السبت، 25 أبريل 2015

النكبة والاستقلال حدثان لا يجتمعان

النكبة  والاستقلال حدثان لا يجتمعان
يبدو للبعيد ان النكبة حدث له موعد وتاريخ سنوي، وقد نوقشت في الماضي مسألة الموعد الافضل لإحياء ذكرى النكبة،  وليس صدفة ان اٌتّفِقَ ليكون في اليوم الذي تحتفل فيها الصهيونية بما يسمى "استقلال إسرائيل"، وذلك لتذكير الاسرائيليين اولا والعالم اجمع ان "استقلالهم" هو هو نكبتنا، وهو يعني احتلال فلسطين وليس مجرد إحتلال، بل تهجير واٌستعمار ايضا.
يسمونه استقلالا، ونسميه احتلالا. لماذا؟  لأن استقلال اي شعب يعني ان بلاده كانت واقعة تحت احتلال اجنبي، فانتفض الشعب وثار على محتليه، وطرهم، فحصل على استقلاله وسيادته داخل دولة تعبر عن حقه وسيادته في وطنه، ومن خلالها يبني هذا الشعب حاضره ومستقبله اسوة بباقي الشعوب. اما بلادنا فقد وقعت تحت احتلال اجنبي، او ما يسمى بالانتداب البريطاني، وأخذ هذا المحتل على عاتقه، بموجب قرار استعماري دولي، ان يساعد الحركة الصهيونية، كحركة استعمارية دولية، على اقامة بيت يهودي في فلسطين، اي ان يساعدها في استيطان اليهود لفلسطين على حساب أهلها الأصليين، وعندما قرر هذا المحتل ان ينسحب، حل مكانه المحتل الصهيوني الموعود، بقرار دولي استعماري ايضا، وبمساعدة من المحتل الأول، البريطاني. إذن، الحدث الحقيقي هو احتلال فلسطين على يد العصابات الصهيونية، وعند مراجعة الوثائق الصهيونية لا تجد الا تقارير تتحدث عن الحملات العسكرية "لاحتلال" المدن الفلسطينية، و"احتلال الجليل"، و"احتلال النقب"، فلماذا يتوقعون منا ان نسمي ذلك "تحريرا" ؟!
ليس احتلالا وحسب، بل إن تهجير أهل فلسطين الأصليين وهدم قراهم ومدنهم، والمجازر التي ارتكبت بحقهم على ايدي هذه العصابات، ومنعهم من العودة الى ديارهم، واستمرار عيش الفلسطينيين في مخيمات اللجوء اللإنسانية لمدة 67 عاما، بدلاً من بيوتهم التي تركوها عامرة في قرى ومدن فلسطين إذ هُجّروا منها، والتشرّد في عشرات البلدان العربية، وغير العربية، هو النكبة بذاتها. يزداد هول الكارثة / النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني منذ عام 48 وحتى يومنا هذا ، بمحاولة مستمرة من غالبية الدول العظمى، لالغاء الحق الفلسطيني بالرغم من قناعة شعوب العالم وغالبية حكوماتها بحق الفلسطينيين في وطنهم، وحقهم في النضال من اجل التحرير والعودة بكل الوسائل المتوفرة لهم. ليس هذا فحسب، بل تعمل الحركة الصهيونية يوميا، وعلى مدار اكثر من 67 سنة، هي ومن تحالف معها، ومن خلال وسائل الاعلام الدولية والمحلية، وكافة مؤسسات صياغة الوعي الإنساني، على طمس الهوية الوطنية الفلسطينية في محاولة تاريخية لتحقيق مقولة هرتسل ان "فلسطين أرض بلا شعب يستحقها شعب بلا ارض"، ولكن هيهات!
النكبة أكثر هولاً من احتلال الوطن ومصادرة الارض، لانها تعني ايضا سرقة المكتبة والوثيقة الشخصية، وسرقة الماضي والتراث والتاريخ، وأسماء الأماكن في الجغرافيا الوطنية، وتزوير الحقائق التاريخية وإحلال الاسطورة والرواية المصطنعة بدلا من الحقائق، وفق مقولتهم المشهورة: "لا تَدَعوا الحقائق تُفسد الرواية".  النكبة اكبر واقسى من الاحتلال، لأنها عملية قهر واغتصاب مستمرة جيلا بعد جيل، لأنها تعني، فوق كل ما ذُكِر، مصادرة الحق في الرواية التاريخية لشعب حُرم من كل حقوقه المذكورة وأكثر، ولكن هيهات.. !   فهذا الجزء من الشعب الفلسطيني، الصامد في وطنه رغم كل شيء، وهو الاكثر معرفة بحقيقة الايديولوجيا والنهج السياسي الصهيوني في الممارسة، هو هو، الذي يقض مضاجع الصهيونية، لانه يعيش النكبة يوميا كباقي ابناء شعبه، وفي كل نواحي حياته، وليس في يوم إحياء الذكرى فقط، وهو بذلك يجعل حكام اسرائيل يرون امكانية تحقيق احلامهم أشبه بالمستحيل، وعليه، فهم يشعرون بان "استقلالهم" وحتى بقاء دولتهم، مشروط بعدة شروط، وأولها انتهاء النكبة وانتهاء الاحتلال. لن يستطيع المحتل ان يحتفل "باستقلاله" وهو يدرك انه يحتل وطن شعب آخر ما يزال حيا وطامحا في العودة والتحرر وإنهاء المعاناة والنكبة المستمرة. من هنا، لا تعايش بين النكبة المستمرة  و"الاستقلال" المزعوم، كما انه لا يمكن تسمية الاحتلال تحريرا، والاحتفال "بالإستقلال" على ارض مسلوبة وعلى حساب شعب طرد من وطنه وما يزال.
يحلم الصهاينة بأن يكف الفلسطينيون عن احياء ذكرى احتلال وطنهم فلسطين، ذكرى النكبة المستمرة، ويحلم الفلسطينيون ايضا بانهاء الاحتلال والكف عن احياء ذكرى النكبة ايضا، ولكن ذلك لن يتم الا بغياب يوم "الاستقلال" ايضا.  لقد وُلِدا سويٍّا، توأمان متلاصقان، ولن يموت الاول حتى يموت الثاني، وموت الثاني مشروط بموت الأول.

اليف صباغ
البقيعة 24 نيسان 2015   






حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق