الجمعة، 9 يناير 2015


انتخابات الكنيست 2015
                       الاستطلاعات وظاهرة "الزعيم"      
لم تعد الاستطلاعات وسيلة للتعرف على واقع الرأي العام كما اعتقد البعض قبل سنين عديدة، بل تحولت بالكامل الى وسيلة لتغيير الواقع، إما من خلال خلق ميزان قوى لصالح طرف ما يجعل المترددين يميلون اليه، او وسيلة ليعرف السياسيون من خلالها "من اين تؤكل الكتف"، وهذا ما يفسر زيادة طلب الاستطلاعات بين الحين والآخر وخاصة غداة مواقف ملفتة للانتباه او احداث هامة، إذ يريد السياسيون ان يعرفوا اتجاهات ردود الفعل الجماهيرية علي الاحداث والمواقف او استرضائهم. اما الاستطلاعات التي تجريها بعض الجهات، مجهولة الهوية او التمويل، فغالبتها تأتي في اعتقادي ضمن الهدف الاول وان كان الهدف الثاني ليس مستبعدا ايضا. ولكن الجديد في الامر ان الاستطلاعات باتت وسيلة ايضا لخلق "الزعيم" بدلا من المؤسسة الحزبية.
 ويبدو ان نموذج هذه الاستطلاعات ، مدفوعة الأجر ومضمونة النتيجة مسبقا، أخذ يتسع لدى البرلمانيين العرب، واصدقائهم ايضا، اكثر من اي وقت مضى، وهو يهدف اولا الى توجيه المصوتين العرب نحو صندوق الاقتراع لزيادة نسبة التصويت، ومقارعة التيار المقاطع للانتخابات، بما يخدم اجندة متعددة الاطراف،  وثانيا، يهدف الى تسليط الاضواء على الاشخاص، لا على السياسات والاحزاب، الامر الذي يمكن ان يعيدنا الى عصر الزعامات والمخاتير، بدلا من تعزيز الاحزاب كمؤسسات سياسية فاعلة ومنظِّمة لنضال الجماهير، وحالة الزعماء هذه هي الحالة الاسهل للمؤسسة الصهيونية للتعامل معنا. بدلا من التعامل مع شعب، او جزء من شعب، او مؤسسسات وطنية مثل لجنة المتابعة العليا او احزاب لها مؤسسات وبرامج سياسية وايديولوجيا، تحمل قضاياه القومية والوطنية وتطالب باستعادتها. من هنا فلا داعي للتفكير كثيرا في هذه الاستطلاعات او الناجرار وراء نتائجها، والتي تأتي احيانا كثيرة كما  يريدها طالبها ودافع ثمنها.
لا بد من التأكيد هنا على ان الاحزاب المذكورة لم تعد اكثر من قوائم برلمانية واشخاص يبحثون عن انفسهم ومصالحهم، واكبر اثباتات على ذلك هو اهمالهم للجنة المتابعة، الهيئة او السقف الوطني الوحيد الذي يفترض ان يعبر عن وحدة كل القوى، وليس فقط الاحزاب البرلمانية التي لا يزيد وزنها عن 50% من قوة شعبنا في الداخل، اضافة الى تغييب جماهير الناخبين وحتى احزابهم مما يجري في الغرف المغلقة فيما بين اعضاء البرلمان انفسهم، الامر الذي لا يزيد من ثقة الناخب بهم بل يزيد ويفاقم من قناعاته بعقم الحياة البرلمانية، ليس فقط لاسباب مبدئية، وليس فقط احتجاجا على السياسة الحكومية المعادية بل من قَرفا من الحياة السياسية البرلمانية العربية ايضا. للاسف، يبدو مما نشهده في السنوات الاخيرة، وفي هذه الايام بالذات، انه لم يعد ممكنا تسمية القوائم البرلمانية احزابا وطنية، ويفضل ان نسمي الولد باٌسمه، انها احزاب برلمانية في افضل الاحوال او في حالة أُخرى، هي قوائم برلمانية، وفي حالة ثالثة انها قائمة "زعامات"، بالاختلاف عن قادة،  وشتان ما بين القادة والزعماء. زعماء، لديهم احزاب وجمهور مصفقين او ناخبين يتعرفون عليه بين انتخابات وأخرى.
 من هنا، قد تأتي المفاجاة من حيث لم يتوقعها هؤلاء، وهي توجه الناخب العربي مرة اخرى نحو الاحزاب الصهيونية . ان التمعُّن في قاعدة الناخبين للأحزاب البرلمانية العربية يُظهر ان جزء من القاعدة الوطنية لهذه الاحزاب اصبح في صفوف التيار المقاطع للانتخابات، وقد شغل مكانه من كانوا في الماضي القريب منضويين تحت اجنحة الاحزاب الصهيونية يبحثون هناك من مصالحهم الضيقة، ومدعين انهم يريدون التأثير من الداخل، وإذا ما شعر هذا الناخب ان تأثيره في القوائم العربية يساوي صفرا وهي لا تراعي مصالحه الضيقة فلا غرابة ان يعود للأحزاب الصهيونية حتى يكون قريبا من الصحن. أضف الى ذلك، ان المراقب للنقاشات التي تجري بين المتمسكين بالمشاركة في الكنيست وبيت تيار المقاطعة لا يصعب عليه تقارب التبريرات التي يطلقها البرلمانيون العرب اليوم وبين برلمانيي الاحزاب الصهيونية في الستينيات والسبعينيان والثمانينيات من القرن الماضي. اليس شعار "الواقعية" هو سيد المواقف في الحالتين؟

                               _________________________     اليف صباغ/ البقيعة 8.1.15


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق