قد يحلو لنا نحن العرب عامة والفلسطينيون خاصة، ان نردد القول: "اسرائيل تأكل نفسها وتنهار من الداخل" او نعلق بالقول: " لقد قامت هذه الدولة على الغش والخداع والرشوات والسرقة والاغتصاب، فلا عجب ان يكون رئيسها مغتصبا ورئيس حكومتها مرتشيا ووزيرها سارقا وووو". فنكتفي بهذه الاقول انتشاءً أوانتظارا لانهيار دولة العدو، وكفي الله المؤمنين شر القتال.. ولكن السؤال الحقيقي الذي يجب ان يتوقف عنده كل عربي وكل فلسطيني بشكل خاص، هل تشكل هذه المحاكمات اشارات الى انهيارات من الداخل فعلا؟ ام انها حقنات تحصين لهذه الدولة؟
الجواب على هذا السؤال المهم لا يجوز ان يكون عشوائيا او مناسبا للتمنيات او متفقا مع المصلحة الذاتية.....واقصد: عشوائيا، اي دون تفكير وبحث وفحص نتائج وتداعيات هذه الاحكام التي تطال اكبر الرؤوس والرموز في هذه الدولة. ومناسبا للتمنيات، اي يعبر عن مشاعر وتمنيات طالما تمنيناها لمن اغتصب وطننا وقتل اطفالنا وهجّر أهلنا ..الخ. ومتفقا مع المصلحة، تعني ان هناك شخصيات وقوى فاسدة ومفسدة في مجتمعاتنا العربية عامة، والفلسطينية خاصة، من الرأس وحتى اخمص القدمين، تخشى ان تقوم اي مؤسسة حقوقية او اعلامية او حكومية رسمية بفتح ملفات الفساد النتنة بهدف محاكمة السارقين والمهربين والمغتصبين واولئك الذين يبنون العمارات على حساب الفقراء او يقتطعونها من اموال الدعم التي يفترض ان تصل الى الفقراء والمحتاجين الذين ضحوا باغلى ما يملكون لاجل حرية هذا الشعب وهذا الوطن العزيز.
من هنا لا بد ان نستذكر ما نتشره بعض وسائل الاعلام، بخجل او بخوف احيانا، عن حالات التسيب القائمة في مجتمعاتنا السياسية، بلا حسيب ولا رقيب، وكان آخرها ما نشرته امارة قطر من تقرير عن المساعدات التي قدمتها الى السلطة الفلسطينية خلال الاعام الماضي ولم يصل منه اكثر من 10% فاين ذهبت باقي الاموال؟ وهذا التقرير ليس الا واحدا من عشرات الفضائح...فمن يتابع هذه الفضيحة؟ وعشرات القضايا الاخرى؟ من يحقق؟ اين هي وسائل الاعلام، التي يفترض انها سلطة رابعة، تعبر عن مصالح الناس ورغباتها، هذه الوسائل التي يفترض ان تكون عين الشعب الساهرة وصوتها الهادر دون نفاق او محاباة!!
هنا ايضا لا بد من القول: مهما كانت المحاكمات لرموز دولة اسرائيل تدلل على اخلاقيات وسلوكيات من اغتصب وطننا وشرد شعبا وقتل ودمّر وضلّل العالم بالكذب المتواصل منذ قرن ونيف، الا انها، في المحصلة، تعكس قوة المؤسسة الحاكمة وتعبر عن وجود دولة فوق جميع المسؤولين مهما بلغت درجاتهم، وهي تشكل عملية تنظيف وتطهير لقصبات المدافع والبنادق التي تطلق النار نحونا بشكل متواصل، ولو تراكم هذا العفن في القصبات لارتدت النار على مطلقيها. انها عمليات جراحية احيانا لاستئصال الاورام الخبيثة وقد تطال العمليات اعضاء هامة في الجسم ايضا، انها في اقل التقديرات حقن لتحصين الجسم من تفشي الامراض المعدية والالتهابات القاتلة وهي مسؤولية كل فرد في موقعه وكل مؤسسة ومن يقف على رأسها. وما لم تقم مجتمعاتنا ومؤسساتنا الاعلامية والحقوقية والرسمية بمعاقبة من خان الامانة بين ظهرانينا، فلن تكون النتيجة الا على شكل ما نشهده اليوم في هذا العالم العربي الكبير ويصبح الفرق بين الحكام بما في ذلك الدواعش منهم كفارق الاسماء فيما بينها فقط.
اليف صباغ
البقيعة 25 ايار 2015
حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق