السبت، 25 أكتوبر 2014

الدين والسياسة في اسرائيل وجهان لحالة واحدة



                    الدين والسياسة في اسرائيل وجهان لحالة واحدة                                                                     


                     انتخابات راف راشي سفردي  وآخر اشكنازي لمدينة القدس سينعكس على الحكومة ايضا

تمر الاحداث السياسية والاجتماعية في شريط متواصل سريع، وقد تمر بعض المشاهد الهامة دون ان نلاحظها، ونقف عن اهميتها، فالانشغال بالعمل ومتطلبات الحياة  يفقد الغالبية القدرة على المتابعة، وكان أحد هذه المشاهد هو انتخاب كبير كهنة المدينة، اي "راف راشي"، لمدينة القدس العبرية،  قبل اقل من اسبوع، ولكن الانفلات الهمجي لقوات الاحتلال الاسرائيلي في القدس العربية، واقتحام الحرم القدسي وتصدي الشباب الفلسطيني لهم، لم يمهلنا لنقف امام هذا الحدث.

حصل الانتخاب بعد ان عاشت هذه المدينة ، وهي اهم معقل ديني لليهود في اسرائيل وفي العالم، مدة 11 سنة دون وجود راف راشي يقود الحياة الدينية فيها ويوجهها، مع الأخذ بعين الاعتبار ان مسؤولية هذا الراف تتعدى حدود القدس الغربية الى حدود المستوطنات اليهودية في كل المناطق التي احتلت في حزيران عام 67 وتنعكس على الحياة اليهودية، الدينية والسياسية، في اسرائيل عامة. هذا لا يعني ان كبير الكهنة (راف راشي)  لمدينة القدس أهم من الراف راشي لإسرائيل عامة، ولكنه يعكس، بلا شك، موازين القوى بين التيارات الدينية، كما يعكس الحالة السياسية عامة ويؤثر فيها بالتبادل، وهذه هي احدى الميزات التي تفرض علينا الوقوف عند هذا الحدث الهام.

للتأكيد على اهمية الحدث نذكر ايضا، ان مجلس الكهنة الكبار (الربانيم)، والمكون من 48 شخصا ، لم ينتخب راف راشي واحد للمدينة، بل انتخب اثنين، واحد لليهود السفراديم ( الشرقيين) وآخر للاشكنازيم ( الغربيين) او ما يعرف بالعربية بيهود الخزر، إذ لم تنجح كل المساعي، الطويلة والمضنية خلال السنوات الماضية، للتقريب بين الطرفين الدينيين. مما يشير الى استمرار عمق الخلافات بين المذهبين اليهوديين، ولا يقل عن الخلاف بين السنة والشيعة في الاسلام، عالَمان مختلفان ولا يلتقيان.

لقد تقدم لوظيفة كبير الكهنة الاشكنازي للمدينة ثمانية كهنة أهمهم موشيه حاييم لاو،  والكاهن ارييه شطيرن، وكلاهما من التيار الديني الصهيوني، ففاز شطيرن الذي اقترب من سن السبعين، الامر الذي يتطلب تصريحا خاصا من مجلس الكهنة، في المستقبل، للاستمرار في ممارسة عمله لخمس سنوات اضافية فقط.

 تقدم لمنصب الراف راشي الشرقي 11 كاهنا وكان ابرزهم شموئيل الياهو،  راف مدينة صفد، المعروف بعُنصريّته المفرِطة، وهو صاحب عدة فتاوى دينية عنصرية وأهمها عدم جواز سكن العرب بالقرب من اليهود، اما الثاني فهو موشيه عمار، الذي شغل،  سابقا، منصب راف راشي لليهود الشرقيين في اسرائيل عامة، وهو لا ينتمي للتيار المتزمت (الحردي)، بل للتيار الديني الصهيوني الذي يقوده الوزير نفتالي بينيت، وهو تيار يقدس الاستيطان اليهودي في كل مكان من فلسطين التاريخية، وحتى خارجها حيث تطأ اقدام الجنود الصهاينة.  بالرغم من تدخل المستشار القضائي للحكومة علنا، حتى الليلة الاخيرة، لمنع انتخاب الراف شموئيل الياهو، وبطبيعة الامر لا يمكن ان يتدخل بدون أمر رئيس الحكومة، وتهديده باللجوء الى المحكمة العليا لمنعه من ممارسة مهامه ، في حال انتخاب الياهو،  الا ان الراف الياهو حصل على 18 صوتا من أصل 48، بينما حصل منافسه على 28 صوتا، بما في ذلك اصوات الربانيم الحرديم بتوجيه مباشر من ارييه درعي، وهذا يعني انه لولا التدخل الحكومي والراف درعي بالذات، وقد يكون في ذلك صفقة سياسية لاحقة ايضا، لكانت النتيجة  لصالح الياهو.  الملفت للانتباه ان التصويت في نهاية الامر انحصر بين كاهنين شرقيين متطرفين، وكاهنين غربيين متطرفين ايضا، ومن اكثر التيارات المتطرفة سياسيا في اسرائيل، إذ كان لا بد من الاختيار بين المتطرف الاستيطاني أو الاكثر تطرفا والعنصري جدا، وهل من فرق بينهما؟  نعم، لقد وصل الامر في اسرائيل الى هذا الحد، وقد اشارت وسائل الاعلام العبرية الى مدى تدخل الوزير نفتالي بينت في هذه الانتخابات حتى وصف بعض المعلقين ان النتيجة هي انتصار مستقبلي للوزير بينيت وتياره السياسي- الديني، اي الديني-الصهيوني، وبالتالي انتصار للمستوطنين ايضا.. اليس هذا انعكاسا للحالة السياسية العامة في اسرائيل او تأثرا بها بعد العدوان الاخير على غزة؟

قد يهرب البعض من الاستنتاج المذكور لحصر الخيارات في الحياة الدينية فقط، ولكن المتابع للحياة السياسية واستطلاعات الراي العام المتعددة، التي أجريت بعد العدوان الاخير على غزة ، او ما يسمى بعملية "الجرف الصامد"،  يجد ان المجتمع الاسرائيلي يزداد تطرفا الى اليمين. فالخيارات السياسية للرأي العام في اسرائيل لا تختلف عما هو عليه في المؤسسات الدينية اليهودية، ان غالبية المواطنين في اسرائيل، اي اكثر من 75%، لا يريدون حلا سياسيا ينتهي بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة حتى لو كانت على مساحة لا تتعدى 22% من مساحة فلسطين، ورئيس الحكومة بيبي نتانياهو لا ينافسه، او يهدد موقعه، أحد على رئاسة الحكومة، الا من المعسكر اليميني الاكثر تطرفا منه، ولذك نراه يتبنى مواقف نفتالي ينيت في خطاباته فيكشف عن مواقفه الحقيقة من موضوعة  الانسحاب من الضفة الغربية، ويفضحه وزيره موشيه يعالون بقوله ان استراتيجية اسرائيل "لن تنتهي بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وانما بحكم ذاتي للسكان دون سيادة على الارض" او الجو، وهذه الاستراتيجية هي بالضبط ما يحاول تنفيذها بيبي نتانياهو دون التصريح عنها، بل يراوغ بفضل قدراته على التضليل وفن ادارة الصراع،  يساعده في ذلك ضعف القيادة الفلسطينية وتردي أدائها، وخيانة الانظمة العربية على حد سواء. من هنا نجد ان الخيارات السياسية في اسرائيل لا تختلف عن الخيارات التي وقفت امام المؤسسات الدينية، فإما انتخاب اليمين المتطرف وإما اليمين الاكثر تطرفا. نعم لقد وصلت الحال  الى هذا الحد في الحياة السياسية ايضا، وعليه ، لن يكون سلام، او لن تقوم الدولة الفلسطينية نتيجة لعملية تفاوض عبثية مستمرة منذ اكثر من عشرين عاما دون أفق، وانما بإجراءات احادية الجانب، مدعومة من مجلس الأمن، وبغير ذلك فلا مكان للحلول السلمية.


اليف صباغ- البقيعة

كاتب ومحلل سياسي ، مختص بالشؤون الاسرائيلية

24.10.14




حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق