اليف صباغ:
لا للتأجيل! لا للإسترضاء! نعم للقرار الدولي المُلزِم الآن!
في الوقت الذي كانت تستعد فيه م.ت.ف والأردن وباقي الدول العربية، لتقديم
مشروع قرار الى مجلس الأمن، لاٌتخاذ قرار بالاعتراف الدولي الكامل بالدولة
الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران، بدأنا نشعر بتراجع وتأجيل غير مبررين،
وفجأة قرّر بيبي نتانياهو حل حكومته ، على خلفية فشله في تحقيق الاهداف التي وضعها
أمامه، والذهاب الى انتخابات برلمانية تجرى في السابع عشر من آذار القادم، وهو
مقتنع ان باستطاعته الحصول على تأييد شعبي اكبر يتيح له اقامة حكومة يمينية قوية، وقادرة
ان تواجه الضغوط الخارجية والداخلية على حد سواء، لكن الانتخابات هي الانتخابات،
فكل يريد الفوز، ولكل فريق أجندته السياسية والاقتصادية الإجتماعية، اما المعارضة، فبطبيعتها، تريد استبدال الحكومة،
فكيف يكون ذلك؟
بعد الاعلان عن سقوط حكومة نتانياهو، اجتمع فوروم سبان فورا في محاولة ليجمع
بين تسيبي ليفني (هتنوعاه) وبوغي هرتسوغ (العمل) في قائمة مشتركة، وربما لانتاج
كتلة أكبر تضم يئير لبيد (يش عتيد) ، لعل مثل هذا التكتل المستقبلي يُشعِرالناخبين
الاسرائيليين بإمكانية تغيير بيبي
نتانياهو وحكومته ونهجه اليميني المتطرف، المعادي للسلام والرافض للصوت الدولي
العقلاني، الذي يدعو الى الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
اضافة الى ذلك، نشرت وسائل اعلام مطلعة، وغير رسمية، ان أوباما والطاقم
الضيق المحيط به قد قرروا العمل على استبدال نتانياهو باعتباره يشكل عقبة جدية
امام نجاح عملية التسوية في الشرق الاوسط. اضيف الى ذلك الجهد وهذه النوايا، ان صح
الخبر، ان قامت مجموعة اسرائيلية من كبار العلماء والادباء ورجال الفكر، وصل عددهم
الى اكثر من الف شخصية، بتوقيع عريضة موجهة الى دول اوروبا يحثون فيها برلماناتهم
على الاعتراف بالدولة الفلسطينية "على اساس حدود" ( وليس على حدود)
الرابع من حزيران 1967 ، وبهدف الزام حكومة اسرائيل بهذا الحل من طرف واحد.
بالمقابل، شهدت ساحات اخرى مبادرات وجهود من نوع آخر، فعادت فرنسا لتطرح مشروعا كانت قد حاولت طرحه
عامي 2011 -2012 وفشلت، بسبب الرفض الاسرائيلي، فاٌنضمّت اليها، هذه المرة،
المانيا وبريطانيا، لطرح مشروع قرار اوروبي، يشكل، في الواقع، تعطيلا وبديلا لمشروع
القرار العربي، الى مجلس الامن، ونجحت، بجهودها هذه، بتعطيل الجهد الفلسطيني، كما
نجحت في ان يتخذ مجلس وزراء الخارجية العرب قرارا بدعم المبادرة العربية، ولكنه
يوصي الرئاسة الفلسطينية بإبقاء الباب مفتوحا لمبادرات أخرى، والمقصود هنا هو
المبادرة الفرنسية، وهذا ما جعل الفلسطينيين يتعاطون مع المبادرة الفرنسية
الأوروبية، بما فيها من مطبّات خطيرة، وتنازلات مجانية تمس بالحقوق الفلسطينية،
دون ان توافق عليها اسرائيل ودون ان تلزمها بشئ.
فوق هذا وذاك، شهدنا تحركا اسرائيليا- فلسطينيا غير رسمي، طرح مبادرة جديدة
تشكل اساسا "ابداعيا" للحل، وهي مبادرة صادرة عن مركز الابحاث
الاسرائيلي- الفلسطيني IPCRI ، تتمثل باقامة دولة فلسطينية على
22% من ارض فلسطين دون تفكيك اي من المستوطنات، ودون عودة اللاجئين الى قراهم
ومدنهم التي هُجّروا منها، مع ربط اقتصادي بين الدولتين. بكلمات اخرى، حلا يكرس
الدونية الفلسطينية والتبعية الاقتصادية والسياسية الفلسطينية لإسرائيل، بل اكثر
من ذلك، فهو يشكل وصفة "ابداعية" لنظام ابرتهايد بموافقة فلسطينية.
مثل هذه المبادرات، وبغض النظر عن مستقبلها، فهي تؤدي، بقصد او بدون قصد،
الى ادخال الفلسطينيين في دورة جديدة من دوائر التفاوض المفرغة او العبثية لسنوات
عديدة قادمة، وهي توفر الفرصة لبيبي نتانياهو ان يعزز الاستيطان والقبضة
الاقتصادية والأمنية في المناطق المحتلة، بحيث لن يبقى اي مجال لاقامة دولة فلسطينية
مستقلة، وبحيث يصبح نظام الابرتهايد أمرا واقعا واكثر تعقيدا، وبمضمون أسوأ بكثير
مما كان عليه في جنوب افريقيا. عندها سيكون الحل الوحيد لاستعادة الشعب الفلسطيني حقوقه
المغتصبة هو الإنفجار الكبير، الذي لا يبقى مجالا للتعايش بين الشعبين، وهذا ما
يخشاه ذلك الفريق الاسرائيلي الذي يؤكد ضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية بأسرع
وقت ممكن.
اذن، ما يزال نهج الاسترضاء المعمول به منذ عقدين ونيف، هو النهج المعتمَد
اوروبيا وامريكيا وعربيا، بالرغم من ثبوت فشله الذريع وعبثيته المطلقة. وعليه، لا
بد من طرح السؤال الملح امام اصحاب هذا النهج، هل ستتحمل اوروبا وامريكا المسؤولية
التاريخية عن انشاء دولة ابارتهايد يكون مصير سكانها افظع مما كان عليه في جنوب
افريقيا وبما لا يقاس؟ وهل يعتقدن أحدٌ ان بيبي نتانياهو يريد حلا فعلا، ينتهي بإقامة
دولة فلسطينية كباقي الدول؟
ان المطلع بموضوعية على مواقف نتاياهو وخطبه الاخيرة في الامم المتحدة وفي
الكنيست وكذلك تصريحات وزير أمنه ومنافسيه، من اليمن، نفتالي بينيط وليبرمان وآخرون،
وممارساتهم السياسية، يدرك بدون ادنى شك، ان الحل الذي يتطلع اليه بيبي نتانياهو
ومن حوله، هو ادارة ذاتية فلسطينية بدون سلطة أمنية مستقلة ولا اقتصاد مستقل ولا
سيادة ايضا، لا على الارض ولا في الجو، ولا في البحر. ومن هنا، واذا ما اراد
المجتمع الدولي، بحل يضمن وجود الدولتين وفق الشرعية الدولية، لا بد من الزام
اسرائيل بقرار دولي الآن وبدون تأجيل.
ان اتخاذ قرار ملزم في مجلس الأمن، في اقرب فرصة، هو الخطوة المجدية
والمطلوبة لإلزام اي حكومة اسرائيلية للانسحاب الى حدود الرابع من حزيران خلال
فترة زمنية محددة.
ان مثل هذا القرار، بموقف حيادي للولايات المتحدة في مجلس الأمن، هو الخدمة
الكبرى التي يقدمها الغرب للمعارضة الاسرائيلية وحكومتها القادمة. ان مثل هذا
القرار يوجه رسالة قوية الى الناخبين الاسرائيليين بأنهم أمام مرحلة جديدة سيضطرون
للتعامل معها بواقعية، وبالتالي، لن يستطيع بيبي نتانياهو ان يقودهم.
ان مثل هذا القرار سيقلب ميزان
القوى السياسية في اسرائيل لصالح قوى السلام، ويمكنهم من توجيه الاتهامات الى بيبي
نتانياهو وتحميله المسؤولية عن فرض قرار احادي الجانب على اسرائيل، وهذا سوف يؤتي
ثماره في نتائج الانتخابات القريبة. القرار الدولي يريح حكومة حزب العمل القادمة،
ويعطيها المبرر لقبول، او للتعامل مع، الواقع الجديد دون ان يتهمها اي اسرائيلي
بتقديم تنازلات. وأعتقد ان الشخصيات الاسرائيلية الألف الذين وقعوا على العريضة المذكورة
يفهمون جيدا ان الحل يبدأ بقرار دولي يلزم حكومة اسرائيل وليس باٌسترضائها، ولن
ترضى. هذه هي اللغة التي تتحدث بها اسرائيل وهذه هي اللغة التي تفهمها.
____________________________________________________________
اليف صباغ- البقيعة- 9.12.14
حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق