الجمعة، 18 نوفمبر 2011

ماذا يحدث في الجيش الاسرائيلي؟ (1)

ماذا يحدث في الجيش الاسرائيلي؟ (1)

ماذا يعني تعاظم قوة وتأثير أبناء المستوطنات ؟

تفيد معطيات قسم القوى العاملة في الجيش الاسرائيلي- نوفمبر 2011 ، والتي قدمتها يوم أمس رئيسة قسم القوى العاملة، برتبة ألوف، اورنا باربيباي، ان نسبة المجندين الجدد في الجيش الاسرائيلي تبلغ 50% من الشباب في اسرائيل، أي أن 50% أخرى لم تتجند للجيش.وتفيد التوقعات المستقبلية ان 60% من الشباب لن يتجندوا للجيش في العام 2020.
نسبة التجنيد الاعلى في البلاد هي في مدينة نس تسيونة وتساوي 93% تقريبا وبعدها تاتي مستوطنة موديعين مكابيم رعوت بنسبة 92.4% ومستوطنة اريئيل بنسبة 91.1% وكريات موتسكين بالقرب من المصانع العسكرية في منطقة حيفا 90% وكريات شمونه 88.4% ويهود ويوكنعام 88% وكريات بيالك بالقرب من كريات موتسكين 87% بينما تنخفض نسبة المجندين في اماكن أخرى لتصل في مستوطنة موديعين عليت مثلا (متدينين حرديم) الى 14% وبني براك (حرديم) الى 12.6%.
ما هو التغيير الحاصل مقارنة بسنوات سابقة؟ لماذا ترتفع النسبة هناك وتنخفض في مكان آخر؟ هل هو مقلق لإسرائيل؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة للمجتمع الاسرائيلي؟
للاجابة على هذه الاسئلة لا بد من الاشارة اولا ان نسبة ال 50% هي من مجمل الجيل نفسه في اسرائيل وهذا ما يفسر فارق الارقام والنسب المشار اليها، كما نشير الى ان القيادة العسكرية اتخذت قرارا في السنة الماضية برفع أجرة الجندي في الخدمة الاجبارية وخاصة في الوحدات القتالية، كمحفز مادي للخدمة، وتتضح اهمية العامل المادي لاحقا، وانه بالمقارنة مع سنوات سابقة لم يجر تغير كبير، فمعطيات 2010 تشير الى ان نسبة التجند للشباب من مدينة تل ابيب لا يتجاوز 62% وهي اكثر النسب انخفاضا في اسرائيل ، اذا استثنينا المدن ذات الطابع الديني المتزمت أي الحرديم. ولكن الملفت للنظر ان بلدية تل ابيب سارعت الى نفي "التهمة" وأكدت ان 92% من خريجي المدارس الثانوية التابعة للبلدية يتجندون للجيش، بمعنى آخر ان النسبة المنخفضة ترجع الى وجود شريحة كبيرة من الشباب، من سكان منطقة تل ابيب عامة، يتعلمون في المدارس المهنية في المدينة وهي مدارس غير تابعة للبلدية، وتتفاخر البلدية ان ثلث شباب تل ابيب يتجندون للوحدات القتالية، وان اكبر عدد من الضباط في الخدمة الدائمة يعيشون في تل ابيب وقد بلغ عددهم 1496 ضابطا في نهاية العام 2010 .
المعطيات هي معطيات وهي قابلة للتفسير والتأويل بحسب الجهة التي تعرضها وكيفية عرضها، والتغيرات لا تحسب بسنة واحدة، وما يهم المسؤولين هو اتجاهات التغيير وهي تحسب على مدى سنوات عديدة. في كل الحالات هناك فارق واضح بين نسبة التجند لدى سكان المدن الكبرى مقارنة مع سكان البلدات الوسطى، ويتضح تزايد هذه النسبة لدى سكان المستوطنات لأسباب ايديولوجية، كذلك ترتفع النسبة حيث توجد مصانع الانتاج الحربي مثل كريات موتسكين وكريات بيالك ويوكنعام ونستسيونة، وهذا أمر مفهوم إما لرغبة الشباب بالاندماج في هذه المصانع لاحقا او لإندماج عائلاتهم فيها في الوقت الحاضر، وليس سرا ان القبول للعمل في هذه المصانع يحتاج الى تصنيف امني وأوله الخدمة العسكرية ويتبعه نوع الوحدة التي خدم فيه المرشح للعمل وشروط اخرى. والملفت للنظر هو تفاخر المجتمع ومؤسساته بنسبة التجند للجيش فتسارع بلدية تل ابيب الى نفي "التهمة" كما اسلفنا وتتفاخر بعدد الضباط الذين يعيشون في المدينة.
تبقى هذه المعطيات عامة، وتصبح المعطيات الاهم هي نسبة المجندين الى الوحدات القتالية وخلفيتهم الاجتماعية والسياسية والايديولوجية. تشير معطيات نوفمبر 2011 ان نسبة المجندين الى الوحدات القتالية من سكان المستوطنات في الضفة الغربية تصل الى 61% ونسبتهم من سكان القدس، بما في ذلك المستوطنات الواقعة على اراضي القدس الشرقية، تبلغ 52% ولكن هذه النسبة تنخفض الى 36 % من سكان المركز، أي تل ابيب وما حولها ( مقارنة مع 31% في السنة الماضية لسكان تل ابيب وحدهم) ، لتعود وترتفع النسبة الى 67% من ابناء الكيبوتسات، فتنخفض مرة اخرى الى 46% من ابناء البلدات البعيدة عن مركز البلاد و41% من ابناء المدن الكبرى. لكن هذا لا يعني ان كل من رغب في الالتحاق بالوحدات القتالية تم قبوله فيها، مما يدل على رغبة اكبر للالتحاق في هذه الوحدات، وتشير الارقام والنسب ان 76.2% من ممن لديهم الرغبة في الالتحاق بالوحدات القتالية تم قبولهم إليها هذه السنة ، وهي اعلى نسبة قبول في هذه الوحدات حتى الآن، مقابل 74.2% في سنة 2010.. وهذا يعني ان عدد ونسبة المجندين الذين طلبوا الالتحاق بالوحدات القتالية هو اكبر من اولئك الذي قبلوا اليها.
لقد ركزت وسائل الاعلام اهتمامها على نسبة المجندين للوحدات القتالية من ابناء المستوطنات ولم تأخذ بعين الاعتبار ان نسبة المجندين لهذه الوحدات من ابناء الكيبوتسات هي اعلى، وذلك لسببين: اولا، ان النسبة العالية 67% لدى شباب الكيبوتسات لا تشير الى تزايد وانما الى اتجاه معاكس بينما نسبة 62 % لدى شباب المستوطنات تشير الى اتجاه تصاعدي وهو اتجاه مستمر منذ سنوات عديدة مما يثير قلق القيادات العسكرية والسياسية على حد سواء، وما يمكن ان يحدثه ذلك على مستوى الالتزام بالقرارات السياسية او حتى قرارات القيادات العسكرية مقابل الالتزام بقرارات وأوامر القيادات الدينية وخاصة المستوطنين حيث تربى غالبية هؤلاء الجنود في مدارس دينية. ان ظاهرة تزايد تأثير الجنود والضباط المتدينين، المستوطنين بشكل خاص، في الجيش الاسرائيلي، في ازدياد مطرد منذ عشرين سنة تقريبا، وهي ظاهرة مقلقة في المجالات السياسية والاجتماعية والعسكرية ايضا، ويتم مناقشتها ضمن محاور مختلفة منها العلني ومنها في الغرف المغلقة ، ويبدو ان المحور الأسهل للنقاش العلني هو المحور الاجتماعي، المتمثل بالتحذير المستمر، والمكثف أحيانا، من المساس بالمجندات تجاوبا مع ضغط القوى الدينية وعدم مساواتهن بالجنود الشباب وحرمانهن من الحق في المشاركة في جميع المناسبات والوحدات وحقهن في التبرج وما الى ذلك. وفي النقاشات غير العلنية، او شبه العلنية، يحذر الكثيرون من امكانية عصيان وحدات عسكرية وعدم تنفيذ قرارات سياسية في حال تعارضت هذه القرارات مع أوامر القيادات الدينية صاحبة التأثير الايديولوجي والابوي على الجنود المتدينين، او بسبب القناعات الدينية للجنود أنفسهم، وخاصة سكان المستوطنات. هذا التخوف الذي بدا واضحا حين اتخذت حكومة شارون قرار بالانسحاب من قطاع غزة وبدا واضحا ايضا في كل مناسبة قررت فيها او يمكن ان تقرر المحكمة فيها هدم بيت في المستوطنات بدون اذن سياسي او منع إقامة مستوطنة جديدة، ويطلب من الجيش، بطبيعة الحال، ان ينفذ القرار.
لا شك اننا سنشهد في المستقبل القريب تفاقما لظاهرة رفض الاوامر العسكرية او رفض تنفيذ قرارات سياسية تقضي بانسحاب جزئي او كامل من المناطق المحتلة عام 67، وربما تكون هذه الخشية الواقعية هي احد الأسباب لعد قدرة الحكومة الاسرائيلية اتخاذ قرار بالانسحاب ضمن تسوية سلمية، بالاضافة، طبعا، الى الأسباب الأيديولوجية والسياسية التي نعرفها عن أحزاب اليمين في إسرائيل.
____________________
اليف صباغ- مدومة حيفا برس
البقيعة 18.11.2011







حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الأحد، 6 نوفمبر 2011

[حين يتحكم جنون العظمة باصحاب القرار...

إفتحوا أبواب الملاجئ!
ليس للحروب أسباب بل أهداف تسعى الدول لتحقيقها

في الوقت الذي تجدد فيه الحراك الشعبي في اسرائيل للمطالبة بالعدالة الاجتماعية وخروج عشرات الآلاف من الاسرائيليين من جديد في تل ابيب والقدس الغربية وحيفا، اختار بنيامين نتانياهو، رئيس حكومة اسرائيل، ان يفتتح الدورة الشتوية للكنيست بخطاب عرض فيه قراءته، وقراءة وزير الحرب ايهود براك، لما يجري في الشرق الاوسط من متغيرات، والتحديات السياسية والعسكرية التي تفرضها هذه المتغيرات على اسرائيل، متناسيا الى حد كبير، وربما بشكل مقصود، ذلك الحراك الشعبي وان كان داخل البيت. ويبدو بعد أسبوع واحد من خطابه المذكور انه استطاع إسكات ذلك الحراك كما حصل غداة العملية العسكرية في إيلات قبل حوالي شهرين ونصف. لكن، من السذاجة الاعتقاد، أن الهدف من قرع طبول الحرب هو إسكات صوت الحراك الشعبي في إسرائيل فقط.
اهم ما جاء به نتانياهو هو مقدمة خطابه إذ قال: "إن سقوط حكم القذافي في ليبيا والاحداث الدامية في سوريا، خروج القوات الامريكية من العراق، الحكومة الجديدة في تونس، الانتخابات القريبة في مصر وأحداث كثيرة أخرى تشير الى المتغيرات العظمى التي تحدث من حولنا، هذه المتغيرات يمكن ان تعاظم عدم الاستقرار داخل الدول وبين الدول في الشرق الاوسط"، وأضاف، "دول عظمى إقليمية تريد ان تزيد من تأثيرها على دول الشرق الأوسط وهذا التأثير لن يكون دائما في صالحنا، ومن هذه القوى الإقليمية إيران، التي تستمر في جهودها للتسلح النووي وتشكل بذلك تهديدا لدول المنطقة ، للعالم كله وبالطبع تهديدا مباشرا وثقيلا علينا".
في خطابه هذا وضع نتانياهو أمام عينية صورة النظام الجديد في الشرق الأوسط والناتج عن المتغيرات الحاصلة فيه، ومن ثم تأثير القوى الاقليمية، ومنها اسرائيل، في تشكل هذا النظام الجديد. ووضع امام عينيه ايضا حقائق لا بد من اخذها بعين الاعتبار ومنها، ان التعويل على سقوط النظام السوري في أيدي حلفاء أمريكا، وبالتالي ضرب مثلث الممانعة للنظام الجديد المتمثل في ايران وسوريا وحزب الله، لم يعد واقعيا، وان الجيش الامريكي سينسحب حتى نهاية هذه السنة من العراق، وامور اخرى ذكرها في مقدمة خطابه، ومن هنا يأتي فهمنا لما تخطط له إسرائيل من حرب على إيران، ويتمثل في محاولة قصوى للتأثير في تشكل النظام الجديد في الشرق الأوسط. ولا يخفى على المتابع للعلاقات الاسرائيلية- الامريكية اختلاف الرؤى بينهما بالنظر الى الحركات الاسلاموية الصاعدة نحو سدة الحكم بدعم ورعاية أمريكية ومستقبل علاقة هذه الأنظمة الجديدة مع اسرائيل.
هذا الخطاب وما تبعه من مناقشات على شاشات وصفحات وسائل الاعلام في اسرائيل والعالم، لم يسكت الحراك الشعبي في اسرائيل فقط، بل شكل غيمة تمر تحتها كل قرارات الحكومة الاسرائيلية للتنكيل بالأسرى الفلسطينيين وتكثيف الاستيطان وحصار غزة وخنق السلطة الفلسطينية ومحاصرة مطلبها العادل على طاولة مجلس الأمن. وهو يأتي في ظروف مؤاتية اسرائيليا ودوليا ومن هنا تأتي خطورته.
ربما يجدر بنا التأكيد للمرة الالف ان لا اسباب للحروب بل لها أهداف، وتسعى الدول لتحقيق مصالحها بأدوات مختلفة منها السياسية ومنها الاقتصادية والعسكرية ايضا، ومن هنا جاءت المقولة المعروفة، "ان الحرب هي استمرار للسياسة بادوات اخرى". إذن، ما لم تستطع اسرائيل وحلفاؤها من تحقيقه بالأدوات السياسية والاقتصادية لخلق نظام سرق اوسطي يتجاوب مع مصالحها من خلال اثارة المعارضة الداخلية على نظام الحكم او الحصار الاقتصادي الدولي او العقوبات الاقتصادية والسياسية الدولية، يفرض التفكير والاستعداد لاستخدام أدوات عسكرية إذا ما توفرت هذه التجهيزات والظروف المناسبة لاستخدامها، ويبدو ان اسرائيل وصلت الى قناعة انه لابد من استخدام القوة العسكرية ضد إيران وربما سوريا وحزب الله بعد ان فشلت كل الأدوات الأخرى، بما في ذلك تعطيل أجهزة تخصيب اليورانيوم بواسطة فيروس stuxnet الذي هاجم الحواسيب الايرانية صيف العام 2010 ، ولكن العلماء الايرانيين استطاعوا التغلب عليه وفق تقرير سري صدر في شباط من هذه السنة.
لا يخفى على احد ان القوات العسكرية الاسرائيلية والامريكية والاوروبية أجرت خلال السنوات القليلة الماضية تدريبات مكثفة في البحر والجو بشكل خاص لضرب المنشآت النووية الايرانية، ولكن التحضيرات لحرب إقليمية، في اقل مقاييسها، وقد تكون مدمرة الى أبعد الحدود، يتطلب تحضيرات في المجالات كافة بما في ذلك، استعداد شعبي لتحمل العواقب وظروف مؤاتية جدا لحملة عسكرية أولى وناجحة. ولا يخفى على احد أيضا، قيام سلاح الجو الاسرائيلي في الآونة الأخيرة بتدريبات مكثفة في رومانيا وبلغاريا واليونان وايطاليا وتدريبات سابقة مع حلف الناتو في تركيا، كما ان هناك من يتحدث عن تنسيق مستمر مع دول الخليج ضد إيران، ويبدو ان الاستعداد المكثف للحرب في الاسبوعين الاخيرين وانضمام شمعون بيرس الى الحملة الإعلامية اكبر دليل على امكانية حصولها الفعلي، ومن مركبات هذه الحملة: تمرينات عسكرية مكثفة بالاضافة الى تمرينات مدنية لقوى الجبهة الداخلية للتعامل مع سقوط صواريخ مكثف على إسرائيل في حالة الهجوم على إيران، وبذلك يتم تحضير الرأي العام الاسرائيلي لمثل هذه الحرب وفحص قدرته على تحمل نتائجها المتوقعة، حملة دولية متجددة بدأتها الولايات المتحدة مؤخرا ضد إيران تزامنت مع صفقة تبادل الاسرى بين إسرائيل وحركة حماس، حملة دولية متجددة ضد سوريا وإتهامها بإقامة منشأة نووية على غرار المنشأة التي قصفتها اسرائيل عام 2007 ودعوة المعارضة المسلحة عدم تسليم اسلحتهم، حملة دولية متجددة ضد إيران مستعينة بتقرير وكالة الطاقة الذرية، الذي سيصدر في التوقيت المناسب خلال الاسبوع الجاري، تتهم فيه إيران بإجراء تجربة نووية والاستعداد لإنتاج قنبلة نووية مخالفا بذلك ما تم التصريح به من أن هدف تخصيب اليورانيوم الإيراني هو سلمي فقط. يرافق ذلك تقارير لاستطلاعات الرأي العام الإسرائيلي التي تؤيد ضربة عسكرية ضد إيران بنسبة تتجاوز 40% من المواطنين وثقة برئيس الحكومة وقدرته على اتخاذ القرار المناسب بنسبة تتجاوز 60% من الجمهور الاسرائيلي، وائتلافا حكوميا واسعا وثابتا لم يحظ به رئيس حكومة اسرائيلي من قبل، ائتلاف مؤيد للحرب على إيران. إذا أضفنا لكل هذه الاستعدادات الدولية والاسرائيلية والظروف المؤاتية، سيطرة جنون العظمة على بيبي نتانياهو وإهود براك، وفق بعض المحللين الاسرائيليين، وإيمانهما التام بان الجيش الاسرائيلي قادر على تنفيذ المهام المطلوبة منه، وان الفرصة المؤاتية اليوم لن تتكرر، يجعلنا نقترب من التأكيد أن الحرب قادمة لا محالة، وانه لا بد من فتح أبواب الملاجيء، لمن لديه. لقد كرس التراث اليهودي في نفوس الاسرائيليين خرافة شمشون الذي هدم البيت على من فيه كما هدمه على نفسه، ويبدو ان بيبي نتانياهو وإهود براك متأثران جدا بهذه الخرافة. فهل يسمح لهم العالم بتحقيق جنونهم؟ إن غدا لناظره قريب.

اليف صباغ- 6.11.2011
مدوّنة - حيفا برس


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .