الجمعة، 23 مارس 2018


           نزعات "إخوانجية" في الكنيسة الأرثوذكسية !


في أجواء المرحلة الراهنة من الصراع بين الكنيسة المقدسية الارثوذكسية والطغمة اليونانية، تبرز بعض النزعات الغريبة على كنيستنا وقيمنا، ولكن، كي لا نندم في المستقبل، لا بد من الإشارة اليها، والتحذير من عواقبها، ولو على عجالة، والعمل على اقتلاعها قبل ان تمد جذورها عميقا في النفوس الضعيفة.
التكفير والاتهام بالإلحاد
منذ انطلاق الموجة الحالية من نضالنا الطويل ضد الاستبداد اليوناني، نشهد خلطاً مقصودا بين مصطلحين أساسيين في حياتنا، بين مفهوم "الكنيسة"، وهي مجموع المؤمنين بموجب التعريف الكنسي، ومفهوم "البطريركية"، وهي الهيئة الإدارية للكنيسة. وعليه، فكلما وجهنا النقد او الإتّهامات الى البطريركية اليونانية، وكشفنا عورات أعضائها، ادعت الابواق المأجورة بأننا نهاجم الكنيسة. وإذا ما وصفنا المجمع اليوناني بمجمع "اللصوص"، لأن شغله الشاغل هو تسريب الأوقاف ونهب مقدرات كنيستنا، اتهمَنا البعض بأننا نعتدي على أبناء الكنيسة جميعا، حتى وصل بهم الأمر الى اتهامنا بمعاداة الكنيسة والعقيدة، واتهامنا بالهرطقة والإلحاد، مع الإشارة الى ان بعضنا لا يشارك في الصلاة والصيام! لم تقتصر هذه الاتهامات على نشطاء الحراك الوطني الأرثوذكسي، بل طالت اوساطا أخرى، وفي الأيام الأخيرة تسمع أصوات تطالب بمنع فلان او علان ، او مجموعة ما، من حمل الصليب  خلال صلاة خميس الأسرار، بحجة انه، أو انهم، "لا يصومون" أو"لا يشاركون في الصلاة"... و ما الى ذلك. هل يمكن ان يُفهم هذا النهج المدعوم من ثيوفيلوس وأعوانه من الكهنة، الا تكفيرا على نهج الإخوان المسلمين ؟
تقديس الشخصية
تأكيدا على ان الأمر نهج وليس قولا عابرا، نشير ان الطلقة الأولى لهذا النهج كانت في المؤتمر الصحفي الذي عقده ثيوفيلوس في عمان يوم 12 آب 2017 وكان الأرشمندريت خريستوفوروس متحدثا باسمه، فوصفه ب"خليفة صفرونيوس ويعقوب أخ الرب" وان قدسيته تأتي من "حلول الروح القدس عليه"، وانه "مثل البابا في روما"، ناسيا، خريستوفوروس، او متناسيا أن الخلاف العقائدي الأساس بين الكنيستين الكاثوليكية والارثوذكسية ينبع من اعتبار الكاثوليكية للبابا على انه "خليفة يسوع المسيح"، بينما لا تعترف الارثوذكسية بخليفة ليسوع ، ومتناسيا انه لا يحق لأحد، كان من يكون، ان يقدس اكليريكيا وهو على قيد الحياة. فهل نسي خريستوفوروس ذلك ؟ أم انه قصد تقديس الشخص المسمى ثيوفيلوس لدفع الاتهامات والفضائح عنه وتكفير من ينتقده؟  يبدو واضحا ان هذا الخلط ليس صدفة او زلة لسان، بل مقصود، وهدفه تضليل البسطاء والجهلة، أما التكفير فهو نهج الضعفاء المفضوحين، وهدفهم تحويل الأنظار عن الجرائم التي ترتكبها الطغمة اليونانية بحق أبناء الكنيسة ووجودهم ومستقبلهم. قد يحسب أحدهم انه سيعيدنا الى القرون الوسطى ومحاكم التفتيش، وان دخول الجنة يحتاج الى صكوك الغفران من راهب يوناني؟
مسيرات الحجيج والتقاط الصور
لا ينفصل هذا النهج عن ممارسات أخرى نشهدها في الأسابيع الأخيرة ومتمثلة "بحجيج" الى دار البطريركية، وأخذ الصور مع ثيوفيلوس، في تحدِّ قَزَميّ لقرارات المؤتمر الوطني لدعم القضية الارثوذكسية، في بيت لحم، يوم الأول من أكتوبر2017 . لقد شَعَرَت الطغمة اليونانية بهول هذه المقاطعة غداة عيد الغطاس والميلاد المجيد ورأس السنة، إذ لم يقم أي من أبناء الكنيسة ولا أي من الكهنة العرب بتهنئة ثيوفيلوس بالأعياد، فجُن جنونه، كما يقول مقربون، واٌضطره الى الاستعانة بالثعلب الكبير، المدعو ايلاريون، مطران دير جبل الطور، ومن خلاله برؤساء اللجان المحلية وبعض المنتفعين، لتسيير وفود، ولو كانت صغيرة، بذرائع مختلفة، الى البطريركية لالتقاط الصور مع ثيوفيلوس ونشرها للعالم، مدعيا ان المقاطعة الشعبية غير قائمة، وحين لم يقنع ذلك أحدُ، عمل بعض الكهنة المتعاونين مع ايلاريون او غيره، مع بعض المستزعمين من أبناء الكنيسة، على تسيير رحلات، تبدو في الظاهر دينية، الى القدس، يعرجون خلالها على دار البطريركية لالتقاط الصور مع الجالس على كرسي البطريركية عنوة واستبدادا. مثل هذه الأساليب الرخيصة شهدناها منذ الأيام الأولى لحكم ثيوفيلوس عندما سيروا الباصات المجانية الى القدس في "رحلة حج"، وجمعوهم على وجبة غداء مجانية على حساب الكنيسة في فندق نوتردام، لتخرج وسائل الاعلام لاحقا تقول: انه "مؤتمر للتضامن مع ثيوفيلوس"! وهو ما أسميناه آنذاك "مؤتمر الطبيخ". هذا النهج ليس غريبا عن أي استعمار، وهو يهدف الى خلق صراعات داخلية بين أبناء الكنيسة الواحدة وحتى بين الاخوة في البيت الواحد. أما الغريب هو ان يتحول، من يقبل من أبناء الكنيسة، الى قطيع يقوده منتفع او منافق، ونحن على ثقة ان الغالبية العظمى من المشاركين في هذه "الرحلات"، سيرفضون المشاركة في المهزلة المرسومة لهم.

هنا، لا بد من التذكير بنهج الاحتقار الذي يكنه ثيوفيلوس، كغيره من الطغمة اليونانية، لأبناء الكنيسة العرب، بهدف تشويه انتمائهم القومي والوطني، لحساب الانتماء الطائفي الضيق، المنغلق والمُكفّر، على الطريقة الاخوانجية،. يخطئ من يعتقد اننا ننسى ما نشره موقع "الرومفيا" اليوناني، عن مقابلة لثيوفيلوس مع الاذاعة التابعة للكنيسة اليونانية، في 27/4/2010 يقول فيها: "إن بطريرك القدس لا يحمل صفة كنسية فقط، ولكن صفة قومية أيضًا، ويظهر لرعيته كزعيم قومي، وبالتالي فإن مسيحيي فلسطين والشرق الأوسط، يشكلون كياناً مميزاً، قوميًا - دينيًا محضاً، وهذا الكيان هو الروم". ويضيف: إن المسيحيين، خصوصًا مسيحيي الشرق الأرثوذكس كانوا دائمًا يشكلون طائفة وكيانا قوميًا-دينيًا".
ليس هذا وحسب،  بل يقول ثيوفيلوس ايضا: "إن ما أريد تأكيده، أن الناطقين باللغة العربية في الشرق الأوسط يواجهون أزمة هوية، لأنهم فقدوا نقطة الارتباط بتاريخهم بسبب الجهل وعوامل أخرى عديدة، فليس عندهم إحساس وضمير تاريخي..."، و"عليه فإن البطريركية وأنا شخصيًا نبذل جهودا كبيرة حتى نساعد هؤلاء الناس ليكتشفوا هويتهم". فهل يتذكر "الوطنيون" هذا؟
من شدة احتقاره لأبناء الكنيسة العرب، كتب ثيوفيلوس، في السنة نفسها، كلاما مشابها باللغة العربية،  على صفحات المجلة التي يطبعها على حساب الكنيسة، ويوزعها في الكنائس كل مطلع شهر، تحت عنوان: "الروم، انتماء يدوم ويدوم". فيقول: "كان وما يزال اسم الكنيسة هو كنيسة الروم الارثوذكس لأن هذه الكنيسة تدل بشكل قاطع وصريح للغاية عن ماضيها وعراقتها وأصلها وانتمائها وتاريخها، فمجرد التفكير بكلمة عرب ارثوذكس، والتي ليس لها أي أصل تاريخي أو حضاري أو ثقافي يعتبر دخيلا، لا بل خطأ كبيرا، وتدخلا أجنبيا تحت اسم الوطن والوطنية". هل يسمع الوطنيون او يقرأون؟
لا غرابة ان بعض المنافقين من الكهنة او غيرهم يرددون هذا الكلام، ويبدعون في تضليل الناس البسطاء، ولا غرابة ان يجتمع المنافقون في حضرة سيدهم رغم خلافاتهم التي تصل الى حد القطيعة والعنف.  وما لم يوضع حد لهذا الاستهتار، سيجد المؤمنون أنفسهم في خانة "الإخوان" المسيحيين او "الدماديش" مثل "الدعاديش"، على اختلاف اشكالهم وارتباطاتهم المادية والسياسية.

اليف صباغ

الجليل- 22/3/2018


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الخميس، 8 مارس 2018

]دروس وعبر بين اعلان بلفور واعلان ترامب



         بين اعلان بلفور وإعلان ترامب، دروس وعبر  

مائة عام مرت وأجيال توالت ولم يتعلم العرب أي عبرة مما سمته الحركة الصهيونية "وعد بلفور".  تناول المحللون والمؤرخون والسياسيون خلال الأسبوع الأخيرهذا "الوعد" ، بكل تفاصيله المعروفة وغير المعروفة. هل هو اعلان ام تصريح ام وعد؟ هل قُدم الى وايزمن أم الى البارون روتشيلد؟ هل تحدث عن دولة يهودية ام عن وطن قومي؟ وما الفرق بينهما؟ لقد طلب روتشيلد من الحكومة البريطانية ان تعطي بريطانيا فلسطين "لليهود"، ولكن التصريح تحدث عن "وطن قومي "للشعب" اليهودي في فلسطين" !  هنا تحدث بلفور عن "شعب" يهودي، وهناك من يدعي ان بلفور قصد جزءًا من فلسطين، وليس كلها، كما طالب روتشيلد.  كلها تفاصيل شكلية قد تهمّ المؤرخين الذين يكتبون للتاريخ فقط. ولكن لماذا تهمّ الناس ؟ ولماذا تهم السياسيين بالذات إن لم يكونوا من الكسالى؟ وماذا عن القضايا الجوهرية لهذا التصريح ، والتي يجب ان تهم كل واحد فينا؟ أهدافهُ، والظروف التي سمحت بإطلاقه، وكيف تم تنفيذه؟ ولماذا فشل العرب في منع تحقيقه؟ فهل تعلمنا الدرس أم اننا باقون على المنوال نفسه. نُولوِلُ وننوحُ ونستنكرُ ونشجبُ  ؟  
هل ننسى من العِبر ان بريطانيا بحثت عن مصالحها الاستعمارية قبل ان تبحث عن مصلحة اليهود، وأن روتشيلد لم يفكر بالفارق بين اليهود والشعب اليهودي، كما أن بلفور لم يفكر بفلسطين كلها او جزء منها، ولم يتحدث عن الفارق بين وطن قومي ودولة؟ بل كان همه المصالح البريطانية قبل كل شيء، وكيف يحد من النفوذ الفرنسي في الشرق الأوسط ويبعدها عن قناة السويس، الممر التجاري والعسكري، الدولي والاستراتيجي بالنسبة للإمبراطورية الكونية البريطانية؟ هذا هو ألأساس الذي انطلق منه اللورد بلفور، وليس ايديولوجيته "المسيحية المتصهينة"، او "مكافئة" للبارون روتشيلد او الدكتور وايزمن، كما يروج الصهاينة. فالدول الكبرى تفكر بمفاهيم الدولة لا بمفاهيم الشخص، تبحث عن مصالحها، وتستخدم القوى الأخرى أدوات لها، وهكذا رأت بريطانيا باليهود والحركة الصهيونية ، ليس إلا. وهذا هو الدرس الأول.
اما الدرس الثاني، فيكمن في الإجابة على السؤال، هل كانت لبريطانيا الجرأة ان تصدر تصريحا أو وعدا من هذا النوع، قبل ان تطمئن من الموقف العربي؟ ألم يأتِ وعد بلفور بعد نقاشات عديدة، استمرت عشرات السنين في أروقة المملكة المتحدة، وانتهت بإصدار هذا التصريح بعد مراسلات حسين مكماهون التي وافق بموجبها "الشريف" حسين ان تكون فلسطين وطنا "للمساكين" اليهود، مقابل دعم بريطاني الى آل سعود في إقامة مملكة عربية تابعة لبريطانيا؟ لماذا يغفل الاعلام العربي هذه الحقيقة الجوهرية ويغوص في تفاصيل تافهة؟  الم تتكرر مثل هذه المأساة لشعوبنا العربية منذ مائة عام ولغاية اليوم عدة مرات على نهج المقايضة والتبعية نفسها؟ الم يعمل حكام العرب، منذ مائة عام ولغاية اليوم، من أجل عائلاتهم او انفسهم واشخاصهم، على حساب شعوبهم المقهورة وصاحبة الحق في اوطانها وخيراتها؟
والدرس الثالث، كيف تحول هذا التصريح الى التزام دولي، من خلال تضمينه مركبا أساسيا من وثيقة صك الانتداب البريطاني على فلسطين؟ كيف تجرأ العالم على ذلك دون الاخذ بالاعتبار امة عربية بلغت عشرات الملايين آنذاك، وتعيش في أهم المناطق الاستراتيجية في العالم؟ وأمة إسلامية بلغت مئات الملايين من البشر؟ وتشكل فلسطين أولى قبلتيها والحرم القدسي ثالث الحرمين الشريفين في عقيدتها؟ وهل كان ذلك ممكنا لولا اطمئنان العالم للقبول العربي الاسلامي الذي تمثل باتفاق وايزمان، رئيس الحركة الصهيونية، مع فيصل ابن "الشريف" حسين، في مؤتمر باريس للسلام عام 1919  ، بقبول العرب ان "تعطى لليهود تسهيلات لإقامة مجتمع يهودي في فلسطين"؟ والإقرار بوعد بلفور. اليس هذا القبول، هو الخنجر السعودي الثاني الذي طعن به آل سعود طموح وأماني الشعب الفلسطيني للسيادة في وطنه؟ اليس من الأجدر بنا ان نتعلم هذا الدرس بدلا من الدخول في تفاصيل تافهة؟
فوق هذا وذاك، كيف بنت الحركة الصهيونية مدينة القدس الغربية منذ بداية الانتداب البريطاني وحتى نهايته؟ الم تكن البطريركية اليونانية صاحبة الأراضي الأكبر في حدود مدينة القدس وغربها آنذاك، هي من سهلت بناء المدينة اليهودية من خلال بيع أراضي الكنيسة، وهي ليست أرضا يونانية، الى الحركة الصهيونية وحكومة الانتداب، فسهلت بناء المدينة اليهودية التي تحولت الى عاصمة لإسرائيل؟ لقد قامت البطريركية اليونانية، وليس الكنيسة الارثوذكسية العربية، بين الأعوام 1921 -1925 ببيع اكثر من 1120 دونما في حدود القدس  واكثر من 22 الف دونم غربي القدس، (وصلت حدودها الغربية الى دير المصلبة فقط، ويقع هذا الدير في وسط المدينة الغربية اليوم)، وكانت للحركة الصهيونية حصة الأسد من هذه الصفقات، لتقيم مدينة جديدة حولتها لاحقا الى عاصمة. الم يحدث ذلك بالتنسيق بين حكومة اليونان الموالية لبريطانية والحركة الصهيونية؟ أمام بصر وسمع الزعماء العرب وعلى رأسهم أل سعود الذين حكموا الحجاز والعراق وسوريا وشرقي الأردن آنذاك، ولأجل حماية مصالح العائلة "الهاشمية" لا غير؟  كيف يمكن الا نستذكر تلك الحقائق التاريخية، في حين تقوم البطريركية اليونانية في القدس اليوم باستكمال المشروع الصهيوني لتهويد ما تبقى من القدس، ويفعل ذلك ثيوفيلوس الثالث، بصفته "بطريركا"، بحماية دولية وعربية هاشمية، ولكن الأنكى من ذلك هو الصمت الفلسطيني المشبوه؟
طالما كانت هناك مؤامرات استعمارية حقيقية وليست "خيالا شرقيا" على شعوبنا العربية خلال القرن الماضي وما تزال الى اليوم، ولكن أيا من هذه المؤامرات لم يكن ليتحقق لولا التعاون الرسمي العربي، ولولا الاستسلام العربي العام ، وكأن ما خططت له الدول الاستعمارية هو قدر من السماء لا بد من حصوله، وهذا هو الدرس الأهم في ذكرى وعد بلفور.
لقد آمن العرب عامة والمسلمون خاصة بان إقامة إسرائيل هو تحقيق لوعد الله الخرافي، والذي جاء في التوراة والقرآن على حد سواء، فصار وعد بلفور تحقيقا لوعد الله. استسلم العرب للمؤامرة على فلسطين بترويج مقولة كان لها الأثر الكبير على نفوس الفلسطينيين وهزيمتهم عام 48، "قضية فلسطين مبيوعة"، او "حكام العرب باعوا فلسطين"، و"البلاد ُسُلّمت من زمان"... الخ.  فكيف يقاتل من اقتنع بعجزه وانه لا أمل في القتال؟ هذا الاستسلام العربي السابق لمخططات الدول الاستعمارية، والترويج للعجز القدري، هو هو المرض العضال الذي يفتك بالأمة منذ مائة عام وهو مستمر لغاية اليوم، وهو مرض موروث في الجسم العربي من تراث الهزيمة والخنوع للسلطة الحاكمة الدموية خلال اربعمائة عام من الحكم العثماني. هذا ليس مرضا وراثيا، وان أصبح  للامراض الورائية علاج لدى الشعوب الحية، ولكنه موروث نفسي لا بد من تشخيصه والكشف عنه. وحري بنا ان نتعلم من الشعب السوري وقيادته وجيشه، الذي لم يستسلم للمخططات الاستعمارية، ورفض ان يعتبرها قدرا من السماء، حتى وان ضخّت لها الرجعية العربية بكل أموالها وشبابها ودمائها وفقهائها ووسائل اعلامها، وجعلت من الدين الإسلامي أداة مرنة لتحقيق ذلك.  سوريا لم تستسلم "للقدر" بل رأت بان الله يحمي من يحمي نفسه أولا، وان المؤامرات ليست قدرا من السماء، وان مقاومتها واجب ديني وقومي واجتماعي ووطني وانساني على حد سواء، وان المقاومة حق وواجب وهي قدر الشعوب الحية الحقيقي.. وهذا هو الدرس الأساس الذي يجب ان يناقشه الجميع ويتعلمه العرب في الذكرى المئوية لوعد بلفور،  وهو الدرس الأساس الذي يجب تعلمه لمقاومة وعد ترامب، والا عادت الوعود لتحقق ذاتها وعاد العرب يستنكرون ، ويندبون قدرهم، ومرت المخططات كما ارادوها لنا.


اليف صباغ/ الجليل 8/3/2018 


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ردا على أ.د. منذر حدادين، رئيس اللجنة الاستشارية للمدعو ثيوفيلوس الثالث (الحلقة الأولى)

مقدمة عامة
نشر موقع "الجزيرة نت" مقالا لي، رحبتُ فيه بخطوة اغلاق كنيسة القيامة ولكني شككت بالنوايا الحقيقية، منبها انه قد تكون الخطوة مسرحية مكررة عن مسرحية سابقة عام 1990، وكنت قد كتبت المقال وتم نشره قبل إعادة فتحها. وثبت في اليوم التالي ما توقعته، ولكن شركة الاعلام الإسرائيلية التي تقود الحملة الإعلامية لتبييض صفحة ثيوفيلوس، "ديبي للعلاقات العامة"، والطواقم العربية الإعلامية، والناطقين باسمه، وحتى الكتبة المرتزقة، لم يستطيعوا اقناع الناس "بالانتصار الكبير" الذي حققه رؤساء الكنائس على المحتل الاسرائيلي. وما كان بهم الا اللجوء الى كبييييير المستشارين، لإنقاذ "انتصارهم" ، إ.د. منذر حدادين، "نائب رئيس اللجنة الاستشارية للبطريرك ثيوفيلوس، الرئيس الفعلي بالوكالة"، تصوروا هذه الألقاب ما اكبرها. كل لقب لوحده يهز العالم !!  واستلّ المستشار الكبييييير قلمه الفياض وكتب مقالته الشهيرة تحت عنوان: "مرحى للكنائس ولأم الكنائس ولبطريركها"، وكأن المقال مخصصا للرد على ما نشره موقع الجزيرة نت. تضمن المقال تشهيرا وذما يحاكم عليه القانون، بما في ذلك القانون الأردني، وربما لهذا السبب تحاشى حدادين ذكر اسمي ككاتب للمقال، بحجة انه "لم يتحقق من اسم الكاتب"(؟!) . بالطبع تم توزيع مقال أ.د. حدادين على وسائل الاعلام جميعها من خلال وكالة "عمون" المتخصصة بتوزيع بيانات ثيوفيلوس...وما في شي ببلاش!!
نشر مقال حدادين على صفحة لأحد الموالين للبطرك، عامر هلسا، من الأردن، فاخترت الرد عليه بشكل مقتضب، فكان نقاش ورد، وردّ على الرد...الخ.  وفجأة قام السيد هلسا بمحو كل ردودي، إضافة الى ما أضفته اليها من قرائن تثبت صدق موقفي، ليس هذا فحسب بل اغلقوا أمامي أبواب الرد على صفحاتهم، وعليه فقد ارتأيت الرد هنا من جديد. لأهمية الموضوع وضرورة كشف الحقائق الموضوعية والموثقة، لا بد من تجزئة ردي الى حلقات.

                                          الحلقة الأولى     
                                            بطولات العاجزين (!)

ان توجيه الاتهامات والتشهير، بحجة عدم التحقق من اسم الكاتب، امر يستحق التوقف عنده قليلا. هل هو خشية من القانون الذي يعاقب على التشهير؟ أو إهمالا للدقة كعادة الكثيرين من المرتزقة؟ ولكن الأهم، كيف يمكن لأستاذ جامعي، و"كبيييييرالمستشارين"، الا يستطيع التحقق من اسم الكاتب، ومع ذلك لا يتورع عن التشهير به !! ام ان مستشارا آخر تدخل في الأمر لغاية في نفس يعقوب؟  معليش، لن نقف عند هذه السلوكيات التافهة اكثر من اللازم وننتقل الى المضمون.
اذا كنتم، يا مستشارين كبار، ترون بخطوة اغلاق الكنيسة بطولة، فنحن معكم. اننا نطالب بهذه الخطوة منذ زمن بعيد وآخرها عندما أعلن ترامب ان القدس هي عاصمة إسرائيل، وعليه سينقل سفارة أمريكا اليها رغما عنكم. مع ذلك،  فلن نطالبكم ان تكونوا معنا، بل قلنا اننا نحن معكم تماشيا مع نفسياتكم المريضة، أو لأننا ام الطفل الحقيقة. ولكن، إذا ما رأيتم ان الخطوة البطولية هذه قد هزت العالم وجعلت "المحتل الإسرائيلي الغاصب يتراجع عن نيته فرض الضرائب على الكنائس"، رغم ان الإغلاق لم يدُم اكثر من يومين بقليل، إذا كنا نملك هذه القدرة، اذن لماذا لم يقم رؤساء الكنائس بهذه الخطوة من قبل؟ ألم يحن الوقت لتعترفوا ان مطلبنا هذا طيلة الفترة السابقة كان مطلبا حقا، وواقعيا ايضا؟ وكم يستخدم العربان حجة الواقعية لتبرير هزائمهم؟!! ولماذا، إذن، تتذرعون بالعجز عن مقارعة الاحتلال، باٌسم الواقعيّة،  وتتّخذون من هذا العجز ذريعة لتبرير الصفقات التي عقدها ويعقدها ثيوفيلوس، بأبخس الاثمان، مع مؤسسات وشركات الحركة الصهيونية؟  أم أن الاتفاقيات مع العدو الصهيوني تعقد  دائما في خيمة العاجزين وبأوامر من المُشغّل الأكبر بحجة "الواقعية"؟  وهل كان اتفاق وادي عربة يا سيادة المستشار، واتفاقية المياه بالذات، قد أُبرمت على قاعدة أخرى، غير قاعدة العجز، وفي خيمة أخرى؟ طبعا لا، انها الخيمة ذاتها والراعي او المشغّل ذاته.  وإذا كان لا بد من الاستعانة بالكلام المنمق او الشعر أقول للكاتب "المبدع" ما قاله المتنبي: "من يهن يسهل الهوان عليه.... ما لجرح بميّت إيلامُ".
في ردي على الحساب "الفيسبوكي" للمدعو عامر هلسا، حيث نُشر مقال حدادين، كتبتُ: ما يميز سحيجة ثيوفيلوس الثالث انهم يفشلون في كل تبريراتهم ، ولكن بما انهم منافقين او مستشارين، فانهم يتكيفون بسرعة لحاجات سيدهم او اسيادهم، وحين فشلت الالة الاعلامية، مدفوعة الأجر، في تبييض صفحة الخائن، عادوا ولجأوا الى المستشار الكبيييييير د. منذر حدادين، لينقذهم، ف"رماني بدائه واٌنسلَّ". ويبدو انه يعتقد ان الناس تنسى ما قاله وما كتبه في الماضي القريب، ولكن كما قلنا، انها صفة المستشارين، لتأكيد ولائهم لأسيادهم، وهذا هو النموذج الأبرز، المستشار د. منذر حدادين، الذي هاجمني دون ان يذكر اسمي، يمتدح فيها سيده ثيوفيلوس بكلمات شاعرية منمقة، كعادة المنافقين، ولكن ما كتبة قبل سنة ونيف يفضح نفاقه.  إنه، بتلك المقالة، التي نشرتها جريدة الراي يوم 28/11/2016، بالرغم ما فيها من تضليل ومغالطات، نفصلها لاحقا، في محاولة فاشلة لتبرير الصفقات للحركة الصهيونية، الا انه ، في المقالة نفسها، فضح تعاون اللجنة الملكية مع ثيوفيلوس في بيع وتسريب الاوقاف. وارفقت مقالة حدادين تلك، ردا على الكاتب محمد خروب، ونشرت، آنذاك، في صحيفة الرأي يوم 28/11/2016. فما كان من عامر هلسا الا الرد بقوله : "طيب وين المشكلة؟ نحن ايضا نؤيد البطرك على هذا التصرف". هذا الجواب وحده كان كافيا ليشكل فضيحة لكل من يدعي الدفاع عن الكنيسة الأم. وبما انهم يخفون فضائحهم بمسح  أقوالهم او ردودهم الفاضحة، وكذلك ردودنا الكاشفة للحقائق، أعيد نشر تلك الردود إذ كنت قد صورتها بواسطة كاميرا الهاتف قبل مسحها المتوقع.
يكفي هذا في الحلقة الأولى والى اللقاء في الحلقة القادمة.
اليف صباغ

الجليل- 7/3/2018

حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

السبت، 3 مارس 2018

اغلاق كنيسة القيامة، مواجهة حقيقة او مسرحية مُعادة؟

بعد انتهاء صلاة الاحد الأول من الصوم الكبير، هذا الصوم الذي يستقبل بعده المسيحيون عيد الفصح العظيم، وفي ظل اكتظاظ القدس بالحجاج المسيحيين من كل انحاء العالم، عقد رؤساء الكنائس في القدس، ممثلين بالبطريرك اليوناني ثيوفيلوس الثالث وبطريرك الأرمن نورهان مانوغيان وحارس الأراضي المقدسة فرانشيسكو باتون، مؤتمرا صحفيا قصيرا اعلنوا فيه عن اغلاق أبواب الكنيسة الى أجَل غير مسمى احتجاجا على نية وخطوات بلدية القدس  لجباية ضريبة المسقفات ( الارنونا)  على العقارات التابعة للكنائس ، والتي تعتبرها البلدية عقارات تهدف الى الربح، وعليه فيجب ان تدفع الضرائب كغيرها من العقارات في المدينة. اما الكنائس فترى بمدخولات هذه العقارات أموالا تساهم في الحفاظ على الوجود المسيحي وأماكن العبادة،  ومصروفات أخرى يحتاجها رجال الدين على اختلاف مراتبهم ومصروفاتهم. كما تعتبر الكنائس ان مطلب البلدية مخالف للاتفاقات الدولية، منذ العهد العثماني ولغاية اليوم، التي تعفي الكنائس من دفع ضريبة المسقفات على املاكها، وهذا ما هو معمول به في الأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية أيضا. يذكر ان قرار اغلاق او فتح كنيسة القيامة هو حق للكنيسة الارثوذكسية باعتبارها أم الكنائس، ولها امتيازات خاصة مقارنة بالكنائس الأخرى، حصلت عليها منذ الحكم العثماني وحتى اليوم وهي موثقة فيما يسمى "الستاتيكو". وعليه يحق لرؤساء الكنائس الأخرى التقدم بمطلب اغلاق الكنيسة او فتحها ولكن القرار النهائي فهو من حق البطريركية اليونانية.
لا شك ان قرار رؤساء الكنائس في مدينة القدس إغلاق كنيسة القيامة هو حدث تاريخي لم يسبق ان قامت به الكنائس من قبل، الا عام 1991 احتجاجا على دخول المستوطنين الى دير ماريوحنا الملاصق لكنيسة القيامة، ولا شك ان القرار أوجد، وفق ما تناقلته وسائل الاعلام المحلية والدولية، صدى عالميا وليس محليا او إقليميا فقط. كيف لا ؟ وكنيسة القيامة هي أقدس مقدسات المسيحيين في كل مكان على وجه الأرض ويحج اليها ملايين المسيحيين كل سنة. فهل يرتد الصدى او يتحول الى إجراءات عملية على الأرض؟ هذا ما لا نعرفه حتى الآن.
اما الأسئلة التي اثارتها هذه الخطوة التاريخية فهي كثيرة ومهمة أيضا ومنها: لماذا لم تُتّخَذ هذه الخطوة ردا على اعلان الرئيس الأمريكي ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل؟ ضاربا بعرض الحائط القانون الدولي وكذلك "الستاتيكو" على حد سواء؟ وهل يكفي مطلب البلدية بتحصيل الضرائب من الكنائس، مقارنة بإعلان ترامب، لاٌتخاذ خطوة تاريخية من هذا النوع في هذه الأيام بالذات؟ ألا يمكن التوجه الى المحاكم المحلية او الدولية لرد ادعاءات بلدية الاحتلال، اعتمادا على ما تحمله الكنائس من اتفاقات دولية وممارسات لعقود، بل لقرون، من الزمن، على ارض الواقع؟ كيف يحدث مثل هذا الاجراء والبطريرك اليوناني يتعاون مع الجهات الصهيونية المختلفة لتصفية العقارات التابعة للكنيسة الارثوذكسية وبيعها لجهات صهيونية مختلقة بأبخس الأثمان؟ الم تكن التهديدات والابتزازات الإسرائيلية للبطريركية اليونانية، كما يدعي ثيوفيلوس الثالث، والتي أدت الى تنازله عن عدد كبير وهام من العقارات في القدس ويافا والرملة وحيفا وطبريا وغيرهم.. لصالح مستثمرين صهاينة بأبخس الاثمان، سببا اكبر من محاولة فرض الضرائب البلدية على العقارات التجارية؟ مثل هذا الأسئلة وأكثر... تجول في الاذهان ولا تجد الأجوبة الشافية لها.  ويبقى السؤال الأهم، هل هي مسرحية من مسرحيات ثيوفيلوس الثالث للظهور وكأنه المدافع على الأوقاف في وجه الاطماع الصهيونية التي لا تنتهي؟ وهل يمكن ان تمر صفقات تسريب لعقارات جديدة تحت ما يسمى مصادرة، او التهديد بالمصادرة، او بادعاء الحاجة الى تسديد ديون مستحقة الى لسلطات الاحتلال؟  كلها أسئلة يمكن الاجابة عليها بالتحليل اعتمادا على تاريخ طويل لممارسات البطريركية اليونانية ، او الانتظار للحصول على الأجوبة على ارض الواقع، وهل من جدوى لهذا الانتظار؟ ام ان المطلوب هو تحرك سريع لمنع قوع ما لا نريده ان يحدث؟
ان البيانات المضللة ، وهي بالعشرات، التي أصدرها المكتب الإعلامي التابع للبطريركية اليونانية على مدى سنوات من رئاسة ثيوفيلوس الثالث لسدة البطريركية، لا تبشر بالخير. بإمكاننا مراجعة عشرات البيانات المضللة للتأكد من ذلك، وبإمكاننا ان نكتفي بنماذج فقط للتدليل على نهج التضليل الذي تتبعه البطريركية اليونانية، ويتبعها في ذلك رؤساء الكنائس الأخرى في القدس ببيانات تضامن بعضها تتضمن معلومات لم يطلع عليها الموقعون أنفسهم.  تدعي البطريركية اليونانية، كعادتها، انها تتصدى للمستوطنين الصهاينة في الدفاع عن العقارات الارثوذكسية في المدينة المقدسة، وانها تبذل جهودا "جبارة" في المحاكم لتخليص هذه العقارات من أيدي المحتل ومؤسساته مما يكلفها ملايين الدولارات، ولكن، في الواقع، نشهد تسريبا للعقارات واحدا تلو الأخر على طول البلاد وعرضها بما في ذلك القدس الكبرى والبلدة القديمة أيضا، وعند الكشف عن ذلك تدعي، او يدعي مستشارو البطريرك والطاقم الإعلامي الذي يرافقه، ان البطريرك كان مضطرا لذلك لسد الديون المتراكمة على البطريركية !!. في العام 2008 أصدرت البطريركية اليونانية بيانا وزعته على وسائل الاعلام العربية في فلسطين والأردن ونشر في الصحف والمواقع الالكترونية ، تحت عنوان :"البطريركية  تنتصر على جمعية عاطيرت كوهنيم في المحكمة"، في قضية استرداد عقارات باب الخليل، ليتبين لاحقا ان البطريركية اتفقت مع المستوطنين على إخراج المستأجرين العرب ومحاميهم من حلبة القضاء ليتسنى للطرفين، البطريركية والمستوطنين، تبييض صفقات عقدت سابقا في البلدة القديمة، وادعى البطريرك المعزول انه لم يعلم بها، مثل عقار في باب حطة، وساحة في سلوان التي يستخدمها المستوطنون موقفا للسيارات للوصول الى ساحة البراق، وتمديد لصفقة دير ماريوحنا بجانب كنيسة القيامة، وغيرها.. وعند الكشف عن التقصير الحاصل في الدفاع عن عقارات باب الخليل يعمل الطاقم الإعلامي على توجيه أصابع الاتهام الى محاكم الاحتلال "الظالمة"، في محاولة لاستعطاف الراي العام الوطني للتضامن مع البطريركية على انها ضحية للاحتلال، بدل ادانتها بالتعاون مع المستوطنين، وهذا ما تؤكده محاضر جلسات المحكمة ووثائق أخرى ينشرها تباعا نشطاء الحراك الوطني الأرثوذكسي لفضح ممارسات البطريركية اليونانية المعادية لحقوق أبناء الكنيسة العرب من فلسطينيين واردنيين على حد سواء. 
يمكننا أيضا الاطلاع على حيثيات صفقة رحافيا والطالبية، وأسباب تحويل اتفاقيات الحكر التي وقعت عام 1951 و 1952 الى اتفاقيات بيع مطلق، وكيف ادعي ثيوفيلوس ان اتفاقيات الحكر السابقة "مجحفة جدا" بحق البطريركية، وانها تعطي للكيرن كاييمت "حقا تلقائيا" لتمديد العقد بالشروط التي تراها مناسبة ولا يحق للبطريركية الاعتراض على ذلك. وعندما كشف ناشطو الحراك الوطني الأرثوذكسي عن الاتفاقيات الموقعة عام 1951 و 1952 وبينوا عكس ذلك، وان الاتفاقيات تعطي للكيرن كاييمت "إمكانية" وليس حق لتمديد الحكر لمرة واحدة فقط وشرط "موافقة الطرفين"، وانه اذا لم يتم الاتفاق "تعود الأرض وما بني عليها" الى ايدي البطريركية، قام البطريرك ثيوفيلوس بتسريب العقارات، ذات الشأن، سرا الى مستثمرين يهود سجلوا شركاتهم في جزر الكاريبي، حيث يمكن إخفاء هوية المشتري، بأسعار زهيدة، مدعيا انه كان مضطرا لذلك بهدف الحصول على مال للدفاع عن اوقاف أخرى..
يمكننا أيضا الاطلاع على الادعاء المضلل، الذي تردده البطريركية اليونانية صباح مساء، بانها تبيع الأوقاف خوفا من مصادرتها على يد المحتل الإسرائيلي، بموجب قوانين سنتها الكنيست منذ زمن، وفي الحقيقة ، بعد الفحص والتحقق، تبين انه لا توجد قوانين من هذا القبيل، ولا حتى مشاريع قوانين لمصادرة أراضي الكنائس، ومع ذلك يستمر ثيوفيلوس بترويج الادعاءات المضللة معتبرا ان توجيه الاتهام الى المحتل الإسرائيلي يمكن ان يكسبه تبريرا شرعيا، ويجند القوى الوطنية الى جانبه.
ضمن هذه المنهجية الإعلامية يمكن اعتبار قرار اغلاق كنيسة القيامة، حلقة من حلقات المسرحية الكبرى التي ينتجها ويخرجها الطاقم الاعلامي للبطريركية اليونانية، يساعده في ذلك جهات فلسطينية واردنية رسمية، تابي التحقق من ادعاءاته وترفض ما يقدمه ناشطون وطنيون ارثوذكس من وثائق، وتعمل وسائل اعلام فلسطينية واردنية على ترويج الادعاءات الكاذبة وترفض إعطاء الطرف الاخر إمكانية الرد.
مثل هذه السلوكيات للصحافة الفلسطينية والاردنية، هي سلوكيات بعيدة عن المهنية أولا وبعيدة عن الرسالة الوطنية التي يفترض ان يحملها هذا الاعلام.
بإمكان الاعلام العربي والدولي ان يملأ الفراغ الذي يخلقه الاعلام المحلي، من خلال الالتزام بالإعلام الاستقصائي، للتحقق من كل ادعاء وعدم التسرع في نشر البيانات المضللة دون فحص. بإمكان الاعلام العربي والمحلي ان يتوجه الى الناشطين الأرثوذكس الذين يحملون على عواتقهم مسؤولية كبرى منذ عشرات السنين، والتزود بالمعلومات والتوجه الى مقابلة المسؤولين على اختلاف مواقعهم للتحقق مما يصلهم من معلومات..

اليف صباغ
الجليل 26/2/2018



حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .
          أوقفوا مجزرة الأوقاف الأُرثوذكسية أو إنْسوا القدس !

يعود الخلاف، بين أبناء الكنيسة الارثوذكسية العرب وبين البطريركية اليونانية، الى نحو 500 عام مضت ، بالتحديد الى عام 1534، عندما استدعى السلطان العثماني بطريركَ المدينة المقدسة عطالله الثاني، الى القسطنطينية ومنعه من العودة الى القدس، وعين بدلا منه المطران جرمانوس، اليوناني، ليصبح بطريكا للمدينة المقدسة وسائر اعمال فلسطين والاردن. وكان هذا المطران متعصبا للجنس اليوناني، فقام بعزل الرهبان العرب واحدا تلو الآخر وتعيين مطارنة يونانيين بدلا منهم، كما قام بإبعاد العرب عن سلك الرهبنة في الكنيسة وحصر سدة البطريركية للرهبان اليونانيين فقط. وازدادت العنصرية اليونانية حدة بإقامة تنظيم اخوية القبر المقدس، وهو تنظيم يوناني عنصري، معادٍ لأبناء الكنيسة من العرب، فاعتبر ان المزارات المقدسة واوقافها تركة يونانية، فقام، بدعم من السلطة العثمانية، بتسجيل أملاك الكنيسة المنقولة وغير المنقولة، كاملة، باسم الامة اليونانية،  وثبّت ذلك في البند الأول من دستور الأخوية، الذي ما يزال ساري المفعول لغاية اليوم. هنا يكمن أساس الخلاف بين الكنيسة المقدسية ، وهي كنيسة عربية، وبين البطريركية اليونانية وهي الادارة العليا للكنيسة. وفي هذا تختلف الكنيسة الارثوذكسية المقدسية عن كل الكنائس الارثوذكسية في العالم، فبطريركية الكنيسة الارثوذكسية في روسيا روسية، وبطريركية بلغاريا بلغارية، وكذلك بطريركية اليونان ورومانيا وانطاكيا ..الخ.  فلماذا اذن يُحرم على الفلسطينيين والاردنيين من إدارة كنيستهم بأنفسهم؟ ولماذا يحتاجون الى زمرة يونانية عنصرية وفاسدة لتحتل كرسي البطريركية المقدسية لتعيث به فسادا وخرابا؟

مع بداية الحرب العالمية الأولى توقف الدعم المادي الروسي للكنيسة الارثوذكسية، هذا الدعم اشترت به الكنيسة أرضا واسعة في القدس والمناطق المجاورة لها، ومع توقف الدعم وتهريب الرهبان اليونان للأموال المنقولة خارج فلسطين، أعلنت البطريركية اليونانية عن ازمة مالية وعجز قدرته سلطات الانتداب البريطاني  ب 600 الف ليرة فلسطينية، ولسداد ذلك أجبرت السلطات البريطانية رئاسة الكنيسة ببيع مساحات واسعة من الأراضي، وبلغت مساحة الأراضي التي باعتها الكنيسة بين أعوام 1921-1925 حوالي 1120 دونم داخل حدود القدس، وكان دير المصلبة آنذاك آخر حدودها الغربية واليوم في مركزها، واكثر من 22 الف دونم خارج حدود القدس، وكان للحركة الصهيونية نصيب الأسد من هذه الصفقات، وقد عقدت شركة الاستيطان اليهودي مع البطريركية اليونانية في تلك الفترة 64 صفقة من أصل 165 صفقة وقعتها البطريركية اليونانية مع جهات مختلفة، منها حكومة الانتداب نفسها. هذه المساحات امتلكتها الكنيسة منذ منتصف القرن التاسع عشر بأموال الدعم الروسية، او أموال تبرعات الحجاج التي تقدم للكنيسة، او ما تم شراؤه بأموال خاصة، ولكنه سُجّل باسم الكنيسة لحمايته من الضرائب العثمانية. هكذا بدأت عملية تسريب الأوقاف الارثوذكسية الى الحركة الصهيونية، وبإشراف المندوب السامي الصهيوني، هربرت صموئيل.
استمرهذا النزيف، واستمرت مسيرة عقد الصفقات بين البطاركة اليونانيين والحركة الصهيونية حتى في ظل وجود البطريركية تحت الحكم الأردني بين أعوام 1948-1967 ولم يختلف الامر بعد احتلال القدس ووقوع البطريركية تحت الحكم الإسرائيلي.
في العام 2005 جرى الانقلاب على البطريرك ايرنيوس بشبهة بيع عقارات وقفية داخل القدس القديمة، باب الخليل، الى جمعيات استيطانية، وبالرغم من انكاره ذلك متّهِما وكيله باباذيموس بعقد صفقات دون علمه، فقد تم عزله وتنصيب ثيوفيلوس الثالث مكانه، ليتبين لاحقا ان ثيوفيلوس اكثر إمعانا في بيع الأوقاف، وبالإختلاف سابقيه، الذين أجّروا الأوقاف للحركة الصهيونية لمدة طويلة تصل الى 99 عاما، يقوم ثيوفيلوس بتحويل هذه الإيجارات الى بيع مطلق، وتتم الصفقات منذ تسلم  ثيوفيلوس سدة البطريركية بوتيرة متسارعة وفي وضح النهار، وكأنه في سباق مع الزمن، مدعيا انه يفعل ذلك باطلاع السلطات السياسية الأردنية والفلسطينية وموافقتهم، ويؤكد هذا الادعاء د. منذر حدادين، كبير مستشاري الملك حسين سابقا، وكبير مستشاري البطريرك اليوناني، في مقال كتبه ونشره في صحيفة الرأي الأردنية يوم 28 تشرين ثاني 2016 ويقول فيه: " لقد اجتمع رؤساء الكنائس المقدسية في عمان عدة مرات وبحضور اللجنة الرئاسية الفلسطينية لشؤون الكنائس واللجنة الملكية لشؤون الكنائس، وبحثوا مصير الأراضي المؤجرة للحركة الصهيونية، وقد اتفق غالبتهم ان لا مفر من بيعها بالمطلق الى الجهات التي استأجرتها في الماضي". وليس غريبا ان يؤكد ذلك أيضا محامي البطريرك ثيوفيلوس الثالث في رسالة وجهها الى المجلس المركزي الأرثوذكسي في تشرين اول 2016 .
لم يتبقى من هذه الأوقاف كثيرا ، ولذلك نشهد في السنوات الأخيرة ان الصفقات التي وقعت في الماضي على انها تأجير طويل الأمد تتحول اليوم الى بيع مطلق ولم تقتصر على القدس الغربية ، بل طالت مناطق في القدس الشرقية وحتى داخل القدس القديمة. كل هذا يحدث تحت بصر السلطات السياسية العربية، القادرة على إيقاف هذه المجزرة بسحب الاعتراف من البطريرك ثيوفيلوس الثالث، كما سحبته من سابقه ايرنيوس، ولكنها للاسف لم تحرك ساكنا. فوق كل ذلك، يتم التصرف بالأملاك الوقفية، تأجيرا أو بيعا، سرا او علنا، لجهات معادية وطنيا وبأسعار بخسة، يمكن مقارنتها بأسعار البضاعة المسروقة  التي يجري تهريبها الى الاسواق. وحين يخشون من الفضيحة يسجلون الشركات التي تشتري العقارات الوقفية المسربة في جزر الكاريبي حيث لا يستطيع أحد ان يطّلع على هوية أصحاب الشركات وتقاريرها المالية، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا جدا. لقد وفرت تكنولوجيا المعلومات الحديثة  لناشطين أرثوذكس، ومنهم كاتب هذه السطور، فرصة وأدوات  للوصول الى وثائق كثيرة جدا تثبت ذلك.
هذا النزيف، كما قلنا، ما زال مستمرا منذ مائة عام وحتى يومنا هذا، بالحجة نفسها، "حاجة البطريركية الى الأموال"، حتى اصبح الأمر يهدد الوجود المسيحي وخاصة الأرثوذكسي في الاراضي المقدسة، ويهدد الحق الوطني الفلسطيني في القدس، بما في ذلك القدس القديمة، مع التذكير ان أحدا لا يعلم اين تودع،  او كيف تصرف هذه الأموال الطائلة، فهل يجوز السكوت عن ذلك؟
هب أبناء الكنيسة الارثوذكسية في فلسطين والأردن للدفاع عن حقوقهم في كنيستهم وأوقافها، وفي الدفاع عن عروبة القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، ولم تكن هذه الهبة منقطعة عن مسيرة طويلة من نضال أبناء الكنيسة الارثوذكسية  منذ منتصف القرن التاسع عشر، بل استمرارا لها حتى يومنا هذا.  لقد نبّه المجلس المركزي الارثوذكسي ، في فلسطين والأردن، عام 2005 ، من خطورة انتخاب بطريرك يوناني مجددا لرئاسة البطريركية لأن تاريخ البطاركة اليونان أثبت عداءهم للكنيسة المقدسية العربية، كما اثبت تعاونهم مع كل السلطات السياسية، واهمها سلطة الاحتلال الإسرائيلي، ضد الحقوق الوطنية والكنسية لأبناء الكنيسة العرب. ليس هذا وحسب، بل نبّه المجلس من خطورة ثيوفيلوس الثالث لتصريحه في اجتماعات سرية مع اللجنة الوزارية الإسرائيلية يوم 11/7/2006 ، ونملك نسخة منها، انه "لا يعارض بيع الأوقاف للصهاينة وانما يطلب اعترافا إسرائيليا بشرعية انتخابه حتى يتسنى له توقيع الاتفاقيات الجاهزة معهم". وعاد ليؤكد ذلك في بروتوكولات محكمة باب الخليل أيضا. ولكن أحدا من المسؤولين الأردنيين او الفلسطينيين لم يلتفت الى تنبيهات المجلس، بل آثروا دعمه السياسي والمادي ضاربين بعرض الحائط مطالب أبناء الكنيسة الغيورين.
في الأشهر الأخيرة تسلسلت فضائح الصفقات التي وقعها ثيوفيلوس، وكشف النقاب عن عدة صفقات بالوثائق الرسمية الموقعة، بما في ذلك تسجيلات الملكية في سجل الطابو الإسرائيلي، وازداد التفاف أبناء الكنيسة الارثوذكسية والكنائس المسيحية بشكل عام حول نشطاء المجلس المركزي، واتسع الاطار ليشمل نشطاء وطنيين فلسطينيين واردنيين من غير المسيحيين، وأحزاب وتنظيمات وطنية فلسطينية واردنية، وانعقد المؤتمر الوطني في بيت لحم يوم الأول من أكتوبر الحالي بمبادرة ورعاية المجلس المركزي والفصائل الفلسطينية كافة، وخرج بتوصيات وقرارات كان أهمها القرار الوطني بعزل البطريرك ثيوفيلوس الثالث باعتباره خائنا للأمانة التي وضعت بين ايديه، وللالتزامات التي وقع عليها، عشية انتخابه، أمام الحكومتين الأردنية والفلسطينية بمنع تسريب الأوقاف ، بل واستعادة ما تم تسريبه.
بالرغم من ان القرار وطنيا شاركت فيه كل الفصائل الوطنية الفلسطينية، الا ان وفدا من دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، توجه في اليوم التالي للمؤتمر، "بتكليف رسمي"، لزيارة ثيوفيلوس الثالث في مقره بالبطريركية "تضامنا معه"، مما ثار حفيظة القوى الوطنية واضطرت دائرة الأوقاف ان تصدر بيانا توضح فيه موقفها، وتشير الى انها وقعت ضحية لمن "كلفها" بهذه الزيارة. كذلك قامت اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس بترتيب زيارة قام بها ثيوفيلوس لرئيس الحكومة الفلسطينية د. الحمدالله، وفي اعقابه أصدر ثيوفيلوس بيانا يدعي فيه ان الحمدالله عبر عن تضامن الحكومة الفلسطينية معه، ولكن، وبعد ضغط شعبي من القوى الوطنية الفلسطينية، أصدرمكتب الحمدالله  بيانا توضيحيا مختلفا عما صدر عن مكتب البطريرك. مع ذلك، اعتبرت القوى الوطنية، في بيانها الاخير، ان أي لقاء يحصل بين جهة فلسطينية رسمية كانت او شعبية بعد اعلان قرارات مؤتمر بيت لحم بمقاطعة ثيوفيلوس، يشكل خيانة وطنية ولا يقبل فيها أي تبرير او توضيح.
تتلخص مطالب أبناء الكنيسة والقوى الوطنية الفلسطينية والاردنية، بما جاء في بيان المؤتمر الوطني في بيت لحم، في الأول من أكتوبر الحالي، وأول هذه المطالب هو سحب الاعتراف من البطريرك اليوناني ثيوفيلوس الثالث، وتقديمه الى المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى، وهذه مهمة الحكومتين الفلسطينية والاردنية. وستبقى القوى الوطنية ، بمن فيهم أبناء الكنيسة الارثوذكسية، قوة ميدانية تفضح كل ممارسات البطريركية اليونانية، وقوة شعبية ضاغطة على السلطات السياسية حتى يتحقق مطلب تعريب الكنيسة وطرد الفاسدين منها الى غير رجعة ومحاكمتهم.

اليف صباغ
الجليل الفلسطيني 20/10/2017
عضو المجلس المركزي الأرثوذكسي.




حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

            لغز عودة السفير الإسرائيلي الى عمّان.

نشر مكتب الناطق باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، يوم أمس، خبر تقديم إسرائيل "اعتذارا رسميا" عن مقتل العامل الأردني وصاحب البيت المؤجر الى السفارة الإسرائيلية، في شهر تموز 2017 في اعقاب اطلاق حارس السفارة النار عليهما حين كانا يقومان بتأثيث الشقة المؤجرة للسفارة نفسها. كما تحدث الخبر ان إسرائيل "قدمت اعتذارا رسميا" أيضا عن مقتل القاضي رائد زعيتر الذي اطلق عليه النار جندي إسرائيلي على معبر اللنبي عام 2014. وأضاف البيان ان حكومة إسرائيل "وفق مذكرة الاعتذار الرسمية" أبدت استعدادها لتقديم حارس السفارة الى القضاء وتقديم تعويضات الى أهالي المغدورين. وهذا يعني وفقا للبيان الأردني ان إسرائيل استجابت للشروط الأردنية لإعادة فتح السفارة الإسرائيلية في عمان. وهكذا تكون الأردن قد انتصرت في معركتها الدبلوماسية على إسرائيل.. هل حقا؟
أما في إسرائيل، فقد نشرت صحف ومواقع إسرائيلية عديدة ، ومختلفة الانتماء السياسي، هذا الخبر، باٌعتباره "إدعاء" أُردنيا، وأتبعته برد رسمي من مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية يقول :" وصلت إسرائيل والأردن الى تفاهم في اعقاب الاحداث في السفارة الإسرائيلية في الأردن يوم 23/7/2017 وحادثة مقتل القاضي الأردني يوم 10/3/2014، بموجبه تعود السفارة الإسرائيلية في عمان لعملها المعتاد فورا. السلطات المسؤولة في إسرائيل تستمر في فحص المواد التي تم جمعها بخصوص حادثة تموز 2017، ومن المتوقع ان تصل الى قرار في الأسابيع القريبة، إسرائيل ترى أهمية بالغة للعلاقات الاستراتيجية مع الأردن، وتعمل معها بتعاون كامل لتعزيز اتفاقية السلام". الى هنا الرد الرسمي لمكتب نتانياهو.  فهل هذا يعني ان إسرائيل ستحاكم الحارس القاتل؟
اما موقع "كيكار هشبات" (ميدان السبت)  فأضاف، على لسان مصادره في وزارة الخارجية، ان الازمة مع الأردن سببت خسارات كبيرة للطرفين، وبما ان السفارة الإسرائيلية مغلقة فهي لا تستطيع ان تصدر تأشيرات دخول الى اسرائيل، إضافة الى ذلك، يوجد 163 جواز سفر اردني محجوزة في خزنة السفارة المغلقة، ولا يستطيع أصحاب الجوازات الخروج من المملكة الى أي مكان ". فهل يعني هذا ان الأردن كان مضطرا لإنهاء الازمة أيضا؟
إجابة على السؤال السابق قال موقع "ماكو" العبري: "قبل ثلاثة اشهر انهى جهاز "الشاباك" تحقيقاته في الاحداث، وحسم موقفه بالقول: ان الحارس تعرض الى هجوم على خلفية قومية، اكثر من مرة، ومحاولتي طعن على ايدي الشاب الأردني، ولذلك لا شك ان الحارس تصرف كالمطلوب، وكما يُتوقع منه، فكان اطلاق النار دفاعا عن  النفس، لذلك فمن غير المتوقع ان تقدَّم ضده لائحة اتهام".
بناء على ما تقدم، وما مرت العلاقات الإسرائيلية الأردنية من أزمات، ومنها اطلاق النار من سلاح جندي اردني على طالبات اسرائيليات كن ّفي رحلة مدرسية على نهر الأردن، فاضطر الملك حسين آنذاك ان يحضر بنفسه واركوع على ركبتيه امام عائلات الضحايا فيطلب السماح ويقدم التعزية، لا شك لدينا ان أحد الطرفين يكذب على شعبه، يتلاعب بالنصوص بطريقته لإرضاء الرأي العام. حكومات تحترف الكذب، رؤساء او ملوك، لا تستحق احترام شعوبها.

                                         _______________________


اليف صباغ 19/1/2018


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .
  ردا عينيّا على ثيوفيلوس الثالث وزبانيّتِه..

هل ينص القانون المقترح على مصادرة أراضي الكنيسة كما يدعي ثيوفيلوس ام انه ينص على مصادرة الأراضي التي كانت تابعة للكنيسة وتم بيعها لشركات خاصة بيعا مطلقا؟ 
اتحفنا ثيوفيلوس الثالث، مساء أمس السبت 12/8/2017، بحلقة جديدة من حلقات التضليل، اوبقنبلة اضافية قنابل الدخان التي تخفي تحتها عمليات تهريب او تسريب الأراضي الوقفية التابعة للكنيسة الارثوذكسية المقدسية، مع التأكيد ان الكنيسة هي مجموع المؤمنين وليست طغمة استعمارية يونانية تسيطر على مقدراتها ومدخراتها منذ 500 عام تقريبا.  لقد تعبنا من الرد على كل محاولات التضليل المكثفة، ويبدو ان الطغمة محترفة جدا، وتملك من المال الوقفي ما يساعدها على تقديم الرشاوى لإعلاميين وسياسيين وأصحاب نفوذ في مؤسسات الطائفة لشراء ذممهم، فتقوم بتنفيذ صفقات بزخم كبير في السنوات الأخيرة،  لدرجة يصعب على فقراء الكنيسة ملاحقة كل صغيرة وكبيرة، حتى يصبح الاستسلام للأمر الواقع هو النتيجة الطبيعية لهذه العملية، وهو المطلوب.
لن استطيع الرد على المؤتمر الصحفي للمدعو "بطريرك المدينة المقدسة وسائر فلسطين والأردن" في مقالة واحدة ، ولهذا سارد بشكل عيني على إدعائه بان "إسرائيل تحضر مشروع قانون لمصادرة الأوقاف المسيحية عامة وليس الارثوذكسية فقط".
لا داعي للتأكيد ان سياسة حكومات إسرائيل المتعاقبة كانت وما تزال تستهدف الوجود المسيحي في فلسطين وتستهدف الأوقاف الارثوذكسية بشكل خاص، لما لها من أهمية تؤكد هوية البلاد وأصحابها الأصليين. ولكن إسرائيل لن تستطيع استملاك هذه الأوقاف لولا التعاون الذي يحصل معها من داخل الكنيسة، واخص بالذكر الطغمة اليونانية التي ترى بأبناء الكنيسة عدوا، ولا بد من التعاون مع السلطات السياسية ضدهم، هكذا كان الحال منذ بداية الحكم العثماني مرورا بسلطة الانتداب البريطاني، فالأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية أيضا. وبالرغم من هذا، فلا بد ان نوضح ما جاء في مشروع القانون الاسرائيلي المذكور.
في السنوات الأخيرة يجتهد ثيوفيلوس واعوانه في تبريره لتجديد صفقات الحِكر طويل الأمد، او التوقيع على صفقات جديدة، او حتى بيع الأوقاف بالمطلق بحجة ان إسرائيل ستصادر هذه الأوقاف بموجب قانون لديها يسمح لها بذلك دون رادع، وعندما واجهناهم بالحقيقة القائلة، بانه لا يوجد قانون كهذا، وتحديناهم ان يقدموا لنا نصّا لهذا القانون المزعوم قالوا: انه "مشروع قانون قُدم الى الكنيست" ، وما كان مني شخصيا الا التوجه ، قبل سنة تقريبا، لأعضاء القائمة المشتركة، بكل مركباتها، (ايمن عودة ، اسامة سعدي ، مسعود غنايم وباسل غطاس)  للاستفسار عن مشروع القانون هذا ؟ فردوا جميعا  بالنفي وانه لا يوجد مشروع قانون كهذا في أي مرحلة كانت. وقد نشرت هذا الرد وتحدثت عنه في عدة مناسبات وامام وسائل اعلام مختلفة، وقلت ان الامر لا يعدو كونه "فزاعة" يلوح بها السماسرة منذ عام 1951، وان إسرائيل بموجب الوثائق التي لدي لن تجرؤ على سن قانون كهذا. كما ان البطركية اليونانية لن تجرؤ علي بيع الوقاف بيعا كاملا مباشرا الى الكيرن كاييت او دولة إسرائيل، واضفت، آنذاك ان نقل ملكية الأوقاف كاملة لطرف ثالث، قد يجعل الطريق اسهل لتحويلها الى ملكية كاملة للكيرن كاييمت او لدولة إسرائيل. من هنا لم يفاجئني مشروع القانون الذي قدمته عضو الكنيست راحل عزاريا يوم 26 تموز 2017 الى سكرتارية الكنيست.  ولكن هل ينص القانون المقترح على مصادرة أراضي الكنيسة كما يدعي ثيوفيلوس ام انه ينص على مصادرة الأراضي التي كانت تابعة للكنيسة وتم بيعها لشركات خاصة بيعا مطلقا؟ 
يحدد القانون المقترح في " الأراضي المقصودة" بما يلي:
"تعريف 1. "الأراضي المقصودة" في هذا القانون هي أراض مخصصة للبناء في إسرائيل، وتم في الماضي التوقيع على اتفاقية حكر بين الكنيسة صاحبة الحقوق في الأرض في إسرائيل وبين الكيرن كاييمت، او كل محتكِر (مستأجِر بالحِكر – أ.ص) آخر، الذي حصل على حقوق الحكر كطرف ثاني بهدف السكن، والذي نقلت اليه الكنيسة حقوق الملكية بعد الأول من يناير عام 2010 ولم توقَّع معه اتفاقية حكر في السابق، او منح حقوق حكر درجة ثانية كما سبق، ( ويسمى هنا الطرف الأخر )."
هنا لا بد من التوضيح والتأكيد ان "الطرف الآخر" وفق تعريفات هذا القانون هو الشركات الاستثمارية مجهولة هوية أصحابها كما يدعون والمسحلة في جزر الكاريبي حيت يمكن إخفاء هوية أصحابها بموجب القانون المتبع هناك، وحتى التهرب من الضرائب، اما نحن فندعي ان من يقف وراء هذه الشركات الخاصة هي حكومة إسرائيل والكيرن كاييمت على حد سواء.
הצעת חוק קרקעות הכנסייה, התשע״ז–2017
הגדרה         1.      בחוק זה, "הקרקעות הנדרשות", מקרקעין למטרת מגורים בישראל שלגביהם נכרת חוזה חכירה בין כנסייה בעלת זכויות במקרקעין בישראל לבין הקרן הקיימת לישראל או כל חוכר אחר ואשר הוקנתה בהם זכות לחכירת משנה למטרת מגורים, ואשר הכנסייה העבירה זכויות לגביהם לאחר יום 1 בינואר 2010 לגורם שלא נכרת עמו קודם ליום זה חוזה חכירה, או שהוענקה לו זכות לחכירת משנה כאמור (להלן – זכויות הגורם האחר).
اما في مادة تفسيرات القانون المقترح فقد جاء ما يلي:
"تفسيرات"
"المقترح هنا، هو تحديد نظام قانوني، يتم بموجبه نقل ملكية الأرض، التي تم تأجيرها بالحكر من قبل الكنيسة الى الكيرن كاييمت او كل طرف محتكر آخر، وتم نقل حقوق الحكر الى طرف ثان بهدف السكن، ومن ثم نقلت حقوق الملكية كاملة عن هذه الأرض الى أطراف أخرى، خاصة، ( المقصود بذلك شركات الاستثمار الخاصة كما ذكر أعلاه -أ.ص)، الى ملكية الدولة.  كذلك نقترح  ان تكون الأطراف الأخرى صاحبة حق بالتعويض عن حقوق الملكية، هؤلاء يمكنهم ان يعترضوا على مبلغ التعويض ولكنهم لا يستطيعون الاعتراض على نقل الملكية الى الدولة".
דברי הסבר
"מוצע לקבוע הסדר ולפיו מקרקעין למטרת מגורים שלגביהם נכרת חוזה חכירה בין כנסייה ובין הקרן הקיימת לישראל או כל חוכר אחר והוקנתה בהן זכות לחכירת משנה למטרת מגורים, ואשר הכנסייה העבירה את הזכויות בקרקע לגביהם לידי גורמי אחרים, פרטיים, יועברו הזכויות לגבי הקרקעות האמורות לקניין המדינה. עוד מוצע כי הגורמים האחרים יהיו זכאים לפיצוי בשל העברת זכויותיהם במקרקעין לטובת המדינה. גורמים אלו יהיו רשאים להשיג על גובה הפיצוי המוסכם אך לא על העברת הזכויות עצמה. "

اخترت هنا ان اترجم، حرفيا وجوهريا، فقرتين هامتين من اقتراح القانون المذكور، مع إضافة النص العبري ( الأصلي) لأتيح الفرصة لمن يريد التأكد من ذلك، ولأبيّن ان "القانون" الذي استخدمه ثيوفيلوس وزبانيته منذ سنوات لتبرير تهريب الأراضي الوقفية، لم يكن قائما أبداً، وان مشروع القانون الحالي لا يستهدف الأراضي الوقفية المسيحية الا بعد نقلها الى الملكية الخاصة والكاملة، والتالي، يكذب كل من يحاول تبرير صفقات تسريب الاراضي الوقفية الى دولة إسرائيل ومؤسساتها، بحجة وجود قانون او مشروع قانون يمكّن إسرائيل مصادرة الأوقاف المسيحية دون رادع. ويكذب مرة أخرى حين يدعي ان لا مفر لديه الا بيع الأوقاف لشركات خاصة ، لأنه بهذا الإجراء يحصل على ثمنها قبل ان تصادرها الدولة.
لقد قلنا منذ اللحظة الأولى للانقلاب في الكنيسة المقدسية وترشح  ثيوفيلوس الثالث لتولي الكرسي البطريركي لأم الكنائس، ان هذا الرجل "المقرب من السي أي ايه"، كما تقول أجهزة الامن الإسرائيلية في برتوكولاتها السرية منذ عام 2011 ، انما سيأتي لتصفية الأوقاف، وبالتالي تصفية الحضور المسيحي الوطني في القدس خاصة وفي فلسطين عامة. ومن المؤسف والمخزي ان تكون السلطة الفلسطينية متعاونة معه ولا تسحب منه اعترافها رغم كل الفضائح الموثقة..
سيسجل التاريخ للسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس خيانتها العظمى للقضية الوطنية الارثوذكسية. ولن يرحم التاريخ كل من وقف على راس او في عضوية اللجنة الرئاسية الفلسطينية لشؤون الكنائس، كما انه لن يرحم القوى المتنفذة فيما يسمى اللجنة التنفيذية للمؤتمر الأرثوذكسي في إسرائيل. اما اللجنة الملكية برئاسة الأمير غازي، فقد اعتدنا خياناتهم منذ النكبة، ولا جديد في مواقف العائلة الهاشمية ومجروراتها.
الّلهمَّ إنّي بلّغت ! وعلى شرفاء الوطن اتكلت !


اليف صباغ - البقيعة 13/8/2017

حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

            حذار من النشوة وترويج الانتصارات الوهميّة !


احتفل الموالون للبطريرك اليوناني ثيوفيلوس الثالث، ومعهم جمهور مقدسي كبير، من طوائف مختلفة، ب"انتصار" رؤساء الكنائس على حكومة الاحتلال وبلديتها، بعد ان اعلن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتانياهو عن تشكيل لجنة مهنية برئاسة الوزير تساحي هنغبي لتسوية قضة ضريبة الارنونا التي تطالبُ بها بلديةُ الاحتلال رؤساءِ الكنائس في القدس، وقد تبلغ وفق تصريحات البلدية اكثر من 600 مليون شاقل. على ان يتم، وفق بيان الحكومة، تجميد جباية الديون حتى انتهاء مفاوضات التسوية.  و"بناء على طلب رؤساء الكنائس" كما يقول البيان، ستبحث اللجنة التي عينها رئيس الحكومة في موضوع الأراضي التي تبيعها الكنائس في القدس لجهات إسرائيلية.
قام الطاقم الإعلامي المحترف، المستأجَر من قبل البطريركية اليونانية، بترويج الخبر على انه انتصار لرؤساء الكنائس على حكومة الاحتلال وبلدية القدس، وعليه فقد قرروا إعادة فتح كنيسة القيامة في وجه الحجاج الأجانب. هل حقا هو انتصار  للكنائس؟ ولماذا قامت وسائل الاعلام الفلسطينية بالذات، والعربية عامة، بالترويج لهذا "الانتصار" او نقله كما وصلها من المكتب الإعلامي المذكور دون التحقق من ماهية القرار الإسرائيلي؟ ولماذا يصف البيان تدخل بنيامين نتانياهو ب" التدخل البنّاء لرئيس الحكومة...."؟
يبدو ان العرب عامة والفلسطينيين خاصة بحاجة لأي انتصار على حكومة الاحتلال حتى لو كان وهميًّا،  ويخشى الاعلاميون منهم من توجه محبِطٍ حتى لو كان كاشفا للحقيقة،  او ان كثافة العمل الإعلامي الذي يقوم به طاقم البطريركية اليونانية وجد صداه في وسائل الاعلام سريعا دون تحقق، في حين ان الطرف المناهض للبطريركية تأخر او تكاسل في فضح المسرحية خشية من اتهامه بالدفاع عن الاحتلال أو تبني نظرية المؤامرة.
 لقد اعتدنا، نحن الفلسطينيون، وأبناء الكنيسة الارثوذكسية بالذات، على مثل هذه "الانتصارات" التي سرعان ما تتكشف حقيقتها المأساوية فتنعكس احباطا واستسلاما، وهذا بالضبط ما يريده رؤساء الكنائس على اختلافهم. يريدون "رعية" عربية لا تخالف ما يقوله الراعي، قطيعا مطيعا، يستهلك ما يقدم له شاكرا دون اعتراض ميصفقا مبتهجا حين يشار اليه، او منافقين ومتسولين على أبواب الرهبان الأجانب.
ليس صدفة ان رؤساء الكنائس يرفضون أي تدخل لأبناء الكنائس العرب في أي مفاوضات بينهم وبين حكومة الاحتلال او بلديتها. وليس صدفة ان رؤساء الكنائس يرفضون توكيل محامين او محاسبين من أبناء الكنيسة العرب للدفاع عن اوقاف الكنائس في وجه المحتل. وليس صدفة انهم يرفضون فتح أي ملفات مالية او عقارية امام مختصين عرب، وبالذات من أبناء الكنيسة نفسها، ويرفضون دعما شعبيا مطلعاً على الحقائق، انما يريدون دعما غوغائيا يقوده منتفعون من فتات الموائد، لا يطلب فتح ملفات او معرفة حقيقة لأن "التطاول على شجرة المعرفة" يشكل خرقا "للستاتيكو"، وسببا "للطرد من الجنة"  وفق روايتهم لقصة آدم وحواء.
مثل هذه المسرحيات و"الانتصارات" الوهمية شهدنا مثلها الكثير في الماضي، وسرعان ما تبين ان النتائج الحقيقية مساوية. مثل هذه المسرحية حصلت عام 1990 عندما "احتل" المستوطنون دير مار يوحنا بجانب القيامة، فهب الرهبان اليونان دفاعا عن الدير وعلى رأسهم تيموثاوس، سكرتير البطريركية آنذاك،  واكثرهم تورطا بالصفقات، فتوافد أبناء الطائفة الى القدس تضامنا، وارفعت أصوات الخطباء، وأُغلقت كنيسة القيامة لمدة 48 ساعة،  وحين هدأت العاصفة تبين ان البطريرك اليوناني آنذاك، ثيودوروس، كان قد وقع على صفقة سرية لتأجير الدير بالحكر، أي لفترة طويلة، لصالح شركة استيطانية مسجلة في بنما، وهي شركة بنت لجمعية عطيرت كوهانيم.  أما المسرحية فكانت إجراءً ضروريا حتى يبدو البطريرك اليوناني للرأي العام الوطني، في ظل انتفاضة شعبية عارمة، وحراك ارثوذكسي متفاعل ضد الطغمة اليونانية، انه لا يبيع للمستوطنين بل يقاومهم، وما اشبه اليوم بالأمس؟ مثل هذه المسرحية عِشنا وشاهدنا مسرحيات كثيرة جدًّا، وهي لا تخفي على من لم يفقد بصره وبصيرته.
علينا ان نلاحظ أيضا، أن اغلاق كنيسة القيامة لم يأت بسبب اعلان ترامب ان القدس الموحدة هي عاصمة إسرائيل، ضاربا بعرض الحائط كل الحقوق السيادية الفلسطينية، والقانون الدولي، وما يسمى ب" الستاتيكو" الذي يتمسك به رؤساء الكنائس وخاصة البطريركية اليونانية، ولم يأت بسبب حرق كنائس في طبريا وأماكن أخرى، او بسبب ممارسات الاحتلال القمعية تجاه أبناء الشعب الفلسطيني عامة، ومنع أبناء الكنائس من الفلسطينيين والاردنيين خاصة، من الوصول الى القدس لأداء الصلاة حتى في الاعياد، ومنع، حتى أبناء القدس، من المشاركة في طقوس ظهور النور ليلة الفصح في كنيسة القيامة، بل جاء القرار ، عندما وصلت اليد الإسرائيلية الى جيوبهم وصناديقهم المنتفخة وهي، للحق، صناديق الكنيسة، والكنيسة هي مجموع المؤمنين.
الاعلام والحقيقة المغيبة
لقد نجحت الطواقم الإعلامية، وخاصة تلك التي تعمل لدى البطريرك اليوناني ثيوفيلوس الثالث، منذ بداية الحملة، في خداع الراي العام العربي، مدعية ان سلطات الاحتلال تريد فرض الضرائب "على الكنائس" بمعنى "الأماكن المقدسة" في المدينة، وهذا يعني انتهاكا للستاتيكو المتفق عليه منذ الحكم العثماني، وقد ساهم تواطؤ سلطات الاحتلال في ترويج هذا الادعاء بالسكوت وعدم اصدار بيانات تكذيب او توضيح بغير اللغة العبرية، إضافة لذلك دأبت وسائل الاعلام العربية على عدم التواصل مع بلدية الاحتلال لأخذ موقفهم، فساهمت في الحملة بقصد دون قصد، واي جملة إعلامية ضد المحتل الإسرائيلي لا بد ان تلقى تأييدا وترويجا، وهذا هو الطبيعي طالما ان المحتل لم يعترض على ذلك ايضا. والحقيقة التي حاول عدد من النشطاء الوطنيين الأرثوذكس توضيحها منذ اليوم الأول ان بلدية الاحتلال لم تطلب فرض ضريبة الأرنونا على الكنائس بمفهوم أماكن العبادة، بل على الكنائس بمفهوم المؤسسات الدينية، وعلى العقارات التي تعتبرها البلدية عقارات مستخدمة بهدف الربح، وفق تعريفات قانون الارنونا وليس بهدف خدمة الحجاج وسائر المؤمنين. ان موقف النشطاء الأرثوذكس، كما صدر في بيان "حراك الحقيقة"، لم يكن دفاعا عن المحتل الإسرائيلي، بل رافضا له من البداية، ورافضا لكل صفقات تسريب العقارات الكنسية الى جهات صهيونية مسجلة في جزر الكاريبي او أماكن أخرى. وكان التوضيح يهدف الى التحذير من كون اغلاق أبواب الكنيسة جزء من مسرحية يقوم بها رؤساء الكنائس بالتوافق مع المحتل الإسرائيلي، حتى يبدو هؤلاء الرؤساء في أعين القوى الوطنية مدافعين عن الوطن والأرض لا مفرطين  وتجارا للأوقاف، ويبدو المناهضين للبطريرك اليوناني متعاونين مع المحتل ومدافعين عنه.    
هنا لا بد التوضيح أيضا، ان الرأي القانوني الذي تعتمده البلدية لفرض وجباية الضريبة المذكورة، قد كُتِب في شهر آب من العام 2017 ويمتد على 21 صفحة، يشرح فيه الكاتب القانون الإسرائيلي المسمى "أمر ضريبة الارنونا" بكل بنوده، لكنه لا يشير، ولو بجملة واحدة، الى الاتفاقيات الدولية المعمول بها منذ الفترة العثمانية وحتى اليوم. هذه الاتفاقيات التي تعيد المصادقة على الستاتيكو الذي اقرته السلطات العثمانية آنذاك. ولم تنقضه السلطات السياسية اللاحقة، بما في ذلك السلطة الانتدابية التي اوجدت ضريبة الأرنونا عام 1934 ، مرورا بالسلطة الأردنية وسلطة الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948 او بعد العام 1967.


الادارة الفاسدة وتراكم الديون
في اعقاب القرار الإسرائيلي بتشكيل لجنة مهنية لتسوية قضية الضرائب المترتبة على الكنائس، باعتبارها مؤسسات معترف بها "شخصيات قانونية"، وليس باعتبارها أماكن عبادة، كما يوضح بيان البلدية اللاحق، وبالذات على عقارات تابعة للكنائس بهدف الربح وليس بهدف إيواء الحجاج او تقديم الخدمات لهم، كما تدعي البلدية، دخلت القضية مرحلة حساسة وخطيرة تستوجب المتابعة والمرافقة، وعدم ترك رؤساء الكنائس يفاوضون المحتل دون رقيب او حسيب، لان قضية الأوقاف المقدسية والضرائب المطلوبة من الكنائس ليست قضية تخص طائفة او رئيس طائفة، بل هي قضية وطنية ولها تداعيات كبيرة على الوجود المسيحي في الأرض المقدسة بشكل عام. ولأن الاجراء الذي يفترض ان تقوم به الكنائس هو التوجه الى القضاء الإسرائيلي او الدولي اعتمادا على الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية وعدم القبول بلجنة حكومية يقيمها المحتل نفسها.
إن تراكم الديون الحاصل على مدى سنوات، بسبب طمع المحتلين من ناحية، واهمال محامي الكنائس الذي عملوا واكتفوا ب"تجميد إجراءات الجباية"، بدلاً من التوجه الى المحاكم لإلغاء المطلب من أساسه، مما أدى الى تراكم الديون والغرامات، يؤكد ان الإدارة الحالية للكنائس هي إدارة فاشلة، ان لم نقل فاسدة، لا يمكنها ان تستمر في إدارة شؤون الكنائس. وهذا ما حذرنا منه منذ سنوات دون ان يصغي الينا أحد. وهل يمكن للفاسد ان يصغي لمن يشير الى فساده؟


لماذا نقول انه انتصار وهمي ونحذر من مخاطره؟
ان مجرد قبول رؤساء الكنائس بقرار رئيس حكومة الاحتلال  ورئيس بلدية القدس بإقامة "لجنة مهنية يشارك بها ممثلون من وزارات المالية والداخلية والخارجية والبلدية  لوضع خارطة طريق لتسوية قضية الأرنونا على الأملاك الكنسية من غير دور العبادة، والتفاوض مع رؤساء الكنائس على أساس ذلك"، هو بحد ذاته انتصار للحكومة والبلدية وليس لرؤساء الكنائس لانه إجراء حكومي داخلي لكيفية مواجهة الكنائس من ناحية، ومن ناحية أخرى لأن ما اعتبرته الكنائس طابو وحقا محميا بالاتفاقيات الدولية ، ومشمولا في "الستاتيكو" اصبح موضوعا قابلا للتفاوض بين رؤساء الكنائس وحكومة الاحتلال. إضافة الى ذلك لا بد من التذكير ان رئيس اللجنة "المهنية" هو الوزير تساحي هنغبي، وهو نفسه الوزير الذي ترأس اللجنة الوزارية التي فاوضت ثيوفيلوس وفرضت عليه شروطها مقابل الاعتراف به نهاية العام 2007.
فوق هذا وذاك، ان طلب رؤساء الكنائس، وموافقة رئيس الحكومة، ان تبحث هذه اللجنة مع رؤساء الكنائس قضية العقارات التابعة للكنائس، التي بيعت لجهات إسرائيلية او ستباع في المستقبل، هو امر يثير القلق الى حد كبير، وعليه وجب التحذير من احتمال بيع عقارات جديدة مقابل سداد ديون سيتم الاتفاق على دفعها، عندها سيخرج رؤساء الكنائس "منتصرين"، أيضا، ومدعين بانهم دفعوا اقل بكثير مما طالبت به البلدية ولكنهم كانوا "مضطرين" الى بيع عقارات تابعة للكنيسة لسد الديون. ولو توجه رؤساء الكنائس الى المحكمة بمرافقة محامين ومحاسبين مخلصين، ربما لن يدفعوا شيئا او أقل بكثير مما تأتي به المفاوضات.
اما النتيجة الأخطر لهذه المفاوضات، فتتمثل في خلق اتفاقيات جديدة، بديلة للاتفاقيات الدولية، بين سلطات الاحتلال الإسرائيلي وبين رؤساء الكنائس، ويكون بذلك قد انتهى مفعول الستاتيكو المعروف تاريخيا فيما يخص العلاقة بين الكنائس والسلطة السياسية الحاكمة، وهذه الاتفاقيات الجديدة لا بد ان  تشمل او تعني اعترافا رسميا من قبل رؤساء الكنائس بالسيادة الإسرائيلية على القدس المحتلة، بما في ذلك الكنائس. وعليه اعتقد ان هذا الهدف كان قد وُضِع على جدول اعمال الحكومة الإسرائيلية بعد إعلان ترامب وهو احد الإجراءات المترتبة على اعلان ترامب لتجسيد السيادة الإسرائيلية على القدس المحتلة، وقد جاءت الفرصة لتحقيقه، وقد يلحق ذلك إجراءات مشابهة فيما يخص مؤسسات الأمم المتحدة.
لا شك أيضا، ان أي اتفاقية جديدة سيكون لها تداعياتها على الأوقاف الإسلامية في القدس، وعلى مجمل العلاقة بين البلديات والمجالس المحلية داخل مناطق ال 48 فيما، يخص أملاك الطوائف التي تعود ببعض المال على الكنائس او الجوامع المحلية لسد تكاليف المحافظة على الأماكن المقدسة، او تقديم بعض الخدمات للطوائف المحلية.
 من الخطأ ترك رؤساء الطوائف يفاوضون المحتل دون تدخل أبناء الكنائس ودون رقابة وطنية مهنية مرافقة، لما قد يكون لهذه المفاوضات من تداعيات على الوجود المسيحي عامة، وعلى المستوى المحلي في كل مدينة وقرية. من الخطأ ان تُترك الإدارة المادية في ايدي رجال الدين الفاسدين والفاشلين، او ان تُترك في أيدي محاسبين ومحامين أثبتت التجربة فشلهم وإهمالهم في الدفاع عن مقدرات وحقوق الكنائس. ان الإبقاء على الإدارات الحالية هو تأكيد لاستمرار الفساد ونذير بعودة الازمات الى ما هي عليه الآن في المستقبل. لا يجوز لأبناء الكنيسة المخلصين ان يديروا ظهورهم لما يحدث، ولا يجوز لهم أن يقبلوا بدور القطيع المطيع لمن لا يستحق الثقة والحفاظ على الأمانة المقدسة. لا يجوز السماح باستمرار سيطرة ثلة من الرهبان الأجانب على الكنائس المحلية يعيثون فيها فسادا وإفسادا دون رقيب او حسيب من الكنيسة نفسها او من الهيئات الوطنية الفلسطينية والاردنية. أعيدوا الأمانة الى أصحابها فهم أولى وأقدر على ادارتها.
                                _________________

اليف صباغ.
الجليل 27/2/2018ء الإشارة إلى المصدر .