الجمعة، 20 مارس 2015

تلخيص 1 الانتخابات للكنيست 2015

   مفاجئة الانتخابات الإسرائيلية. مَن صَنَعها؟ وكيف؟

ككل انتخابات اسرائيلية، خلال العقدين الأخيرين بالذات، هناك مفاجئة  في النتائج النهائية، وهي الفارق الكبير بين ما تقدمه استطلاعات الرأي العام  للجمهور وما بين النتائج الحقيقية بعد انتهاء فرز وإحصاء الأصوات. فما هي الأسباب لتكرار المفاجئة مرة تلو الاخرى؟ وما هو سر المفاجئة في الانتخابات الأخيرة؟
للإجابة على هذه الأسئلة، لا بد من التنويه ان التحليل السياسي لا يأتي بالتنبؤ وإنما بالاعتماد على معطيات جارية، إضافة الى معطيات أساسية في فهم الواقع المجتمعي وسلوكياته، ولا بد من الاعتراف أن جميع المحللين السياسيين قد أخطأوا التقدير، بالرغم من ظهور بوادر المفاجئة عند صدور نتائج صناديق العيّنة التي تنشر عند الساعة العاشرة ليلا، اي بعد انتهاء عملية التصويت، وذلك لأنهم اعتمدوا على المعطيات الجارية دون الالتفات الى ميزات المجتمع الاسرائيلي وسلوكياته والدوافع التي يمكن ان تحركه. ومن منا يستطيع ان يعترض على المعطيات الجارية؟
لفهم ما حصل، ويمكن ان يحصل في المستقبل، لا بد من الاشارة الى حقيقتين هامتين، الاولى ان القانون يمنع نشر نتائج الاستطلاعات في الأيام الثلاثة الأخيرة قبل الانتخابات، اي ان الاستطلاعات الاخيرة التي سمح بنشرها كانت قد اجريت حتى يوم الجمعة 13 آذار 2015 ،  وما حدث بعد ذلك التاريخ كان له تأثير كبير على النتائج الفعلية، المختلفة عما اوردته لنا الاستطلاعات المنشورة. والحقيقة الثانية، ان التصويت في صناديق العيّنة  في يوم الانتخابات نفسه، تنتهي عند الساعة الثامنة مساء، اي قبل ساعتين من اغلاق الصناديق الحقيقية،  وبالتالي قد يحدث تحرك خاص في الساعتين الأخيرتين، وهو عادة ما يحدث لدى المترددين، مما يؤثر على النتائج النهائية بشكل غير متوقع. مع ذلك، لا بد من الاشارة الى حقيقة ثالثة، وهي ان مراكز الابحاث تستمر في إجراء الاستطلاعات خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، وتتسرب نتائجها فعليا الى الاحزاب والصحفيين والمحللين السياسيين، حتى لو منعوا قانونيا من نشرها، وهذا حصل ايضا.
إذن، دعونا نعود لنتذكر ماذا كان الحال مساء الجمعة؟ وماذا حدث في الأيام الثلاثة الأخيرة قبل الإنتخابات، وكيف أثر ذلك على الاستطلاعات الداخلية وعلى النتائج النهائية؟
اظهرت نتائج غالبية الاستطلاعات التي أجريت يوم الجمعة تفوقا للمعسكر الصهيوني بفارق 4 اعضاء، هذا الفارق الذي استمر خلال الاسبوع الأخير، وقد غاب فيه بيبي نتانياهو عن مواجهة وسائل الاعلام على غير عادته. وأظهرت الاستطلاعات ان قائمة موشيه كحلون قد تكسب ما يقارب عشرة مقاعد، وان قائمة نفتالي بينيط ( البيت اليهودي) قد تحصل على 12 مقعدا في الكنيست  .... الخ
مساء السبت، 14 آذار، أجرى معسكر اليمين مهرجانا جماهيريا كبيرا في ميدان رابين بالذات، وفي قلب مدينة تل ابيب بالذات، معقل المعسكر الصهيوني وحلفائه، خطب فيه نتانياهو بعد غياب، وأعلن ان خطاب بار ايلان الذي اعترف فيه بحق الشعب الفلسطيني باقامة دولته الى جانب اسرائيل لم يعد ساري المفعول، وبدا واضحا انه استطاع رفع معنويات مؤيديه، معتمدا ايضا على معطى هام رافق عمليات الاستطلاع ومضمونه ان 48% من الجمهور الاسرائيلي يرى به أفضل مرشح لرئاسة الحكومة بينما لم يحصل هرتسوغ، في افضل استطلاع، على اكثر من 28% .. هذه الحقيقة وضعها نتانياهو بقوة أمام مؤيديه عامة وطالبهم بالخروج والتصويت لليكود لسد الفجوة بينه وبين المعسكر الصهيوني وتحقيق رغبتهم بان يكون هو رئيسا للحكومة القادمة. لقد ظهرت نتائج هذا التوجه الاعلامي الهجومي لنتانياهو في الاستطلاعات الداخلية، التي أجريت مساء السبت ويوم الأحد ، وسُرّبت الى المهتمين دون نشرها، وأشارت الى ارتفاع التأييد لليكود.
هذا الارتفاع شجع نتانياهو ان يستمر في الهجوم الاعلامي، وزاد من لقاءاته مع وسائل الاعلام الاسرائيلية، وشدد على ابراز وتكرار هذا المعطى الهام، وحذر مؤيديه المترددين من ان "اليسار" وبدعم خارجي، يريد الاستيلاء على السلطة، لكي ينسحب من الضفة ويزيل مستوطنات يسكنها غالبية يمينية من علمانيين ومتدينين، وانهم سيقيمون دولة فلسطينية "تكون في ايدي الحركات الاسلامية التي تشكل خطرا على اسرائيل". واضاف نتانياهو، ان الواقع الشرق اوسطي، اي عدم استقرار اي نظام عربي، لا يسمح بتوقيع اتفاقية سلام ولا يسمح بانسحاب من اي منطقة يحتلها الجيش الاسرائيلي لان ذلك يعني استيلاء الحركات الاسلامية الداعشية عليها.  لقد لعب هذا التخويف دورا اضافيا في تحشيد الرأي العام اليميني، بما في ذلك جهات كانت مترددة، لتتحرك في صالح نتانياهو.
اضافة الى ذلك، عمل نتانياهو في اليومين الاخيرين على طمأنة الشرائح الضعيفة اقتصاديا وأهمها المصوتين الشرقيين، بأن دعا موشيه كحلون الى حكومته القادمة، معلنا استعداده لمنحه وزارة المالية، لتحقيق اجندته الاجتماعية لصالح الطبقات الفقيرة. وبهذا يكون نتانياهو قد نجح بالعزف على الوتر الاجتماعي كما نجح بالعزف على الوتر الأمني، وهما الوتران الهامان في الأجندة الانتخابية الاسرائيلية .
بيبي نتانياهو لم يكتف بذلك بل أصر على طمأنة المستوطنين، الذي يرون بنفتالي بينيط ممثلهم، ليس فقط بالغاء خطاب بار ايلان من رؤيته السياسية المستقبلية، بل بتقديم الوعود  لهم بان يكون الهاتف الاول، بعد فوزه بالانتخابات، الى نفتالي بينيط ليكون حليفه الطبيعي،  ونفى بذلك اي امكانية لتشكيل حكومة وحدة "قومية" مع المعسكر الصهيوني، الامر الذي كان يخشاه المستوطنون. كل هذه الوعود، ومع  تسرب الاخبار عن سد الفجوة بين الفريقين، زادت من ثقة اليمين بانتصاره، واخرجتهم من حالة القنوط التي تسربت الى صفوفهم في خلال الاسبوع الاخير، خاصة وان الاستطلاعات، غير المنشورة، عشية الانتخابات قد اشرت الى حقيقة سد الفجوة  وتفوق الليكود احيانا.
الى ذلك صعد نتانياهو حملته بالتخويف من سيطرة "اليسار، بمساعدة العرب"، على الحكم، وما يمكن ان يشكله ذلك من خطر على المشروع الاستيطاني، وعلى "المعسكر القومي" بشكل عام، بل آثر التحريض العنصري يوم الانتخابات بالذات، وفي ساعات ما بعد الظهر حتى الساعة الاخيرة، وقد ارسل مئات آلاف الرسائل النصية عبر الهواتف النقالة، الى الناخبين الاسرائيليين، حيثما وجدوا، يقول فيها: " ان منظمة حماس تدعو العرب الى التصويت بكثافة ضدنا" وان "ابومازن يرسل المصوتين العرب بالباصات الى صناديق الاقتراع، ليسقط "المعكسر القومي". وأخذ نتانياهو يتوجه الى المترددين ويحثهم على الخروج للتصويت لليكود ولصد "الهجوم العربي". "العرب يتقاطرون بالباصات الى صناديق الاقتراع ليأخذوا منكم السلطة". هذا التحريض العنصري على المواطنين العرب وفي المدن المختلطة والكبرى بالذات، حرك مشاعر الكراهية لدى المهاجرين الروس الذين تركوا ليبرمان بسبب ملفات الفساد ووقفوا جانبا مترددين حتى اللحظة الأخيرة، كما حرك اوساط عنصرية مختلفة للتحرك وزيادة نسبة التصويت عامة ولصالح الليكود خاصة. وقد اشار عدد من المستطلعين الى نتائج هذا التحرك لاحقا، فقالوا ان 26% من المصوتين اتخذوا قرارهم في اليوم الأخير وخلال يوم الانتخابات بالذات، وهنا تكمن المفاحئة. هؤلاء لم تؤخذ آراءهم في استطلاعات الرأي العام حتى مساء الجمعة، وهي الاستطلاعات التي اشارت الى تفوق المعسكر الصهيوني بفارق 4 اعضاء.
هل حصل التغيير في الارياف الشرقية ، كما يدعون، أم في المدن الكبرى؟
لا شك ان الأرياف الشرقية هي قاعدة جاهزة تاريخيا لليكود، ولكن اين تكمن المفاجئة؟ من هم الذين تحركوا في اللحظة الاخيرة  ومن اين جاءوا؟
بعد مراجعة دقيقة أجريتها لنتائج التصويت في أكبر 13 مدينة اسرائيلية،  ( القدس ، تل ابيب، حيفا، ريشون لتسيون، اشدود، بيتح تكفا، بئر السبع، نتانيا، حولون، عكا، اريئل، اشكلون، سديروت)، بين انتخابات 2013 وانتخابات 2015 ، تبين لي ان نسبة التصويت في كل هذه المدن (كلها على الاطلاق) ارتفعت بين 2%-8% وهذه النسبة في المدن الكبرى، حيث يعيش اكثر من 60% من مجموع السكان، تعني الكثير الكثير، مما يفسر ارتفاع نسبة التصويت في اسرائيل عامة من 68% عام 2013 الى 72% اليوم.
في مراجعة اضافية ودقيقة لنسبة التصويت الى الليكود واسرائيل بيتنا (ليبرمان)  والبيت اليهودي (بينيت) في هذه المدن بالذات، ومقارنة هذه النتائج مع ما حصلت عليه هذه الاحزاب الثلاثة عام 2013 -هليكود بيتينو( تحالف ليبرمان مع نتانياهو)، والبيت اليهودي، نجد ان من هرب من ليبرمان او جلس جانبا بسبب ملفات الفساد،  قد تحول الى الليكود بالكامل، يعني ما فقده ليبرمان وهو خمسة اعضاء كنيست قد كسبه الليكود، ونجد ايضا ان البيت اليهودي قد خسر من اصواته في كل هذه المدن لصالح الليكود، وانخفض من 12 عضوا، بموجب الأستطلاعات العلنية الاخيرة الى 8 اعضاء في النتائج النهائية. هذه الاصوات تحولت في الايام الثلاثة الاخيرة الى الليكود.
الخلاصة
لقد لعب التحريض العنصري على المواطنين العرب في اليوم الأخير دورا هاما في تحريك مكامن العنصرية والكراهية للعرب بالذات، ولعب التخويف من فقدان السلطة واستعداد "اليسار" للانسحاب من المناطق المحتلة، حيث ستسيطر حماس او حركات اسلامية متطرفة، دورا مفصليا في اليومين الأخيرين، تضافة الى التأكيد بأن امكانية التسوية حتى مع الدول العربية الخليجية هو وهم بسبب عدم الاستقرار في هذه البلدان، كل هذه العوامل سويا وأخرى شكلت محفزات لدي المترددين بان يخرجوا للإدلاء بأصواتهم ، وبطبيعة الحال سيصوتون لمن اقنعهم في اللحظة الاخيرة.
الى ذلك، نفهم من المعطيات الانفة الذكر، ان فارق الاصوات التي حصل عليها الليكود بين استطلاعات الرأي العام والنتائج الحقيقية جاءت ممن تركوا صفوف ليبرمان والتزموا الحياد في فترة استطلاعات الرأي العام المنشورة، ولكنهم عادوا الى الليكود في اللحظة الأخيرة، كذلك فعل اولئك الذين تركوا نفتالي بينيت في اللحظة الأخيرة وتوجهوا لدعم بيبي نتانياهو. واذا ما اضفنا الى ذلك الارتفاع في نسبة التصويت في المدن الكبرى، كما ذكرت اعلاه،  وبالذات في مدن الجنوب التي طالتها صواريخ المقاومة الفلسطينية في العدوان الأخير على غزة، وقد بلغت الزيادة نسبة 6% بالمعدل، نستطيع ان نفهم الأمر مصدر المفاجئة التي لم يتوقعها أحد، ولكل انتخابات مفاجئتها الخاصة.

اليف صباغ

البقيعة 20 آذار 2015




حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الثلاثاء، 3 مارس 2015

ما هو بديلكم؟
تحتد الحملة الإنتخابية للكنيست الصهيوني، ولكن بين الجمهور الفلسطيني بالذات. ولا يُوجَّه خطاب الاحزاب البرلمانية العربية لصد نفوذ أحزاب "المعسكر الصهيوني" أو ما يسمى "باليسار الصهيوني"، بين جمهور الناخبين العرب، وانما لا تُترك وسيلة الا ويستخدمها اصحاب القائمة المشتركة للهجوم على تيار المقاطعة الوطنية، ولجرّ الناس الى ميدان الكنيست، وحين تنفذ كل "أسلحتهم" يلجئون الى السؤال، ما هو بديلكم؟ هل تريدننا ان نقف متفرجين؟
ردا على هذا الادعاء لا بد من طرح تساؤلات معاكسة، وإجابات ايضا، لاننا لا نهرب، ولا نكتفي بردّ الطابة الى ملعب الآخر. من حقنا ومن حق كل صاحب حق انتخاب هنا، وكل فلسطيني في كل مكان، ان يسأل ويتلقى جوابا، ونحن بدورنا نسأل، لما ترفضون المناظرات السياسية مع حركة المقاطعة الوطنية؟ مع العلم ان كل حزب وطني حقيقي يرى بالانتخابات مناسبة لنشر وتعميق الوعي الوطني وتحفيز الناس، والشباب خاصة، على المشاركة بالعمل والحياة السياسية؟
صحيح ان المجتمعات الحديثة، وفي العقود الاخيرة بالذات، حولت البرلمان الى الميدان الافضل لتنال الاقليات حقوقها، ولكن، امام هذه الحقيقة علينا ان نتذكر خصوصيتنا، واننا لسنا ككل الاقليات في العالم. لسنا جالية في مجتمع استيطاني مثل كندا او امريكا ولسنا مهاجرين نعيش بين الاكثرية الاصلانية مثل العرب في فرنسا. بل نحن الاصلانيون في وطننا، وإن تحولنا بفعل احتلال بلادنا بالقوة، الى اقلية بين اكثرية من المستوطنين، ونخطئ كثيرا ان نسينا هذه الخصوصية. من هنا فان الموقف الوطني الاساس والمبدئي من برلمان الاكثرية المحتلة هو المقاطعة، اما المشاركة فيه فقد تأتي من باب البرغماتية والجدوى. فهل من جدوى يمكن للاحزاب البرلمانية الاشارة اليها؟ وهل ما نحصل عليه في الكنيست لا يمكن الحصول عليه في المحاكم الاسرائيلية او من خلال المؤسسات الدولية؟
 لكي يكون الامر اكثر وضوحا اقول:  ليس لدينا مشكلة مع العمل المدني الذي يعالج قضايا الناس اليومية، لأنه حاجة حياتية لا يمكن الاستغناء عنها، ولا مع العمل النقابي الذي يعالج قضايا حقوق العمال، ولا مع العمل البلدي الذي يعطي للناس نوعا من الاوتونوميا لادارة شؤونهم المحلية، بل على العكس نريد هذا وذاك ولكننا نريده  في اطار حصوصيتنا ومشروعنا الوطني العام وليس على حسابه. اما الحالة المزرية التي وصلنا اليها اليوم فتتمثل في تركيز كل الثقل في الكتلة البرلمانية مما ادى الى  تغييب المؤسسة الوطنية للأحزاب الممثلة في الكنيست، وتغييب المؤسسات الوطنية الجامعة مثل لجنة المتابعة العليا الى حين اتفاق اعضاء البرلمان، وتغييب المشروع الوطني عامة، بحيث اصبحت الاحزاب الوطنية مجرد كتل برلمانية او كتلة برلمانية واحدة، لم يعد عضو الكنيست مبعوثا للحزب، بل اصبح الحزب هو شبكة الأمان لعضو الكنيست، واصبحت المشاريع "الوطنية" محدودة في إطارها المدني الاسرائيلي، وأصبح الالتزام بالمواطنة واستحقاقاتها اهم بالنسبة "للوطنيين" من الالتزام الوطني الفلسطيني وهذا اخطر مظاهر الواقع الحالي. وكم من عضو كنيست انهى حياته البرلمانية وبقي في خدمة شعبه؟  
تسألوننا عن البديل، والسؤال الأهم، لماذا تضعون الناس بين خيارين وكأنه لا ثالث لهما؟ بين لاعب في الحظيرة الصهيونية، محدودة المساحة والأدوات، وقد جربناها على مدى عقود مضت، ولا داعي لإثبات عدم جدواها مجدداً، وبين جالس في مقاعد المتفرج عديم القيمة؟  هل حقا هي الحالة كذلك؟ ألستم في هذا النهج أقرب الى الانظمة العربية التي قمعت شعوبها ونهبت ثرواتهم باسم الوطنية ومن جهة اخرى نامت في حظيرة الاستعمار؟ هل يجوز للوطني ان يرى الحياة باللونين الأبيض والأسود فقط؟ لو كان الأمر كذلك لما ناضل شعبنا على مدى أكثر من قرن لنيل حقوقه المُغتَصَبة، ولما ناضلت الشعوب الاخرى وانتصرت. نعم  هناك ملاعب وبدائل اخرى واضحة امامنا، وملاعب اضافية يمكن استنباطها بالاجتهاد.
من هنا يؤكد تيار المقاطعة الوطنية، على ضرورة العمل لكي تستعيد الاحزاب الوطنية دورها، واٌستكمال ما بدأناه في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي، وهو ليس حكرا لأحد يتغنى به. نعم لبناء هيئات ومؤسسات شعبنا الوطنية في الداخل، من خلال إحياء مشروع مؤتمر الجماهير العربية الفلسطينية في الداخل أو ما يشبهه في الجوهر، وقد شُكلت لجنة المتابعة العليا عام 1981 بعد منع انعقاد المؤتمر بقرار من رئيس الحكومة، مناحيم بيغن، استنادا الى قانون الطوارئ البريطاني، وهدفها الاساس هو متابعة الجهود لعقد هذا ذلك المؤتمر.
- نريد بناء مؤسسات اقتصادية، تحصّن الذات الوطنية ولا تخضعها للآخر، كما هو حاصل الآن. ان اعتماد مؤسساتنا الاقتصادية على المستهلك اليهودي جعل اصحابها يموتون خوفا من المقاطعة اليهودية عشية كل نشاط وطني.
- نريد بناء مؤسسات ثقافية وتعليمية قادرة ان تواجه العنصرية المتفشية، وتوجه الجيل القادم نحو مستقبل مشرف.
- نريد احزابا وطنية قائدة وحاضرة تبعث ممثليها الى كل منصة ، محليا ودوليا، يقومون بدورهم المهني لخدمة المشروع الوطني عامة.
- نريد برنامجا حقيقيا يعيد اللاجئين، في الداخل على الأقل، الى قراهم ومدنهم وبيوتهم. ويعطي املا لاشقائنا في الشتات بان العودة ممكنة، وليست حقا مشروعا فقط.
- يجب ان نؤكد لأنفسنا دائما اننا لسنا اقلية ككل الأقليّات، وهذه الدولة لا يمكن ان تكون دولتنا، لا هي تريدوننا ولا نحن نستطيع ان نحمل احلامها وهمومها .وان مثل هذه المشاريع الوطنية لا يمكن تحقيقها في الكنيست الصهيوني، وهذه مشاريع لا تحتاج الى كتل برلمانية، وإنما الى احزاب وطنية فاعلة وهيئات وطنية جامعة متحررة من قيودها، تعرف خصوصيتها لتبني مستقبلا افضل.
قال لي احد الاصدقاء: هذه المرة ليست كسابقاتها، خلينا نجرّب! واذا لم يحصل تقدم حقيقي سنقاطع في المستقبل. فأجبت، عندما تغيب المؤسسات الحزبية والهيئات الوطنية الجامعة لحساب الكتل البرلمانية، كما هو حاصل اليوم وغدا، فلن يكون بإمكانك  اتخاذ القرار بالمقاطعة.

اليف صباغ - البقيعة – 3 آذار 2015


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الاثنين، 2 مارس 2015

الكنيست ال 2015 اسرائيلي ام فلسطيني اولا؟

                                إسرائيلي أولا !!

باٌسم الوحدة و"الواقعية" و"الرَّغبة في التأثير"، لماذا تبيعون الناس خطابا وطنيا وتقدمون لهم اوهاما ووعودا بفتات مدني اسرائيلي؟ وهل تستطيعون غير ذلك اصلا؟

ليس صدفة ان شعار الوحدة ضمن القائمة المشتركة للكنيست، هو اكثر الشعارات رواجا بين الشباب العربي وبين أكثر الفئات سخطا على الوضع العربي العام والوضع الفلسطيني الخاص، في بلادنا، وذلك لما لهذا الشعار من وقع على النفس المُحبطة، الباحثة عن خشبة خلاص، والراغبة في الخروج من هذا الوحل العربي وان سمي "ربيعا"، وتتوق للخروج من حالة الانشقاق والتشرذم الفلسطيني المتواصل منذ سنوات، وتخشى من الفتنة الطائفية او غير الطائفية عندنا في الداخل. في ظل هذه النفسية المتلهفة للخلاص، يُؤخذ العرب الى الكنيست الصهيوني مجتمعين لا منفردين، على أمل ان تكون هذه المسيرة الوحدوية الجماعية فاتحة لوحدة أكبر. وفي هذه الأجواء ايضا تُشن الحرب على تيار المقاطعة الوطنية،  فتتكرر مقولة "الواقعية" على كل لسان، ويتكرر مطلب "الرغبة في التأثير" على مجريات الحياة السياسية والمدنية، في الكنيست وخارجها.
مثل هذه المقولات ليست جديدة وانما سمعناها مذ كنا شبابا صغارا نقارع اذناب السلطة ومقاولي الأصوات الذين أصروا على غزو قرانا ومدننا العربية وحتى بيوتنا وهم يرددون: "خلينا واقعيين"، و"العين ما بتقابل مخرز"  و"شعرة من جلد الخنزير مكسب" وكل العرب هُزموا فماذا نحن فاعلون؟... الخ.  ولم يتورع هؤلاء ان يزايدوا على وطنيتنا ايضا ويدعوا انهم انما "يخدمون شعبهم"، وفوق ذلك يتهموننا ب"اصحاب شعارات وطنية فارغة فقط". وكم قالوا لنا: "اذا كنت وطنيا فلماذا تحمل الهوية الاسرائيلية؟"  وانهم، إنما يريدون "التأثير من الداخل" اي من داخل الاحزاب الصهيونية.... من يراجع ادبيات الحزب الشيوعي والجبهة،  والمقالات الاسبوعية منها بالذات، سيجد عشرات المقالات التي ترد على هؤلاء، ولم نتردد للحظة باتهامهم بالعمالة وأخذ الناس الى الأسرلة البغيضة. ولكن... ماذا حصل في هذه الايام؟ ومن هم الذين يرددون اليوم خطاب "الواقعية" والرغبة في "التأثير من الداخل"؟ ومن هم الذي يقولون لنا: لماذا تتعلمون في جامعاتهم؟ وتتقاضون في محاكمهم؟ الله يرحم ايام زمان!!  بالرغم من انقطاع التواصل مع أمتنا العربية، آنذاك، ومع قيادة شعبنا الفلسطيني ايضا، الا انهم فشلوا في ترويض شعبنا هنا،  او أسرلتنا، بل عززنا انتماءنا الوطني الفلسطيني ورفضنا ان نكون "عرب اسرائيل". اليوم، من حقنا ان نقول: يا ريت بقينا "مقطوعين من شجرة"!!
فشلت كل محاولات حكام اسرائيل في ترويضنا وفشل كل المستشرقين والمستشارين للشؤون العربية في أسرلتنا، وفشل كل عملاء السلطة ان يقنعونا بانتهاج  سياسة "الواقعية" وضرورة العمل "للتأثير من الداخل"، فهل تنجح القائمة المشتركة فيما فشل به الآخرون؟ هل ينجح الوطنيون في تحقيق ما فشل به عملاء السلطة وخبراؤها للشؤون العربية؟  يبدو انهم تعلموا الدرس، وفهموا ان الأسرلة لن تنجح حين تروج لها أدوات سلطوية، اعلامية او سياسية او غيرها، وفهموا انه لا بد ان يحمل هذا المشروع اشخاص وأحزاب عُرفت بتاريخها الوطني. حملوا الراية ووضعوا كل ثقلهم في "النضال" البرلماني او جعلوه مقياسا وحيدا لبقائهم واستمراريتهم، على حساب المؤسسات الوطنية الحزبية او الشعبية.   
إننا حقا في مرحلة تاريخية مفصلية، هل نقدم انتماءنا الوطني الفلسطيني على مواطنتنا الاسرائيلية؟ ام اننا "نلتزم بمواطنتنا أولا"، وباسم الواقعية والرغبة في التأثير من الداخل، وحاجة الناس الى تلبية حاجاتها المطلبية، نقدم انتماءنا الوطني قربانا على مذبح حاجاتنا المطلبية المعيشية؟  وهل هي صدفة ان يطالب 62% من المؤيدين للمشاركة في الانتخابات للكنيست الصهيوني، دخول القائمة المشتركة في الحكومة ايضا، بهدف "التأثير من الداخل"؟.   لقد اتفقنا على مدار عقود سبقت، على ضرورة الموازنة بين الانتماءات والهويات، فآثرنا ان نقدم انتماءنا الوطني على كل شيء، فهل تغير الزمان؟ لماذا لا تقولون ذلك صراحة انكم اخترتم ان تكونوا اسرائيليين اولا؟  لماذا تبيعون الناس خطابا وطنيا وتقدمون لهم وعودا واوهاما بفتات مدني اسرائيلي؟
ليس صدفة ايضا، ان الانظمة العربية الموالية لأمريكا، والمتحالفة مع اسرائيل، تشجع هذه المسيرة التي تمثلها القائمة المشتركة،  وان يهود امريكا قد خصصوا ودفعوا 2 مليون دولار لتشجيع ذلك ايضا، وان السلطة الفلسطينية ترعى هذه القائمة المشتركة وتقدم لها كل الدعم الاعلامي والسياسي وغيره، لقد حسموا أمرهم ويريدون منا ان نحسم أمرنا أيضا، لقد تحالفوا مع اسرائيل ويريدوننا غطاءً لمضاجعهم في تل أبيب. فهل تقبل؟
                             
اليف صباغ
البقيعة 2 آذار 2015

حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .