الخميس، 13 أكتوبر 2011

ألمَخفي أعظم !

ألمَخفي أعظم !
هل يختبىء جوهر الصفقة بالتفاصيل أم فيما وراءها؟
منذ اللجظة الاولى لإعلان الاتفاق على صفقة تبادل الاسرى بين اسرائيل وحماس يجتهد الصحافيون في البحث عن التفاصيل المثيرة، ماذا حدث في اللحظة الاخيرة؟ وكيف تنازلت حماس عن قيادات حمساوية من الصف الاول وقيادات اخرى مثل مروان البرغوثي واحمد سعدات، بالرغم من ان اسماءهم كانت مطروحة منذ البداية ولم يشكك احد بان حماس لن تتنازل عن ضمهم الى قائمة المحررين؟ وهل عدد الاسيرات 27 ام 33 وهل سيتم اطلاق سراح المعتقلات اللواتي لم يحاكمن بعد؟ ومتى سيتم التنفيذ وهل الجندي الاسرائيلي الأسير قد وصل مصر أم لا؟ وعشرات الاسئلة التي تتمحور في مضمون الصفقة وتفاصيلها، ولكني في هذا المقال اريد التطرق الى ما وراء الصفقة وليس الى ما في داخلها. فهل يوجد للصفقة المذكورة بعد سياسي؟ وهل بعدها السياسي ينسحب على المستوى الفلسطيني الضيق ام على المستوى العربي عامة؟ وحين تذكرت ان المفاوضات توقفت في صيف العام 2010 يتصريحات قاطعة من خالد مشعل يتهم فيها امريكا بتعطيل اتمام الصفقة، واتذكر ان مضمونها الحالي لا يختلف كثيرا عن مضمونها في تموز 2010، كان لا بد من البحث عن الموقف الامريكي من هذه الصفقة، واتساءل عن سبب الصمت، عدا تصريح واحد يوم أمس، قالت فيه الناطقة باسم البيت الابيض: ان الصفقة "كان يجب ان تتم منذ زمن". هل حقا؟ إذن لماذا لم تتم؟
للجواب على هذه الاسئلة لا يجوز البحث عما حدث في الليلة الاخيرة او في اللحظة الاخيرة او في المشهد الدراماتيكي الذي تدخل فيه الوسيط المصري او الالماني ليحسم الموقف، بل يجب البحث في مضمون ما حدث في الاسبوع الأخير منذ زيارة وزير الحرب الامريكي، ليون فانتا، الى اسرائيل ومصر في الثالث والرابع من هذا الشهر، ولقاء مدير القسم الاسرائيلي- الفلسطيني في مجلس الأمن القومي الامريكي، المدعو بريم ج كومار، مع رئيس حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسي لحركة الاخوان المسلمين في مصر)، د. محمد سعد الكتاتني في الثاني من هذا الشهر ايضا، مع العلم انه ليس من مهام هذا المسؤول الامريكي البحث في قضايا حقوق الانسان في مصر، بل في السياسة الخارجية للولايات المتحدة وتصوراتها الاستراتيجية، وربما يجب البحث عن المخفي ايضا في مضمون ما حدث في الاشهر الاخيرة من تطور للموقف الفلسطيني الرسمي بتوجه السلطة الفلسطينية الى مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة بطلب رسمي لقبول دولة فلسطين عضوا في كاملا في الامم المتحدة متحدية بذلك الموقف الامريكي المتصهين، في الوقت الذي أبدت فيه حماس معارضتها للخطوة المذكورة دون تفسيرات مقنعة، وليس من المبالغة أن نبحث عن المخفي ايضا فيما حصل في السنة الاخيرة من تطورات هامة في الشرق الاوسط والتقارب الحاصل بين الولايات المتحدة وحركة الاخوان المسلمين او ما يسمى "بتقاطع المصالح"، وخاصة في مصر وتقارب الاخوان مع المشير طنطاوي، ضمن استراتيجية جديدة للولايات المتحدة في الشرق الاوسط عامة.
ما يجعلنا نذهب بعيدا الى هذا الحد في البحث عما وراء الحدث وعن ابعاده السياسية، هو التصريح الاول والهام، في نظري، وان لم تعطه وسائل الاعلام الاسرائيلية اهميته، الذي صدر عن المفاوض الاسرائيلي دافيد ميدان، في الوقت الذي كان فيه مجلس الوزراء الاسرائيلي يبحث مضمون الصفقة بهدف المصادقة عليها، وقال فيه: "لقد تمت الصفقة لأن حماس أصبحت طرفا صالحا التفاوض" او בר שייח باللغة العبرية. وهنا كان لا بد من الوقوف برهة والتساؤل: أليست حماس هي التي فاوضت طيلة السنوات الخمس؟ وهل كانت غير صالحة للتفاوض طيلة هذه السنوات اما الان فقد اصبحت صالحة؟ فوق ذلك، في نظر مَن تغيرت حماس لتصبح صالحة للتفاوض؟ في نظر اسرائيل ام في نظر امريكا؟ واذا اضفنا لهذا التصريح ما قالته السيدة كلينتون في برنامج "الحياة اليوم" لقناة "الحياة" في الاول من اكتوبر، أي عشية زيارة وزير الحرب الامريكي لإسرائيل ومصر، من ان "الولايات المتحدة مستعدة للتعاون مع أي حكومة مصرية حتى لو كانت اسلامية"، وانها تنتظر "استكمال" المحادثات مع الاخوان المسلمين قريبا، وبالتالي فما سمي باللقاء الاول يوم 2 اكتوبر لم يكن الا "استكمالا" للقاءات سابقة لم يعلَن عنها. وتشير تصريحات الطرفين بعد هذا اللقاء الى ان ما تريده امريكا من الاخوان هو التعاون في السياسة الخارجية للولايات المتحدة مقابل السلطة السياسية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لمصر كما يطلب الاخوان.
الى ذلك، تشير وسائل الاعلام المتخصصة ان وزير الحرب الامريكي الجديد ، ليون فانتا، والذي استلم مهامه في الاول من تموز 2011 كان يشغل منصب مدير شعبة الاستخبارات المركزية في ال سي آي ايه قبل استلامه وزارة الحرب، وخلال ذلك التقى في إحدى دول الخليج مع خالد مشعل مشجعا إياه ان تترك حماس دمشق وتنتقل الى مصر او قطر، ولكن ذلك لم يحصل لعدم وجود مبرر لذلك. وتؤكد تلك المصادر ان خروج حماس من دمشق يشكل في أعين الأمريكان ضربة قاسية للنظام السوري وعلاقته بالفلسطينيين، الامر الذي يعمل الامريكان مع المعارضة السورية لتحقيقه من خلال زج الفلسطينيين في الصراع الداخلي السوري. ومن هنا يمكن فهم ايات الشكر التي وجهها مشعل الى تركيا وقطر ومصر لإتمام الصفقة.
كل ما أوردناه آنفا يدل على تأثير الموقف الامريكي في الجهة الفلسطينية الحمساوية والمصرية الاخوانية. في الوقت ذاته مارس وزير الحرب الامريكي تأثيرا مباشرا على الموقف الاسرائيلي من خلال ايهود براك اولا، ومساعدة اضافية من رئيس الموساد والشاباك، على بنيامين نتانياهو. في طريقه الى اسرائيل، يوم الثالث من هذا الشهر، تحدث الوزير الامريكي الى الصحافيين المرافقين له في الطائرة، ونقله بعض الصحافيين الاسرائيليين، فقال بوضوح لا يقبل التأويل: "ان الولايات المتحدة لا تستطيع بعد اليوم تنسيق مواقفها مع اسرائيل بكل ما يخص سياستها في الشرق الاوسط في ظل التعنت الاسرائيلي في العلاقة مع تركيا ومصر والفلسطينيين"، وكان هذا التصريح كاف، اضافة الى ما قاله الوزير الامريكي لنظيره الاسرائيلي براك خلال لقائهما، ليفهم نتانياهو ان عليه قبول الفرضية الامريكية بانها متجهة نحو استراتيجية جديدة في الشرق الاوسط وانه على اسرائيل التعاون معها.
اصبح من الواضح ان الاستراتيجية الامريكية الجديدة في الشرق الاوسط تتطلب تعاونا مع القوة الصاعدة في هذه المنطقة وهي الاخوان المسلمين وخاصة في تركيا ومصر، وقد فهمت امريكا ذلك منذ سنوات، وهذا يتطلب من اسرائيل وامريكا تنازلا ما تجاه حماس، وقد حان الوقت عندما عصي ابومازن اوامر اوباما وكان لا بد من "معاقبته".
إذن، ما يختفي وراء الصفقة هو الموقف الامريكي، الذي كان معطلا لها في الماضي فأصبح هو الراعي غير المباشر لها، خدمة لمصالحه وسياسته الاستراتيجية الجديدة في الشرق الاوسط. وقد جاء التحدي الفلسطيني للموقف الامريكي ليكون تلك "القشة التي قصمت ظهر البعير" والدافع الذي جعل بيبي نتانياهو يوافق على مسايرة الاستراتيجية الامريكية الجديدة لمصالحه الشخصية، مقابل موقف امريكي غير مسبوق ومساند له في الامم المتحدة. وما التراجع عن اطلاق سراح القائدين مروان البرغوثي واحمد سعدات الا اشارة لفتح والجبهة الشعبية بان امريكا تتجه للتعاون مع حماس، اما الامتناع عن الطلاق سراح قيادات حماس من الصف الاول عبدالله البرغوثي وحماد والسيد الا لتخوف الاسرائيليين من مواقفهم وعدم ثقة الامريكان بامكانية دعمهم لنهج التعاون الحمساوي مع الولايات المتحدة، وربما يكونون ثمنا لصفقة من نوع آخر في المستقبل.
انها اول الصفقات على طريق الاستراتيجية الجديدة بانتظار ان تكون معركة الاخوان في سوريا اختبارا حقيقيا وفاصلا لمستقبل هذه الاستراتيجية في الشرق الاوسط. او استعدادا لمعركة عسكرية مع ايران يكون فيها الاخوان الحليف السني لأمريكا مقابل ايران الشيعية. فهل الحملة التي اطلقتها امريكا ضد ايران بالأمس القريب تشكل محطة اضافية للاستراتيجية الجديدة؟ هذا ما سنراه في المستقبل القريب.
اخيرا، بالرغم من كل ما تخفيه هذه الصفقة والنوايا او الاهداف التي تبنيها أمريكا عليها، تبقى قيمتها في تحرر 1027 اسير واسيرة من سجون الاحتلال، الامر الذي لم تنجح المفاوضات السياسية من تحقيقه.


اليف صباغ- مدونة حيفا برس
الجليل 13.10.2011





قوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق