السبت، 3 مارس 2018

اغلاق كنيسة القيامة، مواجهة حقيقة او مسرحية مُعادة؟

بعد انتهاء صلاة الاحد الأول من الصوم الكبير، هذا الصوم الذي يستقبل بعده المسيحيون عيد الفصح العظيم، وفي ظل اكتظاظ القدس بالحجاج المسيحيين من كل انحاء العالم، عقد رؤساء الكنائس في القدس، ممثلين بالبطريرك اليوناني ثيوفيلوس الثالث وبطريرك الأرمن نورهان مانوغيان وحارس الأراضي المقدسة فرانشيسكو باتون، مؤتمرا صحفيا قصيرا اعلنوا فيه عن اغلاق أبواب الكنيسة الى أجَل غير مسمى احتجاجا على نية وخطوات بلدية القدس  لجباية ضريبة المسقفات ( الارنونا)  على العقارات التابعة للكنائس ، والتي تعتبرها البلدية عقارات تهدف الى الربح، وعليه فيجب ان تدفع الضرائب كغيرها من العقارات في المدينة. اما الكنائس فترى بمدخولات هذه العقارات أموالا تساهم في الحفاظ على الوجود المسيحي وأماكن العبادة،  ومصروفات أخرى يحتاجها رجال الدين على اختلاف مراتبهم ومصروفاتهم. كما تعتبر الكنائس ان مطلب البلدية مخالف للاتفاقات الدولية، منذ العهد العثماني ولغاية اليوم، التي تعفي الكنائس من دفع ضريبة المسقفات على املاكها، وهذا ما هو معمول به في الأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية أيضا. يذكر ان قرار اغلاق او فتح كنيسة القيامة هو حق للكنيسة الارثوذكسية باعتبارها أم الكنائس، ولها امتيازات خاصة مقارنة بالكنائس الأخرى، حصلت عليها منذ الحكم العثماني وحتى اليوم وهي موثقة فيما يسمى "الستاتيكو". وعليه يحق لرؤساء الكنائس الأخرى التقدم بمطلب اغلاق الكنيسة او فتحها ولكن القرار النهائي فهو من حق البطريركية اليونانية.
لا شك ان قرار رؤساء الكنائس في مدينة القدس إغلاق كنيسة القيامة هو حدث تاريخي لم يسبق ان قامت به الكنائس من قبل، الا عام 1991 احتجاجا على دخول المستوطنين الى دير ماريوحنا الملاصق لكنيسة القيامة، ولا شك ان القرار أوجد، وفق ما تناقلته وسائل الاعلام المحلية والدولية، صدى عالميا وليس محليا او إقليميا فقط. كيف لا ؟ وكنيسة القيامة هي أقدس مقدسات المسيحيين في كل مكان على وجه الأرض ويحج اليها ملايين المسيحيين كل سنة. فهل يرتد الصدى او يتحول الى إجراءات عملية على الأرض؟ هذا ما لا نعرفه حتى الآن.
اما الأسئلة التي اثارتها هذه الخطوة التاريخية فهي كثيرة ومهمة أيضا ومنها: لماذا لم تُتّخَذ هذه الخطوة ردا على اعلان الرئيس الأمريكي ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل؟ ضاربا بعرض الحائط القانون الدولي وكذلك "الستاتيكو" على حد سواء؟ وهل يكفي مطلب البلدية بتحصيل الضرائب من الكنائس، مقارنة بإعلان ترامب، لاٌتخاذ خطوة تاريخية من هذا النوع في هذه الأيام بالذات؟ ألا يمكن التوجه الى المحاكم المحلية او الدولية لرد ادعاءات بلدية الاحتلال، اعتمادا على ما تحمله الكنائس من اتفاقات دولية وممارسات لعقود، بل لقرون، من الزمن، على ارض الواقع؟ كيف يحدث مثل هذا الاجراء والبطريرك اليوناني يتعاون مع الجهات الصهيونية المختلفة لتصفية العقارات التابعة للكنيسة الارثوذكسية وبيعها لجهات صهيونية مختلقة بأبخس الأثمان؟ الم تكن التهديدات والابتزازات الإسرائيلية للبطريركية اليونانية، كما يدعي ثيوفيلوس الثالث، والتي أدت الى تنازله عن عدد كبير وهام من العقارات في القدس ويافا والرملة وحيفا وطبريا وغيرهم.. لصالح مستثمرين صهاينة بأبخس الاثمان، سببا اكبر من محاولة فرض الضرائب البلدية على العقارات التجارية؟ مثل هذا الأسئلة وأكثر... تجول في الاذهان ولا تجد الأجوبة الشافية لها.  ويبقى السؤال الأهم، هل هي مسرحية من مسرحيات ثيوفيلوس الثالث للظهور وكأنه المدافع على الأوقاف في وجه الاطماع الصهيونية التي لا تنتهي؟ وهل يمكن ان تمر صفقات تسريب لعقارات جديدة تحت ما يسمى مصادرة، او التهديد بالمصادرة، او بادعاء الحاجة الى تسديد ديون مستحقة الى لسلطات الاحتلال؟  كلها أسئلة يمكن الاجابة عليها بالتحليل اعتمادا على تاريخ طويل لممارسات البطريركية اليونانية ، او الانتظار للحصول على الأجوبة على ارض الواقع، وهل من جدوى لهذا الانتظار؟ ام ان المطلوب هو تحرك سريع لمنع قوع ما لا نريده ان يحدث؟
ان البيانات المضللة ، وهي بالعشرات، التي أصدرها المكتب الإعلامي التابع للبطريركية اليونانية على مدى سنوات من رئاسة ثيوفيلوس الثالث لسدة البطريركية، لا تبشر بالخير. بإمكاننا مراجعة عشرات البيانات المضللة للتأكد من ذلك، وبإمكاننا ان نكتفي بنماذج فقط للتدليل على نهج التضليل الذي تتبعه البطريركية اليونانية، ويتبعها في ذلك رؤساء الكنائس الأخرى في القدس ببيانات تضامن بعضها تتضمن معلومات لم يطلع عليها الموقعون أنفسهم.  تدعي البطريركية اليونانية، كعادتها، انها تتصدى للمستوطنين الصهاينة في الدفاع عن العقارات الارثوذكسية في المدينة المقدسة، وانها تبذل جهودا "جبارة" في المحاكم لتخليص هذه العقارات من أيدي المحتل ومؤسساته مما يكلفها ملايين الدولارات، ولكن، في الواقع، نشهد تسريبا للعقارات واحدا تلو الأخر على طول البلاد وعرضها بما في ذلك القدس الكبرى والبلدة القديمة أيضا، وعند الكشف عن ذلك تدعي، او يدعي مستشارو البطريرك والطاقم الإعلامي الذي يرافقه، ان البطريرك كان مضطرا لذلك لسد الديون المتراكمة على البطريركية !!. في العام 2008 أصدرت البطريركية اليونانية بيانا وزعته على وسائل الاعلام العربية في فلسطين والأردن ونشر في الصحف والمواقع الالكترونية ، تحت عنوان :"البطريركية  تنتصر على جمعية عاطيرت كوهنيم في المحكمة"، في قضية استرداد عقارات باب الخليل، ليتبين لاحقا ان البطريركية اتفقت مع المستوطنين على إخراج المستأجرين العرب ومحاميهم من حلبة القضاء ليتسنى للطرفين، البطريركية والمستوطنين، تبييض صفقات عقدت سابقا في البلدة القديمة، وادعى البطريرك المعزول انه لم يعلم بها، مثل عقار في باب حطة، وساحة في سلوان التي يستخدمها المستوطنون موقفا للسيارات للوصول الى ساحة البراق، وتمديد لصفقة دير ماريوحنا بجانب كنيسة القيامة، وغيرها.. وعند الكشف عن التقصير الحاصل في الدفاع عن عقارات باب الخليل يعمل الطاقم الإعلامي على توجيه أصابع الاتهام الى محاكم الاحتلال "الظالمة"، في محاولة لاستعطاف الراي العام الوطني للتضامن مع البطريركية على انها ضحية للاحتلال، بدل ادانتها بالتعاون مع المستوطنين، وهذا ما تؤكده محاضر جلسات المحكمة ووثائق أخرى ينشرها تباعا نشطاء الحراك الوطني الأرثوذكسي لفضح ممارسات البطريركية اليونانية المعادية لحقوق أبناء الكنيسة العرب من فلسطينيين واردنيين على حد سواء. 
يمكننا أيضا الاطلاع على حيثيات صفقة رحافيا والطالبية، وأسباب تحويل اتفاقيات الحكر التي وقعت عام 1951 و 1952 الى اتفاقيات بيع مطلق، وكيف ادعي ثيوفيلوس ان اتفاقيات الحكر السابقة "مجحفة جدا" بحق البطريركية، وانها تعطي للكيرن كاييمت "حقا تلقائيا" لتمديد العقد بالشروط التي تراها مناسبة ولا يحق للبطريركية الاعتراض على ذلك. وعندما كشف ناشطو الحراك الوطني الأرثوذكسي عن الاتفاقيات الموقعة عام 1951 و 1952 وبينوا عكس ذلك، وان الاتفاقيات تعطي للكيرن كاييمت "إمكانية" وليس حق لتمديد الحكر لمرة واحدة فقط وشرط "موافقة الطرفين"، وانه اذا لم يتم الاتفاق "تعود الأرض وما بني عليها" الى ايدي البطريركية، قام البطريرك ثيوفيلوس بتسريب العقارات، ذات الشأن، سرا الى مستثمرين يهود سجلوا شركاتهم في جزر الكاريبي، حيث يمكن إخفاء هوية المشتري، بأسعار زهيدة، مدعيا انه كان مضطرا لذلك بهدف الحصول على مال للدفاع عن اوقاف أخرى..
يمكننا أيضا الاطلاع على الادعاء المضلل، الذي تردده البطريركية اليونانية صباح مساء، بانها تبيع الأوقاف خوفا من مصادرتها على يد المحتل الإسرائيلي، بموجب قوانين سنتها الكنيست منذ زمن، وفي الحقيقة ، بعد الفحص والتحقق، تبين انه لا توجد قوانين من هذا القبيل، ولا حتى مشاريع قوانين لمصادرة أراضي الكنائس، ومع ذلك يستمر ثيوفيلوس بترويج الادعاءات المضللة معتبرا ان توجيه الاتهام الى المحتل الإسرائيلي يمكن ان يكسبه تبريرا شرعيا، ويجند القوى الوطنية الى جانبه.
ضمن هذه المنهجية الإعلامية يمكن اعتبار قرار اغلاق كنيسة القيامة، حلقة من حلقات المسرحية الكبرى التي ينتجها ويخرجها الطاقم الاعلامي للبطريركية اليونانية، يساعده في ذلك جهات فلسطينية واردنية رسمية، تابي التحقق من ادعاءاته وترفض ما يقدمه ناشطون وطنيون ارثوذكس من وثائق، وتعمل وسائل اعلام فلسطينية واردنية على ترويج الادعاءات الكاذبة وترفض إعطاء الطرف الاخر إمكانية الرد.
مثل هذه السلوكيات للصحافة الفلسطينية والاردنية، هي سلوكيات بعيدة عن المهنية أولا وبعيدة عن الرسالة الوطنية التي يفترض ان يحملها هذا الاعلام.
بإمكان الاعلام العربي والدولي ان يملأ الفراغ الذي يخلقه الاعلام المحلي، من خلال الالتزام بالإعلام الاستقصائي، للتحقق من كل ادعاء وعدم التسرع في نشر البيانات المضللة دون فحص. بإمكان الاعلام العربي والمحلي ان يتوجه الى الناشطين الأرثوذكس الذين يحملون على عواتقهم مسؤولية كبرى منذ عشرات السنين، والتزود بالمعلومات والتوجه الى مقابلة المسؤولين على اختلاف مواقعهم للتحقق مما يصلهم من معلومات..

اليف صباغ
الجليل 26/2/2018



حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق