الأربعاء، 30 سبتمبر 2015

المناضل سعيد نفاع، النموذج القيادي


مساء امس لبى المئات من شرفاء شعبنا ، من النقب مرورا برامالله والمثلث والجليل، حتى الجولان السوري المحتل،نداء اللجنة الشعبية لتضامن مع المناضل سعيد نفاع، الذي ابى ان يعتذر للسلطات الاسرائيلية عن عمل انساني ووطني وقومي قام به في ظل "حصانته" البرلمانية التي لم تحمِه أمام المحاكم الصهيونية. ما قام به المناضل سعيد نفاع يتلخص في مساعدة ابناء شعبه "من جميع الطوائف" للتواصل الانساني مع اقربائهم، اخوتهم واخواتهم وامهاتهم وابنائهم في سوريا الام والحاضنة الوطنية الكبرى، كما ساعد رجال الدين الدروز للقيام بواجباتهم الدينية  وزيارة مقامات دينية لهم في سوريا، وهو حق لا يُنكر على المسلمين او المسيحيين كما لا ينكره أحد في الدنيا على اليهود، فلماذا اذن ينكر على الدروز هنا ويحاكم عليه نفاع ؟
لماذا نقول انه حوكم على جنحة التواصل وليس على جنحة أمنية، كما يدعي المروجون في الاعلام العبري وحتى العربي احيانا؟ و للاجابة على هذا السؤال، لا بد هنا من التذكير ان قرار المحكمة الاسرائيلية يتضمن تعليلا للخطر الامني من لقاء نفاع مع المناضل الفلسطيني طلال ناجي في وسريا، فيشير القاضي في قراره انه "ليس لديه دليل على خطر امني عيني" حصل خلال اللقاء بين المناضلين، ولكنه، يضيف، انه "كان من الممكن ان يحصل ذلك". وقد صدق نفاع حين شبه هذا التعليل بمشهد من مسرحية ضيعة تشرين، حين قال غوار الطوشة لرجل مر بجانبه: تعال وكل كف تعال!"، سأله الرجل المسكين، ولماذا؟  فماذا فعلت لك؟ رد غوار: "لانك دعست على خيالي". استغرب الرجل وقال له: ولكني كنت بعيدا عنك وخيالك في الجهة الاخرى"، فرد غوار قائلا: صحيح انت مريت بعيد بس لو كنت انا قاعد هناك، كنت راح تدعس على خيالي، اذن، تعال وكل كف". هكذا هي الحال في المحاكم الاسرائيلية وفي حالة نفاع بالذات. هذا يذكرني ايضا بالاعاءات الاسرائيلية بعد ان يقتل جنود الاحتلال شابا فلسطينيا بدم بارد يخرجون برواية تقول : لقد كان "ينوي"، "يخطط "او "يفكر" او "يقصد " ان يقوم بعملية  ضد جنودنا.  سبحان الله ، لقد اوحى لهم الله بما يخالج صدور الشباب الفلسطيني او يفترض انهم يفكرون به. هذا هو حالنا الذي لا بد من تذكره في المستقبل، بالضبط كما نذكر اليوم ما يسمى بقوانين "قراقوش" منذ أمد طويل.
نعم انه قرار سياسي مبني على افتراض وهمي في ذهن القاضي ومن يقف فوقه، لأن القاتل يتوهم دائما بان أحدا من دائرة الضحية لا بد ان يقوم عليه يوما فينتقم منه، وهي في الحقيقة ازمة القاتل وليست ازمة الضحية. انه قرار سياسي مناهض لكل حق او عرف انساني او طبيعي تحفظة القوانين والأعراف الدولية وحتى الاسرائيلية، ولكنها تحفظه لناس وناس وفق اعتبارات سياسية  فقط. وهو قرار خطير قد ينسحب على اي فلسطيني عند لقائه اقرباءه في اي مكان في العالم، فاذا كانت عضوية الكنيست لم تحم سعيد نفاع، فاي قوانين ستحمينا؟
لماذ سعيد نفاع، وليس غيره ممن دعموا او ساهموا في عملية التواصل؟ ولماذا التركيز على التواصل بين ابناء الطائفة المعروفية بالذات؟ وفي اعتقادي واعتقاد الكثيرين منا ان الجواب واضح وضوح الشمس في تموز. اليس التواصل هو ما يعزز الهوية المشتركة لابناء المذهب التوحيدي في سوريا ولبنان وفلسطين؟ اليس هذا التواصل هو ما يعزز الانتماء العربي المشترك لابناء الطائفة المعروفية، على حساب مشروع "القومية الدرزية" الذي عملت على انتاجه حكومات اسرائيل ورعته منذ ستين سنة ونيّف؟ الا يكفي هذا السبب لتتشابك ايدي السلطات القضائية والسياسية والأمنية للدفاع عن مشروعها الاصطناعي والفارط؟
في كل الاحوال، كان المهرجان سياسيا وحدويا، وطنيا وعروبيا، ولم يكن سعيد نفاع وحده كما كانوا يتمنون، ولم يكن سعيد نفاع هو المتهم والمُدان، بل كانت حكومة اسرائيل وسلطاتها الثلاث هي المتهمة والمدانة.
لم يكن سعيد نفاع خلال السنوات الاخيرة معزولا وخائفا من السجن، بل كان نموذجا للمناضل القائد، الذي يابى ان يتراجع عن عمل قام به بقناعة تامة، ابى ان يعتذر للحكام ولو كان الثمن هو السجن الفعلي، كان وما يزال نموذجا لكل من يرى نفسه قائدا في مجتمعه او قياديا بين ابناء شعبنا، فابن الجرمق، كما عرفته من ايام شبابنا الاولى، لم يترجل، ومن تخلى عنه فقد تخلى عن نفسه اولا.
اليف صباغ

البقيعة- 30/9/15


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الخميس، 9 يوليو 2015

في ذكرى اخي الاكبر الشاعر سميح صباغ

في ذكرى أخي الأكبر، الشاعر الراحل سميح صباغ


في مثل هذا اليوم قبل ثلاث وعشرين سنة، اي في التاسع من تموز 1992 كنت اقضي معه تلك الساعات الاخيرة من حياته في مستشفى "رمبام" في حيفا ، او مستشفى الدكتور حمزة كما دأب ان يذكرني.  انه اخي الاكبر وصديقي الافضل ،ومعلمي الاول دروس المواجهات الصعبة على طريق الحرية وحب الوطن. رحلتْ روحه عنا الى مكان آخر، ودفن جسده في اليوم التالي، ليرقد في قريته البقيعة حيثما تمنى واوصى، ولكن ذكراه باقية تحوم حولنا ما بقيت فلسطين تنبض بالحياة. وسيرته النيرة، النظيفة من كل شائبة وإن كثرت الانهر الملوثة في تلك الفترة وازدادت اكثر واكثر في ايامنا، ما تزال زيتا سوريا ينير الطريق .....رفض التزعم في الحزب واطلق على الظاهرة تسميه "البوسيزم" وهو يعلم ان الوقت مبكر لهذه المواجهة، وأن ذلك سيكلفه ثمنا، ومع ذلك لم يتراجع لانه كان على قناعة بصدق موقفه.
مذّاك، لا اصادف شخصا من معارفه واصدقائه ومحبيه الا وامتدح اخلاقه ومبدئيته وتضحياته ونظافة فلبه ويديه وحبه للناس عامة ولشعبه خاصة.. وكم من "زعيم" لا يذكره الناس الا ببطشه او دناءته او طول لسانه او جشعه للمال او الجاه المبتذل!!! أما نحن، فنكتفي بالسيرة الحسنة اجيالا واجيال..

سميح صباغ، الاخ الذي رعى اخوته واخواته صغارا، الشاعر الذي احب فاخلص، وكتب فأوجز وابدع، ورفع راية الوطن فطُرد من العمل وتشرد وتعذب. واجه المرض كما واجه السلطات، بعناد وأمل والتزام، لم ينحنِ يوما ولم يساوم ولم يقل آه الا للوطن.

حين ودعناه صلينا وقلنا: "ليكن ذكره مؤبدا".. وان مر على ذلك الموعد ثلاث وعشرون سنة. فكأننا ودعناه بالأمس القريب ....

ليكن ذكره مؤبدا..مع كل الشرفاء في هذا العالم.


من قصائده التي احب:

                                      أنت حبي وأنت عذابي
يا بلادَ اللظى والحِرابِ
يا بلادَ اللصوصِ،
ويا أرضَ شعبي، ويا زرع كفِّي
ووجهَ جدودي، أنتِ
ويا شيطناتِ الطفولةِ
ويا مهدَ حبي وبؤسَ شبابي
إن كرهتك حينًا فمعذرةً،
لستُ خائنْ
إنما قد كرهت ديارًا تقامُ
على أرض شعبي وتُبنى مدائنْ
إنني قد كرهت عبوديتي في مصانعهم
وانسحاقي وكبتي وقهري وموتي
وسُكناي قلبَ المغائر، حرمانيَ النورَ
نافذة العصر، مستقبلي
إنني أكرهُ الموتَ أعزلَ، في الصمتِ،
فلينتصبْ وجعي
ولتكنْ رايتي جسدي
ولتقاتل - إذا قتلوني -
قداسةُ حبِّي وطيفي وذكرى دمي، بَدَلي

يا بلادَ الشقا والضّياعْ
وأمانيَّ عمري الـمُضاعْ
أنت حبي وأنت عذابي
لِهواك مذاقُ التشرُّدِ والبعد، والجوعِ
شكلُ الرحيل ورائحةُ الأرض والدّمِ
طعمُ الطفولهْ

يا بلادي الجميلهْ.
                         ________________________________________



حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الاثنين، 1 يونيو 2015

رسالة مباشرة الى اخواني ورفاقي في الحركة الاسلامية...


"القدس للمسلمين وحدهم"، هل حقا؟
نشر موقع بانيت اليوم ، الأول من حزيران، خبرا يتحدث عن منع الشيخ كمال خطيب ، نائب رئيس الحركة الاسلامية، من دخول القدس وباحة المسجد الاقصى المبارك بالذات، وتضمن الخبر مقتبسات حرفية على لسان الشيخ خطيب يقول فيها: " إنها القدس عاصمتنا وانه الأقصى قبلتنا ، وأننا لن نساوم أبدا على وحدانية حقنا فيه". حتى هنا يحسب القارئ المتفائل ان الشيخ خطيب يقصد "وحدانية" الحق الفلسطيني، ولكن يبدو ان الشيخ لا يريد لهذا القارئ ان يستبشر خيرا فيستدرك بالقول:  "... وأن القدس ستكون، ليس عاصمة الدولة الفلسطينية، بل إنها ستكون عاصمة دولة الخلافة الإسلامية العالمية، وعند ذلك سترون من سيكون صاحب السيادة فيها، بل لمن ستكون السيادة في الدنيا كلها، وإن غدًا لناظره قريب". لا اخفي شعوري بالقلق من هذا التوجه الاقصائي، وهو يتكرر على لسان الشيخ خطيب، وتمنيت في قرارة نفسي ان يكون هذا موقفا شخصيا وفرديا للشيخ خطيب، وان اصدقائي في الحركة الاسلامية، وهم لا ينكرون العهدة العمرية كما لا ينكرون العهدة المحمدية/ النبوية، لا شك انهم لا يوافقون الشيخ خطيب حتى وإن صمتوا عن الكلام. وانهم يعون ما يمكن ان يترتب على هذه التصريحات من تداعيات في العلاقات المسيحية الاسلامية، وكيف يمكن ان تستخدمها المؤسسات الصهيونية هنا لتثير القلق لدى الشباب المسيحي الفلسطيني هنا، ودفعهم الى الحضن الاسرائيلي، المعادي لشعبنا بمسلميه ومسيحييه على حد سواء. وفي أوروبا وأمريكا لتكرس العداء للاسلام والمسلمين، ولتصف نفسها وكأنها هي المدافع عن المسيحيين. فهل هذا ما قصده وتمناه الشيخ كمال خطيب؟
تابعت قراءة الخبر وزاد من قلقي وخيبة أملي قراءة بيان الحركة الاسلامية بهذا الخصوص وهو يقول: " هنا نؤكد أنه حتى لو تم منع الشيخ كمال خطيب وغيره من القيادات والناشطين فإن مسيرة الخير والعطاء نحو القدس والأقصى لن تتوقف ولن تعترف لغير المسلمين بذرة تراب واحدة من تراب المسرى" . اذن ليس الشيخ خطيب وحده، بل الحركة الاسلامية رسميا ترى بان القدس هي حق للمسلمين وحدهم. فهل هذا يعني انه ليس للمسيحيين حق بذرة تراب من القدس؟ هل تنكر الحركة الاسلامية على المسيحيين الفلسطينيين حقهم المشترك في القدس سوية مع اخوانهم المسلمين؟   
يبدو ان نهج الاقصاء لم يعد مقتصرا على شيخ واحد، وصحيح انه ليس غريبا عن حركة الاخوان المسلمين عامة، ولكني كنت اعتقد دائما، أو ربما اتمنى، ان الحركة الاسلامية في الداخل الفلسطيني، وبسبب طبيعة النضال المشترك ضد العدو المشترك، والعلاقة الوطيدة مع مركبات الحركة الوطنية الفلسطينية، والعلاقات التي تربط بيننا في مسيرة نضال وتعاون مشتركين، تعي جيدا خصوصية المكان والحياة المشتركة في هذا الوطن المقدس، وتعي ان مثل هذه التصريحات تشكل مادة دسمة للعدو الصهيوني المتربص بنا دوما، وهي ارتداد عن العهدة العمرية كما هي ارتداد عن العهدة المحمدية ايضا. وليس هذا ما عهدناه فيكم.
وعليه فانني اعود واتمنى على اخواني في الحركة الاسلامية ان يعيدوا النظر في هذه التصريحات المقلقة، وان يصححوا ما يفسده متعصب، او متسرع دون قصد، كما اتمنى على القوى الوطنية الأخرى الا تضع الرؤوس في الرمال وتكتفي بالتأفف عن بعد، تحت شعار "لا تنشروا غسيلنا الوسخ" لأن الغسيل الوسخ لا بد ان يُزكم الأنوف ان لم يُغسل ويُنشر، وان عدونا يسمع هذا التأفف ايضا. ولا داعي للتذكير ان اكثر المدافعين عن الاقصى، من على كل منبر دولي، هو سيادة المطران عطالله حنا، فلا تفوته مناسبة للدفاع عن كنيسة القيامة إلا ويضيف اليها دفاعا مستميتا عن الاقصى المبارك، وهو مستمر في نهجه القومي والوطني بالرغم من شماتة الشامتين وتعصب المتعصبين.  وللتذكير ايضا، فان المسيحيين العرب لم يتحالفوا مع الافرنج في حملاتهم الدموية على شرقنا، بل عانوا من هذه الحملات أكثر مما عاني اخوانهم المسلمين، وقاتلوا ضد هؤلاء الغزاة  دفاعا عن اوطانهم ومقدساتهم ودفاعا عن القدس بالذات.
اليف صباغ

البقيعة 1 حزيران 2014



حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الاثنين، 25 مايو 2015

محاكمة اولمرت اشارة انهيار من الداخل ام حقنة تحصين؟


اصدرت المحكمة المركزية اليوم حكما بالسجن لمدة  8 اشهر على رئيس الحكومة الاسرائيلية السابق، اهود اولمرت، بتهمة خيانة الامانة وتلقي اموال من عناصر خارجية في مغلفات مغلقة، خلال عمله الرسمي في خدمة الدولة. يضاف هذا العقاب الى عقاب سابق اصدرته المحكمة المركزية ضد اولمرت بالسجن لمدة 6 سنوات بسبب تلقيه رشوة منذ كان يشغل منصب رئيس بلدية القدس . ومن المتوقع ان يستانف اولمرت الى المحكمة العليا على قرار الحكم الحالي كما استأنف على قرار الحكم السابق، ويكون القرار النهائي في القضيتين للمحكمة العليا خلال الاشهر القادمة.
قد يحلو لنا نحن العرب عامة والفلسطينيون خاصة، ان نردد القول: "اسرائيل تأكل نفسها وتنهار من الداخل" او نعلق بالقول: " لقد قامت هذه الدولة على الغش والخداع والرشوات والسرقة والاغتصاب، فلا عجب ان يكون رئيسها مغتصبا ورئيس حكومتها مرتشيا ووزيرها سارقا وووو". فنكتفي بهذه الاقول  انتشاءً أوانتظارا لانهيار دولة العدو، وكفي الله المؤمنين شر القتال..  ولكن السؤال الحقيقي الذي يجب ان يتوقف عنده كل عربي وكل فلسطيني بشكل خاص، هل تشكل هذه المحاكمات اشارات الى انهيارات من الداخل فعلا؟ ام انها حقنات تحصين لهذه الدولة؟
الجواب على هذا السؤال المهم لا يجوز ان يكون عشوائيا او مناسبا للتمنيات او متفقا مع المصلحة الذاتية.....واقصد: عشوائيا، اي دون تفكير وبحث وفحص نتائج وتداعيات هذه الاحكام التي تطال اكبر الرؤوس والرموز في هذه الدولة. ومناسبا للتمنيات، اي يعبر عن مشاعر وتمنيات طالما تمنيناها لمن اغتصب وطننا وقتل اطفالنا وهجّر أهلنا ..الخ.  ومتفقا مع المصلحة، تعني ان هناك شخصيات وقوى فاسدة ومفسدة في مجتمعاتنا العربية عامة، والفلسطينية خاصة، من الرأس وحتى اخمص القدمين، تخشى ان تقوم اي مؤسسة حقوقية او اعلامية او حكومية رسمية بفتح ملفات الفساد النتنة بهدف محاكمة السارقين والمهربين والمغتصبين واولئك الذين يبنون العمارات على حساب الفقراء او يقتطعونها من اموال الدعم التي يفترض ان تصل الى الفقراء والمحتاجين الذين ضحوا باغلى ما يملكون لاجل حرية هذا الشعب وهذا الوطن العزيز.
من هنا لا بد ان نستذكر ما نتشره بعض وسائل الاعلام، بخجل او بخوف احيانا، عن حالات التسيب القائمة في مجتمعاتنا السياسية، بلا حسيب ولا رقيب، وكان آخرها ما نشرته امارة قطر من تقرير عن المساعدات التي قدمتها الى السلطة الفلسطينية  خلال الاعام الماضي ولم يصل منه اكثر من 10% فاين ذهبت باقي الاموال؟ وهذا التقرير ليس الا واحدا من عشرات الفضائح...فمن يتابع هذه الفضيحة؟ وعشرات القضايا الاخرى؟ من يحقق؟ اين هي وسائل الاعلام، التي يفترض انها سلطة رابعة، تعبر عن مصالح الناس ورغباتها، هذه الوسائل التي يفترض ان تكون عين الشعب الساهرة وصوتها الهادر دون نفاق او محاباة!!
هنا ايضا لا بد من القول: مهما كانت المحاكمات لرموز دولة اسرائيل تدلل على اخلاقيات وسلوكيات من اغتصب وطننا وشرد شعبا وقتل ودمّر وضلّل العالم بالكذب المتواصل منذ قرن ونيف، الا انها، في المحصلة، تعكس قوة المؤسسة الحاكمة وتعبر عن وجود دولة فوق جميع المسؤولين مهما بلغت درجاتهم، وهي  تشكل عملية تنظيف وتطهير لقصبات المدافع والبنادق التي تطلق النار نحونا بشكل متواصل،  ولو تراكم هذا العفن في القصبات لارتدت النار على مطلقيها. انها عمليات جراحية احيانا لاستئصال الاورام الخبيثة وقد تطال العمليات اعضاء هامة في الجسم ايضا، انها في اقل التقديرات حقن لتحصين الجسم من تفشي الامراض المعدية والالتهابات القاتلة وهي مسؤولية كل فرد في موقعه وكل مؤسسة ومن يقف على رأسها. وما لم تقم مجتمعاتنا ومؤسساتنا الاعلامية والحقوقية والرسمية بمعاقبة من خان الامانة بين ظهرانينا، فلن تكون النتيجة الا على شكل ما نشهده اليوم في هذا العالم العربي الكبير ويصبح الفرق بين الحكام بما في ذلك الدواعش منهم كفارق الاسماء فيما بينها فقط.

اليف صباغ
البقيعة 25 ايار 2015

حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الجمعة، 15 مايو 2015

عشر ملاحظات حول حكومة نتانياهو الجديدة. وما العمل؟


دون ذكر التفاصيل، وهي معروفة للجميع، ولكن لا بد من أخذها بعين الاعتبار للوصول الى القضايا الجوهرية، ودون تكرار الكلام الذي يقول انها "حكومة يمين متطرف" وهو أمر معروف ولا حاجة للاشارة اليه مجددا، لا بد من ملاحظات ليست سريعة حول هذه الحكومة:
1.     انها الحكومة رقم 34  خلال سبع وستين عاما من عمر هذه الدولة، وهذا يعني ان لا استقرار لحكومات اسرائيل.  في حين يفترض ان تعمل الحكومة لمدة اربع سنوات، وفق القانون الاسرائيلي، فهي، بالمعدل، لا تُنهي سنتين من عمرها. وهذا المعدل يتناقص في العشرين سنة الأخيرة،  بكلمات اخرى ان الاستقرار السياسي في اسرائيل غير موجود..
2.     لا يختلف اثنان ان حكومة نتانياهو الاخيرة وُلِدت بعملية قيصرية بعد مسلسل طويل من الابتزازات، وجهود مضنية للتغلب على تناقض المصالح والمطالب، ومن ثم التجسير ما بين التناقضات على حساب ميزانية الدولة وحقوق الجمهور العام.
3.     ثلاث نقاط اساسية  عرضها بيبي نتانياهو في خطابه امام الكنيست: الحفاظ على أمن اسرائيل، "السعي" الى السلام (مما اضحك نواب المعارضة وخاصة النواب العرب) وتغيير طريقة الحكم. وفي حين تحدث عن النقطتين الاولى والثانية بجملتين بسيطتين، شدد وأطال الشرح عن ضرورة تغيير طريقة الحكم حتى تستطيع حكومته ان تعيش لمدة اربع سنوات.
4.     ان اي مراجعة لهويات الوزراء السياسية لا بد من ان تُقلِق كل مواطن في اسرائيل ،عربيا او يهوديا، الا من رأى بالسلام والديموقراطية والمساواه خطرا أمنيا على اسرائيل وهم كثر.
5.     لا يكفي ان نقول انها حكومة يمين متطرف، بل هي الحكومة الاكثر تطرفا في تاريخ اسرائيل، ولكنها مكشوفة ولا يوجد بها من يغطي عوراتها كما هو الحال في حكومات نتانياهو السابقات.
6.     انها حكومة تحالف ما بين قوى علمانية ( بالمفهوم النسبي طبعا) متطرفة سياسيا واقتصاديا، مع تيار "قومي- ديني" كما يسمونها في اسرائيل ، او التيار "الصهيوني المتدين" كما يسمونه في الحركة الصهيونية، ومع تيار يهودي متزمّت، غيبي، معادٍ للديموقراطية  وغير صهيوني، بمعنى انه معادٍ للتيار الصهيوني العلماني-اللبرالي، تجمعهم الطموح للسلطة لما فيها من منافع وخيرات لجماعاتهم المختلفة، والمتناقضة أحيانا، كما تجمعهم الايديولوجية العنصرية والاستعلاء، والشعور بالقوة والعظمة مقابل شعوب المنطقة، وعدم استعدادهم للقبول بالقانون الدولي أساسا لأي عملية تسوية. لغة القوة والابتزاز هي اللغة الوحيدة المتداولة في أروقتهم.
7.     من اهم ميزات هذه الحكومة، انها تعكس تحولات سياسية وفكرية للحركة الصهيونية، كما تعكس تحولات هامة في المجتمع الاسرائيلي، لا بد من الوقف عندها. من هذه التحولات، انتقال القيادة في الحركة الصهيونية من أيدي قوى كولونيالية، علمانية ، لبرالية الى حد ما، رأت بالتيار الصهيوني المتدين عاملا مساعدا، الى ايدي التيار الصهيوني- المتدين، الاستيطاني اساسا، قائدا للحركة، ويرى في القوى العلمانية خادما يتوجب عليه ان يكون أمينا. وهذا موضوع يحتاج الى توسع اكثر.
8.     بالمقابل،  قدم رئيس المعارضة خطابا مطولا ووعد وأكد "بحزم" ان المهمة الأساس، للمعارضة التي يقودها، هي إسقاط هذه الحكومة في اقرب فرصة. وهدد بأنه سيكون على رأس من يتصدى لأي محاولة حكومية للنيل من المحكمة العليا وصلاحياتها، كما حذر من المس بحقوق "الاقليات"، ولكنه،  كأجداده، رفض الاعتراف بالمواطنين العرب مجموعة قومية ، بل  "مسلمين ومسيحيين ودروز وبدو وشركس".
9.     لقد اثبتت التجربة لغالبية الحكومات في اسرائيل انها قد تقوم على الاجندة الخارجية، ولكنها تسقط على الاجندة الداخلية. أما هذه الحكومة فقد قامت على اجندة داخلية ولكنها  قابلة للسقوط على الاجندة الداخلية اولا، ولكنها قد تسقط على الاجندة الخارجية ايضا، لأن الشعب الفلسطيني على موعد قريب مع استحقاق دولي في مجلس الأمن، ولأن موضوع الحرب والسلام في الشرق الاوسط على كف نتانياهو.
10.                        تؤكد اقوال بيبي نتانياهو في الاجتماع الاول لحكومته الجديدة مساء امس، ان حكومته تشكل خطرا حقيقيا ومكشوفا على امكانية تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة. كما تؤكد تركيبة الحكومة وأجندتها الداخلية خطرا حقيقيا على ما تبقى من الديموقراطية وأي أمل في التقدم نحو المساواة للمواطنين العرب من خلال نضال برلماني ثبت عُقمه خلال عقود كثيرة مضت.
من هنا لا بد من ان نسأل، ما العمل؟ ماذا يتوجب على المؤسسلت والقوى الوطنية، من الاحزاب العربية الممثلة وغير الممثلة في الكنيست، ان يفعلوا لمواجهة هذه الحكومة؟ وما نيل الحقوق بالاحتجاج فقط. وماذا يتوجب على السلطة الفلسطينية ان تفعل في حين ان ابواب التسوية السلمية مغلقة بالكامل، رغم كل التنازلات المخزية التي قدمتها السلطة؟
الا تتوجب هذه التحديات عقد مؤتمر وطني جدي يستثني الزعامات العاجزة ، للاجابة على السؤال المطروح/ ما العمل ؟

اليف صباغ
البقيعة 15 ايار 2015












حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الاثنين، 4 مايو 2015

مناورات إسرائيلية بالذخيرة الحية داخل الاراضي الاردنية..ماذا يعني ذلك؟.

اجرت قوات الاحتلال الاسرائيلي الاسبوع الماضي مناورات واسعة في الاغوار الفلسطينية ، استخدمت خلالها نيران كثيفة من اسلحة متوسطة، ومعدات ثقيلة منها دبابات وجرافات وعملية تركيب جسور على ضفتي نهر الاردن، ضمن عملية مطاردة او عبور لنهر الاردن الى الضفة الاردنية مع مواصلة اطلاق النار، كل ذلك عرضته فضائية الجزيرة ولم تنكر اسرائيل كل ما حصل، ولكن الاهم في الامر ان الاردن لم يبلّغ مسبقا بهذه المناورات ولم يحتج ايضا على عبور القوات الاسرائيلية لنهر الاردن دون اذن من الطرف الاردني..هل حقا ان الاردن لم يبلغ؟ ام ان اسرائيل لم تعد تأخذ من الاردن اذنا حين تعبر النهر شرقا، ولماذا؟
ليس خفيا ان قوات الاحتلال تقوم بمناورتين كبيرتين سنويا في الاغوار الفلسطينية، ويعاني سكان الاغوار في كل مناورة من اضرار جسيمة، منها طرد السكان من اراضيهم ومصادرة مواشيهم وهدم منازلهم او كهوفهم التي يعيشون فيها، في منطقة الخليل بالذات. وليس خفيا ان احد اكبر الالوية الاسرائيلية يتدرب في معسكر "بكعوت" شمالي الاغوار الفلسطينية، وان هذا اللواء يشمل ستة كتائب، وهم اصغر الجنود سنا، ويتدربون على اشكال القتال كافة، وخاصة على القتال داخل المدن وما يسمى بحرب الشوارع وحرب العصابات،  وبعد الانتهاء من هذه التدريبات ينضم الجنود الى وحدات القتال المختلفة في الجيش الاسرائيلي. وهذا اللواء يشارك في المناورة المذكورة مشاركة اساسية ولكنه ليس وحده.
ويبدو من هذه المناورة الكبرى انها لا تستهدف الحالة الفلسطينية بقدر ما تستهدف الحالة الاردنية والعربية بشكل عام. لماذا؟
منذ سنة واكثر، تنشر وسائل اعلام اسرائيلية، نقلا عن مصادر عسكرية، تخوفات من تعاظم قوى داعش جنوبي  الاردن وخاصة في منطقة مَعان، وهذه التحذيرات ليست لمرة واحدة بل مستمرة وبدون انقطاع، ولكن ما زاد من التخوفات الاسرائيلية هو المحاولات الناجحة لتسلل اشخاص من الاردن في منطقة وادي عربة ودخولهم الى اسرائيل سرا، وقد فعل ذلك سبعة اشخاص خلال شهر آذار الماضي وتم القبض على اثنين منهم فقط، وتبين انهما تركيا الجنسية، اذ ادعيا انها دخلا البلاد "بحثا عن عمل"، وما تزال المخابرات الاسرائيلية، وفق المصادر الامنية، تحقق في الموضوع وتبحث عن المتسللين الآخرين. ولكن البحث الاهم، لدى الاجهزية الامنية، هو كيف تمكن هؤلاء من عبور الحدود في منطقة وادي عربة؟
تقول المصادر العسكرية ان -الشريط الحدودي، الاسرائيلي الاردني، يحتلف نوعيا عن الشريط الحدودي مع مصر او مع لبنان او سوريا، فهو شريط عادي لا يتضمن معدات متطورة مثل كاميرات مراقبة متطورة ، ولا انتشار مكثف لجنود الاحتلال، كما هو الحال على الحدود الاخرى، فقائد المجموعة العسكرية الحدودية مسؤول عن تأمين 70 كيلومترا على الحدود مع الاردن، مقارنة بسبعة كليومترات على الحدود الاخرى، ويفتقر الى المعدات الالكترونية وحتى الى نوعية الشريط الحدودي وعلوه وما الى ذلك، فكيف يمكن تامين الحدود في مثل هذه الحال؟
لا تخفي المصادر العسكرية ان اسرائيل اعتمدت خلال عشرات السنوات السابقة على حرس الحدود الاردنيين، فاقامت معهم ، ومع النظام علاقات واسعة وعميقة سرية، وبعضها ما يزال قائما بشكل سري ايضا، ومن خلال هذه العلاقات أمنت اسرائيل عدم تسلل اي شخص من الناحية الاردنية، وبالتالي فان تسلل الاشخاص السبعة على اربع دفعات خلال شهر واحد فقط، يعني انه لم يعد ممكنا الاتكال او الثقة بالاردنيين، خاصة وان احتضان "داعش"، وفق التقديرات الاسرائيلية، في تزايد مستمر خاصة في جنوبي الاردن. ومن هنا تتخوف اسرائيل ان يشكل "الدواعش" خطرا عليها من الجنوب في ظل احتضان شعبي وربما تهاون من قوات حرس الحدود الاردنية.
جاءت هذا المناورة الكبرى، ليس فقط تدريبا سنويا لقوات الاحتلال، بل جاءت أكبر واوسع من كل التدريبات التي سبقتها، وقد استخدم فيها عتادا وعمليات لم تستخدم في السابق، والاهم انها شملت عبورا بريا الى شرقي النهر ودون ابلاغ الطرف الاردني، بذلك فهل في ذلك رسالة الاردنيين؟
ان مراجعة بسيطة للتقديرات الاسرائيلية من خطر "داعش" المتنامي من الشرق، ومراجعة للدور الاردني في حراسة الحدود بين الماضي والحاضر، وللدور الاسرائيلي ضمن غرفة العمليات الاقليمية والدولية  ضد سوريا، ومركزها الاردن، قد يشير الى ان المناورات الاسرائيلية الاخيرة كانت جزءا من الدور الاقليميى لاسرائيل، وما تَنكر الاردن معرفتها بهذه المناورات حتى لا تكشف عن اهداف هذه المناورة. اما  اذا صح الخبر بان اسرائيل لم تبلغ الاردن بالمناورات، رغم عبور قواتها نهر الاردن الى الشرق، فيشير ذلك الى ان اسرائيل تبعث برسالة ضمنية الى الاردن مفادها، ان اسرائيل لم تعد تثق بالقوات الاردنية على الحدود، وان الدور الاردني التاريخي اصبح امام علامة سؤال كبرى.  اضافة الى ذلك ، فقد تتضمن الرسالة استهتارا باتفاقية وادي عربة، وعدم احترام للسيادة الاردنية. ولا غرابة  ان تشمل المناورة التالية خرقا للاجواء الاردنية ايضا، وقد يكون هذا الخرق حاصلا هذه الايام ايضا، من خلال طائرات استطلاع بدون طيار تجمع المعلومات، ولا تجرؤ السلطة الاردنية ان تعترض على ذلك. وقد تشمل هذه المناورة كل هذه الرسئل مجتمعة ايضا. ....هكذا تفهم اسرائيل طبيعة العلاقة مع الاردن.


اليف صباغ

4/5/2015



حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الأربعاء، 29 أبريل 2015

هل نحن على موعد مع حزيران جديد؟

      هل نحن على موعد مع حزيران جديد؟

اليف صباغ
نحو حرب اقليمية مدمرة أو تسوية اقليمية كبرى، وربما حرب تلحقها تسوية. ولكي تكون اسرائيل شريكا على طاولة التسوية الاقليمية، لا بد ان تكون شريكا في الحرب.
من صنعاء وعدن الى الجولان والقلمون، ولكن العيون والرسائل، في نهاية الأمر، موجهة الى طهران. هكذا يُنسَج التحالف الامني الاسرائيلي- السعودي. فهل ينجحون؟

                                                                  (1)
منذ ان تم الاعلان عن اتفاق المبادي بين ايران والدول 5+1 ، وتأكدت اسرائيل ان الامر قد قضي بانتظار التوقيع على الاتفاق مفصلا في نهاية حزيران من العام الجاري، اصبح الهدف الاسرائيلي المحدد هو بذل كل الجهود لتخريب امكانية  الوصول الى اتفاق نهائي بجوهره الحالي وتفاصيله المتوقعة، ومحاولة تضمين الاتفاق، اذا ما تم التوصل اليه ،  شروطا اسرائيلية- دولية تمنع ايران من "التدخل في الشأن الاقليمي"، ليبقى الشرق الاوسط مزرعة خصبة لإسرائيل وحدها تسرح وتمرح بها دون رقيب او حسيب. من هنا جاء العدوان السعودي المدعوم، "سنيا" ودوليا، على اليمن، غداة الاعلان عن الاتفاق المبدئي المذكور ثمرة للتنسيق الأمني والسياسي المشترك بين اسرائيل من ناحية، ومجموعة  "أهل السنة" من الملوك والرؤساء والأمراء والوزراء بقيادة العائلة السعودية.
دون الدخول في تفاصيل التخطيط والتنفيذ ومصالح القوى المشاركة في العدوان او التي تراجعت عن المشاركة به، يمكن القول ان احد الأهداف "الاقليمية"، المشتركة مع اسرائيل، لهذا العدوان، هو جر ايران الى تدخل عسكري في اليمن وتوريطها في حرب اقليمية جديدة تعطل اي اتفاق مع الدول 5+1 وخاصة مع  الولايات المتحدة. اما اذا تخلت ايران عن دعم الثورة اليمنية، الحوثية كما يحلو للاعلام تسميتها، فتصبح اليمن مزرعة للسعودية وحلفئها القدامى والجدد، ويتحول مضيق باب المندب والبحر الاحمر وساحل اليمن الجنوبي الى منطقة تنغِّص على ايران وعلى تحركات اسطولها التجاري والعسكري ايما تنغيص. وهذا يصب ايضا في المصلحة الاسرائيلية وقد يخرب  امكانية الوصول الى اتفاق نووى مع ايران. 
لم يمض شهر او اقل حتى اتضح فشل العدوان السعودي على الشعب اليمني، وكما خشيت اسرائيل من التورط في غزة بدخول عسكري بري، كذلك خشيت السعودية وحلفاؤها من الدخول في معركة برية مع الشعب اليمني وقواه المسلحة، واكتفت بقصف جوي مكثف  يرافقه اعلام مجد  ومكثف على نهج العدوان الاسرائيلي الاخير على قطاع غزة. لكن ذلك لم يكف فاستنجدت بحلفائها الدوليين وعلى رأسهم الويلات المتحدة وبريطانيا لتستصدر قرار سريعا في مجلس الأمن، تحت الفصل السابع، رقم 2216، تمنع بموجبه اي دوله من تقديم العون الى الشعب اليمني الذي يتعرض اطفاله ورجاله ونساؤه للموت اليومي، وتتعرض بنيته التحتية المدنية للتدمير، ويُعرض اي جهة تساعد هذا الشعب الى عقوبات دولية، واعتقد ان العين كانت على ايران، والهدف هو توريط ايران بعقوبات جديدة، في حالة رفع العقوبات السابقة عنها، وهذا هو هدف اسرائيلي بامتياز.
ليس صدفة ان الرئيس اوباما، بالرغم من الدعم غير المحدود الذي قدمه البيت الابيض للقرار 2216 ، الا ان اوباما، على ما يبدو، كان مدركا لاهداف العدوان البعيدة والمخفية، فأمر بسحب الاسطول الامريكي وابعاده عن السواحل اليمنية، لتدارك اي صدام مع الاسطول الإيراني، ولو بالخطأ، لأن اي صدام من هذا النوع، وفي هذا الوقت بالذات، سيصب في مصلحة الاهداف الاسرائيلية- السعودية، التي تعمل على منع اي تفاهم ايراني امريكي. وليس صدفة ان اوباما قد اعلن في اليوم التالي، ان على حلفائه في الخليج ان يعلموا بان الخطر الحقيقي على سلطتهم لا يأتي من ايران، بل من شعوبهم المقهورة والجيل الشاب الساخط عليهم. وأشار لاحقا ان في الشرق الاوسط دولتان اقليمتان، ويقصد بهما اسرائيل وايران، وبهذا اعترف بالدور الايراني الاقليمي، ودعا الجميع، بشكل غير مباشر،  للتعامل مع هذا الواقع. وقد يبدو للبعض، ايضا،  ان اوباما معجب بالتطور العلمي والتكنولوجي الذي وصلت اليه ايران، مقارنة بالتخلف الذي ما تزال تعاني منه انظمة الخليج حليفة امريكا. 

                                                            (2)
كل هذه التطورات، وحتمية الفشل السعودي- الاسرائيلي في تحقيق اهدافه من العدوان على اليمن وجر ايران الى صراع اقليمي جديد، لم يبشر هذا التحالف العجيب بالخير، بالمقابل يقوم الجيش العربي السوري وحلفائه بالتقدم في مواجهة عصابات التكفير على اشكالها وتعدد اسمائها، والاهم انه، مع حلفائه، يستعد لمعركة فاصلة في جبال القلمون ضد النصرة وشقيقاتها وداعميهم، قد تبدأ في الايام القريبة القادمة،  فكان لا بد من فتح جبهات اخرى، يمكن ان تستدرج ايران وهي الجبهة السورية، وهي بلا شك مهمات اسرائيلية.
يوم الاربعاء 23 نيسان قامت الطائرات الحربية الاسرائيلية بقصف مواقع سورية في جبال القلمون، كما شنت ليلة الجمعة 24 نيسان، غارات مشابهة على مواقع سورية في القلمون، وزعمت المصادر الاعلامية المروجة للاخبار، قناة الجزيرة، ان الطائرات الاسرائيلية استهدفت شاحنات "تنقل اسلحة ايرانية كاسرة للتوازن كانت متجهة مواقع حزب الله وسوريا في القلمون لاستخدامها ضد اسرائيل". وليس غريبا ولا جديدا ان الاعلام الخليجي هو من يصدر هذه الاخبار اولا وان الاعلام الاسرائيلي ينقل عنه !!. وفي يوم 26 نيسان ، زرعت مجموعة مقاومة سورية، وفق الزعم الاسرائيلي، الغاما ضد الجيش الاسرائيلي عند خط وقف اطلاق النار، (بينما تقول مصادر المقاومة ان المجموعة كانت في جولة استطلاعية)، مما "اضطر" سلاح الجو الاسرائيلي الى اطلاق صاروخ على افراد المجموعة فاستشهدوا جميعا. وفجر اليوم التالي، الاثنين 27 نيسان قصفت طائرات حربية اسرائيلية، للمرة الثالثة خلال اقل من اسبوع، مواقع سورية في القلمون..
وفي الوقت الذي اطلقت فيه قذائف من الجهة السورية باتجاه المستوطنات الاسرائيلية في الجولان، يوم الثلاثاء 28 نيسان، وفق  المصادر الاسرائيلية، التقى وفد سوري برئاسة وزير الدفاع مع وزير الدفاع الايران ومشاركة وفد عسكري من حزي الله للتشاور، وربما للتخطيط، حسب التوقعات الاسرائيلية، لكيفية الرد على اسرائيل في جبهة الجولان. وراقبت اسرائيل ذلك عن كثب مستعينة بمصالح خليجية كما تقول، لمعرفة نتائج هذا اللقاء.  وحلقت طائرات اسرائيلية فوق مزارع شبعا دعما لاعمال تمشيط واستطلاع قام بها الجيش الاسرائيلي خوفا من رد سوري او من حزب الله على الغارات الاسرائيلية.
في اليوم التالي، الاربعاء 29 نيسان 2015 ، أُطلِقت نيران اوتوماتيكية من الجهة السورية باٌتحاة قوات الاحتلال الاسرائيلي  بالقرب من القنيطرة في الجولان المحتل،  وتشكك جهات  اعلامية اسرائيلية، مرتبطة بالمخابرات، بان يكون هذه النيران قد اطلقت من جهات "لها مصلحة في  الانزلاق الى حرب".
من يراقب الاعلام الاسرائيلي الرسمي وتصريحات المسؤولين الكبار، قد يفهم وكان اسرائيل تقوم بإجراءات دفاعية على الجبهة الشمالية، وهذا ما تريد اسرائيل ان تروج له لأسباب داخلية، وكنهج اعلامي دائم.  "فيتمنى" وزير الحرب يعلون على حزب الله وسوريا ألا "يجرّوا" اسرائيل الى حرب لا تريدها، ويؤكد في الوقت ذاته، ان "الذراع الطويلة لاسرائيل سوف تصل الى كل من يهدد امنها"!!  وان هذا "الانزلاق" انما هو نتيجة لحرب يحضر لها المحور السوري- الايراني -حزب الله ضد اسرائيل !!! فتتحدث وسائل الاعلام الاسرائيلية عن تدهور الاوضاع على الحدود الشمالية  وكأنه بدأ بعد ان حاولت مجموعة سورية، دربها حزب الله، على حد زعمهم، يوم 26 نيسان ، زرع الغام ضد الجيش الاسرائيلي عند خط وقف اطلاق النار، (بينما تقول مصادر المقاومة ان المجموعة كانت في جولة استطلاعية)، مما "اضطر" سلاح الجو الاسرائيلي الى اطلاق صاروخ على افراد المجموعة فقتلهم جميعا. وبالمناسبة، لقد اشعلت هذه الحادثة ضوءا احمر لدى جهات امنية اسرائيلية، بسبب مشاركة مقاومين دروز ذوي اصول جولانية في هذه العملية، الامر الذي يشير، لدى الجهات الامنية الى تشكل جبهة مقاومة سورية "درزية" على حد قولهم في هضبة الجولان، بقيادة سورية ايرانية وحزب الله، وعبرت هذه الجهات، وفق موقع تيكدبكا، عن قلقها من انعكاسات ذلك على كيفية مشاركة جنود وضباط دروز في الجيش الاسرائيلي واستعداداتهم لمعارك مستقبلية متوقعة على هذه الجبهة.
 يتناسى الاعلام الاسرايلي، والمراسلون العسكريون بالذات، بتعليمات سياسية، ان الحكاية او التدهور لم يبدأ عند هذه الحادثة، بل سبق ذلك، اما اسباب هذا "الانزلاق"، كما يقول محرر موقع دبكا يعود الى أهداف اسرائيلية اولها العمل المثابر على تدمير مواقع الجيش السوري وقوات حزب الله في القلمون، وهو الامر الذي سيضعف القوات السورية ويزعزع استقرار النظام السوري. اضافة الى انه "يساعد المتمردين السوريين وعلى رأسهم جبهة النصرة المتماثل مع القاعدة" ومنع القوات السورية وحزب الله من سحق "النصرة" في القلمون وتحويل هذه الجبال الى منطقة تحت السيطرة الكاملة للسوريين وحزب الله وقد تستخدم ضد اسرائيل. يتوقع الاسرائيليون ان ايران لن تقف مكتوفة الايدي اذا شعرت ان تفقد هذه المناطق الاستراتيجية في سوريا، وعليه فمن المتوقع ان تتسع المواجهة لتشمل ايران. ويختم المحرر مقالته بالقول: "يمكن، ويجب الافتراض، ان اوباما، الذي نجح في الاسبوع الماضي منع صدام عسكري بحري مع ايران،  لن يرى هذا السيناريو بعين  الرضا، وبالتالي سيحاول تفعيل ضغط كبير على اسرائيل وطهران لوقف هذا التدهور قبل ان يخرج عن السيطرة ويتحول الى حرب لا يعرف مداها. في هذه الحالة تتوقع اسرائيل ان ايران لن توقع على الاتفاق النووي المتبلور بينها وبين الولايات المتحدة".

                                                            (3)
 وفق كل ما ورد اعلاه يمكن ان نرى التصعيد الاسرائيلي مكملا للتصعيد الخليجي ويهدف الى ما يلي:
1.       الدائرة الاولى وتهدف الى استعادة قواعد الاشتباك كما كانت عليه قبل عملية شبعا الأخيرة، وتطمح اسرائيل الى وضع تستطيع فيه ان تقصف وتضرب وتقلتل وتدمر ويكون الرد الوحيد هو "الاحتفاظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين"، وهذا ما غيره حزب الله في عملية شبعا الاخيرة بحث اصبح لكل عمل عسكري عملا معاكسا في الاتجاه ومساويا في القوة، الامر الذي لم تعتد اسرائيل عليه ولم تستطع ابتلاعه بعد.
2.       الدائرة الثانية وتهدف منها اسرائيل القيام "بواجباتها"، والمهام المنوطة بها، ضمن التنسيق الامني والعسكري، بين اسرائيل وحلفائها "السُّنَّة" في الحرب الدائرة لإسقاط سوريا او تمزيقها والتصدي "للخطر الايراني".
3.       اما الدائرة الثالثة فهي جر ايران الى حرب اقليمية على الارضي السورية، بعد ان فشلت محاولة جرها الى حرب اقيليمية على الاراضي اليمنية. وتعتقد دوائر سياسية في اسرائيل ان حربا اقليمية كهذه تكون ايران واسرائيل شريكتان فيها علنا ومباشرة، يعطي لاسرائيل الذريعة لضرب المشروع النووي الايراني من ناحية، ويعزز التعاون العسكري بين اسرائيل ودول الخليج من ناحية اخرى، والاهم انها تورط الامريكان،  رغما عن اوباما، في هذه الحرب الاقليمية، بحيث لا يسمح  بالتوقيع على اتفاق نووي مع ايران في حزيران المقبل الا بالخروج من هذه الحرب وتوابعها.
هذا كله قد يدخل المنطقة في حرب طويلة الامد، فتكون مدمرة بكل المقاييس وبكل الاتجاهات،  وقد اتنهي  بتسوية  اقليمية ورعاية دولية،  تكون اسرائيل، كما ايران، طرفا فيها. وتحلم هذه الدوائر الاسرائيلية ان يكون لاصطفاف "السني" الخليجي في الشرق الاوسط في الجهة الاسرائيلية، تكون يد اسرائيل هي الاعلى في هذه الحرب، فيتم طمس قضية فلسطين، وربما الجولان، وتستطيع ان تحقق استراتيجيا ما لم تستطع تحقيقه خلال عقود سبقت .
                              _________________________________
29/4/2015
  




حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

السبت، 25 أبريل 2015

النكبة والاستقلال حدثان لا يجتمعان

النكبة  والاستقلال حدثان لا يجتمعان
يبدو للبعيد ان النكبة حدث له موعد وتاريخ سنوي، وقد نوقشت في الماضي مسألة الموعد الافضل لإحياء ذكرى النكبة،  وليس صدفة ان اٌتّفِقَ ليكون في اليوم الذي تحتفل فيها الصهيونية بما يسمى "استقلال إسرائيل"، وذلك لتذكير الاسرائيليين اولا والعالم اجمع ان "استقلالهم" هو هو نكبتنا، وهو يعني احتلال فلسطين وليس مجرد إحتلال، بل تهجير واٌستعمار ايضا.
يسمونه استقلالا، ونسميه احتلالا. لماذا؟  لأن استقلال اي شعب يعني ان بلاده كانت واقعة تحت احتلال اجنبي، فانتفض الشعب وثار على محتليه، وطرهم، فحصل على استقلاله وسيادته داخل دولة تعبر عن حقه وسيادته في وطنه، ومن خلالها يبني هذا الشعب حاضره ومستقبله اسوة بباقي الشعوب. اما بلادنا فقد وقعت تحت احتلال اجنبي، او ما يسمى بالانتداب البريطاني، وأخذ هذا المحتل على عاتقه، بموجب قرار استعماري دولي، ان يساعد الحركة الصهيونية، كحركة استعمارية دولية، على اقامة بيت يهودي في فلسطين، اي ان يساعدها في استيطان اليهود لفلسطين على حساب أهلها الأصليين، وعندما قرر هذا المحتل ان ينسحب، حل مكانه المحتل الصهيوني الموعود، بقرار دولي استعماري ايضا، وبمساعدة من المحتل الأول، البريطاني. إذن، الحدث الحقيقي هو احتلال فلسطين على يد العصابات الصهيونية، وعند مراجعة الوثائق الصهيونية لا تجد الا تقارير تتحدث عن الحملات العسكرية "لاحتلال" المدن الفلسطينية، و"احتلال الجليل"، و"احتلال النقب"، فلماذا يتوقعون منا ان نسمي ذلك "تحريرا" ؟!
ليس احتلالا وحسب، بل إن تهجير أهل فلسطين الأصليين وهدم قراهم ومدنهم، والمجازر التي ارتكبت بحقهم على ايدي هذه العصابات، ومنعهم من العودة الى ديارهم، واستمرار عيش الفلسطينيين في مخيمات اللجوء اللإنسانية لمدة 67 عاما، بدلاً من بيوتهم التي تركوها عامرة في قرى ومدن فلسطين إذ هُجّروا منها، والتشرّد في عشرات البلدان العربية، وغير العربية، هو النكبة بذاتها. يزداد هول الكارثة / النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني منذ عام 48 وحتى يومنا هذا ، بمحاولة مستمرة من غالبية الدول العظمى، لالغاء الحق الفلسطيني بالرغم من قناعة شعوب العالم وغالبية حكوماتها بحق الفلسطينيين في وطنهم، وحقهم في النضال من اجل التحرير والعودة بكل الوسائل المتوفرة لهم. ليس هذا فحسب، بل تعمل الحركة الصهيونية يوميا، وعلى مدار اكثر من 67 سنة، هي ومن تحالف معها، ومن خلال وسائل الاعلام الدولية والمحلية، وكافة مؤسسات صياغة الوعي الإنساني، على طمس الهوية الوطنية الفلسطينية في محاولة تاريخية لتحقيق مقولة هرتسل ان "فلسطين أرض بلا شعب يستحقها شعب بلا ارض"، ولكن هيهات!
النكبة أكثر هولاً من احتلال الوطن ومصادرة الارض، لانها تعني ايضا سرقة المكتبة والوثيقة الشخصية، وسرقة الماضي والتراث والتاريخ، وأسماء الأماكن في الجغرافيا الوطنية، وتزوير الحقائق التاريخية وإحلال الاسطورة والرواية المصطنعة بدلا من الحقائق، وفق مقولتهم المشهورة: "لا تَدَعوا الحقائق تُفسد الرواية".  النكبة اكبر واقسى من الاحتلال، لأنها عملية قهر واغتصاب مستمرة جيلا بعد جيل، لأنها تعني، فوق كل ما ذُكِر، مصادرة الحق في الرواية التاريخية لشعب حُرم من كل حقوقه المذكورة وأكثر، ولكن هيهات.. !   فهذا الجزء من الشعب الفلسطيني، الصامد في وطنه رغم كل شيء، وهو الاكثر معرفة بحقيقة الايديولوجيا والنهج السياسي الصهيوني في الممارسة، هو هو، الذي يقض مضاجع الصهيونية، لانه يعيش النكبة يوميا كباقي ابناء شعبه، وفي كل نواحي حياته، وليس في يوم إحياء الذكرى فقط، وهو بذلك يجعل حكام اسرائيل يرون امكانية تحقيق احلامهم أشبه بالمستحيل، وعليه، فهم يشعرون بان "استقلالهم" وحتى بقاء دولتهم، مشروط بعدة شروط، وأولها انتهاء النكبة وانتهاء الاحتلال. لن يستطيع المحتل ان يحتفل "باستقلاله" وهو يدرك انه يحتل وطن شعب آخر ما يزال حيا وطامحا في العودة والتحرر وإنهاء المعاناة والنكبة المستمرة. من هنا، لا تعايش بين النكبة المستمرة  و"الاستقلال" المزعوم، كما انه لا يمكن تسمية الاحتلال تحريرا، والاحتفال "بالإستقلال" على ارض مسلوبة وعلى حساب شعب طرد من وطنه وما يزال.
يحلم الصهاينة بأن يكف الفلسطينيون عن احياء ذكرى احتلال وطنهم فلسطين، ذكرى النكبة المستمرة، ويحلم الفلسطينيون ايضا بانهاء الاحتلال والكف عن احياء ذكرى النكبة ايضا، ولكن ذلك لن يتم الا بغياب يوم "الاستقلال" ايضا.  لقد وُلِدا سويٍّا، توأمان متلاصقان، ولن يموت الاول حتى يموت الثاني، وموت الثاني مشروط بموت الأول.

اليف صباغ
البقيعة 24 نيسان 2015   






حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الجمعة، 20 مارس 2015

تلخيص 1 الانتخابات للكنيست 2015

   مفاجئة الانتخابات الإسرائيلية. مَن صَنَعها؟ وكيف؟

ككل انتخابات اسرائيلية، خلال العقدين الأخيرين بالذات، هناك مفاجئة  في النتائج النهائية، وهي الفارق الكبير بين ما تقدمه استطلاعات الرأي العام  للجمهور وما بين النتائج الحقيقية بعد انتهاء فرز وإحصاء الأصوات. فما هي الأسباب لتكرار المفاجئة مرة تلو الاخرى؟ وما هو سر المفاجئة في الانتخابات الأخيرة؟
للإجابة على هذه الأسئلة، لا بد من التنويه ان التحليل السياسي لا يأتي بالتنبؤ وإنما بالاعتماد على معطيات جارية، إضافة الى معطيات أساسية في فهم الواقع المجتمعي وسلوكياته، ولا بد من الاعتراف أن جميع المحللين السياسيين قد أخطأوا التقدير، بالرغم من ظهور بوادر المفاجئة عند صدور نتائج صناديق العيّنة التي تنشر عند الساعة العاشرة ليلا، اي بعد انتهاء عملية التصويت، وذلك لأنهم اعتمدوا على المعطيات الجارية دون الالتفات الى ميزات المجتمع الاسرائيلي وسلوكياته والدوافع التي يمكن ان تحركه. ومن منا يستطيع ان يعترض على المعطيات الجارية؟
لفهم ما حصل، ويمكن ان يحصل في المستقبل، لا بد من الاشارة الى حقيقتين هامتين، الاولى ان القانون يمنع نشر نتائج الاستطلاعات في الأيام الثلاثة الأخيرة قبل الانتخابات، اي ان الاستطلاعات الاخيرة التي سمح بنشرها كانت قد اجريت حتى يوم الجمعة 13 آذار 2015 ،  وما حدث بعد ذلك التاريخ كان له تأثير كبير على النتائج الفعلية، المختلفة عما اوردته لنا الاستطلاعات المنشورة. والحقيقة الثانية، ان التصويت في صناديق العيّنة  في يوم الانتخابات نفسه، تنتهي عند الساعة الثامنة مساء، اي قبل ساعتين من اغلاق الصناديق الحقيقية،  وبالتالي قد يحدث تحرك خاص في الساعتين الأخيرتين، وهو عادة ما يحدث لدى المترددين، مما يؤثر على النتائج النهائية بشكل غير متوقع. مع ذلك، لا بد من الاشارة الى حقيقة ثالثة، وهي ان مراكز الابحاث تستمر في إجراء الاستطلاعات خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، وتتسرب نتائجها فعليا الى الاحزاب والصحفيين والمحللين السياسيين، حتى لو منعوا قانونيا من نشرها، وهذا حصل ايضا.
إذن، دعونا نعود لنتذكر ماذا كان الحال مساء الجمعة؟ وماذا حدث في الأيام الثلاثة الأخيرة قبل الإنتخابات، وكيف أثر ذلك على الاستطلاعات الداخلية وعلى النتائج النهائية؟
اظهرت نتائج غالبية الاستطلاعات التي أجريت يوم الجمعة تفوقا للمعسكر الصهيوني بفارق 4 اعضاء، هذا الفارق الذي استمر خلال الاسبوع الأخير، وقد غاب فيه بيبي نتانياهو عن مواجهة وسائل الاعلام على غير عادته. وأظهرت الاستطلاعات ان قائمة موشيه كحلون قد تكسب ما يقارب عشرة مقاعد، وان قائمة نفتالي بينيط ( البيت اليهودي) قد تحصل على 12 مقعدا في الكنيست  .... الخ
مساء السبت، 14 آذار، أجرى معسكر اليمين مهرجانا جماهيريا كبيرا في ميدان رابين بالذات، وفي قلب مدينة تل ابيب بالذات، معقل المعسكر الصهيوني وحلفائه، خطب فيه نتانياهو بعد غياب، وأعلن ان خطاب بار ايلان الذي اعترف فيه بحق الشعب الفلسطيني باقامة دولته الى جانب اسرائيل لم يعد ساري المفعول، وبدا واضحا انه استطاع رفع معنويات مؤيديه، معتمدا ايضا على معطى هام رافق عمليات الاستطلاع ومضمونه ان 48% من الجمهور الاسرائيلي يرى به أفضل مرشح لرئاسة الحكومة بينما لم يحصل هرتسوغ، في افضل استطلاع، على اكثر من 28% .. هذه الحقيقة وضعها نتانياهو بقوة أمام مؤيديه عامة وطالبهم بالخروج والتصويت لليكود لسد الفجوة بينه وبين المعسكر الصهيوني وتحقيق رغبتهم بان يكون هو رئيسا للحكومة القادمة. لقد ظهرت نتائج هذا التوجه الاعلامي الهجومي لنتانياهو في الاستطلاعات الداخلية، التي أجريت مساء السبت ويوم الأحد ، وسُرّبت الى المهتمين دون نشرها، وأشارت الى ارتفاع التأييد لليكود.
هذا الارتفاع شجع نتانياهو ان يستمر في الهجوم الاعلامي، وزاد من لقاءاته مع وسائل الاعلام الاسرائيلية، وشدد على ابراز وتكرار هذا المعطى الهام، وحذر مؤيديه المترددين من ان "اليسار" وبدعم خارجي، يريد الاستيلاء على السلطة، لكي ينسحب من الضفة ويزيل مستوطنات يسكنها غالبية يمينية من علمانيين ومتدينين، وانهم سيقيمون دولة فلسطينية "تكون في ايدي الحركات الاسلامية التي تشكل خطرا على اسرائيل". واضاف نتانياهو، ان الواقع الشرق اوسطي، اي عدم استقرار اي نظام عربي، لا يسمح بتوقيع اتفاقية سلام ولا يسمح بانسحاب من اي منطقة يحتلها الجيش الاسرائيلي لان ذلك يعني استيلاء الحركات الاسلامية الداعشية عليها.  لقد لعب هذا التخويف دورا اضافيا في تحشيد الرأي العام اليميني، بما في ذلك جهات كانت مترددة، لتتحرك في صالح نتانياهو.
اضافة الى ذلك، عمل نتانياهو في اليومين الاخيرين على طمأنة الشرائح الضعيفة اقتصاديا وأهمها المصوتين الشرقيين، بأن دعا موشيه كحلون الى حكومته القادمة، معلنا استعداده لمنحه وزارة المالية، لتحقيق اجندته الاجتماعية لصالح الطبقات الفقيرة. وبهذا يكون نتانياهو قد نجح بالعزف على الوتر الاجتماعي كما نجح بالعزف على الوتر الأمني، وهما الوتران الهامان في الأجندة الانتخابية الاسرائيلية .
بيبي نتانياهو لم يكتف بذلك بل أصر على طمأنة المستوطنين، الذي يرون بنفتالي بينيط ممثلهم، ليس فقط بالغاء خطاب بار ايلان من رؤيته السياسية المستقبلية، بل بتقديم الوعود  لهم بان يكون الهاتف الاول، بعد فوزه بالانتخابات، الى نفتالي بينيط ليكون حليفه الطبيعي،  ونفى بذلك اي امكانية لتشكيل حكومة وحدة "قومية" مع المعسكر الصهيوني، الامر الذي كان يخشاه المستوطنون. كل هذه الوعود، ومع  تسرب الاخبار عن سد الفجوة بين الفريقين، زادت من ثقة اليمين بانتصاره، واخرجتهم من حالة القنوط التي تسربت الى صفوفهم في خلال الاسبوع الاخير، خاصة وان الاستطلاعات، غير المنشورة، عشية الانتخابات قد اشرت الى حقيقة سد الفجوة  وتفوق الليكود احيانا.
الى ذلك صعد نتانياهو حملته بالتخويف من سيطرة "اليسار، بمساعدة العرب"، على الحكم، وما يمكن ان يشكله ذلك من خطر على المشروع الاستيطاني، وعلى "المعسكر القومي" بشكل عام، بل آثر التحريض العنصري يوم الانتخابات بالذات، وفي ساعات ما بعد الظهر حتى الساعة الاخيرة، وقد ارسل مئات آلاف الرسائل النصية عبر الهواتف النقالة، الى الناخبين الاسرائيليين، حيثما وجدوا، يقول فيها: " ان منظمة حماس تدعو العرب الى التصويت بكثافة ضدنا" وان "ابومازن يرسل المصوتين العرب بالباصات الى صناديق الاقتراع، ليسقط "المعكسر القومي". وأخذ نتانياهو يتوجه الى المترددين ويحثهم على الخروج للتصويت لليكود ولصد "الهجوم العربي". "العرب يتقاطرون بالباصات الى صناديق الاقتراع ليأخذوا منكم السلطة". هذا التحريض العنصري على المواطنين العرب وفي المدن المختلطة والكبرى بالذات، حرك مشاعر الكراهية لدى المهاجرين الروس الذين تركوا ليبرمان بسبب ملفات الفساد ووقفوا جانبا مترددين حتى اللحظة الأخيرة، كما حرك اوساط عنصرية مختلفة للتحرك وزيادة نسبة التصويت عامة ولصالح الليكود خاصة. وقد اشار عدد من المستطلعين الى نتائج هذا التحرك لاحقا، فقالوا ان 26% من المصوتين اتخذوا قرارهم في اليوم الأخير وخلال يوم الانتخابات بالذات، وهنا تكمن المفاحئة. هؤلاء لم تؤخذ آراءهم في استطلاعات الرأي العام حتى مساء الجمعة، وهي الاستطلاعات التي اشارت الى تفوق المعسكر الصهيوني بفارق 4 اعضاء.
هل حصل التغيير في الارياف الشرقية ، كما يدعون، أم في المدن الكبرى؟
لا شك ان الأرياف الشرقية هي قاعدة جاهزة تاريخيا لليكود، ولكن اين تكمن المفاجئة؟ من هم الذين تحركوا في اللحظة الاخيرة  ومن اين جاءوا؟
بعد مراجعة دقيقة أجريتها لنتائج التصويت في أكبر 13 مدينة اسرائيلية،  ( القدس ، تل ابيب، حيفا، ريشون لتسيون، اشدود، بيتح تكفا، بئر السبع، نتانيا، حولون، عكا، اريئل، اشكلون، سديروت)، بين انتخابات 2013 وانتخابات 2015 ، تبين لي ان نسبة التصويت في كل هذه المدن (كلها على الاطلاق) ارتفعت بين 2%-8% وهذه النسبة في المدن الكبرى، حيث يعيش اكثر من 60% من مجموع السكان، تعني الكثير الكثير، مما يفسر ارتفاع نسبة التصويت في اسرائيل عامة من 68% عام 2013 الى 72% اليوم.
في مراجعة اضافية ودقيقة لنسبة التصويت الى الليكود واسرائيل بيتنا (ليبرمان)  والبيت اليهودي (بينيت) في هذه المدن بالذات، ومقارنة هذه النتائج مع ما حصلت عليه هذه الاحزاب الثلاثة عام 2013 -هليكود بيتينو( تحالف ليبرمان مع نتانياهو)، والبيت اليهودي، نجد ان من هرب من ليبرمان او جلس جانبا بسبب ملفات الفساد،  قد تحول الى الليكود بالكامل، يعني ما فقده ليبرمان وهو خمسة اعضاء كنيست قد كسبه الليكود، ونجد ايضا ان البيت اليهودي قد خسر من اصواته في كل هذه المدن لصالح الليكود، وانخفض من 12 عضوا، بموجب الأستطلاعات العلنية الاخيرة الى 8 اعضاء في النتائج النهائية. هذه الاصوات تحولت في الايام الثلاثة الاخيرة الى الليكود.
الخلاصة
لقد لعب التحريض العنصري على المواطنين العرب في اليوم الأخير دورا هاما في تحريك مكامن العنصرية والكراهية للعرب بالذات، ولعب التخويف من فقدان السلطة واستعداد "اليسار" للانسحاب من المناطق المحتلة، حيث ستسيطر حماس او حركات اسلامية متطرفة، دورا مفصليا في اليومين الأخيرين، تضافة الى التأكيد بأن امكانية التسوية حتى مع الدول العربية الخليجية هو وهم بسبب عدم الاستقرار في هذه البلدان، كل هذه العوامل سويا وأخرى شكلت محفزات لدي المترددين بان يخرجوا للإدلاء بأصواتهم ، وبطبيعة الحال سيصوتون لمن اقنعهم في اللحظة الاخيرة.
الى ذلك، نفهم من المعطيات الانفة الذكر، ان فارق الاصوات التي حصل عليها الليكود بين استطلاعات الرأي العام والنتائج الحقيقية جاءت ممن تركوا صفوف ليبرمان والتزموا الحياد في فترة استطلاعات الرأي العام المنشورة، ولكنهم عادوا الى الليكود في اللحظة الأخيرة، كذلك فعل اولئك الذين تركوا نفتالي بينيت في اللحظة الأخيرة وتوجهوا لدعم بيبي نتانياهو. واذا ما اضفنا الى ذلك الارتفاع في نسبة التصويت في المدن الكبرى، كما ذكرت اعلاه،  وبالذات في مدن الجنوب التي طالتها صواريخ المقاومة الفلسطينية في العدوان الأخير على غزة، وقد بلغت الزيادة نسبة 6% بالمعدل، نستطيع ان نفهم الأمر مصدر المفاجئة التي لم يتوقعها أحد، ولكل انتخابات مفاجئتها الخاصة.

اليف صباغ

البقيعة 20 آذار 2015




حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .