الأحد، 30 ديسمبر 2012

                                رسالة ثانية الى الرئيس محمود عباس

 

في العشرين من الشهر الجاري ، نوفمبر، كتبت ونشرت  هنا رسالتي العاجلة الى الرئيس ابومازن  ناقشت مضمون الرسالة المنوي توجيهها باسم الشعب الفلسطيني الى الجمعية العامة للامم المتحدة بهدف نيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية عضوا مراقبا، وليس كاملا ،في الجمعية العمومية للامم المتحدة،  وبناء على مضمون الطلب المذكور طالبت الرئيس ابومازن بعد التوجه الى الجمعية العمومية بعكس ما كنت اطالب به من قبل.  وقد اتيحت لي الفرصة لاحقا ان اناقش مضمون الطلب المذكور على اثير اذاعات فلسطينية  هنا  محذرا من مضمون ضعيف وتوجه استعطافي استرضائي لا يرقى مستوى الحد الادنى من تضحيات شعبنا الفلسطيني وحقوقه الطبيعية المشروعة . اما وقد تابعتُ خطابك في الجمعية العمومية مساء امس وتابعت استعراض الطلب الذي قدمه المندوب السوداني في الامم المتحدة باسم عشرات الدول الصديقة فلا بد من استكمال ذلك المقال وتلك المناقشة .
اولا، ابارك لشعبنا الفلسطيني ولا ان ابارك لنفسي ايضا بهذا الانجاز الذي اعاد حقوقا اساسية للشعب الفلسطيني، وان لم تكن كاملة، ولكنه بدون شك ازاح غيمة سوداء كانت تخيم فوق وطننا في زمن غاب فيه الحق وساد فيه الباطل. واعترف ايضا ان كلمتك    بطلب الاعتراف كما هي كلمة المندوب السوداني كانت مختلفة عن مسودة الرسالة التي ناقشتها سابقا، والاختلاف الى الافضل، كما كان التوجه والمنهج افضل مما كان. هذا مع ضرورة التأكيد مرة تلو الاخرى ان حق العودة غير قابل للتفاوض ولا يمكن ان تحاصره مبادرة عربية او رغبة اسرائيلية او امريكية او المانية وبريطانية مهما طال الزمن زتبدلت الاجيال.
ثانيا، لا بد من التوضيح ان هذا الاعتراف وتبدل موقف بعض الدول الاوروبية سواء بالتأييد او بالامتناع  لم يكن بفضل  سياسة بوس الايادي والاسترضاء اومبادرات حسن النية  التي قدمتها السلطة الفلسطينية لاعداء شعبنا، او السماح بالسطوة الامريكية او الاوروبية  او حتى العربية ، المصرية او الخليجية،على القرار الفلسطيني، بل لانك استطعت ان تتمرد على هذه السطوة ولو لمرة واحدة. وان هذا الانجاز لم يكن ممكنا بفضل المبدأ القائل ان "التفاوض  السياسي هو الطريق الوحيد" للوصول الى حقوقنا المشروعة، كما ان الانجاز لم يكن ممكنا بفضل المقاومة المسلحة بصفتها "الطريق الوحيد" لتحرير فلسطين، بل بفضل هذا الدمج غير المقصود بين المقاومة بكافة اشكالها وبين المسار السياسي . بفضل هذا الصمود الاسطوري لاهلنا وللمقاومة في قطاع غزة وصمود الموقف السياسي الفسطني المفاوض، فهل يمكننا ان نجعل من هذا الدمج نهجا مقصودا بعد اليوم بدل ان نختلف على عبثية "الطريق الوحيد"؟ وهل يمكن ان يرتقي المفاوض الفلسطيني الى مستوى التضحيات التي قدمها ويقدمها شعبنا المقاوم؟  ان المصالحة الفلسطينية لا يمكن بناؤها الا على اساس الدمج بين المقامة والتفاوض السياسي في آن معا، هذا هو طريق ونهج الشعوب التي نالت الحرية والاستقلال.
ثالثا، راقبت بالامس وما زلت اراقب صباح اليوم تلك الخطابات الرنانة في ساحات رام الله وبيت لحم لقيادات السلطة الفلسطينية اما حشود جماهيرنا الفلسطينية المتعطشة للحرية الاستقلال وكنس الاحتلال عن ارضها، واتفهم حاجات قيادات السلطة وقيادات فتح بالذات ان تعرض انجازا ما لنهج سسياسي لم ينجز الا القليل القليل بمالا يوازي الاخفاقات الكبرى التي فرضتها قوى الاحتلال الاسرائيلي برعاية امريكية كاملة وصمت اوروبي قاتل، ولكن لا بد من التذكير ان هذه التصريحات والوعود التي سمعناها مساء امس واليوم ليست كلاما يذهب مع الريح، لم يعد ممكنا انكار اي من  هذه الوعود في المستقبل، كل كلمة مسجلة بالصوت والصورة، شعبنا سيحاسب كل قيادي على ما صرح ووعد به، ولكن يقبل كلاما عاطفيا او ديماغوغيا بعد اليوم، بل يريد التزاما بالتصريح ووعدا صادقا لا انكارا.  ان التشكيك في اهمية القرار الذي اتخذته الجمعية العمومية ماء امس لا يمكن محوه من اذهان ابناء شعبنا واصدقائنا في العالم الا بالممارسة اللاحقة، لقد سمعتك تعد في خطابك ان يكون السلوك الفلسطيني المبني على هذا القرار "عقلانيا"






حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

غياب الأفق وآفاق الغائب



 

كغيري، لم تفاجئني المحكمة العليا بقرار "شطب الشطب" وإعادة النائبة جنين زعبي الى قائمة التجمع لانتخابات الكنيست المقبلة، ذلك ليس لان المحكمة العليا عادلة فعلا، وليس لأنها تناهض العنصرية ،وليس لانها تحفظ حقوق المواطنين العرب، اصحاب البلاد الاصليين، ونحن نعرف تاريخ هذه المحكمة وحكامها، بل لأن  قضاة المحكمة العليا، كما كان مؤسسو هذا الكيان، يعلمون جيد ان عضوا عربقيا في الكنيست اسهل الف مرة من عشرة الاف عربي في الساحات، وان السماح بنشاط علني معاد لسياسة الحكومة وحتى لماهية الدولة افضل الف مرة من خنق وشطب قد يخلق اساليب غير معلنة من النضال لشعب يعي واقعه وحقه المستباح ولا يركع وان اجتمعت دول العالم كلها ضده. ومن هنا، لا بد ان اؤكد، ان المحكمة العليا والدوائر المتنفذة في الدولة، ترى بمقاطعة الانتخابات خطرا اكبر بالف مرة من مشاركة النائبة حنين زعبي او غيرها في قافلة الحرية لكسر الحصار عن قطاع غزة، ولا بد من التذكير ان السلطات الاسرائيلية منحت المواطنين العرب جنسيات اسرائيلية لم يطلبوها ومنحتهم حق التصويت والترشح للبرلمان حتى في ظل الحكم العسكري بين 1948 -1966 .

هنا يجب ان نؤكد، ان كل هذا لا يجيز اتهام الاحزاب العربية، بما في ذلك الجبهة الديموقراطية (العربية – اليهودية)،  وممثليهم في الكنيست، بخيانة شعبهم، او انهم يعملون وفق اجندة صهيونية، لان مثل هذا الاتهام يحمل من التجني ما يحمله من الجهل للواقع المعقد الذي يعيشه ابناء شعبنا تحت السلطة الاسرائيلية. لقد اوضح ذلك، السيد واصل طه رئيس حزب التجمع بقوله: "ان مشاركتنا الانتخابات البرلمانية، في وضعنا المعقد، هو مساومة مع الذات اولا  وليس رغبة في المشاركة". في الواقع، لم تحقق الكنيست لهذه البقية الباقية من شعبنا في وطنها أي خير، وبغض النظر عن عدد النواب العرب فيها او نسبة تمثيلهم للمواطنين العرب في اسرائيل، بل أتت لهم، منذ تأسيها وحتى اليوم، بمزيد من القوانين العنصرية ومصادرة الاراضي وتحديد الحريات وخنق الهوية ومصادرة للسيادة الوطنية، والغاء حق السكان الاصليين في وطنهم لحساب المستوطنين الجدد، كل ذلك مقابل حق الترشح والانتخاب للبرلمان، وحق الكلام من غير ان يكون لهذا الكلام قوة لتجسيده الى عمل حقيقي او تشريع يعترف بالحقوق القومية والمدنية لشعبنا باعتباره صاحب البلاد، ولن يكون. ان نظرة سريعة الى نسبة العرب المشاركين في الانتخابات البلالمانية تؤكد انها في تناقص مستمر حتى انها لم تتعدّ نسبة 50% في الانتخابات الاخيرة، بما في ذلك التصويت للاحزاب الصهيونية. ان القدرات والمؤهلات الشخصية للنواب العرب ونشاطهم المثابر والمهني يصنفهم بين افضل اعضاء البرلمان في اسرائيلي على مدى عقود ولكن طبيعة المؤسسة وعبثية الدمج بين حقوق السكان الاصليين وما يطمح اليه المستوطنون الجدد، وهم حكام البلاد، يجعل من العمل البلماني نشاطا عاقرا.  

 

ان فحص الدوافع التي تجعلهم ينافسون على مقعد في البرلمان الصهيوني هو قناعاتهم ان البرلمان هو ساحة نضالية يجب استخدامها لنيل الحقوق او للتصدي الى مشاريع قوانين عنصرية يمكن ان تزيد الحالة سوءا على سوء. ومع تراكم السنين وبحكم انسداد الافق البديل استمر الحال على ما هو عليه حتى اصبح الدفاع عن الوجود العربي في الكنيست الصهيوني امرا حول التصويت من حق الى "واجب وطني" وكان أول من استخدم هذا المصطلح هو د.عزمي بشارة زعيم التجمع، وقد تحول هذا الشعار الى شعار عام دون التفكير او اعادة التفكير في مضمونه وتداعياته. اضافة الى ذلك، فالميزانيات التي يحصل عليه الحزب الممثل في الكنيست تجعله قادرا على الاستمرار في نشاطاته الحزبية ودفع اجور الموظفين والموظفات وتمويل الصحافة الحزبية وامور اخرى. ولكب اكون اكثر واقعية اقول ان الاموال التي توضع في تصرف اعضاء الكنيست تجعلهم يشعرون بقوة لم يحلموا بها، وان المعاشات الشهرية وما يتبعها من اضافات يجعل الصراع على عضوية الكنيست داخل الحزب الواحد تصل الى حد النزاعات الشخصية. يلعن ابو المال شو بعمل!!!

من هنا، يجب ان نقول بصراحة:  لسنا بحاجة الى الكنيست الصهيوني لتمنحنا شرعية لنضالنا، بل  ان الدولة هي التي تحتاج الينا في مؤسساتها العليا لتكسب في اعين العالم شرعية وجودها ووجود مؤسساتها. وهي التي تحتاج الى التحدث لممثلينا في البرلمان، عشرة كانو او اكثر او اقل، بدل التحدث مع مئات الالوف في الميادين والساحات دون معرفة ممثليهم الحقيقيين. المؤسسة الحاكمة هي التي تحتاج الة شرعنة نضالاتنا ضمن ما تشرعه الكنيست بدل ان نُشرع لأنفسنا اشكالا اخرى من النضال. كل هذا لا يعني ان نتنازل عن  الساحة البرلمانية والتمويل البرلماني لنشاظ الاحزاب، أي مقاطعة البرلمان الصهيوني، دون ان يكون لنا بديل تنظيمي ومادي يجعل برنامجنا السياسي محركا لحركة وطنية فلسطينية ديموقراطية لا تنفصل عن الحركة الوطنية الفلسطينية الام في الداخل والخارج على حد سواء. كانت هذه الافكار هي ما تراود غالبية المؤسسين للتجمع الوطني الديموقراطي في منتصف التسعينيات من القرن الماضي ولكن الطموحات الشخصية عند بعض القيادات والضرورة المادية لقيام مثل تلك الحركة واستمرارها  وغياب او تبدل برنامج الحركة الوطنية العامة ،هو ما جعل هذه الحركة الوطنية المحلية حزبا وجعل الحزب قائمة برلمانية تدور حول محور محدود لا افق له.   

 

اليف صباغ

مدونة حيفا برس

البقيعة 30.12.12


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الثلاثاء، 20 نوفمبر 2012

رسالة عاجلة الى الرئيس ابو مازن!

  مناقشة الطلب الفلسطيني المقدم الى الامم المتحدة.
   (نص يكشف عنه هنا لاول مرة)                                                                                               
                                               
 
قبل قليل تلقيت  اتصالا من صديق قديم فسألني ان كنت ما ازال مؤيدا لموقف السلطة الفلسطينية و م.ت.ف بتقديم طلب الى الأمين العام للامم المتحدة للحصول على عضوية دولة  مراقب في الامم المتحدة لتكون حدود الرابع من حزيران، بموجب الاعتراف المرجو، حدود الدولة الفلسطينية المعترف بها دوليا؟
قلت: نعم.
قال: وهل ما تزال تقول ان العناوين وحدها والبيانات الصحفية لا تكفيان لمعرفة حقيقة الموقف؟
قلت: نعم
قال: وهل ما زلت تقف عند النص والتفاصيل؟
قلت: نعم.  ولكن ...... ما تريد ان تقول بعد كل هذه الاسئلة؟
قال: اريد ان ابعث اليك بنسخة من الطلب الذي ينوي الرئيس ابو مازن تقديمه الى الامين العام للامم المتحدة بهذا الصدد، ولك ان تحكم عليه ان كان يوصلنا الى الهدف ام لا، ولم تمض دقيقة حتى تسلمت نسخة من الطلب المذكور. ومن هنا لا بد من توجيه الرسالة التالية الى الرئيس الفلسطيني.

السيد الرئيس محمود عباس!

قرأت نص طلبكم الموجه الجمعية العامةللامم المتحدة  والمؤرخ في  الثامن من نوفمبر 2012 ، باللغة الانجليزية  مترجما الى العربية، ولا اخفيك صدمتي من النص والمضمون والتفاصيل وحتى مفردات اللغة  المستخدمة، وهي هامة ايضا،  للاسباب التالية: 
اولا،  سابدأ ببعض المفردات على سبليل المثال:  لماذا نشير" الى  القرار 181 ولا نؤكده ؟ بينما "تؤكد" على قرار 242  لعام 1967وقرار  338 لعام 1973  وقرار 1397 لعام 2002 و قرار 1515 لعام 2003 و1850 لعام 2008؟ هل يعني ذلك سوى تنازل عن القرار 181 ، ليبقى في مستوى الاشارة، واستبداله بالقرار المطلوب  اليوم؟
ولماذا "تؤكد"  على "حق جميع الدول في المنطقة في العيش بسلام داخل حدود آمنة ومعترف بها دوليا"، دون ان نتنبه الى ان ذلك لا يشمل  الشعوب الواقعة تحت الاحتلال، ومنه"حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بكل اشكاله بما في ذلك العنف المسلح"، كما اقرته قرارات هيئات الامم المتحدة ايضا؟ هل يُعقل  ان تقر بحق لمن احتل ارضك دون ان تؤكد حق شعبك في مقاومة الاحتلال؟

ثانيا: في البند الاول من تلخيص المطالب، تعيد وتؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال في دولته المستقلة "على اساس حدود ما قبل العام 1967" (؟) ما هذا النص؟ وما معنى "على اساس"؟   ويبدو ان البنود اللاحقة  ( البند الخامس ) الذي تقول فيه ........."على اساس حدود ما قبل العام  1967 ، على ان يتم اعادة ترسيم وتحديد الحدود في مفاوضات الوضع النهائي" ..............(...with delineation of bordares.....)  لا يبقي مجالا لفهم النص المذكور الا على نحو يتعارض مع هدف الطلب المقدم الى الامم المتحدة،  فتعود الحدود الى موضوع للتفوض من جديد. في حين ان الهدف  الجوهري من التوجه الى الامم المتحدة ، كما تصرح للاعلام  صباح مساء،  هو الا تبقى حدود الرابع من حزيران موضوعا للتفاوض. 
ليس هذا فقط، بل يقول البند السادس من الطلب/ الوثيقة المقدمة الى الامم المتحدة ان حل مسألة اللاجئين ستجري بالتفاوض مع اسرائيل وفق  "مبادرة  السلام العربية" ، الم يحن الوقت بعد لنقر موت هذه المبادرة؟ الى يحن الوقت ليفهم المفاوض الفلسطيني  ان حق اللاجئين في العودة لا يمر عبر مبادرات عربية او غير عربية وانه غير قابل للتفاوض؟ الم يقل لك هذا ملايين اللاجئين الفلسطينيين خلال العشر سنوات التي لحت تلك المبادرة الميتة؟ لا احد ينكر عليك شخصيا ان تتنازل عن بيتك الخاص في صفد ولكن لم يعطك احد من اللاجئين حق التنازل عن بيته وعن حقه في العودة اليه والى ارضه المسلوبة.

فوق هذا وذاك، ما معنى ان  تعرب عن "الامل" في ينظر مجلس الامن "بعين العطف" في الطلب المقدم من قبل دولة فلسطين يوم 23 ايلول 2011 للنضمام الى العضوية الكاملة في الامم المتحدة. اليس هذا حق  مسلوب من الشعب الفلسطيني شاركت به غالبية الدول الاستعمارية وعلى رأسها امريكا، وليس منه من أحد؟ اوليس هذا حق طبيعي للشعب الفلسطيني وكان مجلس الامن قد سلبه اياه بتشريع قيام اسرائيل فوق الجزء الاكبر من الوطن الفلسطيني؟ ما هذا الاستعطاف؟. وما هذا الاسترضاء  للمحتل الاسرائيلي؟ الم ندرس تاريخ الشعوب والنظمة الاوروبية التي حاولت استرضاء هتلر عشية الحرب العالمية الثانية عله لا يهاجم دول الجوار؟

السيد الرئيبس،

اذا كان هذا هو النص المقدم الى الامم المتحدة
وان كانت هذه هي المبادي والمواقف التي تطلب بموجبها اعترافا بالدولة الفلسطيني مراقبا في الامم المتحدة.
اذا كان هذا هو النهج، نهج الاسترضاء.

فارجو الا تذهب الى الامم المتحدة !
ارجو الا تقدم الطلب المذكور !

لأن مثل هذا الطلب لا يلبي ادنى طوحات الشعب الفلسطيني،
ولانه يقدم تنازلات بعيدة المدى مجانا،
ولانه لا يحل  اسباب تعثر المفاوضات الحالية.
ولانه ، في هذه الظروف بالذات، لا يرقى الى مستوى ارواح  شهداءالشعب الفلسطيني، بل يستفز جراح الضحايا النازفة  في غزة. ولانه يقزم الحق الفلسطيني مقارنة بهذا الصمود الاسطوري لاطفال ونساء وشيوخ غزة الجريحة.

فهل وصلت الرسالة؟

اليف صباغ
البقيعة 20 نوقمبر 2012
مدونة "حيفا برس".





حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012


حول مؤتمر تجنيد الشباب المسيحي.

 

               لا تلطخوا أثواب الكهنوت او اخلعوها عنكم!

المسؤولية جماعية للمسلم والدرزي والمسيحي على حد سواء، وليبدأ كل منا بنفسه.

من يتنازل عن تاريخه المشرف ويستبدل انتماءه الوطني بانتماء المواطنة فهو خاسر ولو بعد حين.

تناولت وسائل الاعلام المحلية وكذلك صفحات الفيسبوك يوم ومساء أمس موضوع المؤتمر الذي عقدته جهات امنية في نتسيرت عليت بهدف تحفيز الشباب المسيحيين في بلادنا للتجند في الجيش الاسرائيلي، وشارك في هذا المؤتمر عدد من رجال الدين المسيحيين، وقدموا مداخلات لا نعرف مضمونها، ولكن مجرد مشاركتهم، وافتتاح المؤتمر بصلاة "أبانا الذي في السماوات".. واختتامه بنشيد "هتكفا"، يعني الكثير الكثير ومن هنا ارتفعت الاصوات الغاضبة.

الملفت للانتباه ان وسائل الاعلام المحلية تحدثت بالأمس، 29 اكتوبر، عن مؤتمر عُقد في نتسيرت عليت يوم 16 اكتوبر، أي بتأخر كبير يلفت الانتباه. والمثير ايضا ان اهالي الناصرة ومجلس الطائفة الارثوذكسية، على سبيل المثال، لم يعلموا بالامر الا من خلال وسائل الاعلام، هل يعقل؟ واذا كان مجلس الطائفة الارثوذكسية قد اصدر بيانا واضحا وجريئا من هذا الموضوع فاين هي الهيئات التمثيلية للطوائف المسيحية الاخرى؟ خاصة وان رجال دين وفرق كشفية غير ارثوذكسية شاركت في هذا المؤتمر؟

ربما لو ان المؤتمر المذكور ضم افرادا من هذه الطائفة او تلك بصفتهم الشخصية لما اثار كل هذا الغضب، واكتفينا بالتعبير عن القرف والتقزز من المشاركين فيه فقط، اما وانه ضم رجال دين، باثوابهم الدينية، فلا بد من تأكيد ما يلي: اولا، نحن لسنا ضد تدخل رجال الدين المسيحيين في السياسة من خلال التعبير عن مواقفهم الانسانية الروحية والوطنية وليس اكثر، وهذا يضمن أن يحترموا ثوبهم الديني وألا يطلخوه بثياب الاحتلال والقمع والقتل لابناء شعبنا ومنهم أبناء الطائفة المسيحية.  وليتذكر رجال الدين ان ثوبهم الديني لا يمثلهم بشكل فردي فقط بل يمثل أبناء "رعيتهم" عامة، ولذا فمن أراد ان يسير في درب لا تتلائم مع القيم الروحية والوطنية الحقة، فليخلع ثوبه ويرحل عنا الى غير رجعة، وليفعل، بصفته الفردية، ما يشاء. ثانيا، ولكي لا يسألني أحد، لماذا توجه سهامك الى الكهنة وليس الى قياداتهم الروحية؟ اقول: ان كلامي موجه الى الرئاسة الروحية أولا ولا استثني أحدا. ولا يجوز ان ننسى مواقف مشابهة للمطران شقور من التجنيد او الخدمة المدنية، او ننسى ان البطريرك ثيوفيلوس قام قبل شهرين فقط، بالمشاركة في لقاء رجال الدين المسيحيين والمسلمين في استنبول تحت رعاية اردوغان وبطلب طارئ من السفارة الامريكية في اسرائيل، ذلك اللقاء الذي رفض بطريركي القسطنطينية وانطاكيا المشاركة فيه، لأنه يعطي لاردوغان رعاية لا يستحقها وهو يشارك، مع امريكا واسرائيل، في تهجير المسيحيين من الشرق. وللتأكيد، لا أستغرب أبدا ان يكون الكهنة قد شاركوا في مؤتمر التجنيد المخزي بتكليف من رئاساتهم الروحية، العربية او اليونانية، وهذا ما كنت انتظر توضيحه من الأب نداف مساء أمس، من خلال صفحتة الخاصة على الفيسبوك، الا انه، وللاسف،رفض ذلك، وعليه فهو يتحمل مسؤولية أفعاله.

لا ينكرن احد ان المسيحيين في الشرق يتعرضون الى اضطهاد وقتل وذبح من قبل جماعات تكفيرية تدعي الاسلام، ولكن هذه الجماعات لا تعمل وحدها ولا تقتل المسيحيين وحدهم، ويجب ان نرى من هي القوى التي تساندها. اليست اوروبا المسيحية، وأعني فرنسا والمانيا وايطاليا وبريطانيا؟ أوليست أمريكا المسيحية او المسيحية المتصهينة؟ أوليست اسرائيل الصهيونية ايضا؟ التي تدعون الشباب للتجند في صفوف جيشها؟ ومن هو الذي يدافع عن هؤلاء المسيحيين العرب في سوريا بالتحديد؟ أليس المسلمون العرب من ابناء هذه الامة الذين عاشوا مع اخوانهم المسيحيين منذ اكثر من 1400 عام؟ وكذلك روسيا المسيحية والصين الملحدة؟ اذن فالاصطفاف ليس طائفيا، بين مسيحيين ومسلمين، بل هو سياسي بين قوى اقليمية ودولية كل تبحث عن مصالحها، وكل ادعاء بان التجند للجيش الصهيوني يأتي بدوافع الدفاع عن المسيحيين هو محض كذب ووقاحة. ومن هنا يجب ان نوضح ان مسؤولية مقاومة تجنيد الشباب المسيحيين في جيش الاحتلال لا تقع على المسيحيين وحدهم، بل تقع على عاتق الجميع كل في زاويته وفي بيته وطائفته، ومن موقع مسؤوليته، وهنا يتحمل رجال الدين عامة مسؤولية مضاعفة في الرعاية والتوعية وتقديم النموذج الحسن.

من يعتقد ان التسلح يحميه او ان التجند في جيش الاحتلال يعطيه حقا مسلوبا، فليسأل اخوانه من الدروز والبدو الذين تجندوا لجيش الاحتلال. ماذا جنوا سوى المزيد من الابتعاد عن شعبهم، والمزيد من التخبط بين انتماءاتهم والمزيد من فقدان ابنائهم في الحروب. وإذ نحن الآن في الذكرى الخامسة لاحداث اكتوبر 2007 في البقيعة، اسألوا أبناء البقيعة، الدروز منهم بالذات، هل حققوا انجازا بالسلاح، وان كان موجودا في البيوت؟ ام انهم حققوه بوحدتهم ووعيهم ومثابرتهم واصرارهم على طرد المستوطنين من القرية؟ وان اردتم عنوانا آخر، اسألوا أبناء قرية برعم المهجرة، الذين تجندوا في الجيش الاسرائيلي طمعا في الاندماج وتطمين المؤسسة الحاكمة، هل عادوا الى قريتهم؟ واسألوا أبناء النقب الذين يعيشون في بيوت من الصفيح، هل اعترفت المؤسسة الصهيونية بحقوقهم الاساسية؟ هل اعترفت بقراهم؟  هل شفعت لهم الخدمة العسكرية و"الموت في سبيل الدولة" ؟ وفي العمق نقول: لا يمكن القبول بمبدأ الواجبات شرطا لتحقيق الحقوق في أي دولة في العالم، انه مبدأ مخالف لكل القواني الدولية. وفي العمق ايضا، لا يمكن التوفيق بين الانتماء للوطن المحتل والانتماء للدولة التي احتلت وطنك. وعلينا ان نذكر دائما او الوطن ابدي أما الدول فهي عابرة.

ولا ينكرن احد ان المسيحيين في وطن السيد المسيح يتعرضون الى مضايقات في حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما الى ذلك. فمن المسؤول عن اتساع هذه الظاهرة ؟ اليس الاحتلال الاسرائيلي الذي يخنق كل حرية ونشاط؟ اليست الحكومة الاسرائيلية هي المسؤولة عن تناقص عدد الموظفين المسيحيين في سلك التعليم والوظائف الحكومية الاخرى؟ اليست الحكومة الاسرائيلية والمؤسسات الصهيونية عامة، ومن دعمهم من مخابرات دولية، هم المسؤولون عن حماية النفوذ اليوناني وسيطرته على مؤسساتنا الروحية واوقافنا لكي يتمتع بها اليهودي واليوناني بدلا من  صاحب الحق الطبيعي؟ اليست الحكومة الاسرائيلية هي التي تمنع من ابناء الطائفة المسيحية الارثوذكسية اقامة جسم قانوني يمثل ابناء الطائفة في المحافل القضائية ضد الطغمة اليونانية المتغطرسة؟ ولا استثني من المسؤولية الجهلة والمنتفعين من ابناء الطائفة.  لا انكر ابدا ان المسؤولية عن الظاهرة تقع ايضا على عاتق مركبات مجتمعنا كافة. نعم على "الاكثرية" كما "الاقلية"، في كل قرية ومدينة، وعلى طول ابلادنا وعرضها، وهي تتطلب ارتقاءا الى مستوى المسؤولية الجماعية، والى مستوى عميق من الوعي الوطني والانساني، يبدأ بتصريحات السياسيين وافعالهم، مرورا بحديث الوالدين مع ابنائهم. لا تسمحوا لابنائكم ان ينضموا الى قطيع الاغنام الذي لا يرى الا ما يغطي سطح الارض. لا تسمحوا لهم ان يكونوا كالعُربان، "فلا يقوون الا على الصغائر" ، و"لا يستقوون الا على أهلهم وذويهم".  

كالعادة، يقوم بعض المنتفعين باستغلال الجهلة او الفاشلين، باسم الدين او الطائفة تارة؟ وباسم المصلحة تارة أخرى،  مستغلين ضائقتهم الاقتصادية او الاجتماعية لدفعهم في اتجاهات تكرس ضائقتهم وجهلهم، فمن اختار ان يكون من قطيع الاغنام فليذهب الى غير رجعة، ومن إختار ان يحافظ على أوسمة الشرف التي أورثها لنا آباؤنا وأجدادنا فلينتصب، لان الاغنام تطأطئ رؤؤسها على الدوام.

 

اليف صباغ

مدونة حيفا برس

30 اكتوبر 2012



حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الجمعة، 26 أكتوبر 2012

صفحات انتخابية 2



                     تحالف فنكلشطايني خطير

  تحالف يستعد لشن عدوان عسكري على ايران وعدوان اقتصادي على المواطنين الفقراء


  اعلن بنيامين نتانياهو وافيغدور ليبرمان بالامس عن تحالف حزبيهما-الليكود واسرائيل بيتنا- في قائمة انتخابية واحدة لخوض معركة الانتخابات الاسرائيلية القادمة في الثاني والعشرين من شهر كانون ثاني 2013، الامر الذي وصفة المراقبون "بالهزة السياسية" التي فاجأت الجميع بما في ذلك قيادات حزب الليكود، الذين لم يعرفوا عن نية زعيمهم تحالفه مع ليبرمان، وهذا إن اشار الى شيء فهو يشير الى ما قاله الوزير موشيه كحلون بعد استقالته المفاجئة والغامضة من الحياة السياسية، رغم نجاحه المشهود، بان "الليكود قد يفقد السلطة بسبب سياسة نتانياهو داخل حزب الليكود". هل يعقل ان يُقدِم رئيس الحزب، نتانياهو، حتى وان كان رئيسا للحكومة، على خطوة كبيرة من هذا النوع دون التشاور مع قيادات مثل مريدور وبيغن وايتان وغيرهم؟ هل يعقل الا يؤثر هذا القرار سلبا على هؤلاء ومن والاهُم وعلى الحياة الحزبية بشكل عام؟ هل اصبح نتانياهو ملكا ، آمرا، ناهيا، في الليكود دون معارض له؟ وانهم يخشون سطوته وقدرته على تهميش من يعارضه الرأي وبالتالي عزله سياسيا؟ واذا كان هذا هو سلوك نتانياهو تجاه زملائه في قيادة الحزب وهم الذين يقدمون له كل الدعم والتغطية الدولية، وهم يعضون على جراحهم، جراء سياسته العدوانية تجاه أهم حليف دولي أي امريكا، فكيف يكون سلوكه تجاه حلفائه المستقبليين في الحكومة او تجاه الطبقات الفقيرة التي تعاني ما تعانية من جراء سياسته الاقتصادية؟

في المؤتمر الصحفي، بالامس، صرح نتانياهو وليبرمان على حد سواء ان الدافع لمثل هذا التحالف هو ضرورة قيام حكومة قوية في المستقبل تعتمد على حزب قوي وكبير، تستطيع اتخاذ القرارات المصيرية "للوقوف ضد المشروع النووي الايراني" ولاتخاذ "خطوات جريئة في السياسة الاقتصادية"، دون حسابات كثيرة لمركبات البرلمان او الحكومة. من هنا لا بد ان نفهم ان الحكومة القادمة التي يخطط لها نتانياهو وليبرمان ستكون حكومة حرب وعدوان وسحق للطبقات الفقيرة في آن معا. وهنا لا بد من استحضار ما قاله زميل نتانياهو ومنافسه من اليمين داخل الليكود، موشيه فيغلين، من ان نتاياهو يخشى من فقدان دعم حزب شاس برئاسة درعي لحكومته القادمة، وتشكل هذه الخطوة استباقا للاحداث. وهنا لا بد من التذكير بان القانون الاسرائيلي لا يعطي لاكبر حزب حق تشكيل الحكومة بشكل اتوماتيكي، بل يعطي الفرصة لاكثرعضو كنيست حصل على توصيات من أعضاء الكنيست الآخرين لتشكيل الحكومة.

الملفت للانتباه، هو ما تناقلته وسائل الاعلام في اليوم التالي ومفاده ان ارثور فنكلشطاين هو الراعي لهذه الوحدة وقد تم الاتفاق عليها منذ شهرين بين الزعيمين دون ان يعلم بها أحد. ويذكر ان فنكلشطاين هو مستشار انتخابات امريكي، مثلي الجنسية، عُرف بتنظيم حملات انتخابية عنيفة، امريكية واسرائيلية، كما عرف بمواقفه اليمينية.

بناء على ما تقدم، يمكن ان نستنتج ما يلي:

اولا، سيكون لهذا التحالف اثره على الخارطة السياسية، بمعنى المجموعات الحزبية، كما سيؤثرعلى الخارطة الحزبية في اسرائيل، وربما يدفع احزاب اخرى الى التحالفات المسبقة تماشيا مع رغبة جمهور الناخبين في رؤية التحالفات المحتملة مسبقا، ومع رغبة الجمهور في تأييد الطرف القوي والشخصية الكارزماتية.

ثانيا، يؤكد هذا التحالف ان كل ما شهدناه من خلافات بين نتانياهو وليبرمان خلال السنوات السابقة لم يكن اكثر من تمثيل ادوار، ليبرمان يهاجم الرئيس محمود عباس ونتانياهو يصرح بان ليبرمان لا يعبر عن رأي الحكومة، ليبرمان وموظفو وزارته يهينون السفير التركي ونتانياهو يأسف لذلك... وكم شهدنا من هذه التمثيليات خلال السنوات الاربع الماضية؟

ثالثا، يؤكد هذا التحالف ان هناك قوى اقتصادية وسياسية ، بما في ذلك خارجية قادرة ان توحيد قوى اليمين، الامر الذي لا يتوفر لمن يسمون انفسهم باليسار.

والملاحظة الاخيرة، ان اليمين الاسرائيلي يفرض اجندته السياسية الامنية على الحياة الانتخابية باساليب مختلفة ويبدو ان المعارضة تنجر الى ذلك دون ان تحاول وضع الاجندة الاقتصادية والاجتماعية في صلب المعركة الانتخابية، ولو استمر الوضع على هذا النحو فسنجد ان الطبقات الوسطى والفقراء، اكثر المتضرربن من سياسة نتانياهو الاقتصادية والاجتماعية، هم من يعيدون نتانياهو الى الحكم من جديد، لأن البحث عن الامن الشخصي والجمعي عشية الانتخابات ينسي الفقراء همومهم المعيشية ولكنه يوقظها بعد فوات الاوان.

 

اليف صباغ

مدونة حيفا برس

26 اكتوبر 2012



حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الخميس، 25 أكتوبر 2012

صفحات انتخابية

صفحات انتخابية

                   بين الانتخابات الاسرائيلية والتصعيد العسكري                                


اذا كان سقوط الحكومات الاسرائيلية وتقديم موعد الانتخابات يجري على خلفية اجندة داخلية، وهي بالاساس اجندة اجتماعية واقتصادية، فان الحملات الانتخابية تجرى على خلفية اجندة خارجية وبشكل خاص اجندة عسكرية.  من هنا يمكن ان نفهم كيف يستطيع اليمين الاسرائيلي ان يوجه اللطبقات الفقيرة صفعات اقتصادية موجعة  ويعود ليكسب تأييدهم في الانتخابات، وهكذا يمكن ان نفهم سعيي اليمين المنتطرف الى التصعيد العسكري ضد غزة،  والقيام بعملية عسكرية كبرى في السودان، بعد ان فشل في تجنيد امريكا لشن عدوان عسكري ضد ايران.
لكن، لهذا التصعيد عدة دلالات، عدا عن التوقيت المرافق للانتخابات، لا بد من الاشارة اليها وأهمها:
اولا، عادت مصر الى القيام بدورها السابق في تهدئة الاجواء والتنسيق الامني للوصول الى هدنة ما بين اسرائيل وحماس، ويؤكد المعلقون السياسيون الاسرائيليون ، الذين رافقوا جهود التنسيق والتهدئة سابقا وحاليا، ان مصر تقوم بالدور المطلوب منها على افضل وجه وان الطاقم المصري هو نفسه مع تغييرات طفيفة .
ثانيا، أشار المراقبون الاسرائيليون الى ان الرسائل التي وصلت الى اسرائيل مباشرة من حماس او عبر مصر او جهات أخرى تؤكد ان حماس غير معنية بالتصعيد وانها قادرة ومستعدة لضبط الاوضاع الامنية في القطاع  لمنع اي صدام مع الجيش الاسرئيلي ( وهذا هو المطلب القطري تحديدا)، ومن هنا نفهم ان تبني حماس والوية الناصر للعملية  التي اصيب فيها الضابط الاسرائيلي بجراح خطيرة، بعد يومين من تبني الجبهة الشعبية للعملية، وبالذات بعد مغادرة امير قطر ارض القطاع، جاءت لتقول ان كتائب القسام لا تتأثر باموال قطر وان المقاومة ما تزال مستمرة  على نهجها السابق بان ترد على كل اعتداء اسرائيلي.
ثالثا، ان قيام سلاح الجو الاسرائيلي بعملية عسكرية في السودان التي تبعد 2000 كم عن حدودها، فيما تبعد ايران 1600 كم، وقيام الطائرات الاسرائيلية بقصف مخازن اسلحة ومصانع عسكرية بالقرب من العاصمة الخرطوم، دون ان يضع مجلس الامن اي "خطوط حمراء" للسياسة العدوانية الاسرائيلية، ودون ان تقوم السعودية او الاردن بمنع الطائرات الاسرائيلية بالتحليق فوق اجوائها للوصول الى السودان، يشكل امتحانا اضافيا لهذه الممالك التي لا تملك  اجواءها، وانه في حالة قررت  فيها اسرائيل والولايات المتحدة شن عدوان عسكري على ايران، لا يمكن لهذه الممالك ان تمنعهم من استخدام اجوائها؟  وهي، اي العملية العسكرية، تشكل تدريبا عملياتيا تؤكد فيه اسرائيل لامريكا ولنفسها وللعالم ان سلاح الجو الاسرائيلي قادر على القيام بعملية معقدة من هذا النوع وعلى بعد 2000 كم ايضا، وهنا لا بد من التذكير بان عمليات من هذا النوع تتطلب عملية تنويم لشبكات المواقبة الالكترونية، او ما يسمى في اسرائيل طبالحرب الالكترونية" وهذا ما حدث بالأمس ايضا.

هكذا يفعل بيبي نتانياهو  هذه الايام ، كما فعل في الماضي اسلافه في اليمين عشية كل انتخابات، وهو يختار التصعيد ضد قطاع غزة والسودان لتحقيق نجاحات يعصب تحقيقها في ساحات اخرى.  ومن هنا، يخطئ من يتوقع ان اسرائيل ستلتزم بالتهدئة حتى لو التزمت بها حماس ، ويخطئ من يعتقد ان مصر الاخوانية ستكون مختلفة عن مصر مبارك في الدور الذي تلعبه في العلاقة بين اسرائيل وحماس، ويخطئ من يعتقد ان المشاريع القطرية سيتم تحقيقها على الارض بالفعل وبالسهولة المرغوبة. إذن لن  نتفاجأ اذا ما علمنا ان تحقيق مشاريع الاعمار تتطلب تنسيقا مصريا اسرائيليا وخاصة ادخال معدات ثقيلة الى القطاع.


اليف صباغ
25 اكتوبر 2012
مدونة حيفا برس

حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

لا تلوموا الضحية! بل انظروا الى ما بعد بعد غزة!



 

               لا تلوموا الضحية واٌنظروا إلى ما بعدَ... بعدَ غزة!

حضر أمير قطر، حمد بن جاسم آل خليفة، وزوجته الشيخة موزة، بالأمس الى قطاع غزة في زيارة استمرت ست ساعات، فاستُقبل هناك، من قبل حركة حماس، استقبال "الفاتحين"، وأعلن رئيس الحكومة المقالة اسماعيل هنية باسم الضيف ان الزيارة تشكل كسرا نهائيا للحصار الاسرائيلي على القطاع، هل حقا؟ وبدوره، أشاد الضيف بصمود أهل غزة الذين واجهوا العدوان الاسرائيلي بطائراته المحملة بالفوسفور الابيض والمصبوب فوق أهل القطاع، "بصدورهم العارية وجباههم العالية"..... "فكانوا مفخرة للعرب أجمعين". يبدو هذا المشهد مربكا ومعقدا حين نتذكر، ويتذكر أهالي غزة بالذات، ان الفوسفور الابيض نقل الى اسرائيل من قاعدة السيلية في قطر على طائرات أمريكية، ليُصبّ نارا حارقة وقاتلة فوق رؤوس الاطفال والنساء والرجال ذوي "الصدور العارية" في قطاع غزة، ومن منا لا يتذكر تلك الصورة التي التقطت لامير قطر هذا وهو يلتقط صور الطائرات الامريكية المقلعة من السيلية محملة بالفوسفور الابيض من هناك الى سماء القطاع؟ وهل من فارق بين الطائرات الامريكية والاسرائيلية؟ ويبدو الأمر اكثر تعقيدا حين يُستقبَل هذا الأمير بالذات استقبال "الفاتحين" مقابل دعم مالي يبدو كبيرا، ويحق لكل منا ان يتساءل: هل هذا المال هو تعويض لذوي الضحايا او للضحايا الذين ما زالوا يعانون ويلات تلك الحرب؟ ام انه تبرئة للذمة يقدمها امير قطر تعويضا عن خطاياه الكثيرة تجاه شعب فلسطين؟ ام محاولة لشراء الذمم وتحويل المسارات السياسية بما يخدم مخططات قطر ومن يسيّرُها؟ ام عقابا للسلطة الفلسطينية التي لم تستطع التجاوب مع المطلب القطري الامريكي الاسرائيلي بالتراجع عن مطلب الاعتراف بحدود الدولة الفلسطينية في الامم المتحدة؟ أم ان الخطوة تأتي ضمن استراتجية اقليمية بعيدة المدى آخذة بعين الاعتبار الاحداث الجارية على المستوى الاقليمي من تونس وحتى سوريا مرورا بليبيا مصر والسودون، والمتغيرات الحاصلة او المرغوبة؟ وكل ذلك بالتنسيق الكامل مع اطراف اقليمية ودولية. أم ان كل هذا الامور مجتمعة وغيرها هي التي دفعت بأمير قطر ان يخطو هذه الخطوة، وهي بدون شك مثيرة للبعض ومربكة للبعض الآخر، وتستأهل ان نقف عندها بتمعن وموضوعية. وخوفا من تفسير الزيارة والدعم المادي على انها شراء للموقف الوطني الحمساوي اعلن اسماعيل هنية خلال استقباله للامير ان "حماس لن تتنازل عن ذرة واحدة من تراب فلسطين" ومن يدري؟ ان غدا لناظره قريب...

قد يتساءل بعضنا، بحميّة وغضب صادقين، وعلى خلفية احتضان قطر للقواعد الامريكية وعلاقاتها المفضوحة مع اسرائيل، كيف يمكن ان يستقبله أهالي غزة الجريحة دون علاج او دواء، الجائعة دون غذاء او ماء كافيين، المظلمة الا من "أضواء" النيران المعادية، والمحاصرة من الصديق والعدو على حد سواء؟ كيف يمكن ان يستقبله اصحاب "الصدور العارية" وهم يعيشون مع اطفالهم في العراء منذ اربع سنوات، بغير "الأحذية المهترئة" ؟ كيف لا يقابَل بشعار "لا اهلا ولا سهلا" على الاقل؟ وهو الحليف لاعداء الشعب الفلسطيني، امريكا واسرائيل؟ وهو الراعي  لضرب روح المقاومة وظهرها السوري حين غابت ظهور العرب الاخرى؟ اسئلة محقة، ولكني مع كل ذلك ورغم الجراح والآلام، لا ألوم أهالي غزة، لانني لا الوم الضحية، ولأنني لا أشكك في وعي أهلنا هناك وقدرتهم على التفريق بين العدو والصديق، وما الخطابات السياسية لمن يرون بانفسهم ممثلين للشعب الا نفاقا يحضر مع الربح ويذهب مع الريح. والفارق دائما نقطة.

قد يتساءل آخرون كيف يمكن ان تعلن وزارة الخارجية الاسرائيلية، معارضتها للزيارة مع ان مندوب قطر في غزة اعلن مسبقا ان الزيارة تتم بعد التنسيق الكامل مع اسرائيل ومصر؟ هل هي محاولة اسرائيلية لاظهار امير قطر بالوجه الذي يرغب به الفلسطينيون، أي عدوا او خصما للمحتل الاسرائيلي؟ ام ان ذلك هو الخطاب المعهود لوزارة الخارجية بوجهها المعروف افيغدور ليبرمان وبمواقفه المتحدية والمنافسة في التطرف لرئيس الحكومة نتانياهو؟ خاصة عشية الانتخابات البرلمانية. فلا غرابة في مثل هذه المنافسة اليمينية عشية الانتخابات البرلمانية في اسرائيل، ولا غرابة ايضا في تصعيد عسكري دموي ضد اهالي قطاع غزة بالذات.

محللون سياسيون وعسكريون ورجال مخابرات في اسرائيل يرون الزيارة القطرية بعيون مختلفة وتبدو اكثر بعدا مما يراه القادة السياسيون في اسرائيل. فعلى موقع "هآرتس" كتب المراسل السياسي آفي سخاروف مع زميله المراسل العسكري عاموس هرئيل، قبل يوم من زيارة الامير القطري انه تم "الاتفاق على ان تعلن حماس بهذه المناسبة عن كسر الحصار الاسرائيلي على القطاع"، وهذا ما تم في اليوم التالي فعلا، وان الزيارة ستتم "بالتنسيق الكامل مع اسرائيل ومصر"، عكس ما صرحت به وزارة ليبرمان في اليوم التالي.

الملفت للانتباه هو ما قام به محللون عسكريون ومخابراتيون من خلال موقع "ديبكا" وتسليط الاضواء على البعد الاقليمي لهذه الزيارة ضمن متغيرات القوى الحاكمة اقليميا والتحديات التي تواجهها قطر ومن يوجه سياستها في المنطقة. ويرى هؤلاء ان امير قطر لم يزر غزة بصفته متبرعا كبيرا وكريما، حتى وان كانت المشاريع المدشنة تحمل اسمه، الا انه جاء "كحاكم دولة، وان كانت صغيرة الحجم، الا انها تلعب في الآونة الاخيرة دور دولة اقليمية كبرى تؤثر في الاحداث وتقودها الى واقع شرق اوسطي جديد، تتبدل فيه القوى الحاكمة"، مع نظرة مشابهة الى الحالة الفلسطينية اذ اشار امير قطر الى ذلك في خطابه وفي زيارته من خلال التعامل مع كيانين فلسطينيين وليس كيانا واحدا. واهم ما اشار اليه المحللون انه ستكون لهذه الزيارة "ابعادا سياسية واستراتيجية وعسكرية على المدى البعيد، على اسرائيل والاردن ومصر والسلطة الفلسطينية برئاسة ابو مازن"، ففي بعض البلدان حيث دعمت قطر عملية التغيير فيها مثل ليبيا وتونس ومصر ترتد بعض القوى على خالقها، ويحتد الصراع بين الحركات الاسلاموية من القاعدة والسلفيين والاخوان المسلمين، وهذا ينعكس على الحالة الفلسطينية في قطاع غزة، ومن هنا، يقول المحللون، جاءت ضرورة التدخل القطري لحسم هذا الصراع لصالح حماس من خلال هذه الزيارة والدعم المادي الكبير لترميم ما زرعته الحرب من دمار. ويضيف الكاتب، ان "آل ثاني، الذي يئس من قدرة مصر، المفلسة ماديا، في السيطرة على ما يجري في سيناء وقطاع غزة، يعلم جيدا انه بدون تثبيت سلطة حمساوية قوية في غزة تفرض هيبتها على بدو سيناء وعلى الجماعات السلفية وعلى تجارة وتهريب الاسلحة الجاري بين ليبيا ومصر سيناء وقطاع غزة، ستفقد قطر تدريجيا سيطرتها وتأثيرها في ليبيا، ودورها الاقليمي، وهذا هو السبب الرئيس لحضور آل ثاني الى غزة وتقديم الدعم بما يقارب ربع مليارد دولار لاعادة الاعمار". وهذا سبب كاف في رأي المحللين الاسرائيليين، لمزيد من التصعيد العسكري على الحدود مع قطاع غزة في المستقبل القريب.

لا يفوتنا ان نذكر ايضا ان الزيارة القطرية جاءت استكمالا للتعهدات التي قطعتها قطر على نفسها ضمن صفقة شاليط، وقد اشار اليها هنية في خطابه المذكور، كما لا يفوتنا ان نرى ما تعد له اسرائيل وامريكا من عدوان مرتقب على لبنان او سوريا او ايران وضرورة ان يكون قطاع غزة هادئا تحت النفوذ القطري الحليف لامريكا واسرائيل في هذا الصراع.

 

اليف صباغ

مدونة حيفا برس

24 اكتوبر 2012


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الأحد، 21 أكتوبر 2012

                          بين نظرية المؤامرة والتحليل السياسي

 
قد يصعب التحليل السياسي العلمي لحدث معين احيانا وتلتبس الامور على المهتم فيذهب الى السؤال، من المستفيد؟ فيبني عليه جوابا واحدا وليصل سريعا الى الاستنتاج الاوتوماتيكي ان المستفيد هو الفاعل وان الاستفادة هي الدافع للقيام بالفعل. قد يكون هذا المنهج صحيحا احيانا قليلة فقط، وليس دائما، وقد يوصل الى الجواب الصحيح، لان للاعمال اهداف وفوائد مرجوة، لكن الاستكانة في البحث  عن جهات اخرى مستفيدة ايضا واستسهال المنهج هو كسل مقيت قد يوصل الى الخطأ ، وحتى الى التورط في "نظرية المؤامرة" وفق مفهومها الحقيقي وليس المتداول.
وللتوضيح، يكمن جوهر "نظرية المؤامرة" في القاء المسؤولية والتهمة على طرف معين دون دليل حسي، بحجة انه الطرف المستفيد، وفق وجهة نظر ما، مع تعظيم غير واقعي لقوة ذلك الطرف وقدرته على التخطيط والتنفيذ واخفاء الدليل وما الى ذلك. ومن هنا فان التحليل الموضوعي لحدث ما لا يحصل الا بالاطلاع على الحقائق الموضوعية المرتبطة بالحدث  والدليل الحسي وربطها بشكل منطقي يقبله العقل مع الاخذ بعين الاعتبار التجربة التاريخية  ومصالح الاطراف المعنية دون اتهام مسبق او استثناء لطرف مستفيد من الصورة المتكاملة. وفي كل الحالات يبقى الدلبل الحسي هو العامل الحاسم في تحليل المشهد، اما المستفيد او المنطق فهي ادوات التحليل التي لا ترقى الى مستوى الدليل بأي شكل.
اسوق هذه المقدمة العامة قبل الدخول في تحليل القضية العينية وهي حادث اغتيال العميد وسام الحسن رئيس فرع المعلومات في قوى الامن اللبناني لكثرة ما تقوم جهات اعلامية وسياسية باستغباء الناس وتسخيف وعبهم.  وبما ان الدلائل التي يمكن ان تشير باصبع الاتهام الى الفاعل غائبة في الوقت الحاضر فانني اتفهم استخدام المنهج المعتمد على السؤال، من هو المستفيد؟ وكيف؟ وهل توجد لدى المستفيد الدوافع الكافية للقيام بهذا العمل؟ وهل يمكن للتجربة السابقة ان تعزز الاستنتاج بان المستفيد هو الفاعل؟ ولكن كل ذلك لا يكفي للوصول الى الحقيقة.
  • للوصول الى الحقيقة الموضوعية لا بد من استخدام العقل وادوات التحليل، ولا بد من معرفة الجهة المتهمة على اعتبار انها المستفيدة ايضا، ومنهجية وادوات عملها وقدراتها وسلوكياتها السابقة ومصالحها، ولا بد من اخذ كل الحقائق او المعطيات المعروفة بعين الاعتبار، وهي تساعدنا في تكوين صورة متعددة الابعاد، ولا بد من استيضاح كل وجه من هذه الوجوه بما يتضمن من تفاصيل ومعطيات، ومن هذه المعلومات: اولا، ان وسام الحسن كان في زيارة رسمية او عائلية الى فرنسا سويا مع العميد اشرف ريفي مدير الامن الداخلي، وانهما اتفقا ان يعودا الى لبنان كل على حدا، لاسباب امنية دون تحديد زمان وطريق العودة، وان الريفي، كما صرح هو، لم يعرف ان الحسن قد عاد الى لبنان  قبل يوم واحد فقط من اغتياله ، الا بعد الاعلان عن اغتياله  في حادث التفجير المذكور. ثانيا، ان التفجير حدث في حي الاشرفية وهو حي مسيحي وليس سني، وبالقرب من مكاتب حزب الكتائب وليس حزب الحريري، وان العميد الحسن كان ينام في ذلك الحي، وتحديدا في احد البيوت الاربعة التي يتنقل بينها ، ومن يعرف عن وجود هذا البيت في تنقلاته هم قلائل جدا، حتى ان الريفي ليس منهم، وان احدا لا يعرف ما هي السيارة التي يتحرك بها العميد الحسن. ثالثا، كان يفترض ان يشارك وسام الحسن ، وفق مسؤول مصري صرح لوسائل اعلام لبنانية، في دورة لضباط امنيين من عدة دول عربية، في القاهرة، الاسبوع القادم، للتباحث في كيفية التصدي لللنشاط المتزايد للحركات السلفية والقاعدية في الشرق الاوسط. رابعا، يعتبر فريق الرابع عشر من آذار ان الحسن هو رأس الحربة في مقاومة اي نشاط سوري في لبنان وهو المسؤول عن "احباط مخطط سوري للقيام بسلسلة تفجيرات في لبنان بواسطة الوزير السابق ميشيل سماحة"، المعتقل حاليا بهذه التهمة. خامسا، يعتبر فريق الثامن آذار ان وسام الحسن هو احد المسؤولين عن اتهام سوريا  اولا في مقتل الحريري ومن ثم اتهام عناصر من حزب الله في ذلك، ولكن حزب الله يرى به "صندوقا اسود" لعملية اغتيال الحرير وعمليات اغتيال أخرى في لبنان بسبب تغيبه بشكل غير مبرر مقنع عن  رئاسة فريق الحراسة للحريري يوم اغتياله، وانه، وهو يشغل منصب رئيس فرع المعلومات حدثت عمليات اغتيال عديدة لشخصيات سياسية دون ان يستطيع الامن الوصول الى القتلة وانما اكتفى من له مصلحة في ذلك باتهام سوريا بالمسؤولية عن عمليات الاغتيال دون دلائل. سادسا، وسام الحسن، بصفته رئسا لفرع المعلومات قام بالقبض على عدد من شبكات التجسس الاسرائيلية في لبنان، بالتعاون مع قوى سياسية اخرى في لبنان ومنها حزب الله، الامر الذي اثار غضب اسرائيل اكثر من مرة مطالبة الفرنسيين والامريكان بعدم تقديم المعدات التكنولوجية لفرع المعلومات، والتي من شانها ان تساعد على اكتشاف شبكات التجسس الاسرائيلية. سابعا، شهدت الساحة اللبنانية خلال الاسبوعين الاخيرين تحريضا غير مسبوق على حزب الله من قبل قوى 14 آذار بسبب طائرة "ايوب" التي ارسلها  الحزب فوق الاراضي الاسرائيلية، وكأن الطائرة قامت بالتجسس عليهم وليس على العدو الاسرائيلي، متناسين ان اسرائيل خرقت الاجواء اللبنانية منذ عام 2006 وحتى ذلك التاريخ اكثر من 20 الف مرة بطائرات تجسس مزودة بالكاميرات والذخيرة وبطائرات مقاتلة محملة بالاسلحة وغيرها وغيرها، ولم نر منهم حملة ضد العدو الاسرائيلي!!! ثامنا، في الآونة الاخيرة، نشطت الشركات الاسرائيلية التي تنقب عن النفط والغاز في المياده الدولية اللبنانية  بالذات لتقريب  ساعة بدء الانتاج بالرغم من الجهود اللبنانية للتصدي للاعتداء الاسرائيلي على الحقوق اللبنانية، وقد جاءت طائرة ايوب لتجبر اسرائيل على اتخاذ اجراءات امنية متزايدة لحماية الشركات التي تعمل في البحر المتوسط. من هنا ان نتحقق من ان الجهات المستفيدة من اغتيال الحسن متعددة بل متناقضة الااستفادة والدوافع.
على صعيد آخر، وبعد مراقبة ومراجعة لما تضمنته وسائل الاعلام اللبنانية والاسرائيلية من اخبار خلال الساعة الاولى من الانفجار، يتبين ان موقع rotter.net هواول من تحدث عند الساعة 14:21عن اغتيال شخصية "ثقيلة" مقربة من الحريري، اي بعد اكثر من عشرين دقيقة بقليل من الحادث في حين صرح مصدر لبناني، وفق الموقع نفسه الساعة 14:29 ان "الحادث ليس اغتيالا وانما قد يكون رسالة الى الحريري وفريق 14 آذار". وكانت مجمل المواقع الاسرائيلية تنقل خلال الساعة الاولى خبر مقتل ثمانية اشخاص وعشرات الجرحى دون ذكر اسماء، ولكنها كانت تتهم حزب الله في النفجير مع التذكير ان الحسن يشكل رأس الحربة ضد سوريا وحزب الله، حتى جاءنا الخبر عن مقتل وسام الحسن في هذا ىلتفجير على موقع هآرتس الساعة  15:18  وذلك بناء على  معلومات ادلى بها  "مسؤول كبير في وزارة الداخلية " ولم يذكر مراسل هأرتس آفي سخاروف، من هو الموظف؟ ولمَن ادلى بالمعلومات؟  وتبين لاحقا ان المعلومات صحيحة، يعني ان صحيفة هأرتس عرفت بهوية المقتول قبل ان تعلن عن ذلك الجهات اللبنانية المعنية وهذا يثير الاستغراب ويتطلب التمعن.
اما ردود الفعل، فقد كانت عنيفة الى حدود سفك الدماء وهائجة الى حدود الفوضى، فقد وجهت قوى الرابع عشر من آذار خلال اجتماع طارئ لقياداتها  اصبع الاتهام الى سوريا والى الرئيس بشار الاسد شخصيا، كما حملت الرئيس ميقاتي دون غيره المسؤولية الشخصية عن الاغتيال وطالبته  بالاستقالة فورا، ولاحقا ، عندما وضعوا امام اتهامهم بالسعي الى الفوضى واللاحكومة، طالبوا بنقل السلطة الى حكومة انقاذ وطني يشكلونها هم ، مع التذكير بان كل محاولاتهم لاسقاط الحكومة على مدى السنوات السابقة لم تنجح . لقد وصل مستوى التحريض على سوريا وفريق الثامن من آذار وخاصة حزب الله، خلال تشييع جنازة الحسن ورفيقه الصهيوني ، على لسان السنيورة واحد مشايخ السنة واحد الشباب، الى حد التحريض على القتل والتخريب  وبالفعل تحول التحريض الى فعل حقيقي ضد قوى الامن اللبنانية بالهجوم العنيف على السرايا الحكومة وبمظاهر التسلح الثقيل في شمال لبنان على مرآى ومسمع من الجيش اللبناني.
لا شك ان ردود الفعل هذه والاتهامات التي اطلقتها قوى الربع عشر من أذار ضد سوريا وحزب الله ورئيس الحكومة اللبنالنية بشكل خاص، لا تستند الى دليل حسي، بل هي ممهورة بدوافع سياسية بحتة، فترقص على الدم المسفوك لتحقيق اهدافها، او ان  نظرية "المؤامرة السورية"  قد سيطرت على ذهنية السنيورة والحريري ومن لفهما، فمن يعلم؟ اما نتائج هذا التحريض  فهي تتساوق وتتناغم مع النتائج  المتوقعة من عملية الاغتيال نفسها. فهل يشك احد ان اغتيال شخصية مثل وسام الحسن ستؤدي الى ما ادت اليه حتى الآن وربما كثر؟ لايشك في ذلك احد بغض النظر من اي فريق يكون، ومن الطبيعي في هذه الحال ان تكون النتائج هي نفسها الاهداف المرجوة من عملية الاغتيال، وهي معلومة للفاعل مسبقا.
اذا اتفقنا ان النتائج  المتوقعة من هكذا اغتيال تتطابق مع النتائج المرئية حاليا والمنظورة قريبا ومع المطالب المعبَّر عنها صراحة، دعونا نحاول التعرف على صاحب المصلحة او المستفيد من حل الحكومة اللبنانية ومن سايدة الفوضى في لبنان ومن اشعال الفتنة المذهبية في لبنان؟  هل تستفيد سوريا من كل هذا؟ وهل لها مصلحة في حل حكومة ميقاتي بالرغم مما لها من عتب على هذه الحكومة؟ اليست هي حكومة اصدقائها في لبنان؟ اوليس حلها يعني سيطرة الطرف المعادي لسوريا على الحكم في لبنان؟ وهل فعلا يشكل وسام الحسن حجرا كبيرا في لعبة الشطرنج الدولية ضد سوريا؟ وهل تترك سوريا كل اعدائها الكبار في قطر والسعودية وتركيا وفي الداخل السوري  لتتفرغ لوسام الحسن بالذات؟ وهل لديها اي مصلحة لاغتياله في الحي المسيحي بالذات في بيروت ؟ وهل لدى المخابرات السورية المنهمكة بالف قضية وقضية في الداخل السوري القدرة على معرفة تحركات الحسن في حين ان اقرب رفاقه لا يعرفون ذلك؟ الم تثبت الاحداث ان غول المخابرات السورية ليس اكثر من وهم في اذهان الناس وليس في الميدان؟ الم تعلمنا السنتين الاخيرتين على الاقل ان القيادة السورية لا تعمل بروح ودافع الانتقام وانما بعقل هادئ يحسب لكل خطوة حسابها القريب والبعيد، وهي تحجم عن افعال كثيرة يرغب مؤيدوها ان تفعلها انتقاما لشهداء سوريا وكرامة شعبها؟
واذا كان حزب الله هو المستفيد، فماهي الاستفادة من فقدان الحكم او المشاركة فيه لصالح الخصوم والمحرضين صباح مساء؟ وما هي الاستفادة من الفوضى الامنية والفتنة المذهبية؟ اليس حزب الله هو من يعض على الجرح ويحتمل كل التهديدات والتحريض والطعن في الظهر حتى من رئيس الحكومة وليس فقط من خصومه ، منعا لاندلاع الفتنة التي يخطط لها اعداء لبنان واعداء حزب الله؟  وهل حزب الله من الغباء ليقوم بعمل من هذا النوع وهو يعلم  ان خصمه والاعداء هم المستفيدون؟
الفرضية الثالثة تقول ان التنظيمات السلفية هي المستفيدة من اغتيال العميد الحسن على اعتبار انه مسؤول الى حد كبير في تحديد نشاطها في لبنان، وانه ملتزم  ببرامج مستقبلية لمحاربة نشاطاتها سويا مع قوى امنية عربية أخرى وفق ما جاء على لسان المسؤول المصري، كما ذكر آنفا. فهل تستفيد الجهات السلفية من حالة الفوضى الامنية في لبنان؟ وهل تستفيد من تغيير الحكم في لبنان لصالح قوى 14 آذار؟ وهل تصفية وسام الحسن يمكن ان تشكل رسالة الى باقي رؤساء الاجهزة الامنية بالابتعاد عن نشاطات السلفيين والقاعدة في لبنان؟
اما الفرضية الرابعة فهي ما حاول سمير جعجع ان ينفيها قبل ان يتحدث عنها احد وهي فرضية ان تكون اسرائيل هي الجهة الفاعلة وهي الجهة المستفيدة من هذا الاغتيال. أليس لوسام الحسن دور كبير في كشف شبكات ىالتجسس الاسرائيلية في لبنان، والقبض على ومحاكمة العشرات من اعضاء هذه الشبكات؟ اليست الفتنة المذهبية والفوضى السياسية حالة تسمح لاسرائيل بالعودة الى لبنان لتجنيد المزيد من العملاء ضد حزب الله ؟ وهل من الصدفة ان الاعلام الاسرائيلي ركز اتهامه ضد حزب الله وليس ضد سوريا كما فعل فريق 14 آذار؟ اليست اسرائيل هي المستفيد من غياب حكومة لبنانية تزعج عمليات التنقيب وسرقة الغاز اللبناني من البحر المتوسط؟ فوق هذا وذاك، لماذا ننسى ان عملية التفجير حدث في اوج عملية مناورات وتدريبات اسرائيلية امريكية على الحدود اللبنانية بالذات، وهي ترسم سيناريو الحرب ضد لبنان وسوريا، وفي حين ان كل اجهزة المراقبة والمعلومات عالية التطور مشغلة بشكل مشترك ضد لبنان وسوريا وان مكان التفجير لا يبعد عشرات الكيلومترات من مكان تواجد وتدرب الجنود الامريكان والاسرائيليين في اضخم تدريبات شهدتها الحدود اللبنانية بين هاتين القوتين؟
نعم، في غياب الدليل الحسي، لا بد من السؤال من المستفيد، ولكن الاجابة الكسولة على هذا السؤال قد توقعنا في مطب نظرية المؤامرة، او  التعصب السياسي الاعمى كما فعل فريق 14 آذار، ولذلك لا بد من  طرح المزيد من الاسئلة وترك الاجوبة مفتوحة لمزيد من الاجتهاد.


اليف صباغ
مدونة حيفا برس
22.10.2012







حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الاثنين، 8 أكتوبر 2012

الطائرة التي طيرت عقل الاسرائيليين.

                          حرب قائمة في الفضاء الالكتروني. من يكسب ساحات المعركة القادمة؟


يبدو ان الطائرة بدون طيار التي حلقت فوق ديمونة امس الاول ومن ثم اسقطتاها طائرتان حربيتان اسرائيليتان f16 ما تزال تقلق القيادة الاسرائيلية الى حد الجنون. اقول الجنون لان المعني يكتشف بين ليلة وضحاها  وبسبب فضيحة صغيرة انه ليس عظيما بل يعاني من جنون العظمة فقط، وهذا ما يقلق قادة اسرائيل، ويجعل المواطن الاسرائيلي اليهودي يستصغر نفسه في المرآة ، فتصوروا لو كانت هذه الطائرة مع طيار او محملة بالاسلحة.  ربما يكون هذه هي العبرة التي رددها العديد من قادة الحركة الصهيونية منذ حرب تشرين ولغاية اليوم مرورا بحرب تموز ومفادها ان انهيار القوة / الشعور بالعظمة الاسرائيلية في نظر الاسرائيليين اخطر على الوجود الاسرائيلي من اي شيء آخر.
ما يقلق الاسرائيليين بالتفاصيل، هو : اولا، كيف دخلت هذه الطائرة ؟ دون اكتشافها بواسطة  السايفر الالكتروني  (رادار يراقب الفضاء الالكتروني) الاسرائيلي في الجنوب وآخر الامريكي ومركزه في النقب. هل هي طائرة صديقة جاءت لتفحص مدى اليقظة الاسرائيلية كما يقول البعض؟  هنا تدخل الامور في نظرية المؤامرة فعلا. وثانيا، هل صورت الطائرة مواقع حساسة مثل مفاعل ديمونة  ومضادات الصواريخ الامريكية والاسرائيلية في الجنوب؟ وهل استطاعت ان ترسل الصور الى القاعدة على الارض؟ وهل أُرسِلت الصور مباشرة الى القاعدة؟ اوهذا يعني ان القاعدة على اتصال مباشر وقريب من العين الالكترونية في الطائرة، وهذا لا يمكن ان يتم الا من غزة. اذن هل تمتلك جهة ما في غزة هذه الطائرات وما يرافقها من تكنولوجيا وخبراء؟ أم انها ارسلت بواسطة قمر اصطناعي؟ وهذا يعني ان المرسل يستخدم تكنولوجيا متطورة تقلق اسرائيل اكثر مما يقلقها السلاح المتطور، وهنا لا بد ان تكون ايران هي المرسل او حزب الله. واذا كان الامر كذلك فهل مرت الطائرة كل هذه المسافة فوق دول عربية تراقبها الاجهزة الالكترونية الامريكية دون ان يكتشفها أحد؟ وهذه بحد ذاتها مصيبة من وجهة النظر الاسرائيلية. اما اذا كان حزب الله هو المرسل للطائرة عن طريق البحر فهذا يعني ان حزب الله يحدد اهدافا كبرى وبوسائل تكنولوجية متطورة تعجز عنها دول صناعية كبرى وهذه ايضا مصيبة.  يكبر القلق طالما ان مصدر ارسال الطائرة غير معروف، لانه يصعب على الخبراء الاسرائيليين، وقد تحطمت الطائرة بالكامل، تقدير ما قامت به هذه الطائرة وقدرات الجهة التي ارسلتها وما يمكن ان يترتب على ذلك من مفاجئات في حالة حرب قادمة. ومن يشعر بالعظمة لا يحب المفاجئات ابدا.

ما زالت اسرائيل تتكتم على الكثير من المعلومات فيما يخص الطائرة المذكورة، وتجاريها في ذلك وسائل الاعلام الكبرى مثل موقع هارتس، اكثرهم مجاراة، الذي نقل رواية الناطق باسم الجيش باختصار مشيرا ان الطائرة حلقت في سماء اسرائيل مدة ربع ساعة بينما قال موقع معاريف انها حلقت نصف ساعة قبل ان تسقطها الطائرات الحربية الاسرائيلية، وهذه فترة طويلة جدا بالمفهوم العسكري. بينما اضاف موقع ديبكا امقرب من مصادر مخابراتية معلومات اضافية منتقدا اداء سلاح الطيران والمراقبة بحدة، واعتبر الكاتب ان حقيقة دخول الطائرة في الاجواء الاسرائيلية وتحليقها لمدة نصف ساعة دون ان يستطيع خبراء السايفر الالكتروني الاسرائيلي والامريكي من اكتشافها  وفشل الخبراء في التحكم بها  وقدرة مرسليها على الهروب والمناورة، او الطائرات الحربية من اسقاطها ، يعني ان اسرائيل فشلت فشلا ذريعا في  عملية الدفاع  عن الفضاء الالكتروني، وهذا يعني انها غير مستعدة بعد لحرب اسرائيلية ومفاجئات محتملة من الطرف الآخر، بالرغم من صرف 10 مليارات شاقل في السنة الاخيرة على التدريبات والتزود بكل الوسائل اللازمة لخوض الحرب القادمة، تلك الحرب التي سيشكل فيها الفضاء الالكتروني ملعبا اساسيا اكثر من كل الحروب السابقة التي عرفها العالم حتى اليوم.
يبدو ان الفضاء الالكتروني تحول الى الشغل الشاغل لمن يبحث عن التفوق العسكري. لم تعد قوة الجيوش والعتاد العسكري المتطور واللوجستيكا  العسكرية تكفي لتدخل الدول الى نادي الدول العظمى اقيليميا او عالميا. بل تحتاج في الاساس الى علوم وتكنولوجيا متطورة جدا وخبراء على افضل مستوى لانهم هم الذين يصنعون العظمة الحقيقية.  اليس هذا ما يجعل اسرائيل تطمح لضرب مسيرة التطور التطنولوجي لايران؟

اليف صباغ
8 اكتوبر 2012







حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الأحد، 30 سبتمبر 2012

"اللاجئون" اليهود وحجر المُوكرَة


                      

      لا توجد أي نتيجة لطرح هذا الموضوع سوى إغلاق المتنفس الاساس لعملية التسوية

تنظم وزارة الخارجية الاسرائيلية حملة دولية للاعتراف بالمهاجرين اليهود، من الدول العربية الى اسرائيل، على انهم لاجئون. لماذا؟ فهل يحق اعتبارهم اصلا لاجئين؟ وهل للتوقيت أهمية ما؟ وما هي الاهداف الحقيقية من وراء ذلك؟

قبل اقل من اسبوع،  وبمبادرة من المندوب الاسرائيلي في الامم المتحدة، دعيت دول العالم أجمع في مقر الامم المتحدة لتستمع الى محاضرة مطولة عما سماهم نائب وزير الخارجية الاسرائيلية، داني ايلون، "باللاجئين" اليهود الذي هاجروا من الدول العربية الى اسرائبل بعد عام 1948. قدم المحاضرة داني ايلون وقد حشاها بالاكاذيب والقصص الخالية على طريقة الرواية الصهيونية المعهودة. ليس غريبا عن هذا الرجل وهو الذي ينكر وجود شعب فلسطيني اصلا، كما ينكر مسؤولية اسرائيل عن تهجير اللاجئين الفلسطينيين ويعطي لقرارات الامم المتحدة الخاصة باللاجئين الفلسطينيين صفة عمومية وكأن القرارات تتحدث عن كل اللاجئين، ويقصد بذلك اليهود طبعا. أيلون لم يطالب الامم المتحدة الاعتراف بالمهاجرين اليهود من الدول العربية، على انهم لاجئون فقط، بل عاب على الامم المتحدة انها لم تقدم لهم المساعدات كما قدمت للفلسطينيين، واتهم الدول العربية بالمسؤولية عن قضية اللاجئين الفلسطينيين واليهود ايضا. فوق هذا وذاك طالب الدول العربية بدفع تعويضات "للاجئين" /المهاجرين اليهود عن أملاكهم التي تركوها هناك وان تقوم الدول العربية باستيعاب اللاجئين الفلسطينيين، كما استوعبت اسرائيل "اللاجئين" اليهود، ضمن عملية تبادل التعويضات والسكان. واصر، بوقاحته المعهودة، انه لن يكون سلام ما لم تجد قضية "اللاجئين" اليهود وحقوقهم حلا على طاولة المفاوضات.

 هذا الموضوع لم يكن من اختراع ايلون ولم يأت اليوم صدفة، بل يتم التحضير له منذ سسنوات طويلة على نار هادئة لاختيار الوقت المناسب لطرحه. في الستينات رفض بن غويون وموشيه ديان وزعماء آخرين ان يطرحوا الموضوع على جدول الاعمال الدولي باعتبار ان "الوقت غير مناسب" ومنذ عام 2009طاب نتانياهو من مستشاره عوزي اراد ان يجهز الموضوع في الوقت الذي طلب منه تجهيز ملفات التفاوض مع السلطة الفلسطينية، ولطرحه على الطاولة الدولية في الوقت المناسب، وفي ايار عام 2011 قدم مجلس الامن القومي الى نتانياهو ملفا كاملا في الموضوع، وتم الكشف عن بعض تفاصيله في بداية هذا الشهر من خلال وسائل الاعلام الاسرائيلية، وليس صدفة ان كل ما طالب به ايلون في الاجتماع المذكور في مقر الامم المتحدة، قد جاء في توصيات مجلس الامن القومي.

هنا لا بد ان نتساءل، مع من سيتفاوض ايلون؟ مع الفلسطينيين؟ وما هي مسؤولية الفلسطينيين عن  المهاجرين اليهود من العراق او مصر او من اليمن او المغرب العربي على سبيل الامثلة؟ وبأي صفة يمكن للفلسطيني ان يتحدث في الموضوع؟ والسؤال الثاني، لماذا لم يطرح الموضوع اثناء المفاوضات مع مصر مثلا حيث هاجر منها اكثر من سبعين الف يهودي الى اسرائيل؟ ولماذا لم يطرح الموضوع مع المغرب، صديقة اسرائيل، خاصة وان المغرب بلد عربي احتضن اليهود بعد طردهم من اسبانيا اكثر مما احتضنتهم اوروبا وعاش فيه حتى عام 1948 اكثر من 250 الف يهودي؟ اضافة الى ذلك، هل يمكن اعتبار اليهود الذين هاجروا من الاتحاد السوفييتي ودول اوروبية وامريكية لاجئين ايضا؟ واذا كانت اسرائيل ترى بكل مهاجر اتي اليها لاجئا، فهل يبقى فرق بين تعريف لاجئ وتعريف مهاجر في القانون الدولي؟

واضح لكل من يعرف قراءة الابجدية في السياسة ان القضية المطروحة لا تمت الى الحق والحقيقة بصلة وانما هي، كعادة حكام اسرائيل، افتعال لقضية تحول من خلالها اسرائيل نفسها من مجرم الى ضحية، اسرائيل مظلومة (يا حرام!) وتحتاج لمن ينصفها، والعالم مطالب بذلك. وهي تندرج في توقيتها، عشية انعقاد الاجتماع السنوي للجمعية العمومية، ضمن السياسة الاسرائيلية التي لا تقبل النقد وترفض ان تكون في حالة الدفاع عن النفس، بل تسعى لتكون دائما الطرف المتهِم  (بكسر الهاء)، اما الاهداف المعلنة من هذه الحملة فتتمثل بالاعتراف باليهود الذين هاجروا من الدول العربية الى فلسطين على انهم لاجئون، مساواة اللاجئين الفسطينيين "باللاجئين" اليهود وبالتالي، بحسب اقوال نائب وزير الخارجية داني ايلون، توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية كما وطّنت اسرائيل "اللاجئين" اليهود، وثالثا تعويض اللاجئين "كل اللاجئين"، اليهود والعرب، من خلال اقامة صندوق دولي لتعويض اللاجئين كما اقترح كلينتون في نهاية فترة حكمه، وهنا يبدو ان الخليج العربي سيكون الممول الاساس لهذا الصندوق والذي تطمح اسرائيل ان تلتهم معظم ميزانيته.  وأخيرا ، وهو الهدف الاهم دون الافصاح عن ذلك، هو وضع اكبر العراقيل امام أي تقدم في عملية التسوية التي يفترض ان تعيد اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم ودفع التعويضات لهم عن الغبن الذي لحق بهم والاملاك التي سلبت منهم. قاذا كانت مسيرة المفاوضات اشبه بالسير في مُوكرَة (مغارة متشعبة الانفاق تعيش بها الثعالب وحيوانات برية اخرى) فان ملف "اللاجئين اليهود" هو الحجر الذي يلقى على باب المُوكَرَة فيسدها ليخنق كل من بداخلها.

يجب ان نعترف ان نجاح اسرائيل في ادراج قضية "اللاجئين" اليهود من الدول العربية على جدول الاعمال الدولي هو انجاز لحكومة اسرائيل، وهو تحد للدول العربية وحكامها. لقد اقامت اسرائيل منذ حوالي عشرين سنة هيئة خاصة لتوثيق الرواية اليهودية. نحن نعلم عن قرب، ونحن شهود احياء، لكيفية توثيق الروايات الخيالية على انها حقائق، وهي ستتحول الى حقائق فعلا اذا ما بقي العرب على ما هم عليه. لقد دُقّ هذا الجرس من عشرين عاما تقريبا، فهل قامت أي دولة عربية بتوثيق روايتها وكيف قامت العصابات اليهودية التي عملت في العراق واليمن وسوريا والمغرب وووو لحث اليهود على الهجرة من بلادهم ليحتلوا مكان اللاجئ الفلسطيني؟ ام انهم ينتظرون عقدا اضافيا من الزمن فيكون الشهود العرب على الاحداث قد ماتوا ولم يتركوا أي تسجيل فتصبح الرواية الاسرائيلية الخيالية رواية وحيدة فتتحول حينذاك الى حقيقة؟

من ناحيتنا كفلسطينيين لا يجوز لنا المساومة او البحث او مجرد الربط بين قضيتين مختلفتين، ولا يوجد أي سبب يجعلنا نقبل بذلك، ولا توجد أي مرجعية قانونية تجبرنا على ذلك، ولن نمانع ان يعود اليهود الى الدول العربية او الاوروبية او الامريكية، التي أتوا منها، ولكن هل تضمن الدول العربية الا تضطر لمناقشة الموضوع مع اسرائيل، وان كان بدون ربط مع قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم المشروع في العودة الى ديارهم والتعويض عن عذاباتهم؟ وكم سيكلفها ذلك ان اضطرت الى قبول الرواية الاسرائيلية؟

 

اليف صباغ

باحث ومحلل سياسي
مدونة حيفا برس
26.9.2012







حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الاثنين، 24 سبتمبر 2012

اولمرت يتحفز للعودة الى رئاسة الحكومة


                     نتانياهو قد يقدم موعد الانتخابات لمنع اولمرت من المنافسة على رئاسة الحكومة

اليوم فرضت المحكمة المركزية في القدس العقاب المنتظر على رئيس حكومة اسرائيل الاسبق اهود اولمرت، بالسجن لمدة سنة ، مع وقف التنفيد لمدة ثلاث سنوات، بالاضافة الى غرامة بمبلغ 75300 شاقلا تجسيدا للحكم عليه بتهمة "خيانة الامانة". وكانت المحكمة قد قررت قبل اسابيع تبرئة المتهم، اولمرت، من عدة تهم وجهت اليه في اربع قضايا نزلت عليه سويا، قضية شركة السياحة "ريشون تورز" التي ابثقت من قضية طلانسكي، وقضية مركز الاستثمارات، وقضية ا"لمليحي" حيث اتهم بتلقي رشوة، ولكن المحكمة وجدته مذنبا بتهمة واحدة فقط وهي "خيانة الامانة" في قضية مركز الاستثمارات فقط باعتبار انه قدم مساعدة لصديقه اوري ميتسر، الامر الذي يتعارض مع مهامه  كوزير آنذاك. هذا ولم تقبل المحكمة طلب الادعاء العام بالحكم على اولمرت بالشغل لمصلحة الجمهور.  يذكر ان اولمرت ومحاموه  كانوا قد استشرسوا في دفاعهم لكي يتنازل الادعاء العام عن مطلبه بالحاق العار بالمتهم، ونجحوا في ذلك ايضا، مقابل تنازل اولمرت عن امتيازات مادية تحق له  كرئيس حكومة سابق.
اعتبر المراقبون، محامون وسياسيون وقضاة سابقون، ان العقاب الذي فرضته المحكمة على اولمرت خفيف جدا نسبة الى تهمة "خيانة الامانة" خاصة وان المحكمة اشارت في قرارها ان خيانة الامانة لم تكن ناتجة عن "فعل تقني". ولكن المحكمة  عللت تخفيف الحكم الى حقيقة ترك اولمرت منصب رئاسة الحكومة على خلفية  مجمل الاتهامات الخطيرة التي وجهت اليه ومنها تلقي رشوة وخيانة الامانة وغير ذلك، ولم يبق من كل هذه التهم سوى تهمة "خيانة الامانة"، التي لم تكن تستاهل وحدها ترك منصبه ، مما سبب له اضرارا جسيمة، الامر الذي استدعى اخذه بعين الاعتبار. اضافة الى ذلك فان تنازل النيابة العامة  عن اضافة "العار" لقرار الحكم فتح الطريق لاولمرت للعودة الى الحياة السياسية.
بهذا لم تنته القضايا المرفوعة ضد اولمرت، فقضية مشروع "هوليلاند" لم تبت بها المحكمة بعد، ولم يمر على قرار المحكمة الذي صدر اليوم مدة 45 يوما لتقرر النيابة العامة ما اذا كانت ستستانف الحكم الى المحكمة العليا ام لا، ومع ذلك فالدوائر المقربة من اولمت تقول انه متحفز للمنافسة على رئاسة الحكومة بديلا لنتانياهو بالرغم من تصريحاته السابقة بانه لن يعود الى الحياة السياسية، وذلك لعدة اسباب  اهمها انه في نظر المستائين من سياسية نتانياهو يشكل اولمرت البديل الوحيد بين القيادات السياسية في اسرائيل المؤهل لاستبدال نتانياهو في رئاسة الحكومة ، في حين ان تسيبي لفني فشلت في ذلك ، وشيلي يحيموفتش رئيسة حزب العمل لا تملك من العلاقات الدولية ما يؤهلها لرئاسة الحكومة.
في اعقاب قرار المحكمة وتحفز اولمرت للتنافس على رئاسة الحكومة، يتوقع المراقبون ايضا ان يشن اليمين المقرب من بيبي نتانياهو حملة اعلامية ضد اولمرت في وسائل الاعلام المختلفة تحت شعارات اخلاقية وسلوكية وسياسية، اي تخويف المواطن اليهودي من برنامجه السياسي واتفاقياته المبدئية مع الرئيس محمود عباس، كل ذلك بهدف ردعه من التنافس على رئاسة الحكومة، بالمقابل رحب  اعضاء حزب "كاديما" بقرار المحكمة  الذي يسمح لزعيمهم السابق بالعودة الى الحياة السياسية، وهم يرون به قائدا يمكنه اعادة كاديما قوية الى الحلبة السياسية، ومنافسا على رئاسة الحكومة. من جهة أخرى يبدو من الطبيعي الا يرحب حزب العمل بالقرار او بالمقابل انتقاده لحسابات حزبية وانتخابية مفهومة.
يبقى السؤال، كيف يؤثر كل هذا على قرار نتانياهو لتقديم موعد الانتخابات ام لا؟ بدون شك، سيكون قرار نتانياهو  بتقديم موعد الانتخابات متأثرا برغبة اولمرت او مؤيديه للتنافس على رئاسة الحكومة. ولن ينسى نتاياهو واولمرت ان يراقبا استطلاعات الرأي العام في الايام القادمة، وعليه قد يقرر نتانياهو تقديم موعد الانتخابات قبل انتهاء التداول واصدار الحكم في قضية "هولي لاند" لكي يضمن عدم منافسة اولمرت له.


اليف صباغ
مدونة حيفا برس
24.9.12




حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الخميس، 13 سبتمبر 2012

في العلاقات الاسرائيلية الامريكية



                    الملاذ الأمريكي الأخير

                   خلافات في الموعد والثمن والمضمون.

 

يخطىء من يعتقد ان خطة العدوان الاسرائيلي على إيران قد طُوِيت بصُلحة ما بين اوباما ونتانياهو، لأن الحروب ليس لها اسباب بل لها أهداف تحددها الدولة او الدول التي تخطط لها، وما لم تتحقق هذه الاهداف يبقى مشروع الحرب قائما. فالحروب الاقليمية تشن بهدف خلق نظام اقليمي جديد يتناسب مع ميزان القوى الجديد، أو تثبيت نظام اقليمي يتهاوى، ويعلم كل مراقب للشرق الاوسط ان النظام الإقليمي الذي عملت اسرائيل والولايات المتحدة وحلفاؤهم على ترسيخه على مدى عقدين من الزمن بقي واهنا بفعل محور مقاومة هذا النظام المتمثل في التحالف الايراني السوري مع حزب الله، وحماس الى ما قبل مدة وجيزة،  ويعلم المراقب ايضا ان انحسار قوة الولايات المتحدة دوليا وظهور اقطاب جديدة مثمثلة في روسيا والصين ودول "البريكس"، وأهمية نفط وغاز الشرق الاوسط في تعزيز مكانة القوى الجديدة اوالقوى المسيطرة او تحطيمها، وموقع المحور الايراني السوري اللبناني في انتاج نظام شرق اوسطي للعقود القادمة، لا بد ان يلزم الولايات المتحدة بحسابات دولية واقليمية لا تروق دائما للحسابات الاقليمية لاسرائيل، ومهما بلغت الالتزامات الامريكية لاسرائيل، فإن المصلحة الامريكية المباشرة تبقى هي الموجه الاساس في الحسابات الامريكية. 

ليس صدفة ان تتأزم العلاقات الامريكية الاسرائيلية في هذه الظروف الاقليمية والدولية وعشية الانتخابات الامريكية بالذات. وهنا لا بد من التدقيق في ماهية نقاط الخلاف، ولذلك لا بد من قراءة تفصيلية في النص والمعنى دون إهمال حتى لنبرة الصوت التي يتعمدها نتانياهو وصياغة الموقف "الدبلوماسي" واستخدام المفردات فيه بدقة متناهية.

نعم هناك خلافات اسرائيلية امريكية فيما يخص الملف الايراني، وبمعنى ادق في كيفية التعامل مع المشروع النووي الايراني وضرورة او امكانية القضاء عليه. انه في الحقيقة ملف مركزي في الشرق الاوسط ويشمل تعاملا مع سوريا وحزب الله، ويشكل الحراك الشعبي في الشرق الاوسط على اشكاله، في ايران سابقا  وفي الدول العربية لاحقا، عاملا مهما في الحسابات الامريكية والاسرائيلية على حد سواء، مما يجعل الحسابات لا تقبل المسلمات التي تروج لها وسائل الاعلام بهذا الاتجاه او ذلك، فالترويج للمسلمات هو نوع من تصوير الواقع المرغوب اكثر من الواقع الموجود بهدف تحويل الواقع الافتراضي الى واقع حقيقي، وفي حالة أخرى هو شكل من الاستسلام لما يخطط له الغرب ، فيكون الاستسلام اهم العوامل المساعدة لتحويل الواقع المفترض الى حقيقة. وتممثل الخلافات الاسرائيلية الامريكية في ثلاث نقاط رئيسية: في الهدف لشن العدوان، في المخاطر والثمن، في الموعد، اذن، ما هو المخرج او الملاذ؟

يبدو في وسائل الاعلام وكأن الخلاف الاساس هو في موعد شن الحرب على ايران، قبل النتخابات الامريكية او بعدها، وفي تقديري ان الخلاف الاساس يكمن هو في الهدف، ومرده الى ان الولايات المتحدة تتفق مع اسرائيل في ضرورة منع إيران من امتلاك سلاح نووي الامر الذي يحتاج الى حصول ايران على يورانيوم مخصب بنسبة 90% وما فوق، تستورده من الخارج او ان تخصبه بنفسها، ولكنهما لا تتفقان على ضروة شن حرب مدمرة جدا وخطيرة جدا على المستوى الاقليمي والدولي بهدف منع من ايران من امتلاك التكنولوجيا النووية للحاجات السلمية، ومنها  تطوير مجالات عديدة من العلوم، دون ان يصل ذلك الى مستوى التسلح النووي، وهذا ما يسمح به العالم والقانون الدولي. يقول نتانياهو: "انا مصرعلى بذل كل جهد لمنع ايران من الاستمرار في مسيرتها للحصول الى سلاح نووي" وهذا يعني انه مصر ان يمنع الصيرورة بدون تعيين أي مرحلة منها، بينما تؤكد امريكا انها تتفق مع اسرائيل لمنع النتيجة، أي السلاح النووي وليس الصيرورة ذاتها، بدون تحديد مراحل محدد في هذه الصيرورة ما قبل انتاج السلاح النووي. هذا الاصرار الاسرائيلي لمنع أي تطور تكنولوجي في الشرق الاوسط قد يهدد يوما ما تفوقها الصناعي التكنولوجي والسياسي هو في صلب السياسة الاستراتيجية لاسرائيل، وهو ما يجعل بيبي نتاياهو غير مرتاح  للحلول الامريكية التي قد تقبل بامتلاك ايران للتكنولوجيا النووية شرط الا تصل بها الى سلاح نووي، وهذا امر يمكن ان تقبل به ايران ايضا لو قبلت به امريكا علنا. وكنت في بداية آذار هذه السنة قد اشرت في مقال خاص الى هذا الاختلاف، وهو ما يزال في تقديري محور الازمة.

 

في الثمن ، ومرده ان الولايات المتحدة تعتقد بأنها ستدفع ثمنا باهضا لهذه الحرب، حتى وان استطاعت ، هي واسرائيل وحلفاؤهما، ان يدمروا غالبية المفاعلات النووية الايرانية، لان الثمن وفق تقدير اوساط امريكية متعددة هو تدمير قواعدها العسكرية وكيانات سياسية حليفة لها في الخليج، وبذلك تكون اسرائيل هي أقل الدول ضررا من هذه الحرب، بل يمكن ان تكون هي الرابح عن حرب دفعت وورطت العالم بها، وتكون امريكا وحليفاتها العربيات اكثر المتضررين من الحرب. ومن هنا حاولت الولايات المتحدة ان تقدم التزاما لايران بعدم المساهمة في العدوان الاسرائيلي عليها مقابل ان تأخذ التزاما من ايران بالا ترد على مواقعها العسكرية والسياسية في الخليج اذا ما شنت اسرائيل عليها حربا، الا ان ايران رفضت ذلك العرض لقناعتها ان اسرائيل لا يمكنها شن حرب على ايران دون مساهمة عسكرية ولوجستية أمريكية، علنية كانت او غير علنية، ولقناعتها ان الخوف الامريكي من دفع الثمن سيجعل الاخيرة تضغط على اسرائيل لمنعها من شن حرب جنونية ومدمرة على منشآتها النووية. اذن، في حسابات الربح والخسارة يفضل اوباما الا يخوض حربا ضد ايران حتى لو اضطر الى السماح بنفوذ نسبي لاقطاب دولية اخرى الى الشرق الاوسط، وفي حسابات الربح والخسارة تفضل اسرائيل شن حرب على ايران وهي اقل الخاسرين مقارنة بامكانية السماح لايران بتطوير تكنولوجيا نووية ولو سلمية، فيقلدها العرب لاحقا وأولهم مصر، لتكف اسرائيل عن كونها الدولة الصناعية العظمى الوحيدة في الشرق الاوسط.

في الموعد ، أي قبل الانتخابات الامريكية او بعدها، ومرده الى عدم ثقة نتانياهو بان اوباما سيفي بوعده غير الرسمي وينفذ الضربة المطلوبة ضد ايران، بعد ان يعود الى البيت الابيض ثانية. ينبع تخوف نتانياهو ايضا من تخوفه ان تكون المرحلة القادمة من حكم اوباما هي مرحلة توازن الرعب في الشرق الاوسط، وهو يعني مرحلة الضغط على اسرائيل لتسوية قضية فلسطين، ومن ادراكه باختلاف الهدف من شن العدوان، ومن هنا يطالب نتانياهو اوباما بموعد او بحدود معينة من صيرورة المشروع النووي الايراني، اذا ما تجاوزتها ايرات تلتزم امريكا بالتحرك العسكري ضدها، وهذه الحدود وفق نتانياهو معناها الا يزيد مستوى تخصيب اليورانيوم الذي تملكه ايران عن 3% وان لا تملك ايران القدرة التكنولوجية على تخصيبه أصلا، بل يأتيها من الخارج، ليكون هذا الخارج هو من يتحكم بالتطور التكنولوجي لايران، وهنا لا بد من التذكير بما كتبه موشيه آرنس غداة انتهاء الحرب العراقية الايرانية عام 1988 في تقييمه للقوة العراقية، وكان آنذاك وزيرا للامن، فقال: "ليس الجيش المدرب والكتائب المقاتلة للجيش العراقي هو ما يخيفنا بل قدرته التكنولوجية واولها ما يملكه من علماء وقدرته على الانتاج الحربي".                                                                                                     

اذن ما هو الملاذ وكيف يحفظ اوباما نفسه من هجوم مرتقب لحلفاء نتانياهو في الكونغرس وفي الحزب الجمهوري عشية الانتخابات الامريكية؟. في حسابات الربح والخسارة يبقى الملاذ الاخير لاوباما هو في تسعير الازمة في سوريا فاذا ما نجحت المليشيات المسلحة، المدعومة من الغرب ودول الخليج وتركيا، في ضرب المحور الايراني السوري اللبناني (حزب الله)، تكون امريكا قد حققت النتيجة المرجوة والهدف المشترك مع اسرائيل. وتكون ايران اصبحت عرضة للضغط الدولي تحت تهديد عسكري اكبر قوة وتأثيرا، واذا ما تم القيام بعملية عسكرية واسعة ضد ايران ستكون أقل خطورة وتكلفة، قد يكون هذا هو الملاذ لاوباما والتيار المعارض لنتانياهو من الاسرائيليين، وقد تسمح امريكا لنتانياهو بشن عدوانه على سوريا بدلا من ايران، اذا ما ضمنت امريكا ان أي عدوان على سوريا لن يجر اليه ايران.

في هذه الظروف المعقدة والحساسة، يجب ان نأخذ بالاعتبار ان سياسة استرضاء اسرائيل التي ينتهجها العرب وامريكا بشكل عام لن تزيدها الا تعجرفا واصرارا على الابتزاز، وهذا اقل ما تجنيه اسرائيل عشية الانتخابات الامريكية، وهو اكثر ما يجيده بيبي نتانياهو ايضا. لقد فشلت سياسة استرضاء هتلر عشية الحرب العالمية الثانية ولم تمنعه من شن الحرب على جيرانه، بل هي، واعني سياسة الاسترضاء، التي اشعرته بالقوة التي لا تقاوم في أوروبا. وإذا قيمنا الخلفية الايديولوجية للسياسة الاسرائيلية ومصادرها الفلسفية والمكانة الخاصة لعناصر القوة في نهجها السياسي، نستطيع ان نفهم حقيقة المواقف الاسرائيلية في ظل المتغيرات السياسية الاقليمية والدولية.

 

اليف صباغ

مدونة حيفا برس

13.9.2012















حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .