الأربعاء، 29 أبريل 2015

هل نحن على موعد مع حزيران جديد؟

      هل نحن على موعد مع حزيران جديد؟

اليف صباغ
نحو حرب اقليمية مدمرة أو تسوية اقليمية كبرى، وربما حرب تلحقها تسوية. ولكي تكون اسرائيل شريكا على طاولة التسوية الاقليمية، لا بد ان تكون شريكا في الحرب.
من صنعاء وعدن الى الجولان والقلمون، ولكن العيون والرسائل، في نهاية الأمر، موجهة الى طهران. هكذا يُنسَج التحالف الامني الاسرائيلي- السعودي. فهل ينجحون؟

                                                                  (1)
منذ ان تم الاعلان عن اتفاق المبادي بين ايران والدول 5+1 ، وتأكدت اسرائيل ان الامر قد قضي بانتظار التوقيع على الاتفاق مفصلا في نهاية حزيران من العام الجاري، اصبح الهدف الاسرائيلي المحدد هو بذل كل الجهود لتخريب امكانية  الوصول الى اتفاق نهائي بجوهره الحالي وتفاصيله المتوقعة، ومحاولة تضمين الاتفاق، اذا ما تم التوصل اليه ،  شروطا اسرائيلية- دولية تمنع ايران من "التدخل في الشأن الاقليمي"، ليبقى الشرق الاوسط مزرعة خصبة لإسرائيل وحدها تسرح وتمرح بها دون رقيب او حسيب. من هنا جاء العدوان السعودي المدعوم، "سنيا" ودوليا، على اليمن، غداة الاعلان عن الاتفاق المبدئي المذكور ثمرة للتنسيق الأمني والسياسي المشترك بين اسرائيل من ناحية، ومجموعة  "أهل السنة" من الملوك والرؤساء والأمراء والوزراء بقيادة العائلة السعودية.
دون الدخول في تفاصيل التخطيط والتنفيذ ومصالح القوى المشاركة في العدوان او التي تراجعت عن المشاركة به، يمكن القول ان احد الأهداف "الاقليمية"، المشتركة مع اسرائيل، لهذا العدوان، هو جر ايران الى تدخل عسكري في اليمن وتوريطها في حرب اقليمية جديدة تعطل اي اتفاق مع الدول 5+1 وخاصة مع  الولايات المتحدة. اما اذا تخلت ايران عن دعم الثورة اليمنية، الحوثية كما يحلو للاعلام تسميتها، فتصبح اليمن مزرعة للسعودية وحلفئها القدامى والجدد، ويتحول مضيق باب المندب والبحر الاحمر وساحل اليمن الجنوبي الى منطقة تنغِّص على ايران وعلى تحركات اسطولها التجاري والعسكري ايما تنغيص. وهذا يصب ايضا في المصلحة الاسرائيلية وقد يخرب  امكانية الوصول الى اتفاق نووى مع ايران. 
لم يمض شهر او اقل حتى اتضح فشل العدوان السعودي على الشعب اليمني، وكما خشيت اسرائيل من التورط في غزة بدخول عسكري بري، كذلك خشيت السعودية وحلفاؤها من الدخول في معركة برية مع الشعب اليمني وقواه المسلحة، واكتفت بقصف جوي مكثف  يرافقه اعلام مجد  ومكثف على نهج العدوان الاسرائيلي الاخير على قطاع غزة. لكن ذلك لم يكف فاستنجدت بحلفائها الدوليين وعلى رأسهم الويلات المتحدة وبريطانيا لتستصدر قرار سريعا في مجلس الأمن، تحت الفصل السابع، رقم 2216، تمنع بموجبه اي دوله من تقديم العون الى الشعب اليمني الذي يتعرض اطفاله ورجاله ونساؤه للموت اليومي، وتتعرض بنيته التحتية المدنية للتدمير، ويُعرض اي جهة تساعد هذا الشعب الى عقوبات دولية، واعتقد ان العين كانت على ايران، والهدف هو توريط ايران بعقوبات جديدة، في حالة رفع العقوبات السابقة عنها، وهذا هو هدف اسرائيلي بامتياز.
ليس صدفة ان الرئيس اوباما، بالرغم من الدعم غير المحدود الذي قدمه البيت الابيض للقرار 2216 ، الا ان اوباما، على ما يبدو، كان مدركا لاهداف العدوان البعيدة والمخفية، فأمر بسحب الاسطول الامريكي وابعاده عن السواحل اليمنية، لتدارك اي صدام مع الاسطول الإيراني، ولو بالخطأ، لأن اي صدام من هذا النوع، وفي هذا الوقت بالذات، سيصب في مصلحة الاهداف الاسرائيلية- السعودية، التي تعمل على منع اي تفاهم ايراني امريكي. وليس صدفة ان اوباما قد اعلن في اليوم التالي، ان على حلفائه في الخليج ان يعلموا بان الخطر الحقيقي على سلطتهم لا يأتي من ايران، بل من شعوبهم المقهورة والجيل الشاب الساخط عليهم. وأشار لاحقا ان في الشرق الاوسط دولتان اقليمتان، ويقصد بهما اسرائيل وايران، وبهذا اعترف بالدور الايراني الاقليمي، ودعا الجميع، بشكل غير مباشر،  للتعامل مع هذا الواقع. وقد يبدو للبعض، ايضا،  ان اوباما معجب بالتطور العلمي والتكنولوجي الذي وصلت اليه ايران، مقارنة بالتخلف الذي ما تزال تعاني منه انظمة الخليج حليفة امريكا. 

                                                            (2)
كل هذه التطورات، وحتمية الفشل السعودي- الاسرائيلي في تحقيق اهدافه من العدوان على اليمن وجر ايران الى صراع اقليمي جديد، لم يبشر هذا التحالف العجيب بالخير، بالمقابل يقوم الجيش العربي السوري وحلفائه بالتقدم في مواجهة عصابات التكفير على اشكالها وتعدد اسمائها، والاهم انه، مع حلفائه، يستعد لمعركة فاصلة في جبال القلمون ضد النصرة وشقيقاتها وداعميهم، قد تبدأ في الايام القريبة القادمة،  فكان لا بد من فتح جبهات اخرى، يمكن ان تستدرج ايران وهي الجبهة السورية، وهي بلا شك مهمات اسرائيلية.
يوم الاربعاء 23 نيسان قامت الطائرات الحربية الاسرائيلية بقصف مواقع سورية في جبال القلمون، كما شنت ليلة الجمعة 24 نيسان، غارات مشابهة على مواقع سورية في القلمون، وزعمت المصادر الاعلامية المروجة للاخبار، قناة الجزيرة، ان الطائرات الاسرائيلية استهدفت شاحنات "تنقل اسلحة ايرانية كاسرة للتوازن كانت متجهة مواقع حزب الله وسوريا في القلمون لاستخدامها ضد اسرائيل". وليس غريبا ولا جديدا ان الاعلام الخليجي هو من يصدر هذه الاخبار اولا وان الاعلام الاسرائيلي ينقل عنه !!. وفي يوم 26 نيسان ، زرعت مجموعة مقاومة سورية، وفق الزعم الاسرائيلي، الغاما ضد الجيش الاسرائيلي عند خط وقف اطلاق النار، (بينما تقول مصادر المقاومة ان المجموعة كانت في جولة استطلاعية)، مما "اضطر" سلاح الجو الاسرائيلي الى اطلاق صاروخ على افراد المجموعة فاستشهدوا جميعا. وفجر اليوم التالي، الاثنين 27 نيسان قصفت طائرات حربية اسرائيلية، للمرة الثالثة خلال اقل من اسبوع، مواقع سورية في القلمون..
وفي الوقت الذي اطلقت فيه قذائف من الجهة السورية باتجاه المستوطنات الاسرائيلية في الجولان، يوم الثلاثاء 28 نيسان، وفق  المصادر الاسرائيلية، التقى وفد سوري برئاسة وزير الدفاع مع وزير الدفاع الايران ومشاركة وفد عسكري من حزي الله للتشاور، وربما للتخطيط، حسب التوقعات الاسرائيلية، لكيفية الرد على اسرائيل في جبهة الجولان. وراقبت اسرائيل ذلك عن كثب مستعينة بمصالح خليجية كما تقول، لمعرفة نتائج هذا اللقاء.  وحلقت طائرات اسرائيلية فوق مزارع شبعا دعما لاعمال تمشيط واستطلاع قام بها الجيش الاسرائيلي خوفا من رد سوري او من حزب الله على الغارات الاسرائيلية.
في اليوم التالي، الاربعاء 29 نيسان 2015 ، أُطلِقت نيران اوتوماتيكية من الجهة السورية باٌتحاة قوات الاحتلال الاسرائيلي  بالقرب من القنيطرة في الجولان المحتل،  وتشكك جهات  اعلامية اسرائيلية، مرتبطة بالمخابرات، بان يكون هذه النيران قد اطلقت من جهات "لها مصلحة في  الانزلاق الى حرب".
من يراقب الاعلام الاسرائيلي الرسمي وتصريحات المسؤولين الكبار، قد يفهم وكان اسرائيل تقوم بإجراءات دفاعية على الجبهة الشمالية، وهذا ما تريد اسرائيل ان تروج له لأسباب داخلية، وكنهج اعلامي دائم.  "فيتمنى" وزير الحرب يعلون على حزب الله وسوريا ألا "يجرّوا" اسرائيل الى حرب لا تريدها، ويؤكد في الوقت ذاته، ان "الذراع الطويلة لاسرائيل سوف تصل الى كل من يهدد امنها"!!  وان هذا "الانزلاق" انما هو نتيجة لحرب يحضر لها المحور السوري- الايراني -حزب الله ضد اسرائيل !!! فتتحدث وسائل الاعلام الاسرائيلية عن تدهور الاوضاع على الحدود الشمالية  وكأنه بدأ بعد ان حاولت مجموعة سورية، دربها حزب الله، على حد زعمهم، يوم 26 نيسان ، زرع الغام ضد الجيش الاسرائيلي عند خط وقف اطلاق النار، (بينما تقول مصادر المقاومة ان المجموعة كانت في جولة استطلاعية)، مما "اضطر" سلاح الجو الاسرائيلي الى اطلاق صاروخ على افراد المجموعة فقتلهم جميعا. وبالمناسبة، لقد اشعلت هذه الحادثة ضوءا احمر لدى جهات امنية اسرائيلية، بسبب مشاركة مقاومين دروز ذوي اصول جولانية في هذه العملية، الامر الذي يشير، لدى الجهات الامنية الى تشكل جبهة مقاومة سورية "درزية" على حد قولهم في هضبة الجولان، بقيادة سورية ايرانية وحزب الله، وعبرت هذه الجهات، وفق موقع تيكدبكا، عن قلقها من انعكاسات ذلك على كيفية مشاركة جنود وضباط دروز في الجيش الاسرائيلي واستعداداتهم لمعارك مستقبلية متوقعة على هذه الجبهة.
 يتناسى الاعلام الاسرايلي، والمراسلون العسكريون بالذات، بتعليمات سياسية، ان الحكاية او التدهور لم يبدأ عند هذه الحادثة، بل سبق ذلك، اما اسباب هذا "الانزلاق"، كما يقول محرر موقع دبكا يعود الى أهداف اسرائيلية اولها العمل المثابر على تدمير مواقع الجيش السوري وقوات حزب الله في القلمون، وهو الامر الذي سيضعف القوات السورية ويزعزع استقرار النظام السوري. اضافة الى انه "يساعد المتمردين السوريين وعلى رأسهم جبهة النصرة المتماثل مع القاعدة" ومنع القوات السورية وحزب الله من سحق "النصرة" في القلمون وتحويل هذه الجبال الى منطقة تحت السيطرة الكاملة للسوريين وحزب الله وقد تستخدم ضد اسرائيل. يتوقع الاسرائيليون ان ايران لن تقف مكتوفة الايدي اذا شعرت ان تفقد هذه المناطق الاستراتيجية في سوريا، وعليه فمن المتوقع ان تتسع المواجهة لتشمل ايران. ويختم المحرر مقالته بالقول: "يمكن، ويجب الافتراض، ان اوباما، الذي نجح في الاسبوع الماضي منع صدام عسكري بحري مع ايران،  لن يرى هذا السيناريو بعين  الرضا، وبالتالي سيحاول تفعيل ضغط كبير على اسرائيل وطهران لوقف هذا التدهور قبل ان يخرج عن السيطرة ويتحول الى حرب لا يعرف مداها. في هذه الحالة تتوقع اسرائيل ان ايران لن توقع على الاتفاق النووي المتبلور بينها وبين الولايات المتحدة".

                                                            (3)
 وفق كل ما ورد اعلاه يمكن ان نرى التصعيد الاسرائيلي مكملا للتصعيد الخليجي ويهدف الى ما يلي:
1.       الدائرة الاولى وتهدف الى استعادة قواعد الاشتباك كما كانت عليه قبل عملية شبعا الأخيرة، وتطمح اسرائيل الى وضع تستطيع فيه ان تقصف وتضرب وتقلتل وتدمر ويكون الرد الوحيد هو "الاحتفاظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين"، وهذا ما غيره حزب الله في عملية شبعا الاخيرة بحث اصبح لكل عمل عسكري عملا معاكسا في الاتجاه ومساويا في القوة، الامر الذي لم تعتد اسرائيل عليه ولم تستطع ابتلاعه بعد.
2.       الدائرة الثانية وتهدف منها اسرائيل القيام "بواجباتها"، والمهام المنوطة بها، ضمن التنسيق الامني والعسكري، بين اسرائيل وحلفائها "السُّنَّة" في الحرب الدائرة لإسقاط سوريا او تمزيقها والتصدي "للخطر الايراني".
3.       اما الدائرة الثالثة فهي جر ايران الى حرب اقليمية على الارضي السورية، بعد ان فشلت محاولة جرها الى حرب اقيليمية على الاراضي اليمنية. وتعتقد دوائر سياسية في اسرائيل ان حربا اقليمية كهذه تكون ايران واسرائيل شريكتان فيها علنا ومباشرة، يعطي لاسرائيل الذريعة لضرب المشروع النووي الايراني من ناحية، ويعزز التعاون العسكري بين اسرائيل ودول الخليج من ناحية اخرى، والاهم انها تورط الامريكان،  رغما عن اوباما، في هذه الحرب الاقليمية، بحيث لا يسمح  بالتوقيع على اتفاق نووي مع ايران في حزيران المقبل الا بالخروج من هذه الحرب وتوابعها.
هذا كله قد يدخل المنطقة في حرب طويلة الامد، فتكون مدمرة بكل المقاييس وبكل الاتجاهات،  وقد اتنهي  بتسوية  اقليمية ورعاية دولية،  تكون اسرائيل، كما ايران، طرفا فيها. وتحلم هذه الدوائر الاسرائيلية ان يكون لاصطفاف "السني" الخليجي في الشرق الاوسط في الجهة الاسرائيلية، تكون يد اسرائيل هي الاعلى في هذه الحرب، فيتم طمس قضية فلسطين، وربما الجولان، وتستطيع ان تحقق استراتيجيا ما لم تستطع تحقيقه خلال عقود سبقت .
                              _________________________________
29/4/2015
  




حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

السبت، 25 أبريل 2015

النكبة والاستقلال حدثان لا يجتمعان

النكبة  والاستقلال حدثان لا يجتمعان
يبدو للبعيد ان النكبة حدث له موعد وتاريخ سنوي، وقد نوقشت في الماضي مسألة الموعد الافضل لإحياء ذكرى النكبة،  وليس صدفة ان اٌتّفِقَ ليكون في اليوم الذي تحتفل فيها الصهيونية بما يسمى "استقلال إسرائيل"، وذلك لتذكير الاسرائيليين اولا والعالم اجمع ان "استقلالهم" هو هو نكبتنا، وهو يعني احتلال فلسطين وليس مجرد إحتلال، بل تهجير واٌستعمار ايضا.
يسمونه استقلالا، ونسميه احتلالا. لماذا؟  لأن استقلال اي شعب يعني ان بلاده كانت واقعة تحت احتلال اجنبي، فانتفض الشعب وثار على محتليه، وطرهم، فحصل على استقلاله وسيادته داخل دولة تعبر عن حقه وسيادته في وطنه، ومن خلالها يبني هذا الشعب حاضره ومستقبله اسوة بباقي الشعوب. اما بلادنا فقد وقعت تحت احتلال اجنبي، او ما يسمى بالانتداب البريطاني، وأخذ هذا المحتل على عاتقه، بموجب قرار استعماري دولي، ان يساعد الحركة الصهيونية، كحركة استعمارية دولية، على اقامة بيت يهودي في فلسطين، اي ان يساعدها في استيطان اليهود لفلسطين على حساب أهلها الأصليين، وعندما قرر هذا المحتل ان ينسحب، حل مكانه المحتل الصهيوني الموعود، بقرار دولي استعماري ايضا، وبمساعدة من المحتل الأول، البريطاني. إذن، الحدث الحقيقي هو احتلال فلسطين على يد العصابات الصهيونية، وعند مراجعة الوثائق الصهيونية لا تجد الا تقارير تتحدث عن الحملات العسكرية "لاحتلال" المدن الفلسطينية، و"احتلال الجليل"، و"احتلال النقب"، فلماذا يتوقعون منا ان نسمي ذلك "تحريرا" ؟!
ليس احتلالا وحسب، بل إن تهجير أهل فلسطين الأصليين وهدم قراهم ومدنهم، والمجازر التي ارتكبت بحقهم على ايدي هذه العصابات، ومنعهم من العودة الى ديارهم، واستمرار عيش الفلسطينيين في مخيمات اللجوء اللإنسانية لمدة 67 عاما، بدلاً من بيوتهم التي تركوها عامرة في قرى ومدن فلسطين إذ هُجّروا منها، والتشرّد في عشرات البلدان العربية، وغير العربية، هو النكبة بذاتها. يزداد هول الكارثة / النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني منذ عام 48 وحتى يومنا هذا ، بمحاولة مستمرة من غالبية الدول العظمى، لالغاء الحق الفلسطيني بالرغم من قناعة شعوب العالم وغالبية حكوماتها بحق الفلسطينيين في وطنهم، وحقهم في النضال من اجل التحرير والعودة بكل الوسائل المتوفرة لهم. ليس هذا فحسب، بل تعمل الحركة الصهيونية يوميا، وعلى مدار اكثر من 67 سنة، هي ومن تحالف معها، ومن خلال وسائل الاعلام الدولية والمحلية، وكافة مؤسسات صياغة الوعي الإنساني، على طمس الهوية الوطنية الفلسطينية في محاولة تاريخية لتحقيق مقولة هرتسل ان "فلسطين أرض بلا شعب يستحقها شعب بلا ارض"، ولكن هيهات!
النكبة أكثر هولاً من احتلال الوطن ومصادرة الارض، لانها تعني ايضا سرقة المكتبة والوثيقة الشخصية، وسرقة الماضي والتراث والتاريخ، وأسماء الأماكن في الجغرافيا الوطنية، وتزوير الحقائق التاريخية وإحلال الاسطورة والرواية المصطنعة بدلا من الحقائق، وفق مقولتهم المشهورة: "لا تَدَعوا الحقائق تُفسد الرواية".  النكبة اكبر واقسى من الاحتلال، لأنها عملية قهر واغتصاب مستمرة جيلا بعد جيل، لأنها تعني، فوق كل ما ذُكِر، مصادرة الحق في الرواية التاريخية لشعب حُرم من كل حقوقه المذكورة وأكثر، ولكن هيهات.. !   فهذا الجزء من الشعب الفلسطيني، الصامد في وطنه رغم كل شيء، وهو الاكثر معرفة بحقيقة الايديولوجيا والنهج السياسي الصهيوني في الممارسة، هو هو، الذي يقض مضاجع الصهيونية، لانه يعيش النكبة يوميا كباقي ابناء شعبه، وفي كل نواحي حياته، وليس في يوم إحياء الذكرى فقط، وهو بذلك يجعل حكام اسرائيل يرون امكانية تحقيق احلامهم أشبه بالمستحيل، وعليه، فهم يشعرون بان "استقلالهم" وحتى بقاء دولتهم، مشروط بعدة شروط، وأولها انتهاء النكبة وانتهاء الاحتلال. لن يستطيع المحتل ان يحتفل "باستقلاله" وهو يدرك انه يحتل وطن شعب آخر ما يزال حيا وطامحا في العودة والتحرر وإنهاء المعاناة والنكبة المستمرة. من هنا، لا تعايش بين النكبة المستمرة  و"الاستقلال" المزعوم، كما انه لا يمكن تسمية الاحتلال تحريرا، والاحتفال "بالإستقلال" على ارض مسلوبة وعلى حساب شعب طرد من وطنه وما يزال.
يحلم الصهاينة بأن يكف الفلسطينيون عن احياء ذكرى احتلال وطنهم فلسطين، ذكرى النكبة المستمرة، ويحلم الفلسطينيون ايضا بانهاء الاحتلال والكف عن احياء ذكرى النكبة ايضا، ولكن ذلك لن يتم الا بغياب يوم "الاستقلال" ايضا.  لقد وُلِدا سويٍّا، توأمان متلاصقان، ولن يموت الاول حتى يموت الثاني، وموت الثاني مشروط بموت الأول.

اليف صباغ
البقيعة 24 نيسان 2015   






حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .