الاثنين، 6 يونيو 2011

كيف تنتصر الشعوب؟

كيف تنتصر الشعوب؟
الإنتفاضة الاولى كانت ابداعا وهذا سر نجاحها، واستمراريتها بفعل التقليد هو الذي اجهضها. يوم النسكة تقليد ليوم النكبة فلا تجعلوا من الحدث القادم نكسة اضافية!
حين لا تقوم السلطات السياسية او العسكرية او ...بعمل يفترض انه من واجباتها او لا تقوم بتقييم الأفعال او ردود الأفعال ذات الصلة بواجباتها، لا بد ان يقوم بذلك آخرون. انا أتهم الأنظمة العربية كلها بكل مكوناتها السياسية والعسكرية والإقتصادية وكذلك القوى السياسية من احزاب وحركات، بغالبيتها، او باستثناء حزب الله، انها لا تقوم بابسط واجباتها وهي التخطيط والتقييم واستخلاص العبر من التجربة، وهذا هو السبب الأساس لأزمتها المستمرة او لعبثية أزمتها، وبالتالي تخلفها وتعفنها، وبالتالي فقدان شرعيتها. ويبقى السؤال الثاني، اذا كانت الانظمة الحاكمة لا تقوم بما يتطلب حراك التطور الطبيعي، فلماذا لا تقوم الشعوب بتنظيماتها المختلفة بالتخطيط لمستقبلها ووضع الاهداف والآليات المناسبة مع تقييم لأفعالها واستخلاص العبر والقيام بكل تغيير مطلوب بهدف الوصول الى الاهداف المنشودة؟ ولماذا لا يقوم المثقف العربي، السياسي والناقد والباحث والصحفي والنشطاء على انواعهم وهيئاتهم بقييم الفعل او رد الفعل واستخلاص العبر؟ اذا كان هؤلاء غائبون ايضا فلماذا يلومون السلطات؟ وهنا يجب ان نعترف باننا نعاني من مرض اجتماعي مزمن لا بد من معالجته، وما الحكام الا انعكاس للمجتمع.
من قيم احداث ذكرى النكبة؟ وما هي العبر التي استخلصت؟ وهل تم تطبيقها في ذكرى النكسة؟ ام ان الهدف هو نفسه والاسلوب هو نفسه والفعل او رد الفعل هم انفسهم مما يسهل على العدو اتخاذ كل التدابير دون كلل وجهد اضافي؟ إذا كان الهدف النهائي هو العودة والهدف المرحلي هو الزام المجتمع الدولي الرسمي، في أيلول، الإعتراف بعضوية الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة على حدود الرابع من حزيران عام 67، وكنا نريد، منذ اليوم وحتى ايلول ان ننهك اسرائيل، ومن وراءها، فلماذا عدنا، في ذكرى النكسة، على الاسلوب نفسه والى المكان نفسه، بالضبط كما توقعت اسرائيل وسهلنا عليها مهمة القتل والترويع؟ وهل درسنا تجربة الماضي وفكرنا ما هي الحالة التي ترعب اسرائيل حقا؟ وهل المواجهة على الشريط الشائك في الجولان، في مكان المواجهة السابق هو الأسلوب الأفضل وهو المكان الافضل، بعد ان استعدت اسرائيل لذلك؟ وهل فكرنا بماهية الإستعدادات الإسرائيلية؟ بالرغم من نشر معلومات كثيرة عن ذلك وتحذيرات أخرى صادرة عمن يراقبون الأوضاع عن كثب؟ يؤسفني القول انني حزين ومتشائم ، او في افضل الحالات متشائل.
يقول رون بن يشاي، احد كبار المعلقين العسكريين في إسرائيل: "ان السلوك الفلسطيني هو تقليد لما حدث في يوم النكبة ويبدو انه سيبقى كذلك". ويعيد ذلك الى ثلاثة اسباب: الاول "عدم وجود الحماس لدى التنظيمات والقيادات الفلسطينية لمثل هذا النشاط وقد برز ذلك في من خلال مراقبة نشاطاتهم في الشبكات الإلكترونية"، قد نختلف معه ولكن دعونا نفهم كيف يفكرون. والثاني، هو "قوة الردع التي اظهرتها اسرائيل في يوم النكبة" وهذا ايضا قابل للنقض، ولكنه يضيف الى ذلك، "التهديدات التي اطلقتها القيادات العسكرية والسياسية في اسرائيل بعدم السماح بتسلق الجدران الشائكة مرة اخرى وتحميل الأنظمة العربية مسؤولية النتائج المترتبة على ذلك". والثالث ان "الانظمة العربية الفلسطينية والسورية والمصرية واللبنانية والاردنية وكذلك حرب الله عملوا بكل قوتهم على منع الأحتكاك بالجيش الإسرائيلي خوفا من تدحرج الحالة الى حرب شاملة ليسوا جاهزين لها". ولا ينسى بن يشاي ان يشير الى "الدور الامريكي على ما قامت به من جهد سياسي مسبق، وكذلك اوروبا والأمم المتحدة"، وقد قامت هذه القوى، على حد قوله بافهام هذه الأنظمة انه "من حق اسرائيل ان تدافع عن سيادتها، وان كل نظام يسمح بتسلق الجدران الشائكة سيتحمل مسؤولية قانونية عن النتائج". ويعود بن يشاي فيقول: "لا يجوز ان نزودهم بافكار جديدة ولكن لحسن حظنا ان الفلسطينيين في الضفة وفي الجولان عادوا على تقليد ما حدث في يوم النكبة وجاءوا الى الاماكن نفسها حيث نحن جاهزون لهم اكثر من المرة السابقة. الجيش، في هذه المرة، كان جاهزا ميدانيا، سياسيا وقانونيا". في التلخيص يقول بن يشاي ان الجيش نجح في الامتحان ولكن عليه ان يخطط لإمتحانات اصعب واكثر تعقيدا في الطريق الى ايلول.
الجيش استعد ميدانيا بواسطة اعادة تركيب الشريط الشائك وتقويته واستقدام قوات خاصة راكبة على الخيل وكلاب مدربة على الهجوم القاتل وزرع الالغام بالقرب من الشريط واقامة جدران ترابية شرقي الشريط الشائك، وكاميرات منصوبة في الأماكن المناسبة ترصد كل تحرك مسبقا وميدانيا، بالإضافة الى زيادة عدد القوات والقناصة بشكل خاص مع نواظير كبيرة ومرشد بجانب كل قناص وتعيين قائد ميداني في الجولان يدعى منير عمار، هل هو من قبيل الصدفة او امتحان للجولانيين؟ اطلاق النار كان حسب التعليمات: تحذير باللغة العربية واطلاق نار في الهواء وفي المرحلة اللاحقة اطلاق نار القناصة عن بعد 200 متر على الجزء السفلي من الجسم، كما يدعي الجيش، اما التفسيرات عن اصابة الجزء العلوي القاتلة فهي جاهزة مسبقا ومفادها ان المتظاهر كان يركض او كان منبطحا على الأرض،الامر الذي ادى الى اصابته في مكان آخر، الجيش يصور كل طلقة وهو ينتقي ان يعرض للإعلام ما يريد وفي مصلحته فقط، اطلاق قنابل الغاز يحكمها اتجاه الريح بحيث لا تعود على الجيش الذي يطلقها، خاصة وان الموقع في الوادي.
قانونيا علل القادة العسكريون استخدام النيران الحية ضد المتظاهرين باعتبار ان الشريط الشائك هو حدود دولية وان الجيش يدافع عن السيادة. كيف نسي او تناسى بان كي مون الذي نقل هذه الرسالة الى السلطات السورية ان الجولان هو ارض محتلة من طرفي الشريط؟ ام انه كسابقه كوفي عنان يرى بسياسة الإمم المتحدة "انعكاسا لموازين القوى"، وأن عليه تمثيل الطرف الاقوى في هذا الميزان؟ وهذا شأن هام لا بد من معالجته يوما ما.
موقع "واي نت" عنون صفحته الأولى اليوم: "الجيش يخاف من بلعين ثانية" والخوف هو من "انتفاضة الجدران"وحركات احتجاج كما في الضفة، الأمر الذي يؤثر على شكل وحجم وتنظيم القوى. هذه الليلة، يقول الكاتب، اضطر الجيش الى اضاءة الجو فوق نقطتين على الشريط الشائك بالقرب من مجدل شمس وكذلك بالقرب من القنيطرة. اضافة الى ذلك يعمل على استرضاء اهالي المجدل حتى لا يتكرر مشهد القاء الحجارة على الجنود من الجهة الغربية للشريط الشائك. مع ذلك فالجيش قلق من "انتفاضة جدران" "يجب ان نفكر في الظاهرة الجديدة، قد نكون امام اتجاهات جديدة ولها تداعيات خطيرة" وينقل الصحفي عن مصدر في الجيش قوله: "ان القيادة العسكرية اضطرت الى استبدال القوات وارسال الفرق الاولى للراحة واستبدالها بفرق اخرى"، "قد يضطرنا الأمر الى اعادة تنظيم القوى واستقدام اكبر قوة ممكنة للمرابطة على الشريط بدل ان تكون في الأماكن الصحيحة لها" ويضيف المصدر العسكري، "لا يجوز ان ننظر الى الرزنامة وننتظر، ايلول دخل حيز التنفيذ، ويمكن ان نرى مسيرات تملأ الشوارع". ويعترف الجيش ايضا انه اختار طريقة القنص العيني،وليس اطلاق النار بدون تمييز، وهذا يعني ان القتل كان متعمدا، مع العلم ان اطلاق النار بدون تمييز على المدنيين هو جريمة ايضا.
كعادته، وكما هو متوقع، يتهم البيت الأبيض النظام السوري بتأجيج الاوضاع وكأن اللاجىءالفلسطيني في سوريا يحتاج الى من يحرضه للنضال من اجل العودة الى وطنه وبيته وارضه. البيت الابيض يعتبر ان اسرائيل تدافع عن نفسها ويكرر المقولة التي نجحت اسرائيل ان تدخلها الى افواه الناطقين السياسيين: "من حق اسرائيل ان تدافع عن مواطنيها" وليس من حق من احتلت ارضه وشرد منها ان يدافع عن حقه وعن وجوده وحياته.
النظام السوري هدف لإطلاق النيران السياسية مهما فعل. ان سمح للمتظاهرين الفلسطينيين بالنشاط فيحملونه المسؤولية وان لم يسمح يقولون انه متعاون مع اسرائيل ويقتل شعبه. في الصباح كانت المعارضة السورية من امريكا تقول ان النظام يوجه دباباته الى حماه بدل ان يوجهها الى الجولان، في المساء قالوا انه يدفع الف دولار لكل متظاهر يتوجه الى الجولان، معلقون اسرائيليون يسخرون من هذا الإدعاء. صحيفة هآرتس كغيرها لا توفر جهدا للهجوم على سوريا، النظام متهم وحتى مذنب مهما فعل او لم يفعل، "عنزة ولو طارت".
المعلقان عاموس هرئيل وافي يسخاروف من صحيفة هآرتس يقولان تحت عنوان "الاستعدادات لم تقلل من عدد الضحايا": انه "لن يطول الزمن حتى يقوم الإوروبيون بالتنديد باسرائيل ويطالبونها بضبط النفس، وبالتالي ستهزم اسرائيل نفسها بنفسها". الغرب يتفهم حاليا التصرف الإسرائيلي ويعطي اسرائيل متنفسا للعمل ولكن من يضمن ان يبقى كذلك؟ وقد تؤدي التعليمات المعطاة للجيش في كيفية التعامل مع المتظاهرين في الجولان واخرى التي اعطيت له بالتعامل مع الذين يقتربون من جدران المستوطنات في الضفة الى قتل جماعي يصعب تقبله.
وزير الأمن الأسبق فؤاد بن اليعزر قال لراديو اسرائيل اليوم صباحا: "ان الجيش لا يملك حلا لمظاهرات على طول الحدود". تصوروا لو ان هذه النشاطات تنتشر تدريجيا على طول الشريط الشائك والجدران الإسمنتية او الحواجز العسكرية؟ ويتزايد عدد المواقع بالتدريج وتتبدل، كما تتبدل مواعيدها، وفق خطة مدروسة، وحتى دون الوصول الى الشرط الشائك. تصوروا لو ان عشرات الآلاف من الفلسطينيين ينتشرون على طول الحدود الفلسطينية في اكثر من مائة موقع خلال شهر ايلول، دون اطلاق أي رصاصة او حتى حجر. تصوروا لو كنا نستطيع ان نلتزم بخطة ونقيمها ونطورها؟ تصوروا لو كان باستطاعتنا تجنيد عشرات الاف الشباب العرب في مصر والاردن وسوريا ولبنان وعشرات الآلاف من اصدقائنا الشباب في روسيا واوربا وامريكا الشمالية والجنوبية، حتى لو تظاهروا وهم في بلادهم، وحتى دون لو نلمس الشريط الشائك وحتى دون ان نقذف بحجر واحد على جنود الإحتلال، ويكفي ان نصرح :حق العودة لا يموت"، "خائن من ينسى وصية والديه"، "امريكا رأس الحية"، "الشعب يريد انهاء الإحتلال"، "الشعب يريد عودة واستقلال". نعم "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".


اليف صباغ- 6.6.2011


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق