الثلاثاء، 3 مارس 2015

ما هو بديلكم؟
تحتد الحملة الإنتخابية للكنيست الصهيوني، ولكن بين الجمهور الفلسطيني بالذات. ولا يُوجَّه خطاب الاحزاب البرلمانية العربية لصد نفوذ أحزاب "المعسكر الصهيوني" أو ما يسمى "باليسار الصهيوني"، بين جمهور الناخبين العرب، وانما لا تُترك وسيلة الا ويستخدمها اصحاب القائمة المشتركة للهجوم على تيار المقاطعة الوطنية، ولجرّ الناس الى ميدان الكنيست، وحين تنفذ كل "أسلحتهم" يلجئون الى السؤال، ما هو بديلكم؟ هل تريدننا ان نقف متفرجين؟
ردا على هذا الادعاء لا بد من طرح تساؤلات معاكسة، وإجابات ايضا، لاننا لا نهرب، ولا نكتفي بردّ الطابة الى ملعب الآخر. من حقنا ومن حق كل صاحب حق انتخاب هنا، وكل فلسطيني في كل مكان، ان يسأل ويتلقى جوابا، ونحن بدورنا نسأل، لما ترفضون المناظرات السياسية مع حركة المقاطعة الوطنية؟ مع العلم ان كل حزب وطني حقيقي يرى بالانتخابات مناسبة لنشر وتعميق الوعي الوطني وتحفيز الناس، والشباب خاصة، على المشاركة بالعمل والحياة السياسية؟
صحيح ان المجتمعات الحديثة، وفي العقود الاخيرة بالذات، حولت البرلمان الى الميدان الافضل لتنال الاقليات حقوقها، ولكن، امام هذه الحقيقة علينا ان نتذكر خصوصيتنا، واننا لسنا ككل الاقليات في العالم. لسنا جالية في مجتمع استيطاني مثل كندا او امريكا ولسنا مهاجرين نعيش بين الاكثرية الاصلانية مثل العرب في فرنسا. بل نحن الاصلانيون في وطننا، وإن تحولنا بفعل احتلال بلادنا بالقوة، الى اقلية بين اكثرية من المستوطنين، ونخطئ كثيرا ان نسينا هذه الخصوصية. من هنا فان الموقف الوطني الاساس والمبدئي من برلمان الاكثرية المحتلة هو المقاطعة، اما المشاركة فيه فقد تأتي من باب البرغماتية والجدوى. فهل من جدوى يمكن للاحزاب البرلمانية الاشارة اليها؟ وهل ما نحصل عليه في الكنيست لا يمكن الحصول عليه في المحاكم الاسرائيلية او من خلال المؤسسات الدولية؟
 لكي يكون الامر اكثر وضوحا اقول:  ليس لدينا مشكلة مع العمل المدني الذي يعالج قضايا الناس اليومية، لأنه حاجة حياتية لا يمكن الاستغناء عنها، ولا مع العمل النقابي الذي يعالج قضايا حقوق العمال، ولا مع العمل البلدي الذي يعطي للناس نوعا من الاوتونوميا لادارة شؤونهم المحلية، بل على العكس نريد هذا وذاك ولكننا نريده  في اطار حصوصيتنا ومشروعنا الوطني العام وليس على حسابه. اما الحالة المزرية التي وصلنا اليها اليوم فتتمثل في تركيز كل الثقل في الكتلة البرلمانية مما ادى الى  تغييب المؤسسة الوطنية للأحزاب الممثلة في الكنيست، وتغييب المؤسسات الوطنية الجامعة مثل لجنة المتابعة العليا الى حين اتفاق اعضاء البرلمان، وتغييب المشروع الوطني عامة، بحيث اصبحت الاحزاب الوطنية مجرد كتل برلمانية او كتلة برلمانية واحدة، لم يعد عضو الكنيست مبعوثا للحزب، بل اصبح الحزب هو شبكة الأمان لعضو الكنيست، واصبحت المشاريع "الوطنية" محدودة في إطارها المدني الاسرائيلي، وأصبح الالتزام بالمواطنة واستحقاقاتها اهم بالنسبة "للوطنيين" من الالتزام الوطني الفلسطيني وهذا اخطر مظاهر الواقع الحالي. وكم من عضو كنيست انهى حياته البرلمانية وبقي في خدمة شعبه؟  
تسألوننا عن البديل، والسؤال الأهم، لماذا تضعون الناس بين خيارين وكأنه لا ثالث لهما؟ بين لاعب في الحظيرة الصهيونية، محدودة المساحة والأدوات، وقد جربناها على مدى عقود مضت، ولا داعي لإثبات عدم جدواها مجدداً، وبين جالس في مقاعد المتفرج عديم القيمة؟  هل حقا هي الحالة كذلك؟ ألستم في هذا النهج أقرب الى الانظمة العربية التي قمعت شعوبها ونهبت ثرواتهم باسم الوطنية ومن جهة اخرى نامت في حظيرة الاستعمار؟ هل يجوز للوطني ان يرى الحياة باللونين الأبيض والأسود فقط؟ لو كان الأمر كذلك لما ناضل شعبنا على مدى أكثر من قرن لنيل حقوقه المُغتَصَبة، ولما ناضلت الشعوب الاخرى وانتصرت. نعم  هناك ملاعب وبدائل اخرى واضحة امامنا، وملاعب اضافية يمكن استنباطها بالاجتهاد.
من هنا يؤكد تيار المقاطعة الوطنية، على ضرورة العمل لكي تستعيد الاحزاب الوطنية دورها، واٌستكمال ما بدأناه في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي، وهو ليس حكرا لأحد يتغنى به. نعم لبناء هيئات ومؤسسات شعبنا الوطنية في الداخل، من خلال إحياء مشروع مؤتمر الجماهير العربية الفلسطينية في الداخل أو ما يشبهه في الجوهر، وقد شُكلت لجنة المتابعة العليا عام 1981 بعد منع انعقاد المؤتمر بقرار من رئيس الحكومة، مناحيم بيغن، استنادا الى قانون الطوارئ البريطاني، وهدفها الاساس هو متابعة الجهود لعقد هذا ذلك المؤتمر.
- نريد بناء مؤسسات اقتصادية، تحصّن الذات الوطنية ولا تخضعها للآخر، كما هو حاصل الآن. ان اعتماد مؤسساتنا الاقتصادية على المستهلك اليهودي جعل اصحابها يموتون خوفا من المقاطعة اليهودية عشية كل نشاط وطني.
- نريد بناء مؤسسات ثقافية وتعليمية قادرة ان تواجه العنصرية المتفشية، وتوجه الجيل القادم نحو مستقبل مشرف.
- نريد احزابا وطنية قائدة وحاضرة تبعث ممثليها الى كل منصة ، محليا ودوليا، يقومون بدورهم المهني لخدمة المشروع الوطني عامة.
- نريد برنامجا حقيقيا يعيد اللاجئين، في الداخل على الأقل، الى قراهم ومدنهم وبيوتهم. ويعطي املا لاشقائنا في الشتات بان العودة ممكنة، وليست حقا مشروعا فقط.
- يجب ان نؤكد لأنفسنا دائما اننا لسنا اقلية ككل الأقليّات، وهذه الدولة لا يمكن ان تكون دولتنا، لا هي تريدوننا ولا نحن نستطيع ان نحمل احلامها وهمومها .وان مثل هذه المشاريع الوطنية لا يمكن تحقيقها في الكنيست الصهيوني، وهذه مشاريع لا تحتاج الى كتل برلمانية، وإنما الى احزاب وطنية فاعلة وهيئات وطنية جامعة متحررة من قيودها، تعرف خصوصيتها لتبني مستقبلا افضل.
قال لي احد الاصدقاء: هذه المرة ليست كسابقاتها، خلينا نجرّب! واذا لم يحصل تقدم حقيقي سنقاطع في المستقبل. فأجبت، عندما تغيب المؤسسات الحزبية والهيئات الوطنية الجامعة لحساب الكتل البرلمانية، كما هو حاصل اليوم وغدا، فلن يكون بإمكانك  اتخاذ القرار بالمقاطعة.

اليف صباغ - البقيعة – 3 آذار 2015


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق