الاثنين، 25 فبراير 2013

شموع النفط الجولاني

في ظل الدخان الكثيف الذي يلف الاجواء العربية، والسورية بشكل خاص، ويسمى بلغة النفط والدولار ربيعا عربيا، اصدرت دولة الاحتلال، أي اسرائيل، ممثلة بوزير الطاقة عوزي لاندو، قبل أيام،  ترخيصا لشركة امريكية بالتنقيب عن النفط في الجولان السوري المحتل. فهل يكون هذا الترخيص بداية لربيع آخر؟
لم يكن ذلك القرار ابن الساعة، بل  كانت حكومة اسرائيل، قبل اكثر من عقدين من الزمن، قد اوكلت طاقما من علماء الجيولوجيا للبحث عن الكنوز الطبيعية في الجولان، فاظهرت الدراسات ان الجولان السوري المحتل يحوي على كميات لا بأس بها من النفط والغاز، فبادرت الحكومة، آنذاك، لطرح مناقصة لشركات التنقيب عن النفط، ولكن رابين، رئيس الحكومة في تلك الفترة، أوقفها خشية اتهامه بعرقلة المفاوضات بين سوريا واسرائيل. في العام 1996 قام بيبي نتانياهو، عند استلامه رئاسة الحكومة، الى فتح ملف المناقصة من جديد، لكنه عاد وتوقف عن ذلك لاعتبارات لم يفسرها آنذاك، وبقى الملف في الادراج حتى الربيع من العام الماضي (2012)، حين اتخذ وزير الطاقة عوزي لاندو ( حزب ليبرمان) قرارا "سريا"، كما وصفته وكشفت عنه وسائل الاعلام العبرية آنذاك، لتحضير مناقصة للتنقيب عن النفط في الجولان فتقدمت لذلك شركتان فقط وفازت شركة "جيني" الامريكية بالمناقصة، ووفقا لتلك المناقصة قام الوزير، قبل ايام، بمنح الشركة ترخيصا للتنقيب عن النفط على النصف الجنوبي من الجولان المحتل، فهل هي بشائر الربيع الاسرائيلي القادم؟
تفيد  المعلومات المنشورة، ان شركة "جيني" التي حصلت على حق التنقيب عن النفط في الجولان السوري المحتل هي شركة  مسجلة في الولايات المتحدة، ويرأسها وزير البنى التحتية السابق في اسرائيل، إيفي إيتام، وهو ضابط كبير في جيش الاحتلال الاسرائيلي وهو مستوطن في الجولان ايضا، وينتمي الى حزب "المفدال" سابقا وهو حزب "البيت اليهودي"، اليوم، برئاسة نفتالي بينيط. ولكن ما يلفت الانتباه ليس فقط من يرأس الشركة، بل اسماء الشركاء البارزين فيها وعلى رأسهم ديك تشيني، نائب الرئيس بوش الابن، والملياردير اليهودي البريطاني جاكوف روتشيلد والمياردير، البريطاني ايضا، روبرت مردوخ.

                          موقف القانون الدولي من التنقيب عن النفط في الجولان
تمنع اتفاقيات هاغ، وخاصة في البند 55 من  الاتفاقية الرابعة،  كأحد مرجعيات القانون الدولي الذي يتناول صلاحيات وواجبات القوة المحتلة في المناطق التي احتلتها، سلطات الاحتلال من استغلال الموارد الطبيعية ومنها التنقيب عن النفط او الغاز في الجولان السوري المحتل.
صحيح ان اسرائيل ضمت الجولان المحتل للسيادة الاسرائيلية بموجب قانون خاص عام 1981 ، لكن أحدا في العالم، بما في ذلك رجال القانون الدولي في اسرائيل، لا يعترف بتلك السيادة، وبالتالي ما يزال القانون الدولي واتفاقيات هاغ ملزمة لاسرائيل كقوة محتلة للجولان. في قضايا مشابهة في الماضي، تناولها القاضي المتقاعد اهرون براك، رئيس المحكمة العاليا سابقا، واحد اهم رجال القضاء في تاريخ اسرائيل،  كتب، بأن " اتفاقيات هاغ تدور حول محورين أساسيين، أحدهما – تأمين الاحتياجات الأمنية للقوات العسكرية في المنطقة المحتلة، والآخر- تأمين حاجات السكان المحليين الذين وقعوا تحت الاحتلال في تلك المناطق". واضاف، "لا يجوز للحاكم العسكري الاخذ بعين الاعتبار المصالح القومية الاقتصادية او الاجتماعية لدولته، طالما ان ذلك لا يعكس الحاجة العسكرية او حاجات ومصلحة السكان المحليين الواقعين تحت الاحتلال".
هناك رأي آخر في اسرائيل يمثله بروفيسور يورام دنشطاين، وهو، كعادته، يُسوّغ للاحتلال الاسرائيل كل ما يفعله في المناطق المحتلة مدعيا ان اسرائيل، كقوة محتلة، تستطيع تعليل استثماراتها في الجولان بأنها "تعود بالفائدة على السكان المحليين". فكيف يكون ذلك؟ وما هو الدليل على ان ارباح ديك تشيني تعود بالفائدة على المواطنين السوريين في الجولان المحتل؟ مثل هذه التعليلات لا تصمد امام المحاكم الدولية، وأكبر إثبات على ذلك هي الدعوى القضائية التي قدمتها مصر ضد اسرائيل قبل سنة،  للمطالبة بتعويضات عن الاضرار التي لحقت بمصر خلال فترة الاحتلال، ووفقا للدعوى تطالب مصر اسرائيل بدفع تعويضات تقدر ب 480 مليارد دولار منهم  عشرات مليارات الدولارات مقابل سحب اسرائيل للنفط والغاز من سيناء.
                                                   الظروف والأهداف
اذن بالرغم من موقف القانون الدولي والتجربة التي مرت بها اسرائيل في سيناء، لماذا تصر على تحدي العالم والقانون الدولي وتصدر ترخيصا للتنقيب عن النفط في الجولان المحتل؟
لا يمكن الاجابة على هذا السؤال دون فهم "المنطق" الاسرائيلي. لقد صبرت مصر اكثر من ثلاثين عاما بعد اتفاق كامب ديفيد حتى اتخذت قرارها بتقديم دعوى تعويضات ضد اسرائيل، وقد يأخذ الامر عقودا اضافية حتى تنتهي القضية وعقودا اضافية حتى يستتب الحال في سوريا لتقدم أي دعوى ضد اسرائيل، وبالتالي فهي، في "المنطق" السياسي الاسرائيلي، فرصة تاريخية سانحة للربح والتطور حتى تأتي تلك الساعة ، ومن يدري؟ فقد لا تاتي!! ولكن كما ان الظروف مؤاتية كذلك التوقيت.
لقد جاء القرار الاسرائيلي المذكور في ظل ظروف عربية مؤاتية لاسرائيل ومعادية لسوريا، وفي ظل ازمة سوريا لا تسمح لها بالالتفات الى العدو الخارجي في حين ان بيتها الداخلي يشتعل، وربما لن يكون لها القدرة على ذلك لسنوات عديدة قادمة. لقد عبر عن ذلك رئيس الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية السابق، عاموس يدلين، في المؤتمر الاخير لمجلس الامن القومي في اسرائيل بقوله: " مهما كانت نتائج الازمة السورية، وبغض النظر ان بقي الاسد في رئاسة الدولة او جاء فرق آخر الى الحكم، فان سوريا لن تستطيع محاربة اسرائيل في العقد القادم، لانها ستكون منهكة وستلتفت الى شؤونها الداخلية لترمم ما هدمته الحرب". هذا الاستنتاج لا بد ان يقود المستثمرين والسياسيين الاسرائيليين الى انتهاز الفرصة وتحدي القانون الدولي للتطلع الى ربيع اسرائيلي قادم. تأكيدا لذلك اعلنت اسرائيل قبل اسبوعين ايضا انها تنوي اقتطاع جزء من الجولان السوري على جانبي خط وقف اطلاق النار، وبعرض 16 كيلومتر، لاقامة حزام امني تحسبا لاستمرار المعارك في سوريا، و"حماية" لمواطنيها من تداعيات تلك الحرب. هذا في الوقت الذي تعلن فيه تركيا انها تنوي اقتطاع جزء آخر من سوريا على حدودها ايضا.
اذن، تظن اسرائيل، كما تظن تركيا، وربما آخرون، ان الفرصة مؤاتية لاقتطاع اجزاء من سوريا، بعد ان فشلوا في تفكيكها الى دويلات، واستغلال ثرواتها الطبيعية دون حسيب او رقيب. والملفت للانتباه ايضا ان كل ذلك يحصل في ظل التحضير المكثف للزيارة التاريخية للرئيس الامريكي براك اوباما الى اسرائيل، وفي ظل جهود امريكية مكثفة في اوروبا للبحث في مستقبل السياسة الغربية في الشرق الاوسط بشكل عام وتجاه سوريا بشكل خاص، وجهود مكثفة لاقامة حكومة بديلة للمليشيات المسلحة في المناطق التي يمكن اقتطاعها من الحكم المركزي للنظام السوري، فتسيطر عليها هذه المليشيات برعاية اسرائيلية وتركية وأمريكية وربما بتمويل خليجي. إن زيارة اوباما الى اسرائيل، هي زيارة الى منطقة الشرق الاوسط، وقلبه، وفق العقيدة الامريكية، اسرائيل، وبالتالي، لن تكون زيارة عابرة، وتثبت الجهود الدبلوماسية والعسكرية التي تبذلها امريكا واسرائيل ومصر وتركيا وووو، انها تهدف الى ترتيب اوراق الولايات المتحدة مع حلفائها وادواتها في الشرق الاوسط من جديد، في حين لم يسقط من الاستراتيجية الامريكية هدف التخلص من الرئيس الاسد،  بصفته عقدة كأداء، كما كان والده المرحوم حافظ الاسد، امام المخططات الاستراتيجية والمصالح الامريكية الاسرائيلية في الشرق الاوسط. من هنا يمكن القول: ان اسرائيل بمجمل قراراتها، بما في ذلك الترخيص لسحب النفط من الجولان، انما تعبر بشكل مباشر وعملي عن رغبتها في حصة جوهرية من هذا الربيع، وهي تترك العشب الاخضر لتستمتع بها النعاج العربية على هواها.

اليف صباغ
مدونة حيفا برس
الجليل 24.2.2013

حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق