الخميس، 26 يناير 2012

قُطعت يد الزارع!

قُطِعت يد الزّارع!

الزارع والمزارع كلمتان، او مفردتان، تبدوان وكأنهما تعنيان الشيء نفسه، وهكذا تبدو مشاهد الحراكات العربية، أهي هبة اوانتفاضة او تمرد او ثورة او صراع على السلطة والنفوذ والمال، او تصفية حسابات ثأرية سابقة؟ كلها مشاهد متشابهة وكلها مختلفة، وأحيانا يكون الاختلاف جذريا. هل هذه الحراكات هي نتاج عمل اشبه بجهد مزارع نشيط، مثابر ودؤوب استمر عمله سنوات طوال؟ ام انها فعل زارع من الخارج؟ ام جمع بين الاثنين؟
يعمل المزارع في ارضه طلية السنة، يحرثها في الصيف دون ان ينتظر منها ثمرا ويشقها بمحراثه مع بداية الخريف دون ان يزرع فيها بذورا ، ثم ينتظر اقتراب موعد هطول الامطار ليأخذ محراثه ويعود فينثر فيها البذور الجيدة ويحرثها من جديد فتتحول بعد فترة قصيرة الى حقل أخضر جميل، ولا ينفك المزارع يبتهل الى الله راجيا اياه مزيدا من امطار الخير في انتظار الربيع ونضوج الحقل ومن ثم الحصاد المبارك.
لكن، وفي زماننا، لا يتردد المخلوق البشري في التدخل حتى في قوانين الطبيعة، فأصبح بمقدوره ان يقطف الثمار بغير موعدها ويزرع الجنين في بطن أمه دون اشارة منها، وحتى ان يزرع الغيم في الاعالي فيسرق الامطار ويجرها الى حيث يشاء وينزلها بالقدر الذي يشاء متحديا حركة الطبيعة وتوازناتها. اذكر مرة، حين كنت اعيش في اوروبا، وكان لا بد لخبراء زرع الغيوم وجرها او تفجيرها ان يقوموا بذلك على وجه السرعة فاستعجلوا الامر اكثر او اخطأوا حساباتهم فتحولت الغيوم الى كرات من البَرَد نزلت على كروم العنب في مراحل تكون ثماره الاولى فلم يبق من ذلك الموسم الا القليل القليل، فهل حل الربيع فعلا على المزارعين ام حلت الكارثة؟ لم يكن صعبا ان ترى الجواب على وجوه المزارعين وفي عيونهم.
يبدو ان الحراكات العربية، المتشابهة والمختلفة، كانت اشبه بجهد مزارع انحنى ظهره تعبا وعرقا سنة بعد سنة وطوال السنة، في انتظار ثمار حقله الجبلي الكبير، ولم يثبق المزارع وسيلة دون ان يستخدمها، بدأب ومثابرة عظيمين، ليكون الحقل نظيفا جميلا اخضرا والحصاد وافرا، ولكن تدخل يد الزارع، زارع الالغام الارضية والهوائية على حد سواء، أفسدت على المزارع فرحته، فتحولت أمطار الخير الى أعاصير، واقتُلعت الاشجار، وهُدمت السدود، وحصدت الفيضانات الضحايا البريئة، وساد الخراب في كل مكان من الجبل لتتجمع الامطار في سهول الغير ترويها وتزيدها خصوبة، وقضى المزارع الجبلي الفقير فصل الربيع المنتظر في تصليح ما أفسده الزارع الخبيث، وما ان جاء الصيف حتى لم يجد المزارع حصادا ولا غذاء ولا ماء في السدود. هرِمتُ، قال المزارع لأولاده الشباب، وقدم لهم محراثه وقال ثانية: قُطعتْ يد الزارع ! فكونوا عونا لبعضكم البعض يا اولادي و.......

اليف صباغ
مدونة حيفا برس
26.1.2012






حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق