الأحد، 30 ديسمبر 2012

                                رسالة ثانية الى الرئيس محمود عباس

 

في العشرين من الشهر الجاري ، نوفمبر، كتبت ونشرت  هنا رسالتي العاجلة الى الرئيس ابومازن  ناقشت مضمون الرسالة المنوي توجيهها باسم الشعب الفلسطيني الى الجمعية العامة للامم المتحدة بهدف نيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية عضوا مراقبا، وليس كاملا ،في الجمعية العمومية للامم المتحدة،  وبناء على مضمون الطلب المذكور طالبت الرئيس ابومازن بعد التوجه الى الجمعية العمومية بعكس ما كنت اطالب به من قبل.  وقد اتيحت لي الفرصة لاحقا ان اناقش مضمون الطلب المذكور على اثير اذاعات فلسطينية  هنا  محذرا من مضمون ضعيف وتوجه استعطافي استرضائي لا يرقى مستوى الحد الادنى من تضحيات شعبنا الفلسطيني وحقوقه الطبيعية المشروعة . اما وقد تابعتُ خطابك في الجمعية العمومية مساء امس وتابعت استعراض الطلب الذي قدمه المندوب السوداني في الامم المتحدة باسم عشرات الدول الصديقة فلا بد من استكمال ذلك المقال وتلك المناقشة .
اولا، ابارك لشعبنا الفلسطيني ولا ان ابارك لنفسي ايضا بهذا الانجاز الذي اعاد حقوقا اساسية للشعب الفلسطيني، وان لم تكن كاملة، ولكنه بدون شك ازاح غيمة سوداء كانت تخيم فوق وطننا في زمن غاب فيه الحق وساد فيه الباطل. واعترف ايضا ان كلمتك    بطلب الاعتراف كما هي كلمة المندوب السوداني كانت مختلفة عن مسودة الرسالة التي ناقشتها سابقا، والاختلاف الى الافضل، كما كان التوجه والمنهج افضل مما كان. هذا مع ضرورة التأكيد مرة تلو الاخرى ان حق العودة غير قابل للتفاوض ولا يمكن ان تحاصره مبادرة عربية او رغبة اسرائيلية او امريكية او المانية وبريطانية مهما طال الزمن زتبدلت الاجيال.
ثانيا، لا بد من التوضيح ان هذا الاعتراف وتبدل موقف بعض الدول الاوروبية سواء بالتأييد او بالامتناع  لم يكن بفضل  سياسة بوس الايادي والاسترضاء اومبادرات حسن النية  التي قدمتها السلطة الفلسطينية لاعداء شعبنا، او السماح بالسطوة الامريكية او الاوروبية  او حتى العربية ، المصرية او الخليجية،على القرار الفلسطيني، بل لانك استطعت ان تتمرد على هذه السطوة ولو لمرة واحدة. وان هذا الانجاز لم يكن ممكنا بفضل المبدأ القائل ان "التفاوض  السياسي هو الطريق الوحيد" للوصول الى حقوقنا المشروعة، كما ان الانجاز لم يكن ممكنا بفضل المقاومة المسلحة بصفتها "الطريق الوحيد" لتحرير فلسطين، بل بفضل هذا الدمج غير المقصود بين المقاومة بكافة اشكالها وبين المسار السياسي . بفضل هذا الصمود الاسطوري لاهلنا وللمقاومة في قطاع غزة وصمود الموقف السياسي الفسطني المفاوض، فهل يمكننا ان نجعل من هذا الدمج نهجا مقصودا بعد اليوم بدل ان نختلف على عبثية "الطريق الوحيد"؟ وهل يمكن ان يرتقي المفاوض الفلسطيني الى مستوى التضحيات التي قدمها ويقدمها شعبنا المقاوم؟  ان المصالحة الفلسطينية لا يمكن بناؤها الا على اساس الدمج بين المقامة والتفاوض السياسي في آن معا، هذا هو طريق ونهج الشعوب التي نالت الحرية والاستقلال.
ثالثا، راقبت بالامس وما زلت اراقب صباح اليوم تلك الخطابات الرنانة في ساحات رام الله وبيت لحم لقيادات السلطة الفلسطينية اما حشود جماهيرنا الفلسطينية المتعطشة للحرية الاستقلال وكنس الاحتلال عن ارضها، واتفهم حاجات قيادات السلطة وقيادات فتح بالذات ان تعرض انجازا ما لنهج سسياسي لم ينجز الا القليل القليل بمالا يوازي الاخفاقات الكبرى التي فرضتها قوى الاحتلال الاسرائيلي برعاية امريكية كاملة وصمت اوروبي قاتل، ولكن لا بد من التذكير ان هذه التصريحات والوعود التي سمعناها مساء امس واليوم ليست كلاما يذهب مع الريح، لم يعد ممكنا انكار اي من  هذه الوعود في المستقبل، كل كلمة مسجلة بالصوت والصورة، شعبنا سيحاسب كل قيادي على ما صرح ووعد به، ولكن يقبل كلاما عاطفيا او ديماغوغيا بعد اليوم، بل يريد التزاما بالتصريح ووعدا صادقا لا انكارا.  ان التشكيك في اهمية القرار الذي اتخذته الجمعية العمومية ماء امس لا يمكن محوه من اذهان ابناء شعبنا واصدقائنا في العالم الا بالممارسة اللاحقة، لقد سمعتك تعد في خطابك ان يكون السلوك الفلسطيني المبني على هذا القرار "عقلانيا"






حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

غياب الأفق وآفاق الغائب



 

كغيري، لم تفاجئني المحكمة العليا بقرار "شطب الشطب" وإعادة النائبة جنين زعبي الى قائمة التجمع لانتخابات الكنيست المقبلة، ذلك ليس لان المحكمة العليا عادلة فعلا، وليس لأنها تناهض العنصرية ،وليس لانها تحفظ حقوق المواطنين العرب، اصحاب البلاد الاصليين، ونحن نعرف تاريخ هذه المحكمة وحكامها، بل لأن  قضاة المحكمة العليا، كما كان مؤسسو هذا الكيان، يعلمون جيد ان عضوا عربقيا في الكنيست اسهل الف مرة من عشرة الاف عربي في الساحات، وان السماح بنشاط علني معاد لسياسة الحكومة وحتى لماهية الدولة افضل الف مرة من خنق وشطب قد يخلق اساليب غير معلنة من النضال لشعب يعي واقعه وحقه المستباح ولا يركع وان اجتمعت دول العالم كلها ضده. ومن هنا، لا بد ان اؤكد، ان المحكمة العليا والدوائر المتنفذة في الدولة، ترى بمقاطعة الانتخابات خطرا اكبر بالف مرة من مشاركة النائبة حنين زعبي او غيرها في قافلة الحرية لكسر الحصار عن قطاع غزة، ولا بد من التذكير ان السلطات الاسرائيلية منحت المواطنين العرب جنسيات اسرائيلية لم يطلبوها ومنحتهم حق التصويت والترشح للبرلمان حتى في ظل الحكم العسكري بين 1948 -1966 .

هنا يجب ان نؤكد، ان كل هذا لا يجيز اتهام الاحزاب العربية، بما في ذلك الجبهة الديموقراطية (العربية – اليهودية)،  وممثليهم في الكنيست، بخيانة شعبهم، او انهم يعملون وفق اجندة صهيونية، لان مثل هذا الاتهام يحمل من التجني ما يحمله من الجهل للواقع المعقد الذي يعيشه ابناء شعبنا تحت السلطة الاسرائيلية. لقد اوضح ذلك، السيد واصل طه رئيس حزب التجمع بقوله: "ان مشاركتنا الانتخابات البرلمانية، في وضعنا المعقد، هو مساومة مع الذات اولا  وليس رغبة في المشاركة". في الواقع، لم تحقق الكنيست لهذه البقية الباقية من شعبنا في وطنها أي خير، وبغض النظر عن عدد النواب العرب فيها او نسبة تمثيلهم للمواطنين العرب في اسرائيل، بل أتت لهم، منذ تأسيها وحتى اليوم، بمزيد من القوانين العنصرية ومصادرة الاراضي وتحديد الحريات وخنق الهوية ومصادرة للسيادة الوطنية، والغاء حق السكان الاصليين في وطنهم لحساب المستوطنين الجدد، كل ذلك مقابل حق الترشح والانتخاب للبرلمان، وحق الكلام من غير ان يكون لهذا الكلام قوة لتجسيده الى عمل حقيقي او تشريع يعترف بالحقوق القومية والمدنية لشعبنا باعتباره صاحب البلاد، ولن يكون. ان نظرة سريعة الى نسبة العرب المشاركين في الانتخابات البلالمانية تؤكد انها في تناقص مستمر حتى انها لم تتعدّ نسبة 50% في الانتخابات الاخيرة، بما في ذلك التصويت للاحزاب الصهيونية. ان القدرات والمؤهلات الشخصية للنواب العرب ونشاطهم المثابر والمهني يصنفهم بين افضل اعضاء البرلمان في اسرائيلي على مدى عقود ولكن طبيعة المؤسسة وعبثية الدمج بين حقوق السكان الاصليين وما يطمح اليه المستوطنون الجدد، وهم حكام البلاد، يجعل من العمل البلماني نشاطا عاقرا.  

 

ان فحص الدوافع التي تجعلهم ينافسون على مقعد في البرلمان الصهيوني هو قناعاتهم ان البرلمان هو ساحة نضالية يجب استخدامها لنيل الحقوق او للتصدي الى مشاريع قوانين عنصرية يمكن ان تزيد الحالة سوءا على سوء. ومع تراكم السنين وبحكم انسداد الافق البديل استمر الحال على ما هو عليه حتى اصبح الدفاع عن الوجود العربي في الكنيست الصهيوني امرا حول التصويت من حق الى "واجب وطني" وكان أول من استخدم هذا المصطلح هو د.عزمي بشارة زعيم التجمع، وقد تحول هذا الشعار الى شعار عام دون التفكير او اعادة التفكير في مضمونه وتداعياته. اضافة الى ذلك، فالميزانيات التي يحصل عليه الحزب الممثل في الكنيست تجعله قادرا على الاستمرار في نشاطاته الحزبية ودفع اجور الموظفين والموظفات وتمويل الصحافة الحزبية وامور اخرى. ولكب اكون اكثر واقعية اقول ان الاموال التي توضع في تصرف اعضاء الكنيست تجعلهم يشعرون بقوة لم يحلموا بها، وان المعاشات الشهرية وما يتبعها من اضافات يجعل الصراع على عضوية الكنيست داخل الحزب الواحد تصل الى حد النزاعات الشخصية. يلعن ابو المال شو بعمل!!!

من هنا، يجب ان نقول بصراحة:  لسنا بحاجة الى الكنيست الصهيوني لتمنحنا شرعية لنضالنا، بل  ان الدولة هي التي تحتاج الينا في مؤسساتها العليا لتكسب في اعين العالم شرعية وجودها ووجود مؤسساتها. وهي التي تحتاج الى التحدث لممثلينا في البرلمان، عشرة كانو او اكثر او اقل، بدل التحدث مع مئات الالوف في الميادين والساحات دون معرفة ممثليهم الحقيقيين. المؤسسة الحاكمة هي التي تحتاج الة شرعنة نضالاتنا ضمن ما تشرعه الكنيست بدل ان نُشرع لأنفسنا اشكالا اخرى من النضال. كل هذا لا يعني ان نتنازل عن  الساحة البرلمانية والتمويل البرلماني لنشاظ الاحزاب، أي مقاطعة البرلمان الصهيوني، دون ان يكون لنا بديل تنظيمي ومادي يجعل برنامجنا السياسي محركا لحركة وطنية فلسطينية ديموقراطية لا تنفصل عن الحركة الوطنية الفلسطينية الام في الداخل والخارج على حد سواء. كانت هذه الافكار هي ما تراود غالبية المؤسسين للتجمع الوطني الديموقراطي في منتصف التسعينيات من القرن الماضي ولكن الطموحات الشخصية عند بعض القيادات والضرورة المادية لقيام مثل تلك الحركة واستمرارها  وغياب او تبدل برنامج الحركة الوطنية العامة ،هو ما جعل هذه الحركة الوطنية المحلية حزبا وجعل الحزب قائمة برلمانية تدور حول محور محدود لا افق له.   

 

اليف صباغ

مدونة حيفا برس

البقيعة 30.12.12


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .