الأربعاء، 9 مايو 2012

تطورات "دراماتيكية" في اسرائيل!

 

اليوم لا يستطيع بيبي أن يقول: لا استطيع وعليه ان يعترف، انا لا اريد.


انشغلت وسائل الاعلام يوم أمس بانضمام حزب كاديما برئاسة شاؤول موفاز الى حكومة نتانياهو بعد ان كان رئيس الحكومة قد أعلن الاسبوع الماضي عن نيته الذهاب الى انتخابات مبكرة، وقام بتقديم مشروع قانون لتسريح الكنيست الحالية، ليتسنى تحديد موعد للانتخايات القادمة. بعد ان مر مشروع القانون في القراءة الاولى، من ثلاث قراءات متتالية، بموافقة 109 اعضاء من اصل 120 ومعارضة عضو واحد فقط، ، في منتصف الليل، لوحظت حركة غير عادية تمثلت في تباطؤ اللجنة التي تعد مشروع القانون للقراءة الثانية والثالثة، كما لوحظ غياب رئيس الحكومة نتانياهو ورئيس حزب كديما موفاز وآخرون، لينضم اليهم آخرون من الحزبين لاحقا، فيتبين ان اجتماعا يجري في منتصف الليل، ضمن دقائق التمديد، لمنع تمرير القانون في القراءة الثانية، للوصول الى اتفاق بين الحزبين يفضي الى انضمام كاديما الى حكومة نتانياهو لتصبح 94 عضوا، ويلغى بذلك مشروع قانون تسريح الكنيست فتعود الانتخابات الى موعدها المقرر، أي في اكتوبر 2013. هذا التطور السريع، وبالاتجاه المعاكس، والذي بقي سرا حتى لحظة ما بعد التصويت الاولي على مشروع قانون تسريح الكنيست، دون ان يعلم بذلك الصحافيون او حتى اعضاء الحكومة او المقربين جدا من رئيسي الحزبين، هو ما وُصفَ بالتطورات الدراماتيكية. ولكن السؤال الأهم في نظري، هل مضمون الحدث هو دراماتيكي بقدر شكله؟ وما هي القضايا التي ستعالجها هذه الحكومة الموسعة؟ وهي اوسع حكومة في تاريخ اسرائيل، وهل يستطيع بيبي نتانياهو بعد الآن ان يدعي خوفه من سقوط حكومته في حالة تطلب الامر تنفيذ الاستحقاق الفلسطيني؟

لكي نفهم ما حدث منذ اعلن بيبي نتانياهو تقديم موعد الانتخابات البرلمانية وحتى انضمام كاديما الى الحكومة بشكل دراماتيكي، علينا ان نفهم ما هي الاسباب التي دعت نتانياهو الى الاعلان عن تقديم موعد الانتخابات؟ وهل انضمام كاديما الى حكومته يستجيب لهذه الاسباب؟ وهنا لا بد من التذكير ان أي تقديم لموعد الانتخابات البرلمانية في اسرائيل حصل في الماضي عندما لا تستطيع الحكومة والكنيست الوصول الى اتفاق في السياسة الداخلية وقليلا جدا ما حصل سقوط الحكومة او تسريح الكنيست على محاور السياسة الخارجية.  

للاجابة على الاسئلة المذكورة يجب علينا ملاحظة ثلاثة اسباب دعت بيبي نتانياهو الى تقديم موعد الانتخابات البرلمانية: اولا، انتهاء مفعول "قانون طال" في شهر تموز القادم وضرورة تجديد مفعوله ان استبداله بقانون آخر، وهو القانون الذي يسمح بإعفاء غالبية اليهود المتدينين ،الحرديم، من الخدمة العسكرية والمدنية، والاستمرار بالتعلم في مدارسهم الدينية على حساب الدولة، الامر الذي اثار باقي فئات المجتمع الاسرائيلي طيلة السنوات الماضية، وشكل أحد العناصر الدافعة للحراك الشعبي الشبابي في اسرائيل في الصيف الماضي وهو دافع أساس، وليس وحيدا، لتجدد هذا الحراك قريبا. في تموز كان بيبي نتانياهو سيقف أمام خيارين إما استبدال قانون طال بقانون يرضي الحراك الشعبي العلماني اللبرالي، وهذا سيسقط حكومته بانسحاب اليهود الحرديم منها (شاس 11 ويهدوت هتوراة 5)، او يجدد مفعول القانون لفترة اضافية ويعطي بذلك للحراك الشعبي مادة دسمة للهجوم عليه وعلى حكومته، ولم يكن لأي مطّلع، بما في ذلك نتانياهو، أي شك ان تمديد قانون طال كان سيشعل الشارع اللبرالي وربما يسقط حكومة نتانياهو من الداخل أيضا، ويفقد الليكود قوى لبرالية داخل صفوفه.

ثانيا: في هذه الايام وفي المستقبل القريب تقف حكومة نتانياهو امام استحقاق اقرار ميزانية الدولة لسنتين، الامر الذي يتطلب اعادة توزيعها بما يتلاءم مع مطالب الحراك الشعبي من جهة، ومن جهة أخرى سيعرضها لحملة الابتزاز المعهودة من قبل الاحزاب الدينية في تمويل المدارس الدينية والمساكن للازواج الشابة المتدينة بما يتلاءم مع حاجات الجمهور المتدين اجتماعيا وماديا. فهل كان نتانياهو قادرا على تمرير الميزانية بين هذين الخيارين؟ الجواب :لا . وهذا بطبيعة الحال، سيتطلب الذهاب الى انتخابات جديدة عل موازين قوى جديدة تسمح لحكومة قادمة ان تفعل ذلك. مع علم نتانياهو، وفق استطلاعات الرأي التي أجراها في الشهر الاخير، خصيصا لفحص هذه الاشكاليات، ان الانتخابات القادمة ستزيد الليكود قوة وربما تؤدي الى تحطم المنافس الاكبر وهو حزب كاديما.

ثالثا: الحاجة الى تعديلات جوهرية في طريقة الحكم بما في ذلك طريقة الانتخابات بحيث تفضي، كما هو مأمول، الى مزيد من الاستقرار الحكومي. هذه الحاجة موضوع  تداولته كل الحكومات السابقة، وفي تقديري لم يكن اساسيا لدى بيبي نتانياهو عندما اتخذ قراره بالذهاب الى انتخابات جديدة. ولكنه قد يكون اساسيا لدى كديما وجمهورها عندما قرر موفاز الانضمام ال حكومة نتانياهو بدون وزارات.

بالمقابل، كان هناك تطور هام في حزب كاديما، إذ انتخب الحزب شاؤول موفاز رئيسا له بدلا من تسيبي لفني، ومعلوم ان موفاز كان مؤيدا للانضمام الى حكومة نتانياهو عام 2009على عكس تسيبي لفني التي رفضت الانضمام اليها الا بشروط سياسية تسمح بتطبيق الاتفاق الذي توصلت اليه، وشريكها اولمرت مع ابو مازن، بالاضافة الى شرط عدم الاستجابة لمطالب الحرديم. وكان نتانياهو يعد موفاز دائما انه في حالة وصوله الى رئاسة كاديما سيضمه وحزبه الى الحكومة. من هناك جاء غضب موفاز واتهم نتانياهو بالكاذب حين اعلن عن تقديم موعد الانتخابات بدلا من ضم كاديما الى الحكومة.

في المشهد ذاته، علم موفاز ان الذهاب الى انتخابات جديدة يعني تحطم كاديما في حين انه سيكون مسؤولا عن تحطمها بصفته رئيسا للحزب، وان جزء كبيرا من جمهورها سيعود الى حزب العمل ام الانضمام الى الحزب الجديد ،يش عتيد، برئاسة يئير لبيد، الشاب اللبرالي والعلماني، والذي يمكن ان يكون قائدا للحراك الشعبي المعادي لمطالب المتدينين الحرديم. ولا داعي للتذكير، انه في حالة حصول انتخابات مبكرة، فان غالبية اعضاء الكنيست من كديما سيفقدون مقاعدهم المرفهة ومكانتهم الاجتماعية والسياسية، وان من مصلحتهم البقاء في الكنيست الحالية لمدة سنة ونصف اضافيتين، على أمل ان ينجزوا شيئا ما يبقيهم في الكنيست. ومن هنا جاءت الموافقة على الانضمام للحكومة دون شروط باستلام مناصب وزارية او وظائف كبرى، وانما بشرط واحد اساس وهو انجاز قانون بديل لقانون طال، بالاضافة الى العمل على تعديل طريقة الحكم الامر الذي يشكل بندا اساسيا وهاما في برنامج كاديما، وهو يصب في مجمل الصراع بين اللبراليين والمتدينين الحرديم في اسرائيل.

علم موفاز ايضا، أو قدّر، ان الذهاب الى انتخابات جديدة قبل استبدال قانون طال يعني إما تمديد مفعول القانون اوتوماتيكيا بعد انتهاء مفعوله، واما تمديده فعلا بعد الانتخابات نتيجة حاجة نتانياهو الى الاحزاب المتدينة-الحرديم- في حكومته الجديدة، خاصة وان كاديما لن يكون لها التأثير الموجود حاليا (اكبر حزب ب 28 نائبا) لمنع ذلك في الكنيست القادمة. بمعنى آخر ان الكنيست القادمة لن يكون باستطاعتها استبدال القانون ولا تعديل طريقة الحكم، ومن هنا جاء موقف موفاز غاضبا حين قال في الاسبوع الماضي: لتكن انتخابات مبكرة ولكن بعد استبدال قانون طال.

إذن، استبدال قانون طال، اقرار الميزانية بدون ابتزاز، تعديل طريقة الحكم والمصالح الحزبية والشخصية لأعضاء الكنيست ورؤساء الاحزاب، هي بمجملها الاسباب والظروف الاساسية التي يمكن بموجبها ان نفهم "التطورات الدراماتيكية" التي حصلت في حكومة اسرائيل والكنيست في اليومين الاخيرين، قد يكون هذا السبب حاسما لدى هذا الطرف او الشخص وذلك السبب هو الحاسم لدى طرف او شخص آخر، ولكنه ليس سببا واحدا وانما مجمل الاسباب هي المحرك لهذه التطورات، وكل الاسباب الاخرى يمكن ان تكون اضافية وهامشية، وسيبين لنا المستقبل القريب صحة التقدير.

يبقى السؤال الذي يشغل بال المهتمين بعملية التسوية في الشرق الاوسط واحتمال الحرب الاسرائيلية على ايران، كيف ستؤثر ترطيبة الحكومة الجديدة على هاتين المسألتين؟ انا لا ارى جديدا في موقف الحكومة الاسرائيلية الجديدة، وان اصبحت اكثر عسكرية مما كانت عليه اذا انضم اليها قائد اركان سابق، موفاز، ورئيس شاباك سابق، ديختر وآخرون، ويخطئ من يعلق أمالا على كديما داخل الحكومة. الشأن الداخلي الاسرائيلي هو ما يهم كاديما وليس الاستحقاق السياسي.

في ظل هذه الحكومة الواسعة برئاسة بيبي نتانياهو يمكن ان يضع العالم رئيسها امام استحقاق تاريخي طالما ماطل في الاستجابة اليه بحجة ان لا يستطيع تمرير القرار المطلوب في الحكومة المدعومة من قوى اليمين الفاشي، وان أي استجابة للاستحقاق الفلسطيني وان كان وفقا للقانون الدولي والاتفاقات الموقعة سيسقط حكومته؟، الآن وفي ظل حكومة واسعة جدا، لا يمكن لبيبي نتانياهو ان يقول: لا استطيع، بل عليه ان يقول الحقيقة للعالم: لا اريد. باستطاعة حكومة نتانياهو الآن ان تستجيب للمطالب الدولية والاستحقاق الفلسطيني، حتى وان انسحبت كل قوى اليمين من حكومته، بل يمكن ان يحظى بدعم المعارضة ايضا لخطوة باتجاة تنفيذ قرارات الشرعية الدولية. لا يستطيع اليوم ان يقول: لا استطيع. فهل تعمل  القيادة الفلسطينية على ذلك؟



اليف صباغ- مدونة حيفا برس- 9 ايار 2012






حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الخميس، 3 مايو 2012

أهو إفتاء أم إعفاء ؟



                                        

في نيسان من العام الماضي أفتى الشيخ السعودي محمد العريفي بجواز حج المسلمين الى القدس والصلاة في الحرم القدسي الشريف حتى لو كان ذلك في ظل الاحتلال الاسرائيلي، يومذاك هللت إسرائيل للخبر وصمتت السلطة الفلسطينية، ولكن مجمل التعليقات العربية كانت تدين هذا الافتاء. عاد الموضوع الى وسائل الاعلام مرة اخرى عشية وغداة مؤتمر الدوحة لنصرة القدس هذه السنة بمبادرة من الرئيس الفلسطيني ووزير الأوقاف، يطالبون السماح للمسلمين او حتى تشجيعهم للحجيج الى الاقصى حتى وان كان تحت حراب الاحتلال، مشددين على ان ذلك يعزز من صمود الفلسطينيين في القدس،  بالمقابل عارض  القرضاوي ذلك المطلب منسجما مع فتوته السابقة. لكن ما يلفت النظر هذه المرة ان المبادرة جاءت فلسطينية، وليس من الشيخ السعودي، وكأن المبادرة تبحث عن شرعية سياسية. وخلافا للعام الماضي ايضا، التزمت اسرائيل الصمت،  فهل ترحب؟ وتعد ذلك مكسبا سياسيا؟ ام تخشى من فتح الابواب امام المسلمين ولا تقوى على اغلاقه فيما بعد؟ 

بغض النظر عن موقف اسرائيل، دعونا نفهم علامَ يختلف الفقهاء او السياسيون؟ ان كان السؤال فقهيا، فليجني القرضاوي كيف يجوز للمسلمين هنا ان يقبلوا بالحكم الاسرائيلي ويصبحون اعضاء في البرلمان الصهيوني دون ان يصدر فتوى تحرم ذلك؟ وكيف يجوز للمسلمين هنا ان يحملوا جواز سفر اسرائيلي؟ وان كان السؤال سياسيا فليجبني الرئيس عباس، كيف يسمح للاسرائيلي المحتل ان يزور بلاد المسلمين بحرية وهو ما يزال يحتل الأقصى؟ وما هي المصلحة الفلسطينية في إعفاء العالمين العربي والاسلامي من مسؤولية تحرير المقدسات الاسلامية والمسيحية والقبول بالحجيج اليها وهي تحت حراب الاحتلال؟ واذا كانت لدى البعض طموحات بإقامة مشاريع إسكان أو ما يشبهها في القدس، فهل يعتقد انه قادر على تنفيذها من دون اذن المحتل الاسرائيلي وبما يتلاءم مع مصالحه؟ الم تكف تجربة 45 سنة للوصول الى الاستنتاج المطلوب؟

مرة أخرى، بغض النظر عن مواقف الاطراف او صمتهم، اعتقد ان القيام بالحجيج المذكور تحت حراب الاحتلال، فيه ترويض وتدجين للنفس، لمن رفض ويرفض قبول الاحتلال كأمر واقع، وهو إعفاء للمسؤولين عن تحرير المقدسات من القيام بواجباتهم، ولذلك فهو يصب في مصلحة اسرائيل السياسية. ان مؤتمر الدوحة لنصرة القدس للعام 2012 لم يخرج بأي قرار او نداء يدعو الى تحرير القدس، كما يفترض منه في ظل ما يسمى ب"الربيع العربي" (؟)، وكأن الحد الاقصى لقدرات العرب هو التوجه الى الامم المتحدة لإرسال بعثة الى القدس لتقصي الحقائق، وهل الحقائق مخفية وتحتاج الى تقص؟! أو ان قدرتهم لا تتعدى تعزيز صمود أهل القدس بأموال الحجاج في ظل الاحتلال، وهذا المال ومشاريع تعزيز الصمود هو في الحقيقة تكرار لكل الاقتراحات والمشاريع السابقة التي لم تنجح بالحفاظ بيت واحد احتله المستوطنون او الحفاظ على "بيت الشرق" مفتوحا. لا ابالغ ان قلت ان مخصصات التأمين الوطني وتأمينات الصحة التي يتلقاها الفلسطينيون في القدس العربية من صناديق خدمات اسرائيلية، عززت من صمود اهالي القدس اكثر من أي اموال او مشاريع عربية او اسلامية.

 مثل هذا الافتاء ومثل تلك الاقتراحات والمشاريع، السابقة والحاضرة، الصادرة عن مؤتمرات عربية واسلامية وآخرها مؤتمر الدوحة، انما تعبر في حقيقتها عن عجز متراكم ومتوارث وتحلل من أي مبادرة او جهد حقيقي لتحرير القدس، وكأن هذا العجز امام اسرائيل هو قدر إلهي لا يجوز الاعتراض عليه.  مثل هذا النقاش العبثي انما يعبر بشكل واضح عن عبثية الجمع بين السياسة والفقه في الحياة المعاصرة، وعن قيادات عاجزة الا عن الطعن الغادر في ظهور الاشقاء، فهل "اتكأ العاجز على خائب الرجاء" وكفى الله المسلمين شر القتال؟



اليف صباغ

مدونة حيفا برس

7.3.2012






حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .