الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

خطاب الفاتحة لنتانياهو


                       خطاب الفاتحة لنتانياهو

بيبي يريدها دولة فلسطينية بلا سيادة، لا أرض لها ولا جو ولا بحر، اجهزة تحكم السكان وتقمع طموحهم للسيادة والحرية والتطور كباقي الشعوب. هل تقبل الشعوب ان يكون لها دُول من هذا النوع؟
في خطابه أمام الكنيست، عند افتتاح دورتها الشتوية، ليلة أمس، لم يُخفِ بيبي نتانياهو مواقفه واستراتيجيته من قضية التسوية السياسية، بعد ان كان قد كشف عن جوهرها في خطابه الأخير خلال الاجتماع السنوي للجمعية العامة للامم المتحدة حين قال: يطالبوننا بالانسحاب من المناطق المحتلة، و"هل يمكن ان يحتل شعب أرضه؟"، هذا يعني ان بيبي نتانياهو ومَن والاه، بعد ان حصلوا على إقرار فلسطيني ان حيفا ويافا ليستا محتلتين، واعتراف فلسطيني "بحق اسرائيل في الوجود" على ارض فلسطين، فهو لا يعترف بأن الضفة الغربية محتلة، ومن هنا يمكن ان نفهم لماذا يصر ألا يقدم خرائط لحدود الدولة الاسرائيلية مع الدولة الفلسطينية التي يتحدثون عنها، بل يحق لنا ويتوجب علينا ان نتساءل ما هو مفهوم "الدولة" التي يقصدها بيبي نتانياهو عندما يقول انه لا يريد دولة اسرائيلية ثنائية القومية، وفي الوقت نفسه لا يريد دولة فلسطينية "تابعة لإيران". وما اصرار بيبي نتانياهو على الامعان في الاستيطان في القدس ومستوطناتها، كما في الكتل الاستيطانية الكبرى، والإمعان في تحدي الامة الاسلامية من خلال اقتحام الاقصى وتدنيس المستوطنين لأرضه ونشر الافلام المهينة للمسلمين ، التي تصورها وسائل الاعلام العسكرية نفسها، الا بقصد زرع الاحباط وتكريس الاحتلال في رسالة واضحة لكل مسلم وعربي، ما لكم الا القبول بالامر الواقع، وبان اسرائيل القوية تستطيع ان تفرض ما تريد على امة ممزقة تأكل ابناءها كما تأكل النعاج الربيع الاخضر.
لوحظ ايضا ان نتانياهو قد تبنى مسارا تفاوضيا جديدا يلتف فيه على الطرف الفلسطيني، ويرى ضرورة تحقيق السلام والتطبيع مع الدول العربية قبل التوقيع على اتفاقية سلام مع الشعب الفلسطيني، معتمدا على امكانية تشكل محور عربي من مصر والاردن والسعودية والامارات يتعاون مع اسرائيل، هكذا يرى نتانياهو او يحلم، تارة يتعاونون ضد ايران واخرى يتعاونون مع "داعش" و"النصرة" ضد سوريا، وتارة ضد الاخوان المسلمين او ضد "داعش" ورابعة ضد حماس، ومن خلاله ضد الشعب الفلسطيني عامة، وهذا هو الأهم بالنسبة لإسرائيل، ولْيَنتظر الشعب الفلسطيني حريته قرنا اضافيا....يعلم كل متابع ان هذا المسار التفاوضي ليس جديدا، بل هو اقتراح الجنرال غيورا ايلند رئيس مجلس الأمن القومي، وكان هذا المساء في صلب الاتصالات الاسرائيلية العربية خلال العدوان الاخير على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، وتبدي الادارة الامريكية استعدادها لقبوله، دون قناعة من اوباما، إذا ما أحست ان العرب يقبلون به ايضا.
بيبي لم يكشف عن اوراقه الحقيقة فجأة، بل سبقه الى ذلك نفتالي بينيت عام 2013 حين تساءل "كيف يمكن لإسرائيل ان تحتل ارض اسرائيل"، نافيا حق الشعب الفلسطيني في ارضه ووطنه. وفي الاونة الاخيرة لم يبخل وزير الأمن، بوغي يعلون، بتصريحات في غاية الخطورة عشية زيارته الاخيرة للولايات المتحدة، حين قال: "ان مهمة حكومة اسرائيل هي إدارة الصراع، وان النتيجة لن تكون باقامة دولة فلسطينية، بل حكما ذاتيا لا يتمتع بالسيادة على الارض ولا في الجو"، اذن ما هي الدولة التي يقبلون بها؟ هل يقصدون اجهزة حكم تدير امور المواطنين فقط؟ على ان تبقى السيادة في البحر والجو والبر في ايدي اسرائيل. نعم هذا هو مفهوم الدولة الفلسطينية من منظار اسرائيلي. فهل فهم المفاوض الفلسطيني ذلك؟ وهل يجوز العودة الى المفاوضات العبثية ام انه من الضروري التوجه بحملة اعلامية وسياسية مكثفة الى شعوب العالم والقوى السياسية الفاعلة، قبل التوجه الى الحكومات الغربية، لفضح الموقف الاسرائيلي بالوثائق والتصريحات المسجلة والمعطيات الحقيقية على الارض، ومن ثم توجيه الاسئلة الضرورية الى الحكومات، المتشدقة بمبادئ حقوق الانسان، هل يوجد شعب في العالم قدم تنازلات لعدوه مثلما قدم الشعب الفلسطيني؟
لم يعد لدينا حاجة لبذل الجهود بهدف تحليل الموقف الاسرائيلي من حقوق شعبنا الفلسطيني في اقامة دولته الفلسطينية المستقلة، كباقي الشعوب، وحقه بالعودة الى وطنه وبيته وأرضه التي هُجّر منها عام 1948 او بعده. لقد تنازلت القيادة الفلسطينية، من خلال "سياسة الاسترضاء" المهينة والفاشلة، عن سيادة شعبنا على 78% من وطنه، وتنازلت عن حق العودة الذي أقرته المواثيق الدولية ليصبح عودة مشروطة بقبول المحتل الاسرائيلي، بموجب مبادرة السلام العربية، وتنازلت عن حق الشعب الفلسطيني بطرد المستوطنين من الكتل الاستيطانية الكبيرة والمستوطنات التابعة للقدس، بموجب قبولها تعديل حدود العام 1967، الامر الذي شجع ويشجع اسرائيل على تكثيف الاستيطان في هذه المناطق دون جهة تردعها، ناهيك عن تنازل القيادة عن المناطق منزوعة السلاح، التي حددتها اتفاقيات الهدنة لعام 1949، مثل الجولان الفلسطيني ومنطقة اللطرون حيث تقام مستوطنات موديعين. هل يوجد شعب في العالم تنازل كل هذه التنازلات لِمَن قتل وشرد أبناءَه؟ ولمن اغتصب ارضه وحريته وتاريخه ومستقبله؟ ومع ذلك فهو في نظر اسرائيل لا يكفي، ولن يكفي....وفي نظر حكومات العالم "المتحضر" يتوجب على الفلسطيني ان ينتظر وينتظر وينتظر ...ويتحلى بالحكمة والرحمة على عدوه "المسكين"!!! الى متى يا الله ؟!!! هل ننتظر قرنا اضافيا؟
قبل ان نطالب العالم بالاجابة على سؤالنا هذا، علينا ان نتحلى بالشجاعة لنجيب عليه نحن، ابناء الشعب الفلسطيني، علينا ان نعترف بعبثية المفاوضات، وعبثية الاتكال على "الراعي" الامريكي، الا اذا كنا قطيعا فعلا ، ولا نستطيع ان نتدبر امورنا دون راعٍ ورأس قطيع يحمل جرسا يدق الى ما نهاية، وان التنسيق الامني تموله امريكا لتفسد القيادات الامنية وتقمع ابطال الحرية من العمل على استرداد حقوقهم المغتصبة. وعلينا ان نعترف ان الاتكال على الحكام العرب كالاتكاء على عصا نخرها السوس الاسود من زمن طويل وان الانقسام هو تغييب للقرار الفلسطيني المستقل.
 اذن، على القيادة الفلسطينية التوجه الى مجلس الأمن بشجاعة لم يعهدها العالم من قبل، لاتخاذ قرارات واجراءات أحادية وملزمة لاسرائيل، على القيادة ان تقول بصراحة، نحن لا نستجدي حق شعبنا، بل نطالب العالم ان يصحح الغبن الذي الحقه بشعبنا على مدار عقود مضت، وان يكفر عن الظلم التاريخي الذي الحقه بشعبنا دون ذنب ارتكبناه، وهذا اقل الواجب المطلوب من كل حكومة وأخرى، بما في ذلك، أو بالذات، الويلات المتحدة الامريكية، وبغير ذلك، خذوا اموالكم وموظفيكم المفسدين، واٌخلعوا عنا هذا التنسيق الامني المُهين، واٌذهبوا الى غير رجعة، وليكن ما يكون.
                                                            -------------------------
اليف صباغ- البقيعة
28.10.14




حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق