الأحد، 30 ديسمبر 2012

غياب الأفق وآفاق الغائب



 

كغيري، لم تفاجئني المحكمة العليا بقرار "شطب الشطب" وإعادة النائبة جنين زعبي الى قائمة التجمع لانتخابات الكنيست المقبلة، ذلك ليس لان المحكمة العليا عادلة فعلا، وليس لأنها تناهض العنصرية ،وليس لانها تحفظ حقوق المواطنين العرب، اصحاب البلاد الاصليين، ونحن نعرف تاريخ هذه المحكمة وحكامها، بل لأن  قضاة المحكمة العليا، كما كان مؤسسو هذا الكيان، يعلمون جيد ان عضوا عربقيا في الكنيست اسهل الف مرة من عشرة الاف عربي في الساحات، وان السماح بنشاط علني معاد لسياسة الحكومة وحتى لماهية الدولة افضل الف مرة من خنق وشطب قد يخلق اساليب غير معلنة من النضال لشعب يعي واقعه وحقه المستباح ولا يركع وان اجتمعت دول العالم كلها ضده. ومن هنا، لا بد ان اؤكد، ان المحكمة العليا والدوائر المتنفذة في الدولة، ترى بمقاطعة الانتخابات خطرا اكبر بالف مرة من مشاركة النائبة حنين زعبي او غيرها في قافلة الحرية لكسر الحصار عن قطاع غزة، ولا بد من التذكير ان السلطات الاسرائيلية منحت المواطنين العرب جنسيات اسرائيلية لم يطلبوها ومنحتهم حق التصويت والترشح للبرلمان حتى في ظل الحكم العسكري بين 1948 -1966 .

هنا يجب ان نؤكد، ان كل هذا لا يجيز اتهام الاحزاب العربية، بما في ذلك الجبهة الديموقراطية (العربية – اليهودية)،  وممثليهم في الكنيست، بخيانة شعبهم، او انهم يعملون وفق اجندة صهيونية، لان مثل هذا الاتهام يحمل من التجني ما يحمله من الجهل للواقع المعقد الذي يعيشه ابناء شعبنا تحت السلطة الاسرائيلية. لقد اوضح ذلك، السيد واصل طه رئيس حزب التجمع بقوله: "ان مشاركتنا الانتخابات البرلمانية، في وضعنا المعقد، هو مساومة مع الذات اولا  وليس رغبة في المشاركة". في الواقع، لم تحقق الكنيست لهذه البقية الباقية من شعبنا في وطنها أي خير، وبغض النظر عن عدد النواب العرب فيها او نسبة تمثيلهم للمواطنين العرب في اسرائيل، بل أتت لهم، منذ تأسيها وحتى اليوم، بمزيد من القوانين العنصرية ومصادرة الاراضي وتحديد الحريات وخنق الهوية ومصادرة للسيادة الوطنية، والغاء حق السكان الاصليين في وطنهم لحساب المستوطنين الجدد، كل ذلك مقابل حق الترشح والانتخاب للبرلمان، وحق الكلام من غير ان يكون لهذا الكلام قوة لتجسيده الى عمل حقيقي او تشريع يعترف بالحقوق القومية والمدنية لشعبنا باعتباره صاحب البلاد، ولن يكون. ان نظرة سريعة الى نسبة العرب المشاركين في الانتخابات البلالمانية تؤكد انها في تناقص مستمر حتى انها لم تتعدّ نسبة 50% في الانتخابات الاخيرة، بما في ذلك التصويت للاحزاب الصهيونية. ان القدرات والمؤهلات الشخصية للنواب العرب ونشاطهم المثابر والمهني يصنفهم بين افضل اعضاء البرلمان في اسرائيلي على مدى عقود ولكن طبيعة المؤسسة وعبثية الدمج بين حقوق السكان الاصليين وما يطمح اليه المستوطنون الجدد، وهم حكام البلاد، يجعل من العمل البلماني نشاطا عاقرا.  

 

ان فحص الدوافع التي تجعلهم ينافسون على مقعد في البرلمان الصهيوني هو قناعاتهم ان البرلمان هو ساحة نضالية يجب استخدامها لنيل الحقوق او للتصدي الى مشاريع قوانين عنصرية يمكن ان تزيد الحالة سوءا على سوء. ومع تراكم السنين وبحكم انسداد الافق البديل استمر الحال على ما هو عليه حتى اصبح الدفاع عن الوجود العربي في الكنيست الصهيوني امرا حول التصويت من حق الى "واجب وطني" وكان أول من استخدم هذا المصطلح هو د.عزمي بشارة زعيم التجمع، وقد تحول هذا الشعار الى شعار عام دون التفكير او اعادة التفكير في مضمونه وتداعياته. اضافة الى ذلك، فالميزانيات التي يحصل عليه الحزب الممثل في الكنيست تجعله قادرا على الاستمرار في نشاطاته الحزبية ودفع اجور الموظفين والموظفات وتمويل الصحافة الحزبية وامور اخرى. ولكب اكون اكثر واقعية اقول ان الاموال التي توضع في تصرف اعضاء الكنيست تجعلهم يشعرون بقوة لم يحلموا بها، وان المعاشات الشهرية وما يتبعها من اضافات يجعل الصراع على عضوية الكنيست داخل الحزب الواحد تصل الى حد النزاعات الشخصية. يلعن ابو المال شو بعمل!!!

من هنا، يجب ان نقول بصراحة:  لسنا بحاجة الى الكنيست الصهيوني لتمنحنا شرعية لنضالنا، بل  ان الدولة هي التي تحتاج الينا في مؤسساتها العليا لتكسب في اعين العالم شرعية وجودها ووجود مؤسساتها. وهي التي تحتاج الى التحدث لممثلينا في البرلمان، عشرة كانو او اكثر او اقل، بدل التحدث مع مئات الالوف في الميادين والساحات دون معرفة ممثليهم الحقيقيين. المؤسسة الحاكمة هي التي تحتاج الة شرعنة نضالاتنا ضمن ما تشرعه الكنيست بدل ان نُشرع لأنفسنا اشكالا اخرى من النضال. كل هذا لا يعني ان نتنازل عن  الساحة البرلمانية والتمويل البرلماني لنشاظ الاحزاب، أي مقاطعة البرلمان الصهيوني، دون ان يكون لنا بديل تنظيمي ومادي يجعل برنامجنا السياسي محركا لحركة وطنية فلسطينية ديموقراطية لا تنفصل عن الحركة الوطنية الفلسطينية الام في الداخل والخارج على حد سواء. كانت هذه الافكار هي ما تراود غالبية المؤسسين للتجمع الوطني الديموقراطي في منتصف التسعينيات من القرن الماضي ولكن الطموحات الشخصية عند بعض القيادات والضرورة المادية لقيام مثل تلك الحركة واستمرارها  وغياب او تبدل برنامج الحركة الوطنية العامة ،هو ما جعل هذه الحركة الوطنية المحلية حزبا وجعل الحزب قائمة برلمانية تدور حول محور محدود لا افق له.   

 

اليف صباغ

مدونة حيفا برس

البقيعة 30.12.12


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق