الاثنين، 2 يناير 2012

ربيع عربي ام شتاء اسلامي؟

"ربيع عربي" أم "شتاء اسلامي"؟

توصيفان مختلفان لهذا الحراك، في المفردات مضامين موجودة وأخرى مرغوبة، وليس بالضرورة ان يكون التوصيف واقعيا، وقد تكون التسمية وسيلة للتسويق الجماهيري ولخلق واقع جديد.
في خضم الحوار الاسرائيلي الاوروبي، وكذلك الاسرائيلي الامريكي، تختلف تسمية الأحداث التي يشهدها العالم العربي، ففي أمريكا وأوروبا سموها ب "الربيع العربي" تقليدا ل"ربيع براغ" و"ربيع الشعوب"، وقد راقت هذه التسمية للعرب فصدقوها، وربما أرادوها كذلك، فنزلوا الى الشوارع متسلحين بدعم من جهات لم يحلموا ان تدعمهم يوما، وسرعان ما انهالت على بعضهم أموال النفط وأسلحة حديثة وجُندت لذلك وسائل الاعلام الصديقة والعدوة تهليلا لقدوم الربيع المنتظر او المرغوب، ولكن السماء ما تزال متلبدة والغيوم كثيفة وسريعة الحركة في آن معا ومتغيرة الاتجاه، فترى الطبيعة تمطر في مكان وتحجب أمطارها في مكان آخر وتبرق فترعد وتنتج إعصارا مدمرا في مكان ثالث، حتى تفيض الانهار وتتصدع السدود فتنهار لتخلف بعدها خرابا لا يعرف احد متى وكيف يتم إصلاحه. هل هي الطبيعة فعلا ام ان أيد بشرية لديها تقنيات متطورة وأهداف ما تتحكم في الحدث؟ تَسحَب الغيوم الى حيث تشاء، فيسمع صوت يشبه الانفجار في الجو، يحسبه الناس رعدا ويحسبه آخرون صوت من عند الله وثالث يقول انها عملية تفريغ الجو من الهواء لتسحب الغيوم الماطرة الى مكان آخر فتحدث فيضانا مدمرا. ويبقى الصخب والنقاش في الشوارع والساحات على الارض وتبقى القوى الفاعلة تشد السحب في الأعالي إلى حيث تريد وفق مصالحها. هل هو شتاء قاس وسيأتي بعده الربيع؟ ام انه شتاء مدمر وسنقضي الربيع نحصي الضحايا ونرمم ما دمره الشتاء، حتى يأتينا الصيف الساخن مرة أخرى؟ توصيف من الطبيعة ولكن الطبيعة لا تعمل وحدها، هذه هي الحقيقة المبدئية.
بالأمس زار "المبعوث الاوروبي لشؤون الربيع العربي"، ليون برناردينو، اسرائيل، كذلك عين اوباما منسقا خاصا لعملية انتقال السلطة في الدول العربية، يبدو كأنهم يتعاملون مع اقنان في مزارعهم الخاصة. المبعوث الاروبي يدرك، على حد قوله، ان اسرائيل تفضل تسميته "مبعوث الشتاء الاسلامي". برناردينو التقى بالامس مع نظرائه الاسرائيليين في اجتماع ضم اكثر من عشرين سفيرا لإسرائيل في اوروبا، وهو يحاول اقناعهم بأن اسرائيل يجب الا تخاف من صعود الاحزاب الاسلامية للسلطة في مصر وتونس والمغرب وغيرها من دول الربيع العربي. كيف لا تخشى اسرائيل الاحزاب الاسلامية ؟ وهي التي تغذي عقول المواطنين صباح مساء، اطفالا ورجالا ونساء، كما فعلت اوروبا وامريكا منذ عقدين من الزمن على الاقل، بان الاسلام هو العدو القادم وان الاحزاب الاسلامية هي الخطر والشيطان الاكبر. وكيف ستتعامل مع حماس؟ او هل يعني ذلك ان الفيتو الامريكي الاروبي الاسرائيلي على مشاركة حماس في السلطة الفلسطينية لم يعد قائما؟ ولكن جواب المبعوث الاروبي لا تختلف عن جواب اوباما في بداية عام 2011 الى بنيامين نتانياهو، فيقول المبعوث، بعد ان اتم جولة طويلة في دول شمال افريقيا وعرج على بعض اصدقاء المخلصين في الخليج: " انا اتفهم الشك الذي يراود الاسرائيليين، ولكن تدخل المجتمع الدولي في عملية التحول هذه تؤمن نتائجها، ان وقفنا على الحياد، نراقب ما يحدث، فقد لا ترضينا النتائج، ولكن ان تدخلنا في ذلك فيمكن ان نقطف ثماره". هذا الموقف مطابق تماما لموقف اوباما لنتانياهو مع بداية العام 2011 . هذه التصريحات، السابقة والحديثة على حد سواء يؤكد ان الحراك العربي لم يبدأ بكبسة زر من امريكا او اوروبا ولا حتى من قطر النفطية، ولكن ذلك لا يعني ان اتجاه الحراك في بدايته ما يزال على ما هو الآن، بل استطاعت دول الاستعمار ومراكز ابحاثها ان تتوقع حراكا معاديا للهيمنة الاستعمارية الصهيونية وللأنظمة العربية العميلة على حد سواء، قبل حصوله ولم يدر احد منهم متى تبدأ المسيرة، وعندما بدأت كانت الأجهزة السياسية والمالية والإستخبارية جاهزة للتحرك والتدخل السريع، فصعدوا الى السفينة وهي في بحر هائج ونجحوا بواسطة عملائهم القدامى والجدد وبالمال العربي الوافر، ان يمسكوا بالبوصلة ويوجوا السفينة الى الوجهة التي يريدون وتحويل الغيوم الماطرة الى أعاصير وزلازل تضرب حيث يريدون. انهم يبحثون عن مصالحهم يقول بعض "المثقفين" العرب، وبذلك يشرعون سلوكهم وان كان بعكس صالحنا، ولكنهم لم يسألوا انفسهم أبدا، إذا كانت القضية هي مصالح، فلماذا لا نحكم على الأحداث وفق مصالحنا أيضا؟ وكيف يمكن ان تتقاطع مصالح شعوبنا مع مصالح أعدائنا التاريخيين والحاليين وهم لم يتخلوا بعد ولن يتخلوا عن معاداتنا؟
فهل كتب علينا ام اننا كتبنا على انفسنا، ان نعمل العمر كله في اصلاح دمار سببناه لأنفسنا بسبب تخلفنا الموروث؟ هكذا فعلت الأجيال السابقة وهكذا يفعل الجيل الحالي. تبّا لأمة قياداتها عاجزون عن مقاومة العدو فيتحولون الى عملاء له، وتبا لأمه يشترى مثقفوها بالمال!

اليف صباغ
مدونة حيفا برس
2.1.2012






حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق