السبت، 25 أكتوبر 2014

في التعليق على الانتخابات السكوتلاندية للاستقلال وعلاقة اسرائيل بها...


 في التعليق على الانتخابات السكوتلاندية للاستقلال وعلاقة اسرائيل بها... 

 

       إسرائيل وأسرار الاتحاد البريطاني الطوعي

                                                                                       اليف صباغ- البقيعة

طالما سُئلتُ، لماذا نقول بريطانيا وأحيانا انجلترا؟ فهل من فرق بينهما؟  الجواب بسيط، نعم. بريطانيا او المملكة المتحدة، هي إتحاد "طوعي"، بين انجلترا وايرلندا الشمالية وسكوتلاند بالاضافة الى ويلز. ومَن منا لا يعرف نضال شعب إيرلاندا الشمالية للاستقلال عن المملكة المتحدة؟ حصل هذا الاتحاد/ الزواج عندما كانت الامبراطورية البريطانية أعظم دولة في العالم، فكيف للشعوب ان لا تقبل "طوعا" بالاتحاد مع انجلترا؟ وهل كان باستطاعة اي من هده الشعوب او ترفض الاتحاد "الطوعي" أي الاحتلال الانجليزي؟ ولكن عندما غابت الشمس عن أملاك الامبراطورية بدأ الثلج يذوب وتتكشف الارض على حقيقتها. هذه هي حقيقة الاتحاد الطوعي بين انجلترا وجاراتها، وقد تمكنت انجلترا خلال الفترة الطويلة هذه من تقييد اعضاء الاتحاد البريطاني بقوانين وانظمة اقتصادية وعسكرية وغيرها بحيث اصبحت المطالبة بالاستقلال مغامرة صعبة او تحد للذات لدى كل من شعوب الاتحاد البريطاني قبل ان يكون تحد لانجلترا او للعرش الملكي.

من هنا ارتعدت فرائص انجلترا وحكومة المملكة المتحدة، وحتى العائلة المالكة، رغم رمزية صلاحياتها، عندما اتضح لهم من خلال استطلاعات الراي العام ان الانتخابات السكوتلاندية الخاصة باستمرار علاقة السكويين مع الاتحاد البريطاني او الانفصال عنه ستسفر عن رغبة ساحقة بالاستقلال، فقامت الحكومة البريطانية ممثلة برئيس وزرائها كاميرون وكل القوى الاقتصادية الفاعلة محليا واوروبيا ودوليا بتهديد الشعب السكوتي، باشكال ومجالات مختلفة، بالويلات ما اذا قرروا الاستقلال واقامة دولتهم المستقلة، ومن هذه التهديدات انهيارات في البورصة لبنوك لها فروع كبيرة في اسكوتلاند عشية الانتخابات وترويج الاخبار الاقتصادية ، عبر صحيفة الايكونوميست ، من ان سكوتلاند ستبقى مع 100 مليارد جنية استرليني من الدين العام، او تهديد الاتحاد الاروبي بعدم الاعتراف بالعملة السكوتلاندية الجديدة، او باخراج سكوتلاند المستقلة من مؤسسات الاتحاد الاوروبي الاقتصادية والعلمية الخ. بالمقابل، وبدون ادنى صلاحية دستورية، قام رئيس الوزراء البريطاني كاميرون باغداق الوعود السخية  ومفادها ان حكومة الاتحاد ستقر قوانين جديدة تعطي بموجبها للسكوتيين وحكومتهم المحلية مزيدا من الصلاحيات وعائدات الضرائب وما الى ذلك شرط ان يبقوا داخل الاتحاد البريطاني، اي مقابل التصويت ب "لا" للانفصال والاستقلال. فهل يمكن تفسير الانقلاب في الرأي العام يوم الانتخابات لغير صالح الاستقلاليين، بعيدا عن هذه الوعود والتهديدات على حد سواء؟ وهل تتحقق هذه الوعود الانتخابية فعلا؟ ام أنها رشوة انتخابية تتعارض مع أسس الانتخابات الديموقراطية؟ هذا ما ستثبته الايام والاسابيع القادمة. لقد حذر زعيم الاستقلاليين السكوت من تبعات الخديعة البريطانية، وبالمقابل حذر آخرون من تنفيذ هذه الوعود حتى لا يقوم الايرلنديون والويلزيون في اليوم التالي فيطالبوا بما حصل عليه السكوتيون. وفي الحالتين خسرت انجلترا وحكومة الاتحاد البريطاني ووضعت لنفسها شروط انهيارها المستقبلي.  هنا لا بد من الوقف امام الجهود التي يبذلها الغرب عامة، بقيادة أمريكا، لتفكيك الدول الأخرى بدءً من الاتحاد السوفييتي سابقا مرورا بالسودان والشرق الأوسط عامة، بذريعة حقوق الشعوب بالاستقلال، في حين انهم يبذلون كل الجهود لمنع تفكك اي دولة غربية،  بل يعملون لتوحيد هذه الدول وتكاملها كما فعلت أوروبا. وإذا كان الغرب "يعمل بلغة المصالح" ويبحث عن مصالحه كما يقول عربان امريكا، أفلا يجوز للعرب، واعني الشعوب وليس الحكام،  أيضا ، ان يبحثوا عن مصالحهم؟ 

يذكر انه يعيش في سكوتلاند اليوم اكثر بقليل من 5 مليون سكوتي، بينما يعيش اكثر من 25 مليون سكوتي في ارجاء العالم، فهل للاتحاد "الطوعي" هذا، وغياب سيادة السكوتيين على خيرات بلادهم  ومقدراتها وحاضرهم ومستقبلهم علاقة بهذه الهجرة؟  يذكر ايضا، ان سكوتلاند كانت أكثر مناطق الاتحاد البريطاني غنى بالصناعات التقليدية فتحولت في العقود الأخيرة الى أكثر المناطق غنى بالصناعات التكنولوجية المتطورة، إضافة الى أن غالبية النفط والغاز المنتج في بريطانيا يأتي من مناطق بحر الشمال التابع الى سكوتلند. وتشكل سكوتلاند ثلث مساحة بريطانيا.

ألحَّ علي صديق يتابع ما أكتب، للإجابة على سؤال آخر، ما علاقة اسرائيل بالانتخابات السكوتية؟ ولماذا كل هذا الاهتمام الإعلامي؟  فيبدو من نتائج الانتخابات، وكأنهم تنفسوا الصعداء عندما فشلت محاولة الاستقلال عبر صناديق الاقتراع؟

 لا شك ان الاعلام الاسرائيلي ، بطبيعته الصهيونية العالمية، لا يترك بقعة في العالم دون استقراء اخبارها وخاصة ان كان هناك يهود اثرياء يعيشون فيها، وبريطانيا، وان كان عدد اليهود فيها قليل، الا انها دولة هامة بالنسبة لاسرائيل، كما كانت في الماضي ، وستبقى أيضا في المستقبل المنظور، وأي تغير سياسي فيها لا بد ان يدخل ضمن السؤال الأبدي، ما هي مصلحة اسرائيل او مصلحة اليهود في ذلك؟ وقد عبر عدد من الكتاب قيل الانتخابات من ان قيام دولة جديدة في اوروبا مثل سكوتلاند سيعني انها  قوة جديدة داعمة للفلسطينيين، اضافة الى انها ستفتح الطريق نحو انهيار المملكة المتحدة وهي الداعم التاريخي لإسرائيل والمؤسس لوجودها.

ليس هذا فقط، فطالما رأت اسرائيل بالسياسة البريطانية نموذجا لها مقابل العالم العربي، بمنهجية "فرق تسد"،  والمخادعة والتضليل والمكر والنفوذ المخابراتي واشكاله، مع القسوة والإجرام بحق الشعوب المستضعفة في آن معا.  ولطالما رأت بالنموذج السكوتي وعلاقة التبعية الاقتصادية للشعب السكوتي بالاتحاد البريطاني مثالا يمكن تطبيقه مع الفلسطينيين في الحل النهائي. من هنا كانت الخطوة الاولى التي قامت بها اسرائيل لربط الاقتصاد الفلسطيني بالاسرائيلي ليكون خاما وتابعا له، وذلك من خلال جر الفلسطينيين للتوقيع على بروتوكول باريس الاقتصادي، ملحقا لاتفاق اوسلو ، ليتحول لاحقا الى اتفاق باريس الاقتصادي. هذا الاتفاق الذي يقرر بوجود وحدة اقتصادية بين اسرائيل والدولة الفلسطينية القادمة، وقد قال عنه ابراهام (بايغة) شوحط، وزير المالية الاسرائيلي آنذاك وهو الذي وقع على الاتفاق من الطرف الاسرائيلي: " لقد تمت صياغة البروتوكول والاتفاق وفق المصالح الاسرائيلية، وبهدف منع تكون اقتصاد فلسطيني مستقل، وقبِل به الفلسطينيون لأنهم رأوا به مصالحهم في تلك الظروف". وهو اتفاق ما يزال ساري المفعول ويعاني بموجبه الفلسطينيون اشد المعاناة ولا يختلف اثنان فلسطيني واسرائيلي من انه يعرقل ، بل يمنع،  تطور الاقتصاد الفلسطيني ويصبح الاستقلا حلما منسيا،  وتمنع مجمل الاتفاقيات التفصيلية، التي لحقت به، من امكانية تشكُّل اقتصاد فلسطيني غير تابع لاقتصاد دولة الاحتلال وخادما لها. ليس هذا وحسب، بل تشكل هذه التبعية عاملا اساسيا لهجرة المبادرات الاقتصادية الوطنية ولهجرة العقول العلمية الوطنية كما حدث مع ابناء الشعب السكوتي على مدى العقود والقرون الثلاثة الماضية، او انهم يضطرون الى خدمة المحتل. وهذا ضمان اضافي، من وجه النظر الاسرائيلية، لعدم تغيير الميزان الديموغرافي لصالح الفلسطينيين بين النهر والبحر في اي ظروف مستقبلية.

لقد كانت الانتخابات السكوتية من اجل الاستقلال او البقاء تحت الاحتلال البريطاني طوعا، بمثابة اختبار حقيقي لقوة التبعية الاقتصادية في رسم المستقبل السياسي. فهل تفضل الشعوب استقلالها وسيادتها على مصالحها الاقتصادية ام العكس؟ لقد ثبت للاسرائيليين، وفق نتائج الانتخابات السكوتية، ما كانوا يريدونه وما يطمحون اليه، من ان السلام الاقتصادي الذي نظَّر له بيبي نتانياهو عام 2008 وتبناه طوني بلير ، رئيس وزراء بريطانيا بين 1996-2007 وهو الذي يرعى عملية السلام الاقتصادي، بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية، هو الطريق والمنهج الذي سيوصل الطرفين طوعا الى اتفاقية سلام تضمن التفوق الاسرائيلي الدائم في كل المجالات والخضوع الفلسطيني الطوعي لذلك، هذا الحل، كما يراه الاسرائيليون لن يوصل الفلسطينيين الى دولة مستقلة وذات سيادة،  وفي الوقت ذاته لن يكونوا جزءا مركبا من الدولة "اليهودية" التي يحلم بها نتانياهو. سيكون للفلسطينيين دولة محدودة السيادة على مواطنيها ومنزوعة السيادة على أراضيها، انه الحلم الاسرائيلي. 

مثل هذا التصور يراه الاسرائيليون من بدايتين مختلفتين، بعضهم يقول ان السلام الاقتصادي مع الفلسطينيين سيجلب تطبيعا مع العرب عامة والبعض الاخر يعتقد ان "الحل الاقليمي" الذي يبدأ بالسلام الاقتصادي مع العرب هو الذي سيأتي بالسلام مع الفلسطينيين. مثل هذا التصور، الثاني، يزداد قبولا في الدوائر السياسية في اسرائيل وهو ما يُروّج له اصدقاء اسرائيل الجدد في العالم العربي. فهل تشهد القاهرة في الأيام القادمة محادثات اقليمية ام انها ستشهد صراعا فلسطينيا داخليا وفق الايقاع الذي حددته اسرائيل؟
                       ____________________________   

حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق