأويل: "ان الولايات المتحدة لا تستطيع بعد اليوم تنسيق مواقفها مع اسرائيل بكل ما يخص سياستها في الشرق الاوسط في ظل التعنت الاسرائيلي في العلاقة مع تركيا ومصر والفلسطينيين"، وكان هذا التصريح كاف، اضافة الى ما قاله الوزير الامريكي لنظيره الاسرائيلي براك خلال لقائهما، ليفهم نتانياهو ان عليه قبول الفرضية الامريكية بانها متجهة نحو استراتيجية جديدة في الشرق الاوسط وانه على اسرائيل التعاون معها.
اصبح من الواضح ان الاستراتيجية الامريكية الجديدة في الشرق الاوسط تتطلب تعاونا مع القوة الصاعدة في هذه المنطقة وهي الاخوان المسلمين وخاصة في تركيا ومصر، وقد فهمت امريكا ذلك منذ سنوات، وهذا يتطلب من اسرائيل وامريكا تنازلا ما تجاه حماس، وقد حان الوقت عندما عصي ابومازن اوامر اوباما وكان لا بد من "معاقبته".
إذن، ما يختفي وراء الصفقة هو الموقف الامريكي، الذي كان معطلا لها في الماضي فأصبح هو الراعي غير المباشر لها، خدمة لمصالحه وسياسته الاستراتيجية الجديدة في الشرق الاوسط. وقد جاء التحدي الفلسطيني للموقف الامريكي ليكون تلك "القشة التي قصمت ظهر البعير" والدافع الذي جعل بيبي نتانياهو يوافق على مسايرة الاستراتيجية الامريكية الجديدة لمصالحه الشخصية، مقابل موقف امريكي غير مسبوق ومساند له في الامم المتحدة. وما التراجع عن اطلاق سراح القائدين مروان البرغوثي واحمد سعدات الا اشارة لفتح والجبهة الشعبية بان امريكا تتجه للتعاون مع حماس، اما الامتناع عن الطلاق سراح قيادات حماس من الصف الاول عبدالله البرغوثي وحماد والسيد الا لتخوف الاسرائيليين من مواقفهم وعدم ثقة الامريكان بامكانية دعمهم لنهج التعاون الحمساوي مع الولايات المتحدة، وربما يكونون ثمنا لصفقة من نوع آخر في المستقبل.
انها اول الصفقات على طريق الاستراتيجية الجديدة بانتظار ان تكون معركة الاخوان في سوريا اختبارا حقيقيا وفاصلا لمستقبل هذه الاستراتيجية في الشرق الاوسط. او استعدادا لمعركة عسكرية مع ايران يكون فيها الاخوان الحليف السني لأمريكا مقابل ايران الشيعية. فهل الحملة التي اطلقتها امريكا ضد ايران بالأمس القريب تشكل محطة اضافية للاستراتيجية الجديدة؟ هذا ما سنراه في المستقبل القريب.
اخيرا، بالرغم من كل ما تخفيه هذه الصفقة والنوايا او الاهداف التي تبنيها أمريكا عليها، تبقى قيمتها في تحرر 1027 اسير واسيرة من سجون الاحتلال، الامر الذي لم تنجح المفاوضات السياسية من تحقيقه.


اليف صباغ- مدونة حيفا برس
الجليل 13.10.2011





قوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .