الخميس، 3 مايو 2012

أهو إفتاء أم إعفاء ؟



                                        

في نيسان من العام الماضي أفتى الشيخ السعودي محمد العريفي بجواز حج المسلمين الى القدس والصلاة في الحرم القدسي الشريف حتى لو كان ذلك في ظل الاحتلال الاسرائيلي، يومذاك هللت إسرائيل للخبر وصمتت السلطة الفلسطينية، ولكن مجمل التعليقات العربية كانت تدين هذا الافتاء. عاد الموضوع الى وسائل الاعلام مرة اخرى عشية وغداة مؤتمر الدوحة لنصرة القدس هذه السنة بمبادرة من الرئيس الفلسطيني ووزير الأوقاف، يطالبون السماح للمسلمين او حتى تشجيعهم للحجيج الى الاقصى حتى وان كان تحت حراب الاحتلال، مشددين على ان ذلك يعزز من صمود الفلسطينيين في القدس،  بالمقابل عارض  القرضاوي ذلك المطلب منسجما مع فتوته السابقة. لكن ما يلفت النظر هذه المرة ان المبادرة جاءت فلسطينية، وليس من الشيخ السعودي، وكأن المبادرة تبحث عن شرعية سياسية. وخلافا للعام الماضي ايضا، التزمت اسرائيل الصمت،  فهل ترحب؟ وتعد ذلك مكسبا سياسيا؟ ام تخشى من فتح الابواب امام المسلمين ولا تقوى على اغلاقه فيما بعد؟ 

بغض النظر عن موقف اسرائيل، دعونا نفهم علامَ يختلف الفقهاء او السياسيون؟ ان كان السؤال فقهيا، فليجني القرضاوي كيف يجوز للمسلمين هنا ان يقبلوا بالحكم الاسرائيلي ويصبحون اعضاء في البرلمان الصهيوني دون ان يصدر فتوى تحرم ذلك؟ وكيف يجوز للمسلمين هنا ان يحملوا جواز سفر اسرائيلي؟ وان كان السؤال سياسيا فليجبني الرئيس عباس، كيف يسمح للاسرائيلي المحتل ان يزور بلاد المسلمين بحرية وهو ما يزال يحتل الأقصى؟ وما هي المصلحة الفلسطينية في إعفاء العالمين العربي والاسلامي من مسؤولية تحرير المقدسات الاسلامية والمسيحية والقبول بالحجيج اليها وهي تحت حراب الاحتلال؟ واذا كانت لدى البعض طموحات بإقامة مشاريع إسكان أو ما يشبهها في القدس، فهل يعتقد انه قادر على تنفيذها من دون اذن المحتل الاسرائيلي وبما يتلاءم مع مصالحه؟ الم تكف تجربة 45 سنة للوصول الى الاستنتاج المطلوب؟

مرة أخرى، بغض النظر عن مواقف الاطراف او صمتهم، اعتقد ان القيام بالحجيج المذكور تحت حراب الاحتلال، فيه ترويض وتدجين للنفس، لمن رفض ويرفض قبول الاحتلال كأمر واقع، وهو إعفاء للمسؤولين عن تحرير المقدسات من القيام بواجباتهم، ولذلك فهو يصب في مصلحة اسرائيل السياسية. ان مؤتمر الدوحة لنصرة القدس للعام 2012 لم يخرج بأي قرار او نداء يدعو الى تحرير القدس، كما يفترض منه في ظل ما يسمى ب"الربيع العربي" (؟)، وكأن الحد الاقصى لقدرات العرب هو التوجه الى الامم المتحدة لإرسال بعثة الى القدس لتقصي الحقائق، وهل الحقائق مخفية وتحتاج الى تقص؟! أو ان قدرتهم لا تتعدى تعزيز صمود أهل القدس بأموال الحجاج في ظل الاحتلال، وهذا المال ومشاريع تعزيز الصمود هو في الحقيقة تكرار لكل الاقتراحات والمشاريع السابقة التي لم تنجح بالحفاظ بيت واحد احتله المستوطنون او الحفاظ على "بيت الشرق" مفتوحا. لا ابالغ ان قلت ان مخصصات التأمين الوطني وتأمينات الصحة التي يتلقاها الفلسطينيون في القدس العربية من صناديق خدمات اسرائيلية، عززت من صمود اهالي القدس اكثر من أي اموال او مشاريع عربية او اسلامية.

 مثل هذا الافتاء ومثل تلك الاقتراحات والمشاريع، السابقة والحاضرة، الصادرة عن مؤتمرات عربية واسلامية وآخرها مؤتمر الدوحة، انما تعبر في حقيقتها عن عجز متراكم ومتوارث وتحلل من أي مبادرة او جهد حقيقي لتحرير القدس، وكأن هذا العجز امام اسرائيل هو قدر إلهي لا يجوز الاعتراض عليه.  مثل هذا النقاش العبثي انما يعبر بشكل واضح عن عبثية الجمع بين السياسة والفقه في الحياة المعاصرة، وعن قيادات عاجزة الا عن الطعن الغادر في ظهور الاشقاء، فهل "اتكأ العاجز على خائب الرجاء" وكفى الله المسلمين شر القتال؟



اليف صباغ

مدونة حيفا برس

7.3.2012






حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق