الأحد، 30 سبتمبر 2012

"اللاجئون" اليهود وحجر المُوكرَة


                      

      لا توجد أي نتيجة لطرح هذا الموضوع سوى إغلاق المتنفس الاساس لعملية التسوية

تنظم وزارة الخارجية الاسرائيلية حملة دولية للاعتراف بالمهاجرين اليهود، من الدول العربية الى اسرائيل، على انهم لاجئون. لماذا؟ فهل يحق اعتبارهم اصلا لاجئين؟ وهل للتوقيت أهمية ما؟ وما هي الاهداف الحقيقية من وراء ذلك؟

قبل اقل من اسبوع،  وبمبادرة من المندوب الاسرائيلي في الامم المتحدة، دعيت دول العالم أجمع في مقر الامم المتحدة لتستمع الى محاضرة مطولة عما سماهم نائب وزير الخارجية الاسرائيلية، داني ايلون، "باللاجئين" اليهود الذي هاجروا من الدول العربية الى اسرائبل بعد عام 1948. قدم المحاضرة داني ايلون وقد حشاها بالاكاذيب والقصص الخالية على طريقة الرواية الصهيونية المعهودة. ليس غريبا عن هذا الرجل وهو الذي ينكر وجود شعب فلسطيني اصلا، كما ينكر مسؤولية اسرائيل عن تهجير اللاجئين الفلسطينيين ويعطي لقرارات الامم المتحدة الخاصة باللاجئين الفلسطينيين صفة عمومية وكأن القرارات تتحدث عن كل اللاجئين، ويقصد بذلك اليهود طبعا. أيلون لم يطالب الامم المتحدة الاعتراف بالمهاجرين اليهود من الدول العربية، على انهم لاجئون فقط، بل عاب على الامم المتحدة انها لم تقدم لهم المساعدات كما قدمت للفلسطينيين، واتهم الدول العربية بالمسؤولية عن قضية اللاجئين الفلسطينيين واليهود ايضا. فوق هذا وذاك طالب الدول العربية بدفع تعويضات "للاجئين" /المهاجرين اليهود عن أملاكهم التي تركوها هناك وان تقوم الدول العربية باستيعاب اللاجئين الفلسطينيين، كما استوعبت اسرائيل "اللاجئين" اليهود، ضمن عملية تبادل التعويضات والسكان. واصر، بوقاحته المعهودة، انه لن يكون سلام ما لم تجد قضية "اللاجئين" اليهود وحقوقهم حلا على طاولة المفاوضات.

 هذا الموضوع لم يكن من اختراع ايلون ولم يأت اليوم صدفة، بل يتم التحضير له منذ سسنوات طويلة على نار هادئة لاختيار الوقت المناسب لطرحه. في الستينات رفض بن غويون وموشيه ديان وزعماء آخرين ان يطرحوا الموضوع على جدول الاعمال الدولي باعتبار ان "الوقت غير مناسب" ومنذ عام 2009طاب نتانياهو من مستشاره عوزي اراد ان يجهز الموضوع في الوقت الذي طلب منه تجهيز ملفات التفاوض مع السلطة الفلسطينية، ولطرحه على الطاولة الدولية في الوقت المناسب، وفي ايار عام 2011 قدم مجلس الامن القومي الى نتانياهو ملفا كاملا في الموضوع، وتم الكشف عن بعض تفاصيله في بداية هذا الشهر من خلال وسائل الاعلام الاسرائيلية، وليس صدفة ان كل ما طالب به ايلون في الاجتماع المذكور في مقر الامم المتحدة، قد جاء في توصيات مجلس الامن القومي.

هنا لا بد ان نتساءل، مع من سيتفاوض ايلون؟ مع الفلسطينيين؟ وما هي مسؤولية الفلسطينيين عن  المهاجرين اليهود من العراق او مصر او من اليمن او المغرب العربي على سبيل الامثلة؟ وبأي صفة يمكن للفلسطيني ان يتحدث في الموضوع؟ والسؤال الثاني، لماذا لم يطرح الموضوع اثناء المفاوضات مع مصر مثلا حيث هاجر منها اكثر من سبعين الف يهودي الى اسرائيل؟ ولماذا لم يطرح الموضوع مع المغرب، صديقة اسرائيل، خاصة وان المغرب بلد عربي احتضن اليهود بعد طردهم من اسبانيا اكثر مما احتضنتهم اوروبا وعاش فيه حتى عام 1948 اكثر من 250 الف يهودي؟ اضافة الى ذلك، هل يمكن اعتبار اليهود الذين هاجروا من الاتحاد السوفييتي ودول اوروبية وامريكية لاجئين ايضا؟ واذا كانت اسرائيل ترى بكل مهاجر اتي اليها لاجئا، فهل يبقى فرق بين تعريف لاجئ وتعريف مهاجر في القانون الدولي؟

واضح لكل من يعرف قراءة الابجدية في السياسة ان القضية المطروحة لا تمت الى الحق والحقيقة بصلة وانما هي، كعادة حكام اسرائيل، افتعال لقضية تحول من خلالها اسرائيل نفسها من مجرم الى ضحية، اسرائيل مظلومة (يا حرام!) وتحتاج لمن ينصفها، والعالم مطالب بذلك. وهي تندرج في توقيتها، عشية انعقاد الاجتماع السنوي للجمعية العمومية، ضمن السياسة الاسرائيلية التي لا تقبل النقد وترفض ان تكون في حالة الدفاع عن النفس، بل تسعى لتكون دائما الطرف المتهِم  (بكسر الهاء)، اما الاهداف المعلنة من هذه الحملة فتتمثل بالاعتراف باليهود الذين هاجروا من الدول العربية الى فلسطين على انهم لاجئون، مساواة اللاجئين الفسطينيين "باللاجئين" اليهود وبالتالي، بحسب اقوال نائب وزير الخارجية داني ايلون، توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية كما وطّنت اسرائيل "اللاجئين" اليهود، وثالثا تعويض اللاجئين "كل اللاجئين"، اليهود والعرب، من خلال اقامة صندوق دولي لتعويض اللاجئين كما اقترح كلينتون في نهاية فترة حكمه، وهنا يبدو ان الخليج العربي سيكون الممول الاساس لهذا الصندوق والذي تطمح اسرائيل ان تلتهم معظم ميزانيته.  وأخيرا ، وهو الهدف الاهم دون الافصاح عن ذلك، هو وضع اكبر العراقيل امام أي تقدم في عملية التسوية التي يفترض ان تعيد اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم ودفع التعويضات لهم عن الغبن الذي لحق بهم والاملاك التي سلبت منهم. قاذا كانت مسيرة المفاوضات اشبه بالسير في مُوكرَة (مغارة متشعبة الانفاق تعيش بها الثعالب وحيوانات برية اخرى) فان ملف "اللاجئين اليهود" هو الحجر الذي يلقى على باب المُوكَرَة فيسدها ليخنق كل من بداخلها.

يجب ان نعترف ان نجاح اسرائيل في ادراج قضية "اللاجئين" اليهود من الدول العربية على جدول الاعمال الدولي هو انجاز لحكومة اسرائيل، وهو تحد للدول العربية وحكامها. لقد اقامت اسرائيل منذ حوالي عشرين سنة هيئة خاصة لتوثيق الرواية اليهودية. نحن نعلم عن قرب، ونحن شهود احياء، لكيفية توثيق الروايات الخيالية على انها حقائق، وهي ستتحول الى حقائق فعلا اذا ما بقي العرب على ما هم عليه. لقد دُقّ هذا الجرس من عشرين عاما تقريبا، فهل قامت أي دولة عربية بتوثيق روايتها وكيف قامت العصابات اليهودية التي عملت في العراق واليمن وسوريا والمغرب وووو لحث اليهود على الهجرة من بلادهم ليحتلوا مكان اللاجئ الفلسطيني؟ ام انهم ينتظرون عقدا اضافيا من الزمن فيكون الشهود العرب على الاحداث قد ماتوا ولم يتركوا أي تسجيل فتصبح الرواية الاسرائيلية الخيالية رواية وحيدة فتتحول حينذاك الى حقيقة؟

من ناحيتنا كفلسطينيين لا يجوز لنا المساومة او البحث او مجرد الربط بين قضيتين مختلفتين، ولا يوجد أي سبب يجعلنا نقبل بذلك، ولا توجد أي مرجعية قانونية تجبرنا على ذلك، ولن نمانع ان يعود اليهود الى الدول العربية او الاوروبية او الامريكية، التي أتوا منها، ولكن هل تضمن الدول العربية الا تضطر لمناقشة الموضوع مع اسرائيل، وان كان بدون ربط مع قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم المشروع في العودة الى ديارهم والتعويض عن عذاباتهم؟ وكم سيكلفها ذلك ان اضطرت الى قبول الرواية الاسرائيلية؟

 

اليف صباغ

باحث ومحلل سياسي
مدونة حيفا برس
26.9.2012







حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الاثنين، 24 سبتمبر 2012

اولمرت يتحفز للعودة الى رئاسة الحكومة


                     نتانياهو قد يقدم موعد الانتخابات لمنع اولمرت من المنافسة على رئاسة الحكومة

اليوم فرضت المحكمة المركزية في القدس العقاب المنتظر على رئيس حكومة اسرائيل الاسبق اهود اولمرت، بالسجن لمدة سنة ، مع وقف التنفيد لمدة ثلاث سنوات، بالاضافة الى غرامة بمبلغ 75300 شاقلا تجسيدا للحكم عليه بتهمة "خيانة الامانة". وكانت المحكمة قد قررت قبل اسابيع تبرئة المتهم، اولمرت، من عدة تهم وجهت اليه في اربع قضايا نزلت عليه سويا، قضية شركة السياحة "ريشون تورز" التي ابثقت من قضية طلانسكي، وقضية مركز الاستثمارات، وقضية ا"لمليحي" حيث اتهم بتلقي رشوة، ولكن المحكمة وجدته مذنبا بتهمة واحدة فقط وهي "خيانة الامانة" في قضية مركز الاستثمارات فقط باعتبار انه قدم مساعدة لصديقه اوري ميتسر، الامر الذي يتعارض مع مهامه  كوزير آنذاك. هذا ولم تقبل المحكمة طلب الادعاء العام بالحكم على اولمرت بالشغل لمصلحة الجمهور.  يذكر ان اولمرت ومحاموه  كانوا قد استشرسوا في دفاعهم لكي يتنازل الادعاء العام عن مطلبه بالحاق العار بالمتهم، ونجحوا في ذلك ايضا، مقابل تنازل اولمرت عن امتيازات مادية تحق له  كرئيس حكومة سابق.
اعتبر المراقبون، محامون وسياسيون وقضاة سابقون، ان العقاب الذي فرضته المحكمة على اولمرت خفيف جدا نسبة الى تهمة "خيانة الامانة" خاصة وان المحكمة اشارت في قرارها ان خيانة الامانة لم تكن ناتجة عن "فعل تقني". ولكن المحكمة  عللت تخفيف الحكم الى حقيقة ترك اولمرت منصب رئاسة الحكومة على خلفية  مجمل الاتهامات الخطيرة التي وجهت اليه ومنها تلقي رشوة وخيانة الامانة وغير ذلك، ولم يبق من كل هذه التهم سوى تهمة "خيانة الامانة"، التي لم تكن تستاهل وحدها ترك منصبه ، مما سبب له اضرارا جسيمة، الامر الذي استدعى اخذه بعين الاعتبار. اضافة الى ذلك فان تنازل النيابة العامة  عن اضافة "العار" لقرار الحكم فتح الطريق لاولمرت للعودة الى الحياة السياسية.
بهذا لم تنته القضايا المرفوعة ضد اولمرت، فقضية مشروع "هوليلاند" لم تبت بها المحكمة بعد، ولم يمر على قرار المحكمة الذي صدر اليوم مدة 45 يوما لتقرر النيابة العامة ما اذا كانت ستستانف الحكم الى المحكمة العليا ام لا، ومع ذلك فالدوائر المقربة من اولمت تقول انه متحفز للمنافسة على رئاسة الحكومة بديلا لنتانياهو بالرغم من تصريحاته السابقة بانه لن يعود الى الحياة السياسية، وذلك لعدة اسباب  اهمها انه في نظر المستائين من سياسية نتانياهو يشكل اولمرت البديل الوحيد بين القيادات السياسية في اسرائيل المؤهل لاستبدال نتانياهو في رئاسة الحكومة ، في حين ان تسيبي لفني فشلت في ذلك ، وشيلي يحيموفتش رئيسة حزب العمل لا تملك من العلاقات الدولية ما يؤهلها لرئاسة الحكومة.
في اعقاب قرار المحكمة وتحفز اولمرت للتنافس على رئاسة الحكومة، يتوقع المراقبون ايضا ان يشن اليمين المقرب من بيبي نتانياهو حملة اعلامية ضد اولمرت في وسائل الاعلام المختلفة تحت شعارات اخلاقية وسلوكية وسياسية، اي تخويف المواطن اليهودي من برنامجه السياسي واتفاقياته المبدئية مع الرئيس محمود عباس، كل ذلك بهدف ردعه من التنافس على رئاسة الحكومة، بالمقابل رحب  اعضاء حزب "كاديما" بقرار المحكمة  الذي يسمح لزعيمهم السابق بالعودة الى الحياة السياسية، وهم يرون به قائدا يمكنه اعادة كاديما قوية الى الحلبة السياسية، ومنافسا على رئاسة الحكومة. من جهة أخرى يبدو من الطبيعي الا يرحب حزب العمل بالقرار او بالمقابل انتقاده لحسابات حزبية وانتخابية مفهومة.
يبقى السؤال، كيف يؤثر كل هذا على قرار نتانياهو لتقديم موعد الانتخابات ام لا؟ بدون شك، سيكون قرار نتانياهو  بتقديم موعد الانتخابات متأثرا برغبة اولمرت او مؤيديه للتنافس على رئاسة الحكومة. ولن ينسى نتاياهو واولمرت ان يراقبا استطلاعات الرأي العام في الايام القادمة، وعليه قد يقرر نتانياهو تقديم موعد الانتخابات قبل انتهاء التداول واصدار الحكم في قضية "هولي لاند" لكي يضمن عدم منافسة اولمرت له.


اليف صباغ
مدونة حيفا برس
24.9.12




حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الخميس، 13 سبتمبر 2012

في العلاقات الاسرائيلية الامريكية



                    الملاذ الأمريكي الأخير

                   خلافات في الموعد والثمن والمضمون.

 

يخطىء من يعتقد ان خطة العدوان الاسرائيلي على إيران قد طُوِيت بصُلحة ما بين اوباما ونتانياهو، لأن الحروب ليس لها اسباب بل لها أهداف تحددها الدولة او الدول التي تخطط لها، وما لم تتحقق هذه الاهداف يبقى مشروع الحرب قائما. فالحروب الاقليمية تشن بهدف خلق نظام اقليمي جديد يتناسب مع ميزان القوى الجديد، أو تثبيت نظام اقليمي يتهاوى، ويعلم كل مراقب للشرق الاوسط ان النظام الإقليمي الذي عملت اسرائيل والولايات المتحدة وحلفاؤهم على ترسيخه على مدى عقدين من الزمن بقي واهنا بفعل محور مقاومة هذا النظام المتمثل في التحالف الايراني السوري مع حزب الله، وحماس الى ما قبل مدة وجيزة،  ويعلم المراقب ايضا ان انحسار قوة الولايات المتحدة دوليا وظهور اقطاب جديدة مثمثلة في روسيا والصين ودول "البريكس"، وأهمية نفط وغاز الشرق الاوسط في تعزيز مكانة القوى الجديدة اوالقوى المسيطرة او تحطيمها، وموقع المحور الايراني السوري اللبناني في انتاج نظام شرق اوسطي للعقود القادمة، لا بد ان يلزم الولايات المتحدة بحسابات دولية واقليمية لا تروق دائما للحسابات الاقليمية لاسرائيل، ومهما بلغت الالتزامات الامريكية لاسرائيل، فإن المصلحة الامريكية المباشرة تبقى هي الموجه الاساس في الحسابات الامريكية. 

ليس صدفة ان تتأزم العلاقات الامريكية الاسرائيلية في هذه الظروف الاقليمية والدولية وعشية الانتخابات الامريكية بالذات. وهنا لا بد من التدقيق في ماهية نقاط الخلاف، ولذلك لا بد من قراءة تفصيلية في النص والمعنى دون إهمال حتى لنبرة الصوت التي يتعمدها نتانياهو وصياغة الموقف "الدبلوماسي" واستخدام المفردات فيه بدقة متناهية.

نعم هناك خلافات اسرائيلية امريكية فيما يخص الملف الايراني، وبمعنى ادق في كيفية التعامل مع المشروع النووي الايراني وضرورة او امكانية القضاء عليه. انه في الحقيقة ملف مركزي في الشرق الاوسط ويشمل تعاملا مع سوريا وحزب الله، ويشكل الحراك الشعبي في الشرق الاوسط على اشكاله، في ايران سابقا  وفي الدول العربية لاحقا، عاملا مهما في الحسابات الامريكية والاسرائيلية على حد سواء، مما يجعل الحسابات لا تقبل المسلمات التي تروج لها وسائل الاعلام بهذا الاتجاه او ذلك، فالترويج للمسلمات هو نوع من تصوير الواقع المرغوب اكثر من الواقع الموجود بهدف تحويل الواقع الافتراضي الى واقع حقيقي، وفي حالة أخرى هو شكل من الاستسلام لما يخطط له الغرب ، فيكون الاستسلام اهم العوامل المساعدة لتحويل الواقع المفترض الى حقيقة. وتممثل الخلافات الاسرائيلية الامريكية في ثلاث نقاط رئيسية: في الهدف لشن العدوان، في المخاطر والثمن، في الموعد، اذن، ما هو المخرج او الملاذ؟

يبدو في وسائل الاعلام وكأن الخلاف الاساس هو في موعد شن الحرب على ايران، قبل النتخابات الامريكية او بعدها، وفي تقديري ان الخلاف الاساس يكمن هو في الهدف، ومرده الى ان الولايات المتحدة تتفق مع اسرائيل في ضرورة منع إيران من امتلاك سلاح نووي الامر الذي يحتاج الى حصول ايران على يورانيوم مخصب بنسبة 90% وما فوق، تستورده من الخارج او ان تخصبه بنفسها، ولكنهما لا تتفقان على ضروة شن حرب مدمرة جدا وخطيرة جدا على المستوى الاقليمي والدولي بهدف منع من ايران من امتلاك التكنولوجيا النووية للحاجات السلمية، ومنها  تطوير مجالات عديدة من العلوم، دون ان يصل ذلك الى مستوى التسلح النووي، وهذا ما يسمح به العالم والقانون الدولي. يقول نتانياهو: "انا مصرعلى بذل كل جهد لمنع ايران من الاستمرار في مسيرتها للحصول الى سلاح نووي" وهذا يعني انه مصر ان يمنع الصيرورة بدون تعيين أي مرحلة منها، بينما تؤكد امريكا انها تتفق مع اسرائيل لمنع النتيجة، أي السلاح النووي وليس الصيرورة ذاتها، بدون تحديد مراحل محدد في هذه الصيرورة ما قبل انتاج السلاح النووي. هذا الاصرار الاسرائيلي لمنع أي تطور تكنولوجي في الشرق الاوسط قد يهدد يوما ما تفوقها الصناعي التكنولوجي والسياسي هو في صلب السياسة الاستراتيجية لاسرائيل، وهو ما يجعل بيبي نتاياهو غير مرتاح  للحلول الامريكية التي قد تقبل بامتلاك ايران للتكنولوجيا النووية شرط الا تصل بها الى سلاح نووي، وهذا امر يمكن ان تقبل به ايران ايضا لو قبلت به امريكا علنا. وكنت في بداية آذار هذه السنة قد اشرت في مقال خاص الى هذا الاختلاف، وهو ما يزال في تقديري محور الازمة.

 

في الثمن ، ومرده ان الولايات المتحدة تعتقد بأنها ستدفع ثمنا باهضا لهذه الحرب، حتى وان استطاعت ، هي واسرائيل وحلفاؤهما، ان يدمروا غالبية المفاعلات النووية الايرانية، لان الثمن وفق تقدير اوساط امريكية متعددة هو تدمير قواعدها العسكرية وكيانات سياسية حليفة لها في الخليج، وبذلك تكون اسرائيل هي أقل الدول ضررا من هذه الحرب، بل يمكن ان تكون هي الرابح عن حرب دفعت وورطت العالم بها، وتكون امريكا وحليفاتها العربيات اكثر المتضررين من الحرب. ومن هنا حاولت الولايات المتحدة ان تقدم التزاما لايران بعدم المساهمة في العدوان الاسرائيلي عليها مقابل ان تأخذ التزاما من ايران بالا ترد على مواقعها العسكرية والسياسية في الخليج اذا ما شنت اسرائيل عليها حربا، الا ان ايران رفضت ذلك العرض لقناعتها ان اسرائيل لا يمكنها شن حرب على ايران دون مساهمة عسكرية ولوجستية أمريكية، علنية كانت او غير علنية، ولقناعتها ان الخوف الامريكي من دفع الثمن سيجعل الاخيرة تضغط على اسرائيل لمنعها من شن حرب جنونية ومدمرة على منشآتها النووية. اذن، في حسابات الربح والخسارة يفضل اوباما الا يخوض حربا ضد ايران حتى لو اضطر الى السماح بنفوذ نسبي لاقطاب دولية اخرى الى الشرق الاوسط، وفي حسابات الربح والخسارة تفضل اسرائيل شن حرب على ايران وهي اقل الخاسرين مقارنة بامكانية السماح لايران بتطوير تكنولوجيا نووية ولو سلمية، فيقلدها العرب لاحقا وأولهم مصر، لتكف اسرائيل عن كونها الدولة الصناعية العظمى الوحيدة في الشرق الاوسط.

في الموعد ، أي قبل الانتخابات الامريكية او بعدها، ومرده الى عدم ثقة نتانياهو بان اوباما سيفي بوعده غير الرسمي وينفذ الضربة المطلوبة ضد ايران، بعد ان يعود الى البيت الابيض ثانية. ينبع تخوف نتانياهو ايضا من تخوفه ان تكون المرحلة القادمة من حكم اوباما هي مرحلة توازن الرعب في الشرق الاوسط، وهو يعني مرحلة الضغط على اسرائيل لتسوية قضية فلسطين، ومن ادراكه باختلاف الهدف من شن العدوان، ومن هنا يطالب نتانياهو اوباما بموعد او بحدود معينة من صيرورة المشروع النووي الايراني، اذا ما تجاوزتها ايرات تلتزم امريكا بالتحرك العسكري ضدها، وهذه الحدود وفق نتانياهو معناها الا يزيد مستوى تخصيب اليورانيوم الذي تملكه ايران عن 3% وان لا تملك ايران القدرة التكنولوجية على تخصيبه أصلا، بل يأتيها من الخارج، ليكون هذا الخارج هو من يتحكم بالتطور التكنولوجي لايران، وهنا لا بد من التذكير بما كتبه موشيه آرنس غداة انتهاء الحرب العراقية الايرانية عام 1988 في تقييمه للقوة العراقية، وكان آنذاك وزيرا للامن، فقال: "ليس الجيش المدرب والكتائب المقاتلة للجيش العراقي هو ما يخيفنا بل قدرته التكنولوجية واولها ما يملكه من علماء وقدرته على الانتاج الحربي".                                                                                                     

اذن ما هو الملاذ وكيف يحفظ اوباما نفسه من هجوم مرتقب لحلفاء نتانياهو في الكونغرس وفي الحزب الجمهوري عشية الانتخابات الامريكية؟. في حسابات الربح والخسارة يبقى الملاذ الاخير لاوباما هو في تسعير الازمة في سوريا فاذا ما نجحت المليشيات المسلحة، المدعومة من الغرب ودول الخليج وتركيا، في ضرب المحور الايراني السوري اللبناني (حزب الله)، تكون امريكا قد حققت النتيجة المرجوة والهدف المشترك مع اسرائيل. وتكون ايران اصبحت عرضة للضغط الدولي تحت تهديد عسكري اكبر قوة وتأثيرا، واذا ما تم القيام بعملية عسكرية واسعة ضد ايران ستكون أقل خطورة وتكلفة، قد يكون هذا هو الملاذ لاوباما والتيار المعارض لنتانياهو من الاسرائيليين، وقد تسمح امريكا لنتانياهو بشن عدوانه على سوريا بدلا من ايران، اذا ما ضمنت امريكا ان أي عدوان على سوريا لن يجر اليه ايران.

في هذه الظروف المعقدة والحساسة، يجب ان نأخذ بالاعتبار ان سياسة استرضاء اسرائيل التي ينتهجها العرب وامريكا بشكل عام لن تزيدها الا تعجرفا واصرارا على الابتزاز، وهذا اقل ما تجنيه اسرائيل عشية الانتخابات الامريكية، وهو اكثر ما يجيده بيبي نتانياهو ايضا. لقد فشلت سياسة استرضاء هتلر عشية الحرب العالمية الثانية ولم تمنعه من شن الحرب على جيرانه، بل هي، واعني سياسة الاسترضاء، التي اشعرته بالقوة التي لا تقاوم في أوروبا. وإذا قيمنا الخلفية الايديولوجية للسياسة الاسرائيلية ومصادرها الفلسفية والمكانة الخاصة لعناصر القوة في نهجها السياسي، نستطيع ان نفهم حقيقة المواقف الاسرائيلية في ظل المتغيرات السياسية الاقليمية والدولية.

 

اليف صباغ

مدونة حيفا برس

13.9.2012















حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الخميس، 6 سبتمبر 2012

لا تندهييييي ما في حداااا...

                         "لا تندهييييييي ما في حدااااااا "........

في ظل اجتماع وزراء الخارجية لدول الجامعة العربية بالأمس واليوم، تجري أمور كثيرة في هذا العالم الصغير، ولكن ما يهمنا اكثر هو ما يخصنا من كل ما يجري وهو كثير، فهل يخصنا ويهمنا فعلا، بمعني ان يثير همّتنا؟ أم انه يمر من الباب الخلفي الى الباب الخلفي الخاص بالهروب، فلا من شاف ولا من سمع ولا من علم؟
في هذه الايام بالذات تنظم وزارة الخارجية الاسرائيلية حملة دولية للاعتراف بالمهاجرين اليهود من الدول العربية الى اسرائيل على انهم لاجئون. فما هي الاهداف من وراء ذلك؟ وهل للتوقيت اهمية ما؟  نعم الاهداف واضحة ويصرح بها منظموا الحملة وعلى راسهم نائب وزير الخارجية والمندوب الاسرائيلي السابق في الامم المتحدة داني ايلون، وأول هذه الاهداف هو الاعتراف الدولي باليهود الذين هاجروا من الدول العربية الى فلسطين على انهم لاجئون، ومن ثم مساواة اللاجئين الفسطينيين "باللاجئين" اليهود، بحسب اقوال نائب وزير الخارجية داني ايلون وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية كما وطّنت اسرائيل اللاجئين اليهود، وثالثا تعويض اللاجئين "كل اللاجئين"، اليهود والعرب، من خلال صندوق دولي لتعويض اللاجئين يقام خصيصا لهذا الهدف، وفق اقترح كلينتون في نهاية فترة حكمه. هنا يبدو ان الخليج العربي سيكون الممول الاساس لهذا الصندوق وتطمح اسرائيل ان تتلقى معظم ميزانيته وفق حساباتها التي تعتبر ان اللاجئين اليهود اكثر عدد من اللاجئين الفلسطينيين وان املاكهم اكثر.
 مع انعقاد مجلس وزراء الخارجية، يعلن اوباما إعادة بند خاص الى برنامجه الانتخابي يعترف بموجبه بأن "القدس الموحدة عاصمة أبدية لاسرائيل". وكان اوباما قد الغى هذا البند من برنامجه الانتخابي السابق . اما وزراء الخارجية العرب فلم يسمعوا بالخبر لان ضجيج المعارك في حلب بهدف اسقاط الرئيس الاسد يشغلهم عن حقوق الأمة او الأمتين. فهل هناك رسالة ابلغ من هذه الرسالة الى الملوك والرؤساء العرب ومن يمثلهم في اجتماع وزراء الخارجية في العاهرة؟ وهل هناك استخفاف واحتقار للمجتمعين في القاهرة و"للأمتين"، العربية والاسلامية، اكثر من ذلك؟
وزراء الخارجية العرب يهيلون على الفلسطينيين جبالا من التضامن الكلامي ويهيلون على عصاباتهم المسلحة في سوريا وما حول سوريا جبالا من الاموال والسلاح لاسقاط سوريا في مستنقع العمالة التي يعيشون فيها فالنظام السوري خارج عن الاجماع العربي الساقط ولذلك يجب ان اسقاطه. اما فلسطين وشعبها المسكين فقد انتظروا 64 سنة فما بالهم لا ينتظرون نصف قرن آخر؟. لقد بدل العرب اعداءهم ، وما بدلوا ، بل كشفوا عن عوراتهم .
في ظل اجتماع وزراء الخارجية ايضا، تحولت قضية فلسطين الى موضوع غلاء الاسعار ورواتب الموظفين الذين بلغ عددهم اكثر من 300 الف قسم كبير منهم مهمته الوحيدة هي مراقبة واطفاء أي شرارة لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي، هذا ولم تتعد ميزانية السلطة ميزانية مدينة كبيرة في اسرائيل. واخشى ما اخشى ان يسحب الملف الفلسطيني بهدوء وسلاسة عن طاولة التداول السياسي الدولي وبالذات عن طاولة الجمعية العمومية الذي يعقد سنويا في نهاية شهر ايلول، منعا لاحراج امريكا او خشية ان يأخذ مكان الملف السوري ام الايراني الذي يدفع به اسرائيل الى الطاولة.
في ظل انعقاد اجتماع وزراء الخارجية لدول الجامعة العربية، اسرائيل تقصف سيارة مدنية في وسط قطاع غزة وتقتل ثلاثة مواطنين فلسطينيين وتجرح رابعا جروحا بليغة، بحجة انهم "كانوا في طريقهم لاطلاق صواريخ على اسرائيل". سبحان الله كيف يتم اعدام الفلسطيني بدون محاكم وبحجة انه "كان ينوي" او "كان يفكر ب" او "في طريقه الى...." دون اي رادع او خشية من ردود فعل في ظل اجتماع عربي عالي المستوى؟ وفي ظل "ربيع عربي" هائج وتشريع للتسلح والقتل باسم الحرية والكرامة. ام ان حرية الفلسطيني وكرامته قد داستها الاقدام منذ زمن؟ وربما صدق قول الشاعر المتنبي: من يهن يسهل الهوان عليه...ما لجرح بميت ايلام. ؟؟؟ وللتذكير اقول: هل تذكرون اجتماعا واحدا لوزراء الخارجية العرب او اجتماع قمة عربي دون ان تقوم اسرائيل بجريمة ما صغيرة او كبيرة ضد شعبنا؟ هل تذكرون اجتماع قمة لم يقدم العرب لاسرائيل تنازلا علها ترضى بهم خدما؟ لماذا هذا التوقيت بالذات ان لم يكن بهدف تأكيد الاذلال  وتعميم وتعميق شعورهم بالنقص والذل والمهانة والعجز، وهذا اكبر مكسب يمكن ان تؤسس عليه اسرائيل مكاسب سياسية أخرى
يا اختي في غزة، لا تندهي للعرب ، ما في حدا. والللللله ما بقي منهم حدا..... وما لك والله الا الصبر والقتال عملا بقول الشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود: "فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا".
 
اليف صباغ
6.9.2012