السبت، 25 أكتوبر 2014

ماذا بعد خطاب البيبي نتانياهو؟


                                ماذا بعد خطاب البيبي نتانياهو؟


 
انتظرنا خطاب بيبي نتانياهو، رئيس الحكومة الاسرائيلية، في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للامم المتحدة، ومن مِنّا لم يتوقع ان يكون خطابه ديماغوغيا وهجوميا؟ ديماغوغيا لأن هذا هو نهج نتانياهو تجاه كل قضية محلية او اقليمية او دولية. سياسية كانت او اقتصادية او حتى حزبية. الديماغوغية هي نهج حياته ولا يمكن ان يتوقع منه أحد، حتى من اقرب الناس اليه، غير ذلك، واكبر إثبات هي استقالات قيادات ليكودية ذات انجازات كبرى، وكان آخرهم وزير الداخلية جدعون ساعر

. وهجوميا، لأن الاسرائيليين عامة ولا استثني أحدا يخشون بل يرتعبون من موقع المتَّهَم ( بفتح الهاء) فيتحولون في كل مناسبة الى موقع المهاجِم او المتَّهِم (بكسر الهاء) والضحية في آن معا، وذلك للهروب من مناقشة مصداقية "حقهم" السياسي او التاريخي في فلسطين، او لمنع نقاشاتهم الداخلية التي قد تفجر تناقضاتهم.

في الحقيقة يحتاج خطاب بيبي نتانياهو الى دراسة موسعة ومفصلة، وكل خطاباته تحتاج الى ذلك، لما تتضمنه من مواقف مبدئية حقيقية مغلفة بأكاذيب وديماغوغيه منقطعة النظير،

يمارسها في حياته السياسية اليومية. وبما اننا لسنا بصدد الدراسة المطلوبة نكتفي ببعض الملاحظات لضرورة الانتباه اليها.

اولا: كان الجزء الأول من خطابه محاولة لتلخيص النقاش الدائر منذ سنوات مع الادارة الامريكية عن امكانية التعاون مع بعض الحركات الإسلامية في الشرق الاوسط لفرض نظام شرق اوسطي جديد، بحيث يقوم هذا النظام، من وجهة النظر الامريكية، على استلام او مشاركة الاسلام السياسي في الحكم في بعض البلدان العربية او غالبتها، وتكون الانظمة الاسلامية الجديدة موالية لامريكا كما كانت الانظمة السابقة، ومتصالحة مع اسرائيل التي تقيم سلاما مع الفلسطينيين، وبالمقابل ترى اسرائيل ان مثل هذه الاستراتيجية غير قابلة للتحقيق وهي تشكل خطرا استراتيجيا على اسرائيل، وفي هذا الخطاب بالذات اصر بيبي نتانياهو ان يذكر الادارة الامريكية بالمواقف الاسرائيلية، مؤكدا او الموقف الاسرائيلي اثبت صحته مشددا على ان

"داعش" هي "حماس" و"حماس" هي "داعش"، ولا تبتعد الاولى والثانية عن ايران وحزب الله ايضا، وكلهم وفق تعبيرنتانياهو "فروع للشجرة نفسها"، شجرة الاسلام السياسي المتطرف. هذا التلخيص جعل بالادارة الامريكية ترد عليه بالقول: "ان حماس ليست داعش". هذا الخلط المقصود بين تجليات الاسلام السياسي والقفز على الفروق والتناقضات فيما بينهم، والذي اصر عليه نتانياهو يجعل امكانية التفاوض مع "حماس"، مهما قدمت من تنازلات، وقد قدمت الكثير في الاونة الاخيرة، امرا مستحليلا.

ثانيا: اصر بيبي نتانياهو في خطابه او يتهم حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية بارتكاب جرائم حرب واشار اليها على انها حكومة ابومازن، وبذلك اتهم ابومازن نفسه بالمسؤولية عن تلك "الجرائم"، وفي ذلك قطع الطريق على اي امكانية للعودة الى المفاوضات بين حكومة اسرائيل والسلطة الفلسطينية طالما او حكومة الوفاق الوطني، بمشاركة حماس، قائمة.

ثالثا: الانكى من هذا وذاك، فقد كشف نتانياهو عن السبب الحقيقي الذي منعه من التحدث عن حدود ما بين دولة فلسطين ودولة اسرائيل في ظل اتفاقية سلام دائم، بقوله: "لنحن لسنا محتلين، فهل نحتل ارضنا؟" بهذه الجملة القصير عبر بيبي نتانياهو عن موقفه المبدئي من المطلب الدولي لتقسيم ارض فلسطين بين دولتين. بيبي لا يريد تقسيك الارض، بل يريد سيادة يهودية على كل فلسطين، وهو يفاوض على تقاسم الحكم والصلاحيات بحيث لا يكون للفلسطينيين اي سيادة على الارض. هكذا يرى نتانياهو شكل ومضمون الدولة الفلسطينية.


رابعا: فوق هذا وذاك طرح نتانياهو مسارا جديدا لاحلال السلام في الشرق بحيث لا يبدا بالسلام مع الفلسطينيين واقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة ، كمقدمة لتطبيع العلاقات مع العالم العربي والاسلامي، بل تحدث عن تفاوض اقليمي اولا بحيث يبدا بتطبيع العلاقات مع دول المحور الجديد وينتهي بالتسوية مع الفلسطينيين، وفق تصوره المذكور سابقا.

بهذه النقاط الاربع ينسف بيبي نتانياهو أسس التفاوض وعملية التسوية الجارية منذ اكثر من عشرين سنة. ويقطع رأس عملية التسوية، بالضبط كما تفعل الدواعش بالابرياء، وباسم الله يقطعون الرؤوس وباسم السلام ينحر بيبي نتانياهو عملية السلام ويدفنها. هكذا يؤكد بيبي لمن لم يتاكد بعد عبثية التفاوض وفق المنهجية القائمة منذ ما قبل اوسلو وحتى اليوم، ويؤكد انه ما يزال على نهج اسحاق شامير الذي قال انه "لو بقي في الحكم سيبقى يفاوض الفلسطينيين الى ابد الابدين"

.

من هنا، على القيادة الفلسطينية ان تستخدم خطاب نتانياهو ذاته، لكي تدينه في المحافل الدولية، وتستخدمه بكل تفاصيله لفضح المواقف السياسية الاسرائيلية على حقيقتها، وفضح نهج التفاوض والنوايا الحقيقية لاسرائيل، والتأكيد على عبثية المفاوضات، والحاجة الملحة للعودة الى مجلس الامن وكل المؤسسات الدولية لاستصدار قرارات ملزمة ضد اسرائيل او تحقيق انجازات احادية الجانب على الارض في ظل صراع دموي متوقع مقابل اسرائيل.





اليف صباغ

كاتب ومحلل سياسي

محتص بالشؤون الاسرائيلية.


30.9.14

حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق