الاثنين، 25 فبراير 2013

شموع النفط الجولاني

في ظل الدخان الكثيف الذي يلف الاجواء العربية، والسورية بشكل خاص، ويسمى بلغة النفط والدولار ربيعا عربيا، اصدرت دولة الاحتلال، أي اسرائيل، ممثلة بوزير الطاقة عوزي لاندو، قبل أيام،  ترخيصا لشركة امريكية بالتنقيب عن النفط في الجولان السوري المحتل. فهل يكون هذا الترخيص بداية لربيع آخر؟
لم يكن ذلك القرار ابن الساعة، بل  كانت حكومة اسرائيل، قبل اكثر من عقدين من الزمن، قد اوكلت طاقما من علماء الجيولوجيا للبحث عن الكنوز الطبيعية في الجولان، فاظهرت الدراسات ان الجولان السوري المحتل يحوي على كميات لا بأس بها من النفط والغاز، فبادرت الحكومة، آنذاك، لطرح مناقصة لشركات التنقيب عن النفط، ولكن رابين، رئيس الحكومة في تلك الفترة، أوقفها خشية اتهامه بعرقلة المفاوضات بين سوريا واسرائيل. في العام 1996 قام بيبي نتانياهو، عند استلامه رئاسة الحكومة، الى فتح ملف المناقصة من جديد، لكنه عاد وتوقف عن ذلك لاعتبارات لم يفسرها آنذاك، وبقى الملف في الادراج حتى الربيع من العام الماضي (2012)، حين اتخذ وزير الطاقة عوزي لاندو ( حزب ليبرمان) قرارا "سريا"، كما وصفته وكشفت عنه وسائل الاعلام العبرية آنذاك، لتحضير مناقصة للتنقيب عن النفط في الجولان فتقدمت لذلك شركتان فقط وفازت شركة "جيني" الامريكية بالمناقصة، ووفقا لتلك المناقصة قام الوزير، قبل ايام، بمنح الشركة ترخيصا للتنقيب عن النفط على النصف الجنوبي من الجولان المحتل، فهل هي بشائر الربيع الاسرائيلي القادم؟
تفيد  المعلومات المنشورة، ان شركة "جيني" التي حصلت على حق التنقيب عن النفط في الجولان السوري المحتل هي شركة  مسجلة في الولايات المتحدة، ويرأسها وزير البنى التحتية السابق في اسرائيل، إيفي إيتام، وهو ضابط كبير في جيش الاحتلال الاسرائيلي وهو مستوطن في الجولان ايضا، وينتمي الى حزب "المفدال" سابقا وهو حزب "البيت اليهودي"، اليوم، برئاسة نفتالي بينيط. ولكن ما يلفت الانتباه ليس فقط من يرأس الشركة، بل اسماء الشركاء البارزين فيها وعلى رأسهم ديك تشيني، نائب الرئيس بوش الابن، والملياردير اليهودي البريطاني جاكوف روتشيلد والمياردير، البريطاني ايضا، روبرت مردوخ.

                          موقف القانون الدولي من التنقيب عن النفط في الجولان
تمنع اتفاقيات هاغ، وخاصة في البند 55 من  الاتفاقية الرابعة،  كأحد مرجعيات القانون الدولي الذي يتناول صلاحيات وواجبات القوة المحتلة في المناطق التي احتلتها، سلطات الاحتلال من استغلال الموارد الطبيعية ومنها التنقيب عن النفط او الغاز في الجولان السوري المحتل.
صحيح ان اسرائيل ضمت الجولان المحتل للسيادة الاسرائيلية بموجب قانون خاص عام 1981 ، لكن أحدا في العالم، بما في ذلك رجال القانون الدولي في اسرائيل، لا يعترف بتلك السيادة، وبالتالي ما يزال القانون الدولي واتفاقيات هاغ ملزمة لاسرائيل كقوة محتلة للجولان. في قضايا مشابهة في الماضي، تناولها القاضي المتقاعد اهرون براك، رئيس المحكمة العاليا سابقا، واحد اهم رجال القضاء في تاريخ اسرائيل،  كتب، بأن " اتفاقيات هاغ تدور حول محورين أساسيين، أحدهما – تأمين الاحتياجات الأمنية للقوات العسكرية في المنطقة المحتلة، والآخر- تأمين حاجات السكان المحليين الذين وقعوا تحت الاحتلال في تلك المناطق". واضاف، "لا يجوز للحاكم العسكري الاخذ بعين الاعتبار المصالح القومية الاقتصادية او الاجتماعية لدولته، طالما ان ذلك لا يعكس الحاجة العسكرية او حاجات ومصلحة السكان المحليين الواقعين تحت الاحتلال".
هناك رأي آخر في اسرائيل يمثله بروفيسور يورام دنشطاين، وهو، كعادته، يُسوّغ للاحتلال الاسرائيل كل ما يفعله في المناطق المحتلة مدعيا ان اسرائيل، كقوة محتلة، تستطيع تعليل استثماراتها في الجولان بأنها "تعود بالفائدة على السكان المحليين". فكيف يكون ذلك؟ وما هو الدليل على ان ارباح ديك تشيني تعود بالفائدة على المواطنين السوريين في الجولان المحتل؟ مثل هذه التعليلات لا تصمد امام المحاكم الدولية، وأكبر إثبات على ذلك هي الدعوى القضائية التي قدمتها مصر ضد اسرائيل قبل سنة،  للمطالبة بتعويضات عن الاضرار التي لحقت بمصر خلال فترة الاحتلال، ووفقا للدعوى تطالب مصر اسرائيل بدفع تعويضات تقدر ب 480 مليارد دولار منهم  عشرات مليارات الدولارات مقابل سحب اسرائيل للنفط والغاز من سيناء.
                                                   الظروف والأهداف
اذن بالرغم من موقف القانون الدولي والتجربة التي مرت بها اسرائيل في سيناء، لماذا تصر على تحدي العالم والقانون الدولي وتصدر ترخيصا للتنقيب عن النفط في الجولان المحتل؟
لا يمكن الاجابة على هذا السؤال دون فهم "المنطق" الاسرائيلي. لقد صبرت مصر اكثر من ثلاثين عاما بعد اتفاق كامب ديفيد حتى اتخذت قرارها بتقديم دعوى تعويضات ضد اسرائيل، وقد يأخذ الامر عقودا اضافية حتى تنتهي القضية وعقودا اضافية حتى يستتب الحال في سوريا لتقدم أي دعوى ضد اسرائيل، وبالتالي فهي، في "المنطق" السياسي الاسرائيلي، فرصة تاريخية سانحة للربح والتطور حتى تأتي تلك الساعة ، ومن يدري؟ فقد لا تاتي!! ولكن كما ان الظروف مؤاتية كذلك التوقيت.
لقد جاء القرار الاسرائيلي المذكور في ظل ظروف عربية مؤاتية لاسرائيل ومعادية لسوريا، وفي ظل ازمة سوريا لا تسمح لها بالالتفات الى العدو الخارجي في حين ان بيتها الداخلي يشتعل، وربما لن يكون لها القدرة على ذلك لسنوات عديدة قادمة. لقد عبر عن ذلك رئيس الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية السابق، عاموس يدلين، في المؤتمر الاخير لمجلس الامن القومي في اسرائيل بقوله: " مهما كانت نتائج الازمة السورية، وبغض النظر ان بقي الاسد في رئاسة الدولة او جاء فرق آخر الى الحكم، فان سوريا لن تستطيع محاربة اسرائيل في العقد القادم، لانها ستكون منهكة وستلتفت الى شؤونها الداخلية لترمم ما هدمته الحرب". هذا الاستنتاج لا بد ان يقود المستثمرين والسياسيين الاسرائيليين الى انتهاز الفرصة وتحدي القانون الدولي للتطلع الى ربيع اسرائيلي قادم. تأكيدا لذلك اعلنت اسرائيل قبل اسبوعين ايضا انها تنوي اقتطاع جزء من الجولان السوري على جانبي خط وقف اطلاق النار، وبعرض 16 كيلومتر، لاقامة حزام امني تحسبا لاستمرار المعارك في سوريا، و"حماية" لمواطنيها من تداعيات تلك الحرب. هذا في الوقت الذي تعلن فيه تركيا انها تنوي اقتطاع جزء آخر من سوريا على حدودها ايضا.
اذن، تظن اسرائيل، كما تظن تركيا، وربما آخرون، ان الفرصة مؤاتية لاقتطاع اجزاء من سوريا، بعد ان فشلوا في تفكيكها الى دويلات، واستغلال ثرواتها الطبيعية دون حسيب او رقيب. والملفت للانتباه ايضا ان كل ذلك يحصل في ظل التحضير المكثف للزيارة التاريخية للرئيس الامريكي براك اوباما الى اسرائيل، وفي ظل جهود امريكية مكثفة في اوروبا للبحث في مستقبل السياسة الغربية في الشرق الاوسط بشكل عام وتجاه سوريا بشكل خاص، وجهود مكثفة لاقامة حكومة بديلة للمليشيات المسلحة في المناطق التي يمكن اقتطاعها من الحكم المركزي للنظام السوري، فتسيطر عليها هذه المليشيات برعاية اسرائيلية وتركية وأمريكية وربما بتمويل خليجي. إن زيارة اوباما الى اسرائيل، هي زيارة الى منطقة الشرق الاوسط، وقلبه، وفق العقيدة الامريكية، اسرائيل، وبالتالي، لن تكون زيارة عابرة، وتثبت الجهود الدبلوماسية والعسكرية التي تبذلها امريكا واسرائيل ومصر وتركيا وووو، انها تهدف الى ترتيب اوراق الولايات المتحدة مع حلفائها وادواتها في الشرق الاوسط من جديد، في حين لم يسقط من الاستراتيجية الامريكية هدف التخلص من الرئيس الاسد،  بصفته عقدة كأداء، كما كان والده المرحوم حافظ الاسد، امام المخططات الاستراتيجية والمصالح الامريكية الاسرائيلية في الشرق الاوسط. من هنا يمكن القول: ان اسرائيل بمجمل قراراتها، بما في ذلك الترخيص لسحب النفط من الجولان، انما تعبر بشكل مباشر وعملي عن رغبتها في حصة جوهرية من هذا الربيع، وهي تترك العشب الاخضر لتستمتع بها النعاج العربية على هواها.

اليف صباغ
مدونة حيفا برس
الجليل 24.2.2013

حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الجمعة، 22 فبراير 2013

رسائل قصيرة لمن يهمه الامر


تكثر الاخبار والتعليقات والتحليلات حول مستقبل الجهود التي يبذلها بيبي نتانياهو لتشكيل حكومته الجديدة، وتبقى في الاذهان بعض الاسئلة المفتوحة.

ما هو سر الحلف بين لبيد وبينيط في ظل اختلاف واضح حول مسيرة التسوية السياسية؟  

يتفق الطرفان، أولا وقبل كل شي، على ضرورة ان تعالج الحكومة القادمة مواضيع الاجندة الداخلية، وعنوانها تقاسم العبء الاقتصادي والأمني، دون تأجيل او مناورات يتقنها بيبي نتانياهو. يعلم لبيد وبينيط ان هذه الاجندة هي التي غيرت موازين القوى الحزبية لصالح هذين الحزبين وهي التي ستزيد من قوة القائمتين اذا ما جرت انتخابات جديدة. فنتائج الاستطلاع الذي بثته قناة الكنيست بالأمس يؤكد ذلك. لبيد بموجب هذا الاستطلاع، ينتقل من 19 الى 30  عضوا وبينيط من 12 الى 15 والليكود بيتنا يفقد عشرة اعضاء. أما النتيجة الحتمية، وغير المباشرة، لدفع هذه الاجندة على رأس سلم اولويات الحكومة، من وجهة نظر بينيط، هو ابعاد التسوية السياسية عن رأس جدول الاعمال، كما تريده ليفني، وهذا هو مكسب هام جدا، لحزبه. اما لبيد فليس لديه مانع من ابعاد التسوية عن رأس السلم لانه يريد ان ينجز اجندته الداخلية التي اوصلته الى الكنيست أولا.

السؤال الثاني، ان أي حكومة قادمة لا بد وان تقر ميزانية الدولة للعام 2013 على الاقل، فهل يستطيع بيبي ان يضمن تمرير الميزانية بدون حكومة واسعة؟

يعلم بيبي انها مهمة صعبة، ويحاول اخفاء موضوع الميزانية وراء ظهره، او تحت غيمة التحديات الامنية، ولكنه لن يستطيع ذلك لفترة طويلة، ولن يستطيع ان يمرر الميزانية دون موافقة لبيد وبينيط.

السؤال الثالث، ما هي موازين القوى البرلمانية في موضوع التسوية السياسية؟ وهل يمكن التقدم بها بعد انجاز الاجندة الداخلية؟

يبدو ان الابتعاد عن موضوع التسوية في ظل الحملة الانتخابية فرض ميزان قوى جديد يتمحور حول الاجندة الداخلية، ولكن لو تم استثمار هذه التركيبة البرلمانية لاحقا نجد ان غالبية اعضاء الكنيست سيذهبون باتجاه التسوية التي  ترضى بها امريكا وتدافع عنها، حتى وان لم تكن هي التسوية التي يرضى بها الشعب الفلسطيني. لن يبقى في طرف معارضة التسوية، وفق التصور الامريكي، الذي هو تصور ليفني ومن قبلها اولمرت، سوى الليكود بيتنا، هذا ان بقي على حاله، (31)، والبيت اليهودي (12)، اما شاس وحتى يهدوت هتوراه (18) فيمكن ان ترضيان بمقايضة مواقفهما السياسية بميزانيات لمدارسهما الدينية.

هذا يقودنا للانتباه الى قضيتين مرافتين لهذا السيناريو: الاولى، هل يسمح "ائتلاف التسوية" ان يعتمد على الاصوات العربية في الكنيست؟ وهل يستطيع ان ينفذ التسوية اذا ما قرر ذلك؟ أشك كثيرا جدا ان يكون لهذين السؤالين اجوبة ايجانية؟ وهنا يقع الجميع في حالة عبثية لا مخرج منها الا باعجوبة، وهم يحبون العجائب، خاصة عجائب بوريم...

اليف صباغ

مدونة حيفا برس

الجليل 22.2.13



حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الأربعاء، 20 فبراير 2013

بيبي وورقة التوت




"إما تسيبي أو بيبي"، هكذا كان شعار ليفني عشية الانتخابات الاخيرة، بينما وعد نتانياهو ناخبيه ان "تسيبي لن تحصل على أي دور سياسي" في حكومته القادمة. يبدو ان كلام الليل يمحوه النهار، وكلام ما قبل الانتخابات يهدف الى جذب الناخبين من فئة ما بينما كلام ما بعد الانتخابات فهو يتعدى مشهد الناخبين المساكين الى حين تأتي الانتخابات القادمة، وعليه فقد انضمت تسيبي ليفني بالأمس الى حكومة نتانياهو الجديدة، فكانت أول من انضم اليها بعد ان حُسبَت، قبل الانتخابات، انها قد تكون آخر من يمكن ان يفعل ذلك. مرة أخرى يتأكد لكل متابع، ان الواقع او النتيجة الانتخابية وتحديات المرحلة يفرضون أنفسهم،  فتتغير مواقف القيادات ومواقعها، ولكن قد لا يتغير الهدف الحقيقي وقد لا يتغير النهج.

يخطىئ من يعتقد ان بيبي غيّر اهدافه الحقيقية من مسيرة التسوية السياسية ونتائجها، انما، بخطوته هذه، يصر ان يظهر وكأنه في وسط الخارطة السياسية في اسرائيل ولا يضيره ان يُموضِعَ نفسه في يمين الوسط، ولذلك فهو يحتاج الى حلفائه في اليمين الأكثر تطرفا ليبقى امام جمهوره الاسرائيلي "حامي حمى" أرض اسرائيل والأمن والاستيطان، وبالمقابل فهو يحتاج الى قيادات  مقبولة امريكيا واوربيا مثل اهود براك سابقا وتسيبي ليفني حاليا، ليكونوا ورقة التوت التي يغطي بها عورته اليمينية المعادية للسلام، فيسير متباهيا يحسب نفسه محتشِما وهو في الحقيقة عارٍ من كل لباس.

 يخطئ ايضا، من يعتقد، من القيادة الفلسطينية، ان المفاوِضة المخضرمة، تسيبي لفني، ستأتي لهم ب"رأس كليب" وتستطيع ان تجبر رئيسها بيبي نتانياهو على قبول ما لم يقبل به من قبل، حتى وان دعمتها الولايات المتحدة والرئيس اوباما نفسه واوروبا ايضا. ربما يبحث هؤلاء الفلسطينيين عن ورقة توت ايضا ليحتموا بها عند عودتهم الى المفاوضات العبثية مرة أخرى، ليخرجوا منها اذلاء ومهزومين او محبطين في افضل الحالات تحت الضغط الاروربي والامريكي، اكراما لجهود ليفني وحفاظا على عجلات مسيرة التسوية، او خوفا من انتفاضة ثالثة تفضح الجميع. إن مراجعة بسيطة لخطابات بيبي نتانياهو في بار- ايلان والكونغرس والجمعية العمومية، هذه الخطابات التي اعتبرها نتانياهو في مؤتمره الصحفي مع ليفني، بالأمس، أساسا للتفاوض مع الطرف الفلسطيني، وليس قرارات الشرعية الدولية التي تعترف بحق الشعب الفلسطينيي في الحرية والاستقلال، وفي أرضه ومياهه وسيادته حتى وان كانت في حدود العام 1967 فقط ، لا يمكن ان تشكل مدخلا او مرجعية او قاسما مشتركا للتفاوض الاسرائيلي الفلسطيني، اللهم الا اذا كان هناك قيادة فلسطينية مستعدة ان تعلن استسلامها والقبول بما يعرض عليها.

لم يكن الاتفاق مع ليفني مجرد رسالة الى الرأي العام الدولي، الذي صفق للخطوة كما تقول ليفني، بل هي رسالة الى الحلفاء المحتملين في حكومة نتانياهو القادمة ايضا، الى يائير لبيد ونفتالي بينيط. ليس سرا ان نتانياهو يريد حكومة واسعة ومستقرة، حتى وان كان قادرا على تشكيل حكومة ضيقة بجهد اقل، ولكنه يعلم ان أي حكومة ضيقة ان كانت مع حلفائه الطبيعيين من اليمين المتطرف او مع حلفاء جدد مثل يائير لبيد، لن تكون قادرة على المضي لتحقيق مهام متناقضة تنتظر الحكومة، وسيكون رئيسها معرضا للابتزاز والنقد والضغط من كل اتجاه وهو ما لا يريده بيبي نتانياهو، ولذلك يسعى الى اقامة حكومة واسعة كما أسلفت.

 لقد أثبتت الايام والاسابيع الماضية أن جهود نتانياهو لتشكيل حكومة واسعة تصطدم بتحالف صلب بين رئيسي حزبين كبيرين ،وهما يئير لبيد ونفتال بينيط، وهم يساويان 31 عضوا، أي عدد اعضاء حزبي اسرائيل بيتنا برئاسة بيبي نتانياهو، لكن ما ينقص هذين الرئيسين هي الخبرة السياسية، او انهما لم يختبرا، بعد، طريق الخيانات التي يعرفها السياسيون جيدا، ومعلوم ايضا انهما لا يمثلان خطا سياسيا أمنيا مشتركا ولكنهما يشتركان في احد اهم الاجندات السياسة في اسرائيل اليوم وهي حاضر ومستقبل الطبقة الوسطى والازواج الشابة منها وتقاسم العبئ الامني والاقتصادي، وأهمها غلاء الشقق السكنية للازواج الشابة، هذه الاجندة، لمن يتذكر، هي التي غيرت موازين القوى الحزبية في اسرائيل في الانتخابات الاخيرة، فهل يمكن لاحد ان يتجاهلها؟  من هنا نرى ان نتانياهو بخطوته للاعلان عن التحالف مع تسيبي لفني، وباعلانه ايضا ان كديما (عضوان) في طريقها الى الائتلاف وكذلك الاحزاب المتدينة (الحرديم 18 عضوا) انما يبعث برسالة واضحة الى كل من الحزبين انه عازم وقادر على تشكيل الحكومة دون الرضوخ لمطالبهما، وهو في الحقيقة غير قادر،  ولكنه يحاول دق الاسفين بين هذه الحزبين او رئيسي الحزبين، لبيد وبينيط، ومعلوم ان دق الاسافين هي نهج معروف لم يتنازل عنه نتانياهو يوما، هكذا شق حزب العمل وأخذ اهود براك الى حكومته وهكذا شق كديما وجعلها، بشقيها، تركع على ركبتين، وهذا ما يعرفه عنه  نفتالي بينيط جيدا، وعن قرب، حين كان مديرا لمكتب رئيس الحكومة سابقا. ويبقى السؤال، هل ينجح بيبي نتالنياهو في فك هذا التحالف؟ واي من الزعيمين الشابين سيخون حليفه أولا؟ وأي منهما سيدير ظهره لناخبيه أولا؟ علما ان ناخبي بينيط ليسوا من المستوطنين والمتدينين فقط، وان كانت هذه الفئة هي المتنفذة، وانما تفيد الدراسات ان اكثر من اربعة اعضاء من بين اثني عشر عضوا وصلوا الى الكنيست في قائمة بينيط كان بفضل ناخبين من مدن المركز وهم علمانيون يحملون أجندة يائير لبيد الاجتماعية والاقتصادية، وان كانوا يحملون اجندة بينيط الامنية. من هنا، لم ينته بيبي من تشكيل حكومته بعد، اما سكاكين الخيانة فهي جاهزة، ولعبة دق أسافين الشقاق مستمرة، وبيبي اكثر من يتقنها وقد اثبت ذلك.

 

اليف صباغ

مدونة حيفا برس

الجليل 20.2.13

حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

السبت، 16 فبراير 2013

العميل إكس والعالِم واي



تتشعب الاخبار التي تتحدث عن عميل الموساد إكس وتشبع وسائل الاعلام، تدريجيا، بمعلومات عنه، وإن لا تخلو التقارير الاخبارية والتحليلات من اسئلة هامة بقيت أجوبتها طي الكتمان، وقد تبقى كذلك لزمن طويل. لكن، بغض النظر عن التفاصيل المنشورة لغاية الآن، لا بد من الانتباه الى أمرين هامين ابرزتهما هذه المعلومات: الاول، وهو التعرف او التيقن من أهمية الجواسيس في الصراعات الاقليمية أو الدولية، والاساليب او الاشكال المستخدمة، وخاصة من قبل الموساد، لتحقيق أهداف من ارسلهم. ثانيا، الانتباه الى تلك الاسئلة التي ما تزال بحاجة الى أجوبة مقنعة، ومن هنا يحق لنا ان نسأل، اذا كان هذا ما نعرفه عن مصير العميل x ، فما هو مصيرالعالم المخطوف y  ؟

يجدر بنا التذكير ايضا ان المعلومات المنشورة تأتي بعضها نتيجة التحقيقات الصحفية، واخرى نتيجة الثرثرة وتسرب المعلومات الى جهات غير رسمية، وبعضها الاخر يأتي في قنوات التسريب المقصود، ولهذا التسريب دوافعه واهدافه وقد يعكس صراعات داخل الاجهزة او فيما بينها او حتى بين حكومات وزعماء دول.

 

للموضوعية، فالجاسوسية نشاط رافق العمل السياسي والتجاري والعسكري منذ القدم، وما يزال، وسيبقى يرافق ذلك. ويشهد التاريخ ادوارا للجواسيس غيرت العالم، منها ما كُشِف ومنها ما لم يكشف، وأشهر الجواسيس المعروفين في التاريخ الحديث هو ريتشارد سورج، جاسوس الاتحاد السوفييتي الذي عمل في اليابان إبان الحرب العالمية الثانية، وكان صديقا للراقصة اليابانية كيومي، وهي جاسوسة يابانية ايضا، فقام، بما حصل عليه من معلومات، باعلام القادة السوفييت ان اليابان لن تهاجم الجيش الاحمر على جبهة سيبيريا في الوقت الذي كان الجيش الاحمر منهمكا في معركة قاسية مقابل القوات النازية، مما سمح للسوفييت بتوجيه اكثر من 2 مليون جندي من جبهة سيبيريا الى الجبهة الالمانية فانقلبت موازين القوى واندحرت القوات النازية وتغيير مسار الحرب ونهايتها المعروفة.

معلوم ان الجاسوسية تطور ادوات عملها، طبقا للتطور العلمي والتكنولوجي ايضا، وتحتل الاعمال التجارية والتكنولوجيا الالكترونية اليوم أهم ادوات العمل المستخدمة، ولم يعد خاف على أحد ان الموساد يقيم شركات وهمية وغير وهمية في أماكن مختلفة في العالم للتجارة بالسلاح والمعدات الالكترونية المتطورة، وهذا المعدات ليست للاستخدام العسكري فقط بل يمكن ان تكون للاستخدام المدني، الطبي او الزراعي او الاعلامي او أي شيء آخر، وكل ذلك بهدف الوصول الى الاشخاص المطلوبين او جمع المعلومات عن هذه الدولة او تلك او تجنيد العملاء او دعم حركات وتنظيمات، وهكذا تعمل عدة دول غربية وعلى رأسها امريكا. بعض هذا المعلومات تستخدم للتجارة بها، أي لمقايضتها، مع منظمة او دولة او شركة دولية او ما شابه، وبعضها الآخر يستخدم لابتزاز هذا الحاكم او ذاك، واخرى لا بد ان تتحول الى ادوات هامة للتحرك الامني والقيام بعمليات اغتيال او ملاحقة، او ترويج بضاعة في الاسواق الدولية او محاربة شركة او شركات كبرى منافسة على ان يصب كل هذا الجهد في مصلحة الدولة الفاعلة، وفي اسرائيل، كما هو معروف، يخضع كل شيء للسؤال الاهم، ما هي مصلحة اسرائيل؟ او ما هي مصلحة اليهود؟

لم يعد خاف ايضا، ان الموساد الاسرائيلي يستخدم جوازات سفر مزدوجة، اجنبية واسرائيلية، بعلم وتنسيق كامل مع تلك الدول او الاجهزة الامنية فيها، ليقوم عملاء الموساد الاسرائيليين بنشاطهم تحت اسماء اجنبية مستعارة وبجوازات سفر اجنبية، وقد يكون للعميل عدة جوازات سفر باسماء مختلفة، وقد اثبتت المعلومات المتوفرة من حادثة العميل إكس، أي بن زيغير او بن الون او بن ألن، وحادثة اغتيال محمود المبحوح في الامارات، وحوادث اخرى ضُبِط خلالها عملاء الموساد في قبرص وسويسرا وعمان وأماكن اخرى، انهم يعملون بجوازات سفر اوروبية واسترالية وكندية ونيوزيلاندية وكذلك أمريكية، بهدف الوصول الى الاماكن والمعلومات المطلوبة والاشخاص المطلوب اغتيالهم. لكن الأهم، في هذا الامر بالذات، هو ان جوازات السفر ليست مزورة، كما تروج وسائل الاعلام،  بل يتم استصدارها من الدولة المعنية بمعرفة تامة من قبل اجهزة المخابرات المختصة فيها، أي انهم يعلمون بوجود جواز سفر مزدوج للشخص المعني، ويعلمون انه يحمل جواز سفر اسرائيلي وانه خدم في الجيش الاسرائيلي ايضا، وفي حالة العميل إكس تفيد المعلومات الاسترالية ان المدعو بن زيغير تقدم بطلب ثلاثة جوازات سفر استرالية تحت اسماء مختلفة وان دائرة اصدار جوازات السفر أعلمت جهاز المخابرات الاسترالي بذلك، ولم تقم أي جهة بمنعه من حمل الجوازات المختلفة. فهل يستطيع فلسطيني في استراليا من حمل اكثر من جواز سفر واحد؟  اضافة الى استخدام جوازات السفر الاجنبية  يبرز التعاون الدولي العملياتي مع جهاز الموساد لتنفيذ عملياته، وقد علق احد الصحافيين الاسرائيليين على ذلك قبل عدة سنوات بقوله: إن قوة الموساد تعكس مدى التعاون الدولي معه، وبقدر ما تتماهى هذه الدول مع السياسية الاسرائيلية او تعارضها تسمح لهذا التعاون ان يتم او تمنعه. وليس صدفة ان غالبية الفضائح التي وقع فيها عملاء الموساد كانت في فترات حكم بيبي نتانياهو وتذمر الدول الصديقة لاسرائيل من سياسته. من هنا يجب ان نفهم ان اسطورة الموساد تكمن في التعاون الدولي مع اسرائيل، وتتقزم هذه الاسطورة بدون هذا التعاون.  

الاسئلة المفتوحة...

بالرغم من كل المعلومات التي نُشرت عن العميل إكس، والاستنتاجات التي يمكن الوصول اليها من هذه التجربة وما سبقها في تاريخ فضائح الموساد، الا ان الاسئلة التي لم تلقَ اجوبة بعد أكثر أهمية ومنها، كيف يمكن ان يقوم العميل إكس "بشنق" نفسه كما تقول بعض وسائل الاعلام الاسرائيلية، او "بالموت خنقا" او اختناقا، كما تفيد تقارير معهد التشريح الطبي في اسرائيل، وهو موجود في زنزانه نظيفة من أي وسيلة يمكن استخدامها لشنق ان خنق نفسه، ومرصودة بكل الكاميرات الضرورية لمراقبة تحركه على مدار الساعة، وبمجسات قادرة ان تراقب نسبة الاكسجين في رئتي الأسير وحتى نسبة التعرّق على جسمه؟ هذا عدا المراقبة البشرية التي يفترض ان تتابع هذه الاجهزة؟ إم ان أجهزة الانذار هذه تعطلت كلها في لحظة الحقيقة كما تعطلت اجهزة الانذار في سيارات الحريري قبل ساعة من استشهاده؟  والسؤال المرافق، كيف يمكن ان يقوم الاسير إكس بالانتحار بعد يومين فقط من مقابلة المحامي افيغدور فلدمان الذي جالسه لمدة ساعتين على الاقل، وتبع ذلك مفاوضات لانهاء القضية بصفقة قانونية ولائحة اتهام ترضي الطرفين؟  اليست مقابلة المحامي والتفاوض على صفقة أمرين كافيين لخروج الاسير من حالته النفسية المتأزمة التي كانت يمكن ان تقوده الى الانتحار؟ وليس العكس؟ واذا تتبعنا ما قالة أحد كبار رجال المخابرات في اسرائيل للصحفي الاسترالي، في التقرير المطول، من انه "لو عُلِمَ ما يعلمه بن زيغير وما قام به لكان الامر سيشكل خطرا على اسرائيل كدولة".!!!! واو...أئِلى هذا الحد؟ هل يمكن ان نفهم من ذلك ان "انتحار" عميل الموساد كان أمرا لا بد منه، وان أي صفقة تنقذه من هذا المصير كانت ستحسب، لاحقا، خطأ استراتيجيا للموساد؟

اسئلة من نوع أخر تنتظر الاجوبة ايضا. لم يستطع التقرير الاسترالي الربط بين نشاط العميل إكس وعملية اغتيال المبحوح التي شارك بها اربعة عملاء من حملة الجوازات الاسترالية، كما لم يستطع التقرير ربط نشاط العميل إكس بعمليات الاغتيال التي حصلت لعلماء ايرانيين في ايران واماكن أخرى، مع العلم ان إكس اعتاد السفر الى ايران وسوريا ولبنان بحكم عمله في الشركة الوهمية التي تتاجر بالاجهزة التي تحتاجها ايران لمشروعها النووي، فهل كانت اسرائيل على معرفة بمستوى النشاط النووي الايراني من خلال توفير الاجهزة والعتاد المطلوب لها  بواسطة شركات الموساد الوهمية؟ اسمح لنفسي ان اتساءل...  ولم يستطع التقرير ان يربط بين العميل إكس والعالِم الايراني ، علي اشغري (العالم واي في العنوان اعلاه)، الذي اختُطِفَ من فندقه في اسطنبول ومعه، وفق المعلومات التي نشرت في اسرائيل، حقيبة طافحة بالوثائق عن المشروع النووي الايراني، خاصة وان معلومات غير رسمية هنا تؤكد ان العالم الايراني، علي اشغري، موجود في احدى السجون السرية في اسرائيل. فهل يقوم اعضاء الكنيست باستجواب الوزير المسؤول عن ذلك؟ وهل تقوم الجهات الاعلامية الاسرائيلية وغير الاسرائيلية بواجبها لكشف الحقائق او نشر ما تعرفه عن الحقائق المخفية في عتمات السجون السرية؟ وهل تقوم جهات دولية حقوقية، رسمية او غير رسمية، بالتحقيق في ممارسات الموساد على مر السنين من خطف وإغتيال وابتزاز وما الى ذلك؟  

 

اليف صباغ

مدونة حيفا برس

البقيعة 16.2.2013


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الأربعاء، 6 فبراير 2013

الغارة الاسرائيلية-الامريكية،أهداف وسياق


 

ما يزال صدى الغارة العسكرية  الاسرائيلية على سوريا فجر الثلاثين من كانون ثاني، دون حصول رد سوري متناسب، يتفاعل ويحتاج الى مزيد من التحليل والتمحيص لمعرفة أهداف هذا العدوان وسياقه الاقليمي وربما الدولي، من خلال علاقته بأحداث أخرى، عسكرية وسياسية، حصلت وتحصل في المنطقة وكان آخرها توجيه اتهام رسمي من حكومة بلغاريا الى حزب الله تتهمه فيه بالمسؤولية عن تفجير بُرغاز في الصيف الماضي. فما الاهم؟ الاتهام وقد وجهته اسرائيل الى حزب الله بعد دقائق من حصول التفجير، وكأنها كانت تعلم به مسبقا؟ ام توقيت الاتهام البلغاري بالأمس؟

كتبت آنذاك، ان اسرائيل ترتبط مع بلغاريا بعلاقات أمنية جديدة ويقوم سلاح الجو الاسرائيلي بتديبات عسكرية في بلغاريا في اعقاب تدهور العلاقات مع تركيا، ولكن امرا هاما بالنسبة لاسرائيل لم يتحقق لها في هذا السياق، وهو السماح للموساد الاسرائيلي بنشاط أمني استخباري في بلغاريا، خاصة في المدن السياحية التي يزورها العرب والعربان مثل مدينة برغاز الواقعة على البحر الاسود. ومن هنا أبديت شكوكي في الاتهام الاسرائيلي المباشر لحزب الله، وتساءلت، ما اذا كانت العملية المذكورة و/او اتهام حزب الله، تستهدف الضغط على بلغاريا لتحقيق ذلك الهدف؟ والنتيجة الفورية لتلك العملية تشير بقوة الى حقيقة ذلك. ولكن يبقى السؤال، هل تم اختياريوم امس بالذات، لاتهام حزب الله، رسميا من بلغاريا، صدفة؟  واذا كان الاتهام الاسرائيلي المباشر لحزب الله قد  حقق لاسرائيل امكانية النشاط المخابراتي في المدن السياحية البلغارية، فان توقيت الاتهام البلغاري بالامس جاء في سياق مرتبط بالحملة السياسية والعسكرية التي تقوم بها اسرائيل وامريكا هذه الايام ضد محور المقاومة عامة بما في ذلك حزب الله، والاهم ضد حلقته الوسطى سوريا.

للوصول الى استنتاجات منطقية لاهداف الغارة الاسرائيلية على مركز للبحث العلمي في ضواحي دمشق، وعلاقته بالاتهامات الموجهة الى حزب الله اليوم، لا بد ان نعتمد على حقائق ومعلومات وتجربة الماضي وليس على خيال جامح، ولا بد من مراجعة مجمل احداث هذا الاسبوع وعلاقاتها فيما بينها. لقد شنت الطائرات الاسرائيلية غارتها على مركز علمي في ضواحي دمشق وادعت انها قصفت قافلة كانت تحمل اسلحة متطورة، قيل مرة إنها كيماوية ومرة أخرى انها صواريخ روسية متطورة لا يجوز، وفق الالتزام الروسي وقرار 1701 ، ان تصل الى حزب الله، وفي كلتا الحالتين ارادت اسرائيل وضع حزب الله على طاولة البحث الامني والسياسي الدولية ، ووضع روسيا في الزاوية بعد التزامها الا تُنقَل اسلحتها من سوريا الى حزب الله، فهل استطاعت دق الإسفين الذي طالما عملت هي وحلفاؤها العرب والراعي الامريكي على تثبيته؟  إضافة الى ذلك، حلقت الطائرات الاسرائيلية بكثافة يومية فوق الاراضي اللبنانية بهدف الامعان في ترويض حزب الله على تقبل هذه الاستفزازات دون رد، وتوجيه رسالة لمن يهمه الامر ان اسرائيل "تفعل ولا تتكلم فقط"، وقد أكد ذلك اهود براك في مؤتمر ميونخ الامني في الوقت الذي كانت الطائرات الاسرائيلية تقوم بغاراتها في سماء لبنان وسوريا، ولا نغفل، في هذا السياق ايضا، مسلسل التفجيرات الذي طال مستودعات الاسلحة التابعة لحزب الله، وتهديدات اسرائيلية مباشرة لحزب الله في حالة اعتراض الطائرات الاسرائيلية.

لم يكن هذا الهجوم العسكري والسياسي، منفصلا عن تحول في النظرة الامريكية لمستقبل الازمة السورية ورغبتها في الخروج من ورطتها بأقل ما يمكن من التكاليف وأفضل ما يمكن من النتائج، وقد تعلمنا من تجارب الماضي ان الاستعمار لا ينسحب في حالة ضعفه دون ان يحرق ما استطاع ودون ان يستنفذ قواه الفاعلة على الارض، خاصة اذا كانت الدماء والارواح والتكاليف كلها عربية، ومن هنا جاءت الغارة الاسرائيلية على سوريا بتنسيق كامل مع امريكا، بهدف استباق كل تسوية سياسية مرتقبة.

لم تكن هذه الاحداث منفصلة أيضا عن  مسار آخر يحصل "سرا" في هذه الايام في بريطانيا، يتمثل بمحادثات "استكشافية" اسرائيلية فلسطينية للعودة الى طاولة المفاوضات، بدفع اوروبي وأمريكي عربي، تفاديا لانتفاضة ثالثة، وتضيف المعلومات دلينا ان التسوية المرتقبة قد تحصل ضمن صفقة اقليمية شاملة، تعيد ترتيب ميزان القوى في الشرق الاوسط وخلق معادلات جديدة كل يريدها مريحة له. واكثر ما يخيف امريكا وحلفاؤها العرب ان يُهزموا في سوريا وقد بدأت بشائر الهزيمة واضحة فترتد قطعان الوهابيين التكفيريين وعصابات القاعدة، وهم مدججون بالمال والسلاح، ليحاسبوا مرسليهم في دول الخليج وتركيا. ومن هنا لا بد من توقع هجمات اضافية من قبل العصابات الوهابية الفاعلة في سوريا او من قبل اسرائيل في محاولة لاستباق الهزيمة او منعها او التخلص من قوى الخطر القادم.

لقد عودتنا امريكا واسرائيل انه عندما تعتزمان الدخول في مسار سياسي لا بد ان تسبقه بمسار أمني عسكري بهدف اضعاف الخصم وسوقه ذليلا الى المفاوضات، او تمهيدا لحملة عسكرية كبرى يكون فيها الخصم قد انهك فيسهل التغلب عليه كما حصل في العراق، وفي هذا السياق تأتي الغارة الجوية على سوريا والتي بتقديرنا ستتبعها غارات أخرى مشابهة، وكذلك الحملة السياسية، الاعلامية والعسكرية، على حزب الله.  من هنا ايضا، جاءت حملة الاعتقالات التي شنتها قوات الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية لتشمل اعضاء في المجلس التشريعي الفلسطيني ايضا. ولهذا الهدف ايضا نشهد شن حملة اعلامية تحاصر الخصم وحلفائه ودفعا امريكيا لاوروبا بادراج حزب الله على قائمة الارهاب، مع ان النتيجة المعروفة أيضا، ان ضعف الطرف العربي وتفككه سياسيا او عسكريا يجعل اسرائيل تتمادى في عنجهيتها وتتحصن بمواقفها فلا تقدم للصفقة التي تريدها امريكا أي مساعدة لتعود المسارات مرة أخرى من حيث بدأت، والى أبد الآبدين، وهذا ما تريده اسرائيل، الم يؤكد ذلك بيبي نتانياهو بالامس حين قال ان لا احد يصنع سلاما مع الضعفاء والمفككين؟ فاسرائيل لا ترى بالاستقرار او بالسلام في الشرق الاوسط الا حالة مؤقتة بين حربين او حالتي اضطراب،  وهكذا تبني اسرائيل استراتيجتها وتكتيكها وهكذا ينبغي ان نفهمها.

لم يكن صدفة  تصريح عاموس يدلين، رئيس اللاستخبارات العسكرية السابق في اسرائيل، قبل يومين، من "ان أي نظام سيحكم سوريا في المستقبل، سواء برئاسة الأسد او غيره، بما في ذلك الاخوان المسلمين، سيكون افضل لاسرائيل مما كانت عليه، ذلك لأن سوريا ستكون ضعيفة، وأي نظام مستقبلي سيضطر الى معالجة قضاياه الداخلية لسنوات طويلة، (كما حصل في مصر أ.ص)، وهذا مكسب استراتيجي لاسرائيل"،  يريحها لسنوات طوال تستطيع خلالها بناء المزيد من المستوطنات وتغيير الوقائع على الارض وهي على قناعة، كما اثبتت التجربة، ان العرب سيقبلون بالامر الواقع في نهاية المطاف. لأن ضعف سوريا، في نظر اسرائيل، هو الشرط الاساس لاضعاف حزب الله، وضعف سوريا هو المقدمة الضرورية لاملاء الشروط الاسرائيلية الامريكية على ايران، هكذا على الاقل ما تتفق عليه اسرائيل وامريكا ويشكل قاعدة مشتركة للتحرك .

 

اليف صباغ

مدونة Haifa press

البقيعة 6.2.13



حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الثلاثاء، 5 فبراير 2013

تل أبيب قالت: لا ابنيامين نتانياهو





من أصغى خلال اليومين الاخيرين، غداة انتهاء العملية الانتخابية، للتحليلات والتأويلات والتوقعات والتنبؤات التي ملأت الفضاء والفضائيات، لا يصل الا الى نيجة مفادها، "الله أعلم"!!!. كم هو مريح هذا الاستنتاج! لأنه يلقي من الحمل عن ظهركل منا ويدفع به الى علم الله. مع ذلك لا بد من المحاولة لفهم ما انتجته هذه الانتخابات، وما تأثير ذلك على مجمل المشهد السياسي الذي نحن جزء مركب منه، شئنا ام... أبينا.
كالعادة، تبحث وسائل الاعلام عن المفاجئات، أي عن الاثارة، بالمقابل نبحث نحن عن معنى هذه المفاجئة وما اذا كانت تشكل اتجاها جديدا او مركبا جديدا في المشهد العام وما هو تأثيره؟
اتفق الجميع على ان المفاجئة الكبرى لهذه الانتخابات هي فوز حزب يائير لبيد (يش عتيد) على 19 مقعدا وهو حزب جديد يخوض الانتخابات لاول مرة، ومع ذلك يجدر بنا التذكير انه يمثل تيارا اجتماعيا وايديولوجيا، تحت عنوان الصهيونية اللبرالية، ولديه رؤيته الخاصة للمجتمع الاسرائيلي في العلاقة بين الدين والدولة وفي طريقة الحكم وفي الحياة الاقتصادية للدولة والمجتمع ايضا، وطالما تمثل هذا التيار في الكنيست من خلال حزب، او أحزاب، في مركز الخارطة السياسية.
لا شك ان هناك سمات أخرى لنتائج الانتخابات ومنها فوز اليمين الاكثر تطرفا من نتانياهو، حزب البيت اليهودي برئاسة نفتالي بينيط، ب 12 مقعدا على حساب مجمل الاحزاب اليمينية المتطرفة وعلى حساب الليكود ايضا، والملفت للانتباه، وهو الاخطر في تقديرنا، ان حزب نفتالي بينيط حصل على 70% من اصوات الجيش وهذا يشكل ضوءا أحمر يستوجب التوقف عنده لفهم العقيدة السياسية والايديولوجية للجيش الاسرائيلي، وربما تشكل نتائج الإنتخابات في الجيش موقف نزع ثقة من رئيس الحكومة بيبي نتانياهو، وسيكون لنا عودة لتحليل ذلك بعمق واتساع اكثر.
في الملخص ايضا نستطيع التأكيد ان بيبي نتانياهو فشل في زيادة قوته كما كان يحلم ويخطط تحت شعار "حزب قوي" و"حكومة قوية" و"رئيس قوي" التي اراد بها مواجهة العالم والرئيس الامريكي بالذات، ولكنه احتفظ بقوة ما تسمح له بتشكيل حكومة من جديد وفق اجندة داخلية، وهنا لا بد ان نشير ان امكانية اعطاء الفرصة لبيبي نتانياهو في تشكيل حكومة تأتي على خلفية ازمة قيادة بديلة لدى الاحزاب في المعسكر الآخر، الأمر الذي يجعل من نتانياهو مرشحا وحيدا لرئاسة الحكومة.

المفاجئة الكبرى
قبل الدخول في احتمالات تشكيل الحكومة وفق المعطيات الجديدة لا بد ان نفهم، اين وكيف ولماذا حصلت هذا المفاجئة ؟ وهل تحمل في طياتها تغييرا في جدول اعمال الحكومة القادمة؟
ان مراجعة دقيقة وتفصيلية لنتائج الانتخابات تبين ان المفاجئة الكبرى حصلت على خلفية انقلاب في التصويت حصل في مركز البلاد حيث يعيش اكثر من ثلث المصوتين في اسرائيل وبالذات في مدينة تل ابيب، وتبين ايضا ان مفاجئة حزب يئير لبيد (يش عتيد) جاءت ثمرة للحراك الاجتماعي الذي حصل خلال السنتين الاخيرتين والضائقة السكنية التي تعاني منها الطبقة الوسطى هناك. الدليل على ذلك يظهر في المقارنة بين نتائج الانتخابات بين عام 2009 وعام 2013 في مدينة تل ابيب اكبر المدن الاسرائيلية. ففي العام 2009 حصل الليكود ويسرائيل بيتينو (ليبرمان) على 50% تقريبا من اصوات الناخبين في تل ابيب، بينما حصلا سويا هذه المرة على 17% فقط من اصوات المدينة، وهذا يفرض علينا ان نتساءل، اين ذهبت هذه الاصوات؟. أما "كاديما" فقد حصلت في العام 2009 على 18% من الاصوات بينما حصلت هذه المرة على 2% من اصوات مدينة تل ابيبي فقط، وحصلت تسيبي ليفني على حوالي 7% من الاصوات. فأين ذهبت الاصوات؟
ان النظر الى ما حصدته الاحزاب الاخرى في المدينة مقارنة بما حصلت عليه في الانتخابات السابقة يجيب على السؤال: لقد حصل حزب العمل في المدينة عام 2009 على 2.5% واليوم على 16% ، اما "ميرتس" فقد حصلت عام 2009 على نصف بالمائة فقط بينما حصلت اليوم على 14%، واما حزب يئير لبيد (يش عتيد ) فلم يكن موجودا عام 2009 وحصل اليوم على اكثر من 20% من اصوات المدينة. هكذا نكون قد حللنا لغز مصدر المفاجئة، ويبقى السؤال، ما يعني ذلك؟
لقد ارتدت اصوات الازواج الشابة في المدينة، الاصوات الصهيونية اللبرالية عن الليكود وكاديما وعادت الى حزب العمل وحافظت حركة تسيبي ليفني على جزء منها وحصد حزب يائير لبيد النسبة الكبرى، بينما انتقلت اصوات من حزب العمل واوساط اخرى الى ميرتس بشكل ملفت للانتباه. واذا اخذنا بعين الاعتبار الاجندات السياسية (الداخلية والخارجية) للحراك الاجتماعي المذكور، ولهذه الاحزاب نستطيع ان نستنتج، ان تل ابيب قالت: لا لبيبي نتانياهو وليبرمان. لا، لسياستة الاجتماعية -الاقتصادية. لا، لعدم تقاسم العبء الأمني مع الحريديم، لا، لغلاء اسعار الشقق السكنية للازواج الشابة، لا، للنفوذ الديني المتشدد في حياة العائلة اليهودية، لا، لطريقة الحكم الموجودة، ولا للمغامرة والعدوان على ايران، ويذكر أهالي تل ابيب جيدا كيف جعلت صواريخ سكود العراقية تل ابيب خالية من سكانها، رغم انها كانت صواريخ بدائية، فكيف بالصواريخ الايرانية؟ واذا أخذنا ما حصلت عليه ليفني في تل ابيب وفي اسرائيل عامة، وهي التي وضعت التسوية السياسية على رأس سلم اولوياتها، يتضح ان موضوع التسوية السياسية في الشرق الاوسط لا يعني الا جزء بسيطا من الناخبين، خاصة وانه لا يوجد مَن، أو ما، يجبرهم على ذلك. وفي خلفية هذه النتيجة، لاحظنا ان نتانياهو التقط الرسالة بسرعة وفهمها، ولم يتأخر في

الاستجابة لهذا الصوت الآتي من تل ابيب، اذ اعلن في خطابه الاول بعد صدور النتائج الاولية للانتخابات، وبعد التوجه أولا الى يئير لبيد، انه ينوي تشكيل حكومة موسعة تقوم بتغييرات في طريقة الحكم وتعالج مسألة تقاسم العبء وتخفض تكاليف السكن في مركز البلاد وهي اجندة الحراك الاجتماعي ويئير لبيد، بالاضافة الى التحديين الكبيرين، الاقتصادي والسياسي- الامني. إذن ، لقد كان لهذه المفاجئة تأثيراتها المباشرة على جدول أعمال الحكومة القادمة بقوة مما يحتم على نتانياهو ان يغير جدول اعماله السابق ليلتفت الى السياسة الداخلية وان بقي يصرخ ليل نهار ايران.. ايران..

سيناريوهات لتشكيل الحكومة
نعم، عند تشكيل الحكومات تختلف الامور عما كانت عليه قبل الانتخابات، قد ترفع الاحزاب شعارات رنانة، وتتبع تكتيكا ما لكسب الجمهور الذي حددته هدفا لها، وقد يقول عنها الاعلاميون انها شعارات فارغة او غوغائية او احادية الجانب الخ.. ولكن عند تشكيل الحكومة لا بد من الأخذ بعين الاعتبار قدرة هذه الحكومة على اتخاذ القرارات وفق توازن او توافق مصالح القوى المركبة لها، كما تضطر الاحزاب الى التعامل مع كافة القضايا على جدول الاعمال الحكومي، فهل يمكن ان تضم الحكومة حزبين ذوي اجندات متناقضة مثل شاس ويش عتيد؟
يمكننا ان نرسم مجموعة من التشكيلات لحكومة نتانياهو القادمة ، ولكننا لا تستطيع فهم تشكيلة الحكومة دون الاطلاع على جدول أعمالها، الداخلي والخارجي، السياسي والاقتصادي، العلماني والديني .....الخ. وفي كل الحالات ستكون مهمتها الاولى إقرار ميزانية الدولة، التي يُقلص فيها العجز المالي ما بين 20-40 مليارد شيكل، فهل يكون هذا التقليص على حساب الطبقات الفقيرة والوسطى ام على حساب كبار رؤؤس الاموال؟ أم على حساب النفقات الامنية؟ وهل يمكن ان تكون شاس ويهدوت هتوراة في حكومة تمرر ميزانية كهذه؟
نظريا، يستطيع نتانياهو ان يشكل حكومة ضيقة من حلفائه الطبيعيين، اي مع الحريديم والبيت اليهودي، وربما كاديما (شاؤول موفاز)، فتساوي 31+12+19+2 وتساوي 64 عضوا، مثل هذه الحكومة لن تلبي مطلب ذلك الصوت الهام الذي شكل مفاجئة الانتخابات، وهي لن تستطيع تمرير ميزانية تقليصات وحرمان الطبقات الفقيرة، وهي ستبدو في نظر العالم دينية متطرفة. ويبدو ان نتانياهو لا يستطيع التعايش مع هكذا حكومة امام العالم ولانه لا يستطيع التخلي عن حزب لبيد في حكومته، بينما يستطيع التخلي عن أي حزب آخر او يبحث له عن بديل. وهنا يجب ان نذكر ان حزب "البيت اليهودي" يتفق مع حزب "يش عتيد" في اجندته السياسة الداخلية، ويختلف معه قليلا في السياسة الخارجية.
نظريا ايضا، يمكن ان يشكل نتانياهو حكومة ضيقة من الليكود بيتنا، يش عتيد، البيت اليهودي، وكاديما (31+19+12+2) وتساوي 64عضوا، مثل هذا الحكومة يمكن ان تمرر الميزانية التي تتضمن تقليصات في الميزانية تطال الطبقات الفقيرة ولا تصيب الطبقة الوسطى، ويمكنها ايضا

انجاز قوانين تطال وتحد من النفوذ الديني للاحزاب الحريدية في حياة العائلة والمجتمع اليهوديين، كما يمكنها ان تنجز قانونا لتقاسم العبء الامني بين المتدينين والعلمانيين في الدولة وتغييرات في الاقتصاد لصالح الطبقة الوسطى والتخفيف من ازمة ارتفاع غلاء الشقق السكنية في تل ابيب ومدن المركز، وتغييرات اخرى في السياسة الداخلية. لكن مثل هذه الحكومة قد تواجه موقفا دوليا يتهمها بالتطرف اليميني ويحملها مسؤولية انعدام السلام وتجميد عملية التسوية في الشرق الاوسط. وقد تواجه بعد حين تهديدات داخلية.
في تصور آخر، يمكن ان يُضم الى التشكيلة المذكورة حزب شاس ويهدوت هتوراه (19)، وبذلك تصبح الحكومة 64+19 =83 وفي مثل هذه الحالة سيعمل نتانياهو مجسرا اجتماعيا بين لبيد ودرعي من ناحية، ومجسرا أمنيا بين لبيد ونفتالي بينيط من ناحية ثانية، وبذلك يبدو نتانياهو امام العالم والاسرائيليين انه يقود حزبا وسطيا وحكومة متوازنة دون ان يقدم أي تنازلات في السياسة الخارجية، بهذه الحكومة يستطيع نتانياهو ان يُضعف كل طرف من اطراف حكومتة بواسطة الطرف الآخر في حالة احتاج الى ذلك، أي انه لا يستطيع أي حزب ان يهدده بالخروج من الحكومة اذا لم يلب مطالبه، فأي حزب يخرج من الحكومة لا يلغي حفاظها على الغالبية في البرلمان. ويستطيع ان يمرر كل قرار بالاغلبية دون ان تفقد الحكومة توازنها.
بين كل هذه الاحتمالات يبدو لي ان حكومة التوازنات الواسعة هل التشكيلة التي يسعى اليها نتانياهو وهي التي تستطيع ان تأخذ قرارات معاكسة في المصلحة لأحد مركباتها دون ان يكون باستطاعته اسقاطها، وهي الحكومة التي تستطيع ان تدفع بالحلول الوسط في السياسة الداخلية.

التداعيات المرتقبة
ستبين الاسابيع القادمة، وحتى الاشهر القادمة، ان بيبي نتانياهو سيستمر بالحديث عن الخطر الخارجي، ولكنه في الحقيقة سيجد نفسه يتعامل فعليا بالسياسة الداخلية. لأنها القضايا الملحة التي اراد الجمهور الاسرائيلي ان يعالحها. منها الصراع العلماني الحريدي، ونفوذ الحريديم في حياة العائلة اليهودية، قضية تقاسم العبء العسكري بين العلمانيين والحريديم، واسعار المساكن للازواج الشابة في مركز البلاد، وتغيير طريقة الحكم ورفع نسبة الحسم، وقبل كل شيء، يجب ان تعالج قضية مركزية وملحة وهي تمرير ميزانية حكومتة القادمة، الميزانية التي تقصم ظهر الطبقات الفقيرة، وليس المتوسطة.

للذين يفكرون بالعلاقات الاسرائيلية الامريكية وكيف ستؤثر على تركيب الحكومة القادمة او كيف ستؤثر امريكا على الحكومة القادمة لدفع عملية التسوية، لا بد ان يتذكروا ان
اهتمام امريكا، اولا وقبل كل شيء، بقضاياها الداخلية وهي كثيرة.
ربما يكون الرئيس الامريكي مبتسما الآن لإضعاف نتانياهو، وفي سره يعلم ان أي رئيس حكومة آخر لن يستطيع التقدم في أي عملية سلمية حقيقية، لان جمهور "الليكود-بيتنا" ، رغم تراجعه،
وحزب البيت اليهودي، بسبب تعاظم قوته، سينزلون الى الشارع ويتحصنون في المستوطنات ولن يكون بإمكان أي حكومة أخرى تنفيذ قراراتها في السياسة الخارجية.

في مثل هذا السيناريو المتوقع، ستكون حكومة اسرائيل القادمة، كسابقتها، حكومة شلل سياسي، وبالتالي لن يكون امام القيادة الفلسطينية الا القيام بخطوات أحادية الجانب لفرض الدولة الفلسطينية في الواقع ، وبحدودها المعترف بها دوليا، ويفترض على الجميع تجهيز انفسهم ضمن خطة شاملة سياسية واقتصادية وأمنية وحتى إدارية، وذلك لن يحصل الا اذا كانت المصالحة أول الخطوات، مثل هذا البرنامج العملي يصلح لان يكون القاعدة المشتركة للمصالحة.

اليف صباغ
مدونة حيفا برس
البقيعة 24.1.13
حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

على مين يا بنيامين؟




في الجلسة الاختفالية للكنيست الجديدة  (19) أكد بنيامين نتانياهو أن، "الكنيست القادمة ستكون "مضطرة الى خفض مستوى غلاء المعيشة"،و"خلق مئات الاف فرص العمل". كيف يكون ذلك؟ خاصة وأنها مضطرة ايضا ان تقلص العجز في الميزانية الذي بلغ 40 مليارد شيكل. هل ستأخذ من اصحاب الملياردات؟ لقد شهد الاسبوع الاخير ارتفاعا في اسعار المحروقات والضريبة الاضافية  وسعر الكهرباء وحملة شعواء على اصحاب المصالح الصغيرة لجباية "مليارات الشواقل" من مستحقات ضريبة الدخل المخفية على السلطة كما يدعون. ربما نتيجة ذلك تغلق الاف المصالح الصغيرة ابوابها  ووووو ....هذه هي بشائر السياسة الاقتصادية الجديدة، مما يشير الى انه يكذب.

وقال: "سيتوجب على الكنيست سن قوانين لخفض أسعار السكن". كيف؟ ومن المستفيد من هذا؟ وكيف سيكون الخفض لصالح الطبقات الفقيرة والوسطى؟ وهل سيكون للمواطنين العرب أي حصة من هذا الاجراء وهم ليسوا من الذين يشترون مساكن في مركز البلاد؟ سنرى ذلك،  وعلى قول المثل: هذا الجندب وهذا الحيط!

في خطابه المذكور قال ايضا: "ستتخذ الكنيست قرارات لتقاسم العبء الامني بحيث لا يمزق الشعب"، وهي اشارة واضحة للاستعداد الى حلول وسط بين المتدينين والعلمانيين.  وهي، الكنيست، ستجري "تعديلات جدية في أسس طريقة الحكم".  كيف؟ وهل ستكون هذه الالتزامات عَلَفا ليائير لبيد لكي يدخل الائتلاف الحكومي فقط؟  وما هو الثمن الذي يدفعه لبيد للمتدينين مقابل ذلك؟ وكيف سبنعكس هذا على وضعية المواطنين العرب؟

في الحرب والسلم بدا بيبي وكأنه حمامة سلام،  "اسرائيل ستسعى الى السلام مع جيرانها" هالمرة صدقناك !!! ام ان هذا السعي الدائم كالمفاوضات اللانهاية، الى ابد الآبدين، دون نتيجة عملا بوصية شامير؟ لقد اكد ذلك نتانياهو حين اضاف، ان  "اسرائيل يجب ان تكون قوية وموحدة لتصنع السلام مع جيرانها، لا احد يصنع السلام مع جهة مفككة وضعيفة". وان "الأمن والسلام هي مهمات اساسية". ليس صدفة ان الامن يسبق السلام في صياغة موقف نتانياهو، نحن نعلم انه عندما تكون اسرائيل قوية لا احد يستطيع ان يجبرها للتقدم فيما يسمى عملية السلام، اي الانسحاب الى حدود العام 67، وهذا اقل مستحقات السلام. فلماذا هذا التضليل؟ وعلى مين الكذب يا بنيامين؟

 على مين؟ وانت تستفيد من القوة العسكرية والدعم الدولي لتعاظم العنجهية الاسرائيلية، فتستفز سوريا ولبنان بشن عمليات عدوانية متتالية عليهما؟ على مين؟ وانت تقوم بحملات اعتقال وحشية في الضفة الغربية، تشمل عضاء المجلس التشريعي الفلسطيني؟ على مين ؟ وانت تهدد وتستفز ولا تبالي باشعال حرب اقليمية شاملة، قد تتحول الى حرب عالمية؟ الا يكفيك كذبا وتضليلا؟

سيبقى بنيامين نتاياهو يردد هذا الموّال "السلامي"، طالما ان هناك عربا يعلنون عجزهم صباح مساء، فهل يصنع سلاما مع "جهة مفككة"؟ وسيبقى يردد هذا الموال طالما ان هناك عربانا يتمنون صداقته والتعاون، بل التحالف، مع اسرائيل ضد اشقائهم.
 

اليف صباغ

مدونة "حيفا برس"

البقيعة 5.2.13


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الأحد، 3 فبراير 2013

دعوة مفتوحة لمراجعة المسار


            

يخطئ من يعتقد ان فلسطينيي ال 48 قد تجاوبوا مع نداء جامعة النعاج العرب، او مع نداء صحيفة "هآرتس" لتكثيف المشاركة في التصويت للكنيست الصهيوني، فهبوا لرفع نسبة مشاركتهم. لقد اثبتت النتائج الرسمية ان نسبة التصويت لم تتعد 56% (بدل 53%) من اصحاب حق الانتخاب العرب، وهذه النسبة تضمن اكثر من 90 الف صوت عربي ذهب للاحزاب الصهيونية، وهم يساوون حوالي 22% من مجمل اصوات المشاركين العرب، ويتضمن ايضا نسبة تزييف عالية جدا وثّقها مراقبو الانتخابات بالصوت والصورة، ونشر بعضها مراقبون يهود في الصحف العبرية ايضا، ليس صدفة ان بلغت نسبة التصويت في احد الصناديق، وقد تم اختياره صدفة، الى 109% من عدد الناخبين المسجلين فيه، وفي صندوق ىخر بلغت 131% وقس على ذلك. لقد اغمضت الهيئات الرقابية الحكومية أعينها القانونية عن كل ذلك، لأن المهم  هو رفع نسبة التصويت لدى المواطنين العرب. لماذا؟

يخطئ من يعتقد ان فلسطينيي ال 48 يستطيعون الحصول على أي حقوق قومية، بصفتهم ابناء البلاد الاصليين، من خلال الكنيست الصهيوني، لأن الكنيست الصهيوني مكلف في أساسه وفي ايديولوجيته، كذراع تشريعي للمشروع الصهيوني، ان يصدر القوانين التي تحرم أبناء البلاد الاصليين من حقوقهم القومية، وهذا هو السبب الاساس لعدم إعتراف هذا البرلمان بالهوية الفلسطينية للمواطنين العرب وبحقوقهم القومية الاصلانية، وضمن ذلك حق أهالي النقب في أراضيهم، وإن كانت غير مسجلة في الطابو، هذا ما تتضمنه الوثيقة الاممية الخاصة بحقوق الشعوب الاصلانية. البرلمان الصهيوني لا يعترف بنا حتى بصفة اقلية قومية، وما زال يعمل لتفسيخ ابناء الشعب الواحد الى أقليات دينية وطائفية، وليس أكثر. أوليس الكنيست الصهيوني هو من شرع كل القوانين العنصرية وكل القوانين التي حرمتنا من بلادنا ومن أراضينا الخاصة؟ الكنيست في افضل حالاته هو المؤسسة التي يمكن من خلالها سن قوانين تحسن وتدافع عن الحقوق المدنية لكافة المواطنين، وربما من خلال ذلك يحظى فلسطينيو ال 48 بفتات المائدة التي يأكل منها المستوطنون اليهود في بلادنا، وتكفي مراجعة بسيطة للتأكيد انه لم ينجح النواب العرب في تمرير أي مشروع قانون لغاية اليوم يخدم مصلحة العرب وحدهم، بل يتم تبني مشاريع قوانين يقدمها النواب العرب فقط إن كان للغالبية اليهودية الحاكمة مصلحة فيها ايضا، ومن "ماء الورد يشرب العليق".

يخطئ من يعتقد ان توجيه أسهم اللوم والعتاب او الاتهامات التافهة، وحتى تحميل المسؤولية لمن قاطع هذه الانتخابات، انه يستطيع تغيير المسار، لان المقاطعة ليست موقفا فرديا، ولا هي كسل سياسي، ولا تململ او إحباط، بل هي مسيرة تاريخية تتجذر اكثر واكثر لمراجعة مسار تاريخي دام 64 عاما دون أن يجرؤ القياديون على اعادة تقييمه، وحال المنتفعون دون مراجعته ايضا. مسار مليئ بالتضحيات والانجازات التي لا يستطيع ان ينكرها أحد، ولكنه مليء بالاخفاقات ايضا ويحتاج الى وقفة تاريخية علمية وجريئة. لم نعد في سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، فقد تخطينا تلك المرحلة، لم يعد التصويت للكنيست وطلب الجنسية الاسرائيلية وسيلة لتفادي "الكب" أي الطرد من الوطن. لقد كنا آنذاك كالأيتام على مأدبة اللئام حقا، دون تواصل مع شعبنا وأمتنا، ولم تعرف أمتنا عن وجودنا اصلا. تٌركنا اطفالا فقراء يتامى لا نتجاوز 150 الفا، دون قيادة ودون مؤسسات وطنية، مهزومون حتى النخاع، استفردت بنا قوى الشر دون مؤسسات حقوقية محلية او دولية تدافع عنا، دون إعلام محلي او دولي، دون قيادة تجمع الشمل وتقوم بالحمل، دون كوادر اكاديمية ومهنية قادرة على شق الطريق الصعب، فكان تلك المرحلة هي مرحلة البقاء كما سماها السابقون ودفعنا خلالها ثمنا باهضا، فهل يصح اليوم ما كان صحيحا آنذاك؟

هذه هي الصورة الواقعية للحالة التي يعيشها النواب العرب في الكنيست الصهيوني، ومن هنا يتوجب على مجمل القوى السياسية في بلادنا ان تقف ولو مرة واحدة، بجرأة وواقعية، تقيم هذا العمل البرلماني من جديد، فهل نحتاج الى الكنيست لبناء هويتنا القومية؟ وهل نحتاج الى الكنيست للدفاع عن حقوق أهلنا في النقب وحقهم في أرضهم وفي قراهم المهددة بالهدم؟ وهل نحتاج الى الكنيست لنسمي شوارع مدننا بأسماء رموزنا الوطنية؟ وهل نحتاج الى الكنيست للدفاع عن حق أهلنا في القرى المهجرة للعودة الى قراهم؟ وهل نحتاج الى الكنيست للقيام بتخطيط بديل لقرانا ومدننا التي تنقصها الخرائط الهيكلية؟ وهل نحتاج الى الكنيست للاعتراف بشرعية وجودنا؟ ألم نعبر هذه المرحلة بعد؟

هذه دعوة مفتوحة لمناقشة الموضوع بكل جوانبه وتداعياته، وهي مبادرة لا نقرر فيها نتائج المناقشة قبل بدئها، فلكل منا رأي ابتدائي هذا صحيح وشرعي، ولكن المهم ان ننفتح على الاراء الاخرى، علنا نخرج سويا بموقف جمعي يعبر عن وجهتنا كشعب، الم يحن الوقت بعد لنتصرف كشعب مصلجته فوق مصلحة الافراد والاحزاب؟ وهل يوجد شعب في هذا العالم لا يتوقف بين الفترة والاخرى لتقييم مسيرته التاريخية؟

 

اليف صباغ

مدونة حيفا برس

البقيعة 3.2.13





حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .