الخميس، 22 مايو 2014

مَن يهدد مَن؟


مَن يُهدّد مَن؟

تشتد ، في الاونة الأخيرة، الهجمة الحكومية باذرعها المخابراتية والشرطية والقضائية المفضوحة لقمع حرية التعبير ومنع أي نشاط لمناهضة مخطط تجنيد شبابنا العرب في خدمة الاحتلال، حتى لو كانت هذه المناهضة مجرد كلمة كتبت على صفحات الانترنت، او تظاهرة او فعالية فنية او طلابية او حتى محاضرة في احد النوادي التابعة لهيئة حكومية او ما شابه،
ويتمثل الارهاب الحكومي الرسمي، وغير الرسمي، بتهديدات المناهضين للخدمة بقطع ارزاقهم، والقيام بتقديم شكاوى قضائية ضدهم بتهمة القذف والتشهير ومطالبتهم بتعويضات باهضة، وتحديد حركة بامر قضائي او التهديد باستخدام العنف الجسدي، ومثل هذه التهديدات يقوم بها المجندون انفسهم او من يساندهم، دون أي خشية من تقديم شكوى ضدهم في الشرطة، ذلك لانهم يعلمون ان الشرطة والسلطة السياسية التي تدعمهم قادرة ان "تحلهم من المشنقة". بالمقابل، يقوم كاهن التجنيد ومن معه بتقديم الشكاوى بشكل مستمر، ولأتفه الاسباب، حتى بلغ عدد الدعاوى المقدمة في المحاكم الى العشرات، وبلغت قيمة التعويضات المطلوبة من مناهضي الخدمة الى ملايين الشواقل.

المقلق في الامر هو ليس النتيجة القضائية المتوقعة، انما ينبع القلق من اربعة أسباب اخرى: اولا، موافقة المحاكم على القبول الاولي للدعاوى بسهولة بالغة، الامر الذي يشجع السلطات ومن يخدمهم على التمادي في قمع المناهضين للخدمة دون  اعتبار لحرية التعبير في مجتمع ديموقراطي. ثانيا، التكاليف التي يتحملها المدعى عليه للدفاع عن حقه في التعبير وهو حق اساس تكفله القوانين الاسرائيلية والدولية على حد سواء. وهنا تصبح الحقوق الاساسية ليست مفهومة ضمنا وانما يحتاج الدفاع عنها تكاليف باهضة وهذا اخطر ما يهدد المجتمع الديموقراطي. ثالثا، قد تشكل التهديديات بقطع الارزاق والتكاليف المطلوبة للدفاع عن الحق الاساس في التعبير عن الرأي ، حتى وان انتهت هذه الدعاوى القضائية الى الفشل، عوامل رادعة اشبه بما هو الحال تحت الحكم العسكري.  ورابعا، ان المهتمين بالدفاع عن حقوق الانسان من مثقفين ولبراليين، والمؤسسات الحقوقية لم تتدخل، بعد، بالقدر المطلوب للدفاع عن هذا الحق الاساس لتكفل ممارسته فعليا، لقد بادر الى ذلك بعض المحاضرين في جامعة حيفا دفاعا عن حق الطلاب العرب في احياء مناسباتهم الوطنية، فتحولت المبادرة الفردية بسرعة الى عريضة وقع عليها عشرات المحاضرين ومئات الطلاب من جامعات مختلفة في اسرائيل  دفاعا الحق الاساس في حرية التعبير عن الرأي ونجحت المحاولة في اعادة الطلاب الى مقاعدهم الدراسية. مثل هذه التجربة يجب ان تتكرر ليس فقط في المحاكم الجامعية، بل في المحاكم المدنية حيث تقدم الدعاوى العشوائية ضد مناهضي الخدمة.

من جهة اخرى ، تشير الاخبار ان الطرف الأضعف، العربي، المهدَّد (بفتح الدال) وليس المهدِّد (بكسر الدال)، لم يبادر الى تقديم شكاوى معاكسة ضد العنف الكلامي والجسدي الذي يمارسه اعوان السلطة او ضد التحقيقات المخابراتية والقوى الأمنية الاخرى ضدهم، فهل تمنعنا قناعتنا القائلة ان الشرطة متحيزة او ان المحاكم متحيزة للطرف الاخر، من تقديم الشكاوى والدعاوى المطلوبة؟ اعتقد اننا بحاجة الى مراجعة جدية لهذا السلوك، حتى وان بقينا على قناعاتنا من تحيز السلطات التنفيذية والقضائية.

هذا الارهاب الفكري والسياسي والاقتصادي الحكومي يجب ان يتوقف، او سنجد انفسنا في حالة تجاوزناها من نصف قرن، حكم عسكري وقمع وإرهاب واقامات جبرية وفصل من العمل وتمييز على خلفية سياسية وقومية. وهذا واجب كل واحد منا وواجب المؤسسات الحقوقية، وهي مسؤولية القوى السياسية وممثليها ايضا. 

 

اليف صباغ 22/5/14




حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق