الثلاثاء، 31 مايو 2011

المشهد الأخير

المشهد الأخير

يختلف المراقبون اليوم او يتفقون، فالمشهد الاخير لهذا الصراع المتدحرج وموجات الغضب الهادرة، قادم لا محالة، ويبقى السؤال: كيف سيكون هذا المشهد ومن هم أبطاله الأحياء؟ وما هي الالوان المركبة له وهل يتغلب الاحمر على الاخضر ام بالعكس؟ وهل بالضرورة ان يتغلب؟ وماذا عن الالوان البرتقالية والبنفسجية وما الى ذلك؟ اليس لها مكان ايضا؟
هل هي مؤامرة أمريكية وصهيونية حقا؟ ام انها ثورة شعوب عانت الامرين من انظمة الإستبداد فلم يعد لها ما تخسره الا قيودها وفقرها وفقدان مستقبلها وعجز حكامها، فخرج الشاب والصبية، المثقف والموظف، الفلاح والعامل ليهتفوا معا: كفى! كفى ! لم نعد قادرين على تحمل الاستبداد والفساد وكم الافواه وقمع المحتجين ونهب اموال الشعب ومقدرات الوطن وتعطيش الجياع واهانة المة وضياع المستقبل. لم نعد نفهم ضياع مستقبل اكثر من 100 مليون شاب وشابة عرب بين سن 15-29 وتخلف العرب عن السجال في ميادين العلم والتطور. لم نعد نطيق الذل والعجز والهزيمة والهوان متذرعين بالحكمة والواقعية والوسطية. لم نعد نطيق الحاكم المخصي ولكنه أبدي. لم يعد لدينا ما نخسره. هل هي كذلك حركة الشعوب العربية؟ نظيفة من كل تأثير أجنبي؟ عفوية ومن دون تخطيط مسبق؟ ام ان ما نراه هو مزيج مما ذكر ومركبات أخرى لم تذكر. سنركز في هذا المقال على التجربة التونسية والمصرية وهما في صراع محتدم لبناء نظام جديد.
ليس بالضرورة ان تؤمن بنظرية المؤامرة حين تقول: إن "أمريكا وراء الباب". إن نفي حصول المؤامرات في السياسة منبعه الغباء وهو لا ينفع في السياسة، اما ان نعيد كل شيء إلى "مؤامرة امبريالية" فهذه لغة الببغاء وهي ليست لغة سياسية ايضا.
حين نقدم على اتخاذ موقف من اي حراك شعبي في الوطن العربي الكبير، في تونس ومصر واليمن والبحرين وعمان وليبيا وسوريا، وفي السعودية والإردن والمغرب وان كان ما يزال على نار هادئة نسبيا. حينها لا بد ان نبحث عن صورة افقية واخرى عامودية لنفهم ما اذا كان لهذا الحراك الشعبي ظروفا موضوعية سببت حدوثه، وما اذا كانت هناك قوى سياسية، وهي العامل الذاتي، قادرة ان تحمل هموم هذا الشعب وتقود حركته لتصل به الى بر الامان؟ وهنا لا يفوتني ان انبه انه ليس بالضرورة ان تكون أهداف الحركة الشعبية قد درست مسبقا وتبلورت في برامج وخطط، وهو مفضل، بل يمكن ان يحدث هذا في خضم الأحداث ومع تقدم المسيرة وتطورها على ايقاع الحركة الشعبية نفسها. هنا لا بد ان يأخذ المثقف الثوري دوره التاريخي استنادا الى التجربة والوعي والمعرفة وثقة الشعب في قدراته ومعارفه، ليس في تحفيز الشعب وتحريضه، بل في فهم الإيقاع والحفاظ على استمراريته وتوجيهه وضبطه في آن معا، ليمنع المتسلقين، او القوى المضادة، من تحويل هذا الحراك في اتجاهات معاكسة. لا احد ، ولا حزب، ولا وسيلة إعلام مهما تضخمت ميزانياتها، تستطيع ان تصنع ثورة بالتحريض وبقرار ذاتي، دون ان تتوفر الظروف الموضوعية لذلك. وان حدث تحرك ما بتأثير هذا التحريض او التمويل فهو لأجل قريب وقد يولد ميتا احيانا، وقد تستطيع القنوات الإعلامية وقنوات التمويل المادي ان تقوم بانقلاب وان تزعزع الإستقرار وتخلق فوضى عارمة تسفك فيها دماء الأبرياء وتزهق فيها الأرواح الكثيرة، ولكنها لا تستطيع ذلك دون نضوج عوامل داخلية تساعدها في ذلك، وفي كل الأحوال لا تستطيع ان تصنع ثورة. لا احد، لا دولة عظمى ولا مؤسسات مخابراتية دولية تستطيع ان تحرك ملايين الناس في الشوارع لتضع ارواحها على اكفها، نتيجة بث الإشاعات والتآمر. التآمر والنفوذ الإمبريالي ينموان في ارض الفساد والإستبداد أكثر مما ينموان في ارض الحرية والتقدم الإقتصادي والإجتماعي.
حين تهب الثورات لا يكفي ان نقول: المهم هو اسقاط النظام، الا اذا كان الوقوف عند هذه النقطة له مبررات تكتيكية تهدف الى توحيد القوى المتفقة على العدو المشترك ولكنها غير متفقة على النظام البديل، وهذا يلزم وضع تصورات مختلفة ومتشابهة تجعل استمرار الحركة الشعبية ممكنا وفق قواسم مشتركة حتى الوصول الى النتيجة المرجوة واقامة نظام بديل يلبي طموحات ومصالح الشعب.
ليس بالضرورة ان يكون التدخل الامريكي في مسيرة الحراك الشعبي في عالمنا العربي ناتج عن اهداف وضعتها امريكا مسبقا، وليس بالضرورة ان تكون المخابرات الأمريكية والاوروبية والصهيونية هي التي تقف وراء الحركة الشعبية او قواها المحركة، ولكنها بالتأكيد لا تقف متفرجة، اما الحالة الأكثر خطرا حين تستطيع اجهزة المخابرات هذه ان تتواصل مع حلفائها او مع قيادات الحراك الشعبي بوسائل عدة وهي كثيرة، وقد تتواصل مع الطرفين المتصارعين في آن معا ، فتعمل كل شيء بما في ذلك التضحية ببعض حلفائها التاريخيين، كما فعلت مع حسني مبارك وزين العابدين بن علي، بهدف الحفاظ على مصالحها الكبرى والإستراتيجية، ويزداد هذا الخطر عشية سقوط الحلفاء، او بعد ذلك بالتعاون مع حلفاء جدد تحاول الاجهزة الغربية اجتذابهم بهدف انقاذ مصالحها التي يهددها الحراك الشعبي. فالأستعمار لا يستطيع التحكم بالحراك الشعبي ونتائجه الا من خلال التحكم بقياداته وهو لا يستثني أي اداة متوفرة للوصول الى اهدافه. فلا الموقف يلزمه ولا المبادئ ولا حتى القوانين الدولية، فهو يخلق المبررات لكل ما يقول او يفعل ولديه من الخبراء والوسائل ما يكفي. ان جوهر التدخل الامريكي في خضم الصراعات الحاصلة في كل بلد وآخر بما في ذلك في ليبيا وسوريا يهدف الى افهام العرب، وخاصة القيادات الجديدة وقيادات الشباب، ان امريكا ما تزال تمسك بحبال السفينة وتؤثر في مسيرتها، محاولة بذلك استقطاب المعارضة العربية من جديد ليستعينوا بها، ولتحرف الصراع وتركزه ضد العدو المحلي دون العدو الخارجي، وكأن امريكا حليفة حركات التغيير لا عدوها. ان ما صرح به اوباما مساء يوم 5 آذار لرؤساء الجالية اليهودية في امريكا ونشر في موقع ynet بقوله: "ان اسرائيل ستربح من التغيرات في المنطقة" وانه "في ظل التحول التاريخي في الدول العربية مطلوب منا ان نعمل. إن لم نخف ونتدخل ونقدم المساعدة، فهذه القوى ستكون بشكل طبيعي في صفنا" يثبت نفسه. بغض النظر عمن كان يقصد اوباما في حديثه هذا، هل يقصد المعارضة الليبية أنذاك او المعارضة السورية التي لم تكن متحركة بعد، ام يقصد ما تبقى له من حلفاء في مصر وتونس او في دول عربية أخرى، فهو يعبر عن منهجية السياسة الامريكية في الظروف الراهنة. لا وقوف المتفرج، بل المتدخل والفاعل في محاولة فعلية لتحويل نتيجة هذا الحراك في صالحه، في حين ان الجامعة العربية ما تزال عاجزة وتابعة كما كانت عليه عشية الغزو الامريكي للعراق.
تبقي المعادلة ناقصة ان لم نفهم ان الحراك الشعبي المتواصل في مصر وتونس على سبيل المثال وكذلك في اليمن والبحرين وعمان يتناقض تماما مع اهداف التدخل الامريكي الذي تحدث عنه اوباما ، وان المشهد الأخير سيعكس نتيجة هذا الصراع بين الحراك الشعبي العربي المستمر بقيادة شعبية عنيدة وواثقة من جهة وبين محاولات التدخل الامريكي الصهيوني والغربي عامة للحفاظ على انظمة الإستبداد مع تبدل المستبدين الذين يحملون معهم بعض الإصلاحات هنا وهناك.
نعم أمريكا، لم تصنع هذه الثورات ولكنها دخلت على الخط بسرعة وجاهزية، في المشهد المصري وكذلك التونسي. وخوفا من فقدان كل شي فعلت كما يفعل اصحاب السفينة التي تتعرض للغرق، قذفت بالحمولة الثقيلة والفاسدة كثيرا الى البحر لتنقذ حمولة أخرى، فدعمت الى رحيل بن علي ومبارك بالتنسيق مع الجيش في مصر ومع وزير الخارجية والجيش في تونس وهذا مثبت، في محاولة للتأثير في هوية الحاكم البديل دون اسقاط للنظام، وإن طالبت ببعض الاصلاحات لتهدئة الشعب، ونجحت بذلك في الأيام الأولى بعد سقوط مبارك وبن علي الى حد كبير، واليوم تحاول التحكم بتوجهات الحراك الشعبي في كل من مصر وتونس بعاملين اضافيين: الاول هو التوسط لتقديم القروض المالية من صندوق النقد الدولي او اتخاذ الدول الصناعية الثمانية (جي 8 )قرارا باقامة صندوق استثماري بقيمة 20 مليارد دولار لدعم الإقتصادين المصري والتونسي، وكل منا يعلم ان صناديق الإستثمار وهذه والقروض كانوا الوسيلة الدولية "القانونية" لإفساد الحكام العرب وغيرهم ومن حولهم، والثاني باقامة علاقات منفردة مع حركة الإخوان المسلمين، بقيادة القرضاوي وقطر، وتقديم الدعم لكل حراك شعبي يتفق مع توجهات ومصالح الإخوان، ان كان في سوريا او ليبيا، ومنعه عن الحراك الشعبي في البحرين واليمن، وتهدئة الحراك في دول الخليج والأردن والمغرب ولو مؤقتا.
لكن العامل الأهم مقابل التدخل الأمريكي في تشكل المشهد الاخير، هو الوعي الثوري واستمرار الحراك الشعبي حيث تضرب المصالح الأمريكية، وهو ما يضعف التأثير الامريكي في تشكل المشهد الاخير في مصر وتونس بشكل خاص، ويؤثر على المشاهد الأخرى ضمن الصراع العام بين الإستعمار المتحالف مع الأنظمة المتعفنة وبين الشعوب الساعية الى الإنعتاق والتحرر، وهذا ما يجب ان يستمر بعناد ثوري حقيقي لتشكيل مشهد اخير يضمن تغيير النظام فعلا وليس مجرد تغيير الحكام. هذه المرحلة اطول واصعب بكثير من مرحلة اسقاط الحاكم والمعركة مع امريكا هادئة في ظاهرها ولكنها معركة كسر عظم في جوهرها.
المشهد الاخير والمرغوب يتطلب دعما من حيث لا يتوقع الحاكم الأمريكي، من حركات الشعوب الأوروبية والأمريكية، فهل يستطيع الحراك العربي ان يستقطب حراكا شعبيا اوروبيا وامريكيا داعما للحرية والتغيير المنشود؟ ان المشهد الاخير هو الاهم، وهو وليد الصراع المحتدم ما بين التدخل الأمريكي الإستعماري الساعي للدفاع عن مصالحة بالتحالف مع انظمة الإستبداد او بدائلهم الشبيهة من جهة وقدرة الحراك الشعبي العربي مدعوما من حركات صديقة على تغيير المعادلة والنظام.

اليف صباغ
حيفا برس 31.5.2011


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الأربعاء، 25 مايو 2011

اجتماع كشف العورات

اجتماع كشف العورات

لا عودة الى الوراء، بل تقدم منظم ومتواصل
ما يزال خطاب نتانياهو امام الكونغرس ، وما سبقه من خطاب امام منظمة الإيباك، بالإضافة الى خطابي اوباما في الإسبوع نفسه، يثير ردود فعل محلية ودولية بسبب ما يترتب عليه، وعلى خطاب اوباما الثاني امام الإيباك يوم الإثنين الماضي، من مسارات سياسية وغير سياسية في منطقتنا ومسارات أخرى في الهيئات الدولية المعنية. ويكتسب هذين الخطابين اهمية خاصة عشية اجتماع اللجنة العربية المشتركة والمزمع عقده في قطر يوم السبت المقبل لمناقشة الأوضاع المستجدة وأساليب العمل والاجراءات المطلوب انجازها قبل الوصول الى الأمم المتحدة في ايلول من هذه السنة.
وفي هذا الصدد كانت الردود الإسرائيلية سريعة ولا تخلو من الصراعات السياسية، واقصد الحزبية، فحزب كاديما، وهو اكبر الإحزاب في الكنيست، قال في بيان رسمي: ان نتنياهو كذب على العالم عندما ابدى استعداده للتفاوض مع الفلسطينيين، وان سياسته هذه ستقود اسرائيل الى العزلة الدولية، فالسلام، يقول البيان، "يصنع بالافعال وليس بالخطابات" اما نواب اليمين المتطرف فقد رأوا بنتانياهو ضعيفا اذ "ابدى استعداده للإعتراف بالدولة الفلسطينية دون مقابل". واذا كان موقف حزب كديما لا يخلو من تأثير الصراع الحزبي، فإن موقف اليمين المتطرف يأتي في صالح نتنياهو ليظهر للعالم وكانه المسكين والضحية والوسطي الذي يدفع ثمنا باهضا من اجل السلام. يا حرام..! والدليل على ذلك اختيار المستوطنين وعدد من وزراء الليكود، بما في ذلك رئيس الكنيست، تدشين حي استيطاني جديد في القدس العربية في اللحظة التي نزل فيها نتنياهو من طائرته في اللد ترحيبا به وتأكيدا للوقوف معه. اضافة الى ذلك اختار المستوطنون ومعهم حكومة اسرائيل الإعلان عن مخططات استيطانية جديدة في اللحظة التي كان اوباما يلقي خطابه الشهير. ولم يخف المستوطنون ايضا نيتهم زرع عشرات المستوطنات الجديدة في المناطق المحتلة على شكل نقاط استيطانية صغيرة يبدأ تنفيذها في المستقبل القريب بدعم من الحكومة وهيئات صهيونية امريكية.
الصحافي والمعلق السياسي المعروف، ارييه شفيط، كتب في صحيفة هآرتس ان "بيبي يتقن الكلام بلا شك ولكنه لا يتقن العمل" لأنه يرى "الإنهيار الأمني- السياسي القادم تدريجيا ولكنه مصر ان يلقي خطاب متسادا" أي خطاب الإنتحار. ولا يخفى على احد ان عددا من المعلقين السياسيين في اسرائيل وخاصة اولئك الذين يكتبون في صحيفة هآرتس، لا تفوتهم فرصة دون النيل من عنجهية نتانياهو.
اما موقع صحيفة معاريف فقد نشر نتائج استطلاع سريع لفحص مدى التأييد الذي حظي به نتانياهو في اسرائيل فتبين ان 57% من المشاركين في الإستطلاع قالوا انه كان يتوجب على نتانياهو ان يقول نعم لطروحات اوباما بعد ان فصل موقفه واوضحه في خطابه الأخير. ولكن، كما هو معلوم، ان مثل هذا الإستطلاع لا يعكس حالة الشارع.
ما لفت نظري هو ما كتبه توماس فريدمان في نيويورك تايمز، ونقل على موقع هآرتس بالعبرية خلال ساعات قليلة، موجها بذلك رسالتين او اقتراحين الى نتنياهو من ناحية والى ابومازن من ناحية اخرى، فيقول: "لو يقوم نتانياهو الآن بتقديم خارطة مفصلة وموثوقة للدولتين، وليس وعودا رمادية على شاكلة "تنازلات مؤلمة"، سيجد امريكا واوروبا مستعدتين لإعطاء اسرائيل كل شيء تريده" ويقصد بذلك دعما سياسيا كاملا وحتى عضوية في حلف الناتو وفي الإتحاد الأوربي. اما رسالته الثانية فوجهها الى الرئيس ابومازن فيقول: انه يتفهم الحيرة الفلسطينية من المفاوضات في ظل استمرار الإستيطان ويضيف، ان التوجه الى الأمم المتحدة سيزيد الإسرائيليين تكتلا حول نتانياهو، ويبدو ان فريدمان لم يقرأ التحذيرات التي صدرت في اسرائيل تخوفا من استصدار قرار افعتراف بحدود الدولة الفسطينية ومن ثم العودة الى المفاوةضات وقد حسم موضوع الحدود. ويقترح فريدمان على الفلسطينيين ان يتعلموا من دروس ميدان التحرير وان يتوجهوا بمظاهرات سلمية كل يوم جمعة باتجاه القدس حاملين شعارات تنادي بالسلام وقبول المبادرة السعودية، والقبول ببقاء المستوطنات الإسرائيلية في القدس الشرقية تحت السيادة الإسرائيلية. وهذا يعني الإمعان في نهج الإسترضاء الذي اثبت فشله، وهو يؤكد ان حكومة نتانياهو لا تستطيع الصمود امام هذه المسيرات، وبذلك يصبح "مصير نتانياهو كمصير مبارك". لا ادري من اين اتى توماس فريدمان بهذه الأفكار ولكنه عودنا الا تكون كلها من بنات افكاره بل بعضها من جوارير السياسيين، فمن هم اصحاب هذه الجوارير يا ترى؟
يخطىء من يظن ان اجتماع اللجنة العربية يوم السبت لن يكون تاريخيا ايضا، انه اجتماع كشف العورات على طبيعتها، وعليه يجب التنبه لكل توصية او تلخيص او قرار يصدر عنه، وما صدر عن السلطة الفلسطينية امس من ترحيب بموقف اباما لا يبشر خيرا، وارى من الضرورة ان يرى المجتمعون خطاب اوباما الثاني بمجمله وليس بجملة مقطوعة منه ليتأكدوا انه لا يقل خطورة عن خطاب نتانياهو وان يتذكروا انه ملزم لاوباما وليس مجرد كلام استرضاء، خاصة وانه لا ينوي خسارة اصوات اللوبي الصهيوني المنظم والخطير .
في الرد على خطاب نتانياهو علينا ان نفند كل كلمة وموقف نطق به وان لا ننسى، بل نذكر بما لم يقله ايضا: نتانياهو لم يقل ان اسرائيل قامت بقرار احادي الجانب من الأمم المتحدة على حساب شعبنا الذي شرد من وطنه. وان حدود الرابع من جزيران لا تساوي اكثر من 22% من الوطن الفلسطيني، وان البقية الباقية من الشعب الفلسطيني داخل اسرائيل تعاني من مصادرة اراضيها ومن تمييز عنصري لا يضاهيه تمييز الا ما عانى منه شعب جنوب افريقيا، وان منظمات حقوق الإنسان في اسرائيل ترى بحكومة نتانياهو والكنيست الحالي اكثر الحكومات والبرلمانات عنصرية ومعاداة للمواطنين العرب....الخ. فعن أي ديموقراطية يتشدق نتانياهو وعن أي سخاء في المفاوضات يتحدث؟
. كما ارى اهمية ان يعلن المجتمعون، ان نتانياهو لم "يبتعد عن عملية السلام" فقط، بل هو واوباما قد نسفاها من الأساس، وان يعلنوا عن سقوط سياسة الإسترضاء والنفاق التي اتبعها الزعماء العرب جميعا عملا بالمثل القائل: "لاحق العيار لباب الدار"، ونتيجة لهذه السياسة تنازل الطرف الفلسطيني عن كل اوراق الضغط وكسبت اسرائيل مكاسب استراتيجية من الصعب انتزاعها منها، ولم تكن هذه السياسة في الحقيقة الا تعبيرا عن عجز وارتماء في احضان العدو الإسرائيلي والأمريكي على حد سواء مقابل حفاظ بعض الحكام على كراسيهم، ولم يحافظوا ، او مقابل بعض المساعدات المالية لدى انطمة اخرى وذهبت هذه المساعدات مع الريح . كما ارى اهمية باعلان المجتمعين سقوط نهج التعاون الامني مع امريكا واسرائيل، وسقوط الرهان على امريكا راعيا لعملية التسوية والسلام. ولا يفوتني ان اذكر بضرورة مشاركة جميع اطياف الشعب الفلسطيني في اتخاذ القرار قبل مشاركة ممثلي الانظمة العربية المهترئة، لان الشعب الفلسطيني هو ، وهو وحده، صاحب القرار الشرعي في هذه الظروف، وان الحراك الجماهيري السلمي المنظم، المدروس والمتواصل، متسلحا بالحق الطبيعي للشعب الفلسطيني في وطنه وبالقانون الدولي، هو الوسيلة الافضل، ولكنها ليست الوسيلة الوحيدة، للوصول الى التحرر من الأحتلال واقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس وتحقيق العودة والسلام.

اليف صباغ
26.5.2011




حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الثلاثاء، 24 مايو 2011

الضغط الإسرائيلي والعجز العربي


        نجح التعنت والإبتزاز وفشلت الحكمة والعجز



في مقال سابق تحت عنوان "الطريق الى واشنطن زنغة زنغة" تساءلت: من اين ينتظر بيبي نتانياهو الفرج هذا المرة؟ من عاصمة عربية ام من امريكا نفسها ا وان معجزة قد تحدث. وفي مقال لاحق، في "قراءة اولية لخطاب اوباما" الاول مساء الخميس الماضي، قلت ان الهجوم الذي سيشنه بيبي نتانياهو وحلفاؤه على اباما، انما هو جزء من الضغط لمزيد من الابتزاز وانه في التقييم الداخلي سوف ترى اسرائيل بخطاب اباما نصرا، فهل من يشك في ذلك بعد خطابه الثاني؟ ويبقى السؤال الذي لا بد تكراره ولو للمرة الألف: ماذا نحن فاعلون؟ وماذا نريد؟ اذا كنا لا نتلعم من تجربة الآخرين، الم يحن الوقت لتقييم تجربتنا واستخلاص العبر؟

لكي اسهل على حكامنا ومستشاريهم لا بد من تلخيص الفترة التي امتدت سنتين بالضبط، منذ زيارة بيبي نتانياهو الاولى الى واشنطن في عهد الإدارة الجديدة في نهاية ايار 2009 وخطاب أباما الشهير في القاهرة حتى يومنا هذا وان لم يلقِ نتانياهو بعد خطابه المتوقع اليوم مساء امام الكونغرس.

 لقد ابتدات هذه الفترة بملامح صعود النجم الامريكي الجديد، الرئيس الديموقراطي وهو الاول من بين ذوي البشرة السمراء، اضافة الى كونه من اصول افريقية او شرقية، بل محبوب لدى العاهل السعودي بشكل خاص، وربما بسبب كل هذا، او بدونه، لم يتردد الملك عبدالله بن عبدالعزيز وكل زعماء الخليج النفطي، يضاف اليهم القذافي نفسه، من تقديم الهدايا الذهبية الى الزعيم الجديد والدعم المادي السخي لامريكا، وذلك بنقل او الاحتفاظ، بمئات ملياردات الدولارات، وصلت الى اكثر من 300 مليارد دولار حسب ما ذكرته وسائل الإعلام، في البنوك الأمريكية دعما للأقتصاد الأمريكي المنهار، في حين كانت تتسرب رؤؤس الموال اليهودية من امريكا الى اسرائيل دعما للإقتصاد الاسرائيلي او تفاديا لخسائر الإنهيار في امريكا.

في الشأن السياسي بدا رئيس الحكومة الإسرائيلي بيبي نتانياهو، بعد خطاب القاهرة في حزيران 2009، ضعيفا امام اباما الحالم برؤية عالمية واعدة، وخشي الإسرائيليون من ان الإدارة الامريكية الجديدة سوف تلغي كل التفاهمات السرية (!) التي قدمتها ادارة بوش الى شارون واولمرت في السابق، فيما يخص الإستيطان  في الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية. الإدارة الجديدة برئاسة اباما طالبت اسرائيل بوقف الإستيطان بكل اشكاله وفي المناطق المحتلة كافة تسهيلا لنجاح المفاوضات ، الامر الذي تعارض بل اصطدم مع ايديولوجية نتانياهو والوعود التي قطعها على نفسه عشية انتخابه لرئاسة الحكومة. هذا التصادم كاد ان يؤدي الى واحد من اثنين، إما صدام سياسي قوي بين ادارة ادارة اباما وحكومة نتانياهو او خضوع نتانياهو للارادة الامريكية والتأقلم مع مصالحها وسياستها، وهذا ما كان الحكام العرب يعلقون عليه آمالهم ويبررون به عجزهم المستديم دون ان يفعلوا شيئا لتحقيق آمالهم هذه.  لكن ما حدث  بعد ذلك اكد ان نتانياهو استطاع ان يهرب من الحالتين المذكورتين، باستخدام بعض اعضاء الكونغرس عندما احتاج اباما الى كل صوت فيه لتمرير قانون التأمين الصحي الذي يهم كل امريكي ورأى به اباما وعدا وحلما للناخب الامريكي لا بد من تحقيقه، وكانت المعركة الاولى التي نجح بها نتانياهو من ليّ ذراع ابامام واستدراج الإدارة الامريكية الى سراديب الحوار اللامنتهي فيما يخص الشرق الاوسط ووضع الملف الإيراني فوق كل الملفات الاخرى على الطاولة الأمريكية، مستعينا بالعجز العربي والمسمى "بالحكمة و التروي" و"ملاحقة العيار لباب الدار"، وبالعداء العربي السني للشيعة وايران "الفارسية" في محاولة لبناء اصطفاف جديد للقوى السياسية في الشرق الاوسط  تكون فيه ايران وسوريا وحزب الله هم العدو لإسرائيل وامريكا والحكام العرب السنيين وعليه تتغير الأولويات بحيث يصبح الملف الفلسطيني الإسرائيلي ثانويا، بالضبط كما حصل عشية العدوان الامريكي على العراق بحجة تحرير الكويت. وهل سيكون اباما عربيا اكثر من العرب اوستكون روسيا او اوروبا  فلسطينية اكثر من الفلسطينيين؟

لاحقا، وحتى قبل ان بينت انتخابات الكونغرس عن خسارة اوباما للغالبية لصالح اسرائيل في نوفمبر 2010، كانت النتيجة الفعلية لهذا التحول ان تراجع اباما عن شرط ايقاف الإستيطان بالكامل الى الإعلان الرسمي عن ايقافه "جزئيا" و"مؤقتا" مع استمراره فعليا، ومع ذلك قبل الفلسطينيون بالعودة الى المفاوضات وبذلك شكلوا بانفسهم، وبنصيحة مباكية معهودة، سلما لأباما ان ينزل جزئيا ومؤقتا عن شجرة وقف الإستيطان لصالح نتانياهو وحلفائه المستوطنين. واعتمادا على ذلك، وفي ظل نتائج انتخابات الكونغرس لصالح حلفاء نتانياهو، اقتنع اكثر من ذي قبل بامكانية نجاحه من جديد في ليّ ذراع اباما واصر لاحقا الا يتنازل للادارة الامريكية وللسلطة الفلسطينية في موضوع الإستيطان قيد انملة ، ونجح مرة اخرى بمنع اباما حتى من التذكير بالاستيطان كعثرة في وجه المفاوضات، بل استطاع  نتانياهو بالضغط المتواصل بعد خطابه الاول، ان يجبر اباما في خطابه الثاني ان يطالب الفلسطينيين بوضوح التعامل من الإستيطان على انه امر واقع يجب ان يؤخذ بالحسبان في أي حل نهائي، كما استطاع ، بعناده وعجز الحكام العرب، ان يبتز اباما بموقف يقول ان المفاوضات المشروطة بكل الشروط الإسرائيلية هي الطريق الوحيد للوصول الى تسوية،  مع الإلتزام بالتفوق العسكري والتكنولوجي لإسرائيل، والإلتزام بالتصدي الامريكي الفاعل لأي محاولة فلسطينية للجوء الى الجمعية العامة للامم المتحدة للإعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن حدود الرابع من حزيران عام 67 او اعتبار هذه الحدود هي المرجعية المشتركة لمفاوضات مستقبلية، والزام العرب والفلسطينيين بالإعتراف باسرائيل على انها دولة للشعب اليهودي ومنع عودة اللاجئين الفلسطينيي الى اراضيهم داخل اسرائيل ,,,و ...و.. ولم يبق شرط اسرائيلي واحد لم يذكره ولم يلتزم به اباما في خطابه الأخير. فاي نجاح اكبر من هذا كان يحلم به نتانياهو؟

اما الإنجاز الاكبر لإسرائيل في نظري، واعتقد انه في نظر الإسرائيليين عامة ايضا، هو التزام امريكا باستمرار الدعم المادي والسياسي والعسكري والتكنولوجي لإسرائيل، التزاما لا لبس فيه ولا تردد وغير مشروط، بغض النظر عن السياسة الإسرائيلية ومواقفها من عملية التسوية، وهذا ما اكده اباما في خطابه الأخير بشكل لا يقبل التاويل. هذا الفصل بين المسارين لم تستطع اسرائيل تحقيقه من قبل في ظل اكثر الإدارات الامريكية تأييدا لها وهي ادارة بوش الإبن. هذا الفصل يعطي اسرائيل القدرة على التهرب من كل ضغط امريكي. كل هذه الإنجازات ستحسب لنتانياهو في اسرائيل ولا يستغربن احد اذا استقبل عند عودته من الولايات المتحدة في نهاية هذا الإسبوع استقبال الأبطال. هذه البطولات صنعتها له الانظمة العربية التابعة والذليلة والعاجزة .

اكتب هذا الكلام قبل اربع ساعات او اكثر من خطاب بيبي نتانياهو اما الكونغرس الامريكي المؤيد له، ولا اشك انه سوف يؤكد لهم اصراره على الإستمرار في سياسته مع بعض المديح والمجاملات لاباما  المغلوب والمنكسر امامهم جميعا، ولا يغرن احد تصريحات نتانياهو المتوقعة بالإستعداد للمفاوضات بلا شروط ورغبة اسرائيل بالسلام... وما الى ذلك من الشعارات التي نعرفها من نصف قرن واكثر. المصيبة الأكبر ان الإنظمة العربية المخلوعة كانت خانعة، والإنظمة المأزومة اليوم تقع تحت التهديد الامريكي الفعلي برفع الحماية عنها، في البحرين واليمن والأردن مثلا او تقديم المزيد من الدعم السياسي او العسكري للمعارضة في اماكن اخرى. اما الانظمة الجديدة فهي تحت التهديد الامريكي بخلق "الفوضى الخلاقة " عندها او دعم الثورة المضادة .

اما عن حركة الشعوب العربية فللحديث بقية...



اليف صباغ

24.5.2010 

 


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الخميس، 19 مايو 2011

قراءة اولية لخطاب اباما

       قراءة أولية في خطاب الرئيس الامريكي براك أوباما

قبل دقائق انتهى خطاب الرئيس الامريكي براك اباما، وبالرغم من الإهتمام العربي والإسرائيلي المسبق في محاولة لمعرفة ما يمكن ان يجدده في القضية الاهم وهو قضية فلسطين، الا ان براك اباما لم يأت بجديد يذكر بل اكد على مبادىء صرح بها في الماضي حتى انه يمكن القول انه تراجع قليلا عن بعضها لمصلحة اسرائيل.
يمكن تقسيم الخطاب الى جزئين اساسيين: الاول ما يخص الحراك الحاصل في العالم العربي، والثاني ما يخص عملية التسوية الفلسطينية- الإسرائيلية.
غالبية خطاب اباما يتعلق بالتغيرات الحاصلة في العالم العربي مكررا دعم امريكا للديموقراطية والحريات الفردية وحقوق المرأة وملفتا النظر الى القدرات الموجودة لدى الشباب المتعلم، ولكنه غير القادر على تحصيل لقمة العيش، بسبب الفساد المستشري في هذه الانظمة، ومنوها الى ضرورة الإستفادة من هذه القدرات الكبيرة. لكن اباما، كما يبدو، تناسى ان امريكا كانت حليفة وداعمة لهذه الأنظمة، "الدكتاتورية" كما سماها، وخص بالإسم تونس، ضد شعوبها ومنهم الشباب ايضا.
اوضح اباما ان امريكا تدعم بكل الوسائل كل الحركات الداعية الى التغيير والديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان ضد انظمة القمع والفساد وستدعم كل نظام يقوم بعمليات الإصلاح بهذا الإتجاه بغض النظر ان اختلف، سياسيا، مع امريكا او اتفق معها، ولكن هذا المبدأ، على ما يبدو في خطابه، لا يشمل الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية ضد الإحتلال بين هذه الشعوب والحركات. ولكن ما لفت انتباهي هو التصفيق الذي حظي به عندما قال ان ما ينطبق على اليمن "ينطبق ايضا على البحرين"، ودعا الحكام في البلدين الى نقل السلطة بسلام.
اباما اعتبر ان التغيير الحاصل في العالم العربي يشكل "فرصة لنشر القيم الامريكية في الشرق الاوسط"، ونفى ان تكون امريكا دفعت بالشعوب الى هذا الحراك، وقال: انه حراك عفوي تدعمه امريكا، وان التجربة العراقية علمت امريكا ان دعم الحراك الشعبي اوفر لها من التدخل العسكري من اجل تغيير الانظمة. وبالرغم من انتقاده وحتى الهجوم على النظام السوري ولكنه ترك للرئيس الأسد فرصة للإصلاح وقال: "اما ان يقود الإصلاح او يرحل". ولم يقل ان عليه الرحيل فورا.
اوباما ابدى استعداد امريكا لتقديم الدعم المادي للأنظمة الجديدة بالتنسيق مع اوروبا على شاكلة المساعدات التي قدمت لانظمة اوروبا الشرقية، وفي ذلك ربما اشاره ليس فقط الى مصر وتونس، بل الى دول اخرى مثل سوريا واليمن ايضا. وان المساعدة لن تكون على شكل تقديم المساعدات المالية بل إقامة صناديق استثمار دولية بمساعدة البنك الدولي.

اما قضية التسوية الفلسطينية-الإسرائيلية فلم تحظ بأكثر من دقائق معدودة من خطابه، بالرغم وجود نتانياهو في الولايات المتحدة، وربما بسبب وجوده والخطاب الذي سيلقيه امام الكونغرس في الإسبوع القادم. ويمكن تلخيص ما جاء في خطاب اباما بما يلي:
1.    التأكيد على عجز اباما ان يفرض حلولا على اسرائيل، ومع ذلك فأمريكا، يقول اباما ملتزمة بامن اسرائيل ودعمها على خلفية العلاقة التاريخية والحضارية والتحالف الإستراتيجي معها. بذلك اسقط اباما كل الإحلام العربية والفلسطينية خاصة التي تقول ان امريكا قادرة على فرض الحلول وان الرئيس الأمريكي وعد بذلك. ها هو يقول مرة بعد اخرى انه غير قادر ان يفرض على أي من الاطراف. وبالتالي يكون المطلب الفسطيني بالتوجه الى الأمم المتحدة امرا لا تردد ولا تراجع فيه.
2.    في الوقت ذاته يقول اباما ان سياسة التوجه الى الامم المتحدة وعزل اسرائيل لن تجلب للفلسطينيين دولة. وهنا يطرح السؤال: اذا كانت امريكا تدعم كل حركات التغيير في العالم العربي ضد الانظمة المستبدة وتستثني نضال الشعب ىالفلسطيني ضد الإحتلال، ولانها لا تستطيع ان تفرض حلولا على اسرائيل وتعد بمعارضة التوجه الفلسطيني للامم المتحدة من خلال تاكيدها على الدعم المطلق لإسرائيل، فماذا تنتظر امريكا من الشعب الفلسطيني ان يفعل؟ ولماذا ما يزال البعض مصرا على مسايرة امريكا آملا دعمها؟
3.    اشار اباما ان الحل الذي تراه امريكا هو باقامة دولتين وان "حدود الدولة الفلسطينية مبدئيا هي حدود الرابع من حزيران 67 مع تعديلات بسيطة"، وان الانسحاب الإسرائيلي يجب ان يكون منسقا وبدون عنف، ولكنه اضاف، ان على الفلسطيننين ان يعترفوا باسرائيل دولة يهودية وموطنا لليهود مثلما ان دولة فلسطين هي موطن للفلسطينيين. وبهذا يميل اباما الى الموقف الإسرائيلي والى الشرط الإسرائيلي يصعب على الفلسطينيين التجاوب معه. اضافة الى ذلك قال اباما ان مسالة القدس واللاجئين ستبقى للتفاوض لاحقا، وان لكل دولة الحق في الدفاع عن نفسها بنفسها، وان مجمل هذا المبادي تكون ارضية للتفاوض، وبهذا فهو يدعو الطرفين للعودة الى المفاوضات قبل توجه الفلسطينيين الى الامم المتحدة.
4.    الرئيس الامريكي لم يتطرق الى الإعلانات الإسرائيلية اليوم عن بناء المزيد من الشقق السكنية في المستوطنات وكأن شيئا لم يحدث.


كيف سيقرأ الإسرائيليون خطاب اباما؟

سنشهد هذه الليلة وغدا تصريحات اسرائيلية علنية مناهضة لأباما، خاصة وانه ذكر حدود الرابع من حزيران كأساس للتفاوض، وهذا جزء اساسي من الضغط الذي تمارسه اسرائيل على امريكا بشكل متواصل. ولكن التقييمات غير المعلنة سوف تعتبر ان اعلان اباما عن عجزه فرض الحلول على اسرائيل وعدم تطرقه لضرورة وقف الإستيطان وعدم تنديده بالإعلان اليوم عن مزيد من البناء في المستوطنات، وتوجهه الى الفلسطينيين بان توههم الى الأمم المتحدة لن يجلب لهم دولة، كل هذا هو ضوء اخضر لمزيد من التعنت الإسرائيلي وهذا، في تقديري، ما سنشهده في خطاب نتانياهو في الأسبوع القادم.
ويبقى على القيادة الفلسطينية ان تحفظ ماء الوجه لكل الحكومات والشعوب التي ساندتها في توجهها الى الأمم المتحدة في ايلول القادم وعدم التراجع امام أي ضغط او مراوغة او ابتزاز امريكي او اسرائيلي او غيره عشية اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في ايلول القدم. اما الحركة الشعبية الفلسطينية والعربية والقوى المساندة للحق الفلسطيني فهي الضمانة الأهم لجعل اسرائيل وامريكا تنصاعان الى القانون الدولي وما يسمى بالشرعية الدولية.


                                                                      اليف صباغ
                                                                      19.5.2011 

حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الاثنين، 16 مايو 2011

الطريق الى واشنطن

الطريق الى واشنطن- زنغة زنغة...

يسافر بنيامين نتانياهو يوم الخميس القادم الى واشنطن ويلتقي في اليوم الثاني مع الرئيس الامريكي براك اوباما ومن ثم يلتقي مع الجالية اليهودية يوم الإثنين وفي يوم الثلاثاء من المتوقع ان يلقي خطابا امام الكونغرس. لكن المتابع يرى ان الرجل مزنوق ليس فقط في امريكا بل قبل ان يغادر تل ابيب ايضا، يعني ان الرجل يسير من "زنغة" الى "زنغة" ولكنه يحاول بكل الوسائل تنسيق مواقفه مع البيت الإبيض بحيث لا يفاجئ اوباما بمواقفه ويضمن الا يفاجئه اوباما ايضا آخذا بعين الإعتبار ان لاوباما خطاب آخر في الاسبوع القادم يوجهه بالأساس الى العالم الإسلامي. فهل ينجح نتانياهو، بمساعدة حلفائه في الكونغرس، بليّ ذراع اوباما كما نجح في مرات سابقة؟
ولكن "الزنغة" الأولى اعترضته في بيته قبل سفره بثلاثة ايام، اعضاء الإئتلاف الحكومي يتساءلون، ماذا سيحمل نتانياهو في جعبته الى الرئيس اوباما؟ ولماذا يطرح افكاره امام الرئيس الأمريكي قبل ان يطرحها في حكومته؟ اليسوا اصحاب حق في مناقشة افكاره السياسية قبل ان يناقشها اوباما؟ نتانياهو وجد نفسه في مواجهة اولى مع روبي ريفلين رئيس الكنيست وعضو قيادي في الليكود، الذي طالبه بان يكون خطابه في جلسة الكنيست العامة اليوم، قبل السفر الى واشنطن، ذا طابع سياسي، فاستجاب نتانياهو خوفا من فقدان ثقة اعضاء حزبه وحلفائه على حد سواء، خاصة وان هذه الثقة تذيلها علامة سؤال اصلا. فماذا قال؟ الحقيقة ان نتانياهو لم يفاجيء احدا، فأصر على مواقفه المعروفة ومفادها ان "اقامة دولة فلسطينية لن يحصل الا نتيجة للمفاوضات، وانها ستكون منزوعة السلاح وان الجيش الإسرائيلي سيبقى في غور الاردن لفترة طويلة"  واضاف، "في كل حل ستكون عاصمة لإسرائيل وستكون الكتل الإستيطانية داخل اسرائيل" اما الجديد فهو ما قاله بالامس ردا على احداث مسيرات العودة فقال: يتضح مما حدث ان الصراع ليس على حدود العام 67 بل على حدود العام 48 أي انه صراع وجودي" متناسيا ان من فجر هذه الطاقات البشرية هو تعنته ورفضه الدائم  لتنفيذ قرارت الامم المتحدة وعلى رأسهم القرار 194 الذي يقر بحق العودة للاجئين الفلسطينيين كحق فردي وجماعي في آن معا. لكن هل هذا يكفي للقاء اوباما؟ وهل يكتفي المجتمع الدولي بهذه المواقف بعد اليوم؟ بالمقابل هل يستطيع نتانياهو ارضاء حلفائه الا بمواقفه المتعنتة او المراوغة؟  سلفان شالون، نائبه، حذره في اجتماع الكتلة الأخير اليوم من "سقوط الحكومة وخسارة الليكود في الإنتخابات اذا ما حاد عن الطريق"، اما افرايم هليفي –رئيس الموساد السابق- فيقول انه متشائم جدا من امكانية اعادة الفلسطينيين الى طاولة المفاوضات ، وان الرباعية لم تعد قادرة على مساعدة اسرائيل. شاؤول موفاز، قائد الأركان الأسبق ورئيس لجنة الخارجية والأمن حاليا، هاجم نتانياهو واتهمه بالمسؤولية عن الجمود وادخال اسرائيل الى عزلة دولية، واضاف، "ان احداث ايلول المرتقبة ستنفجر في وجه الجيش على شكل موجات متتالية".
يتزايد عدد السياسيين والمحللين والخبراء الذي يرون بان التغيير الحاصل في العالم العربي عامة اضافة الى الموقف الفلسطيني الموحد والمواقف الدولية المؤيدة للموقف الفلسطيني لا تبقي مجالا للمناورات الإسرائيلية امام استحقاق ايلول. فمن اين تأتي سفينة الإنقاذ هذه المرة؟ هل تأتيه من عاصمة عربية؟ هل تأتيه من امريكا؟ هل يحدث ما لم يتوقعه احد ولو في اللحظة الأخيرة؟ ربما يعلق بيبي نتانياهو آماله على اللحظة الأخيرة على امل ان تنجح الحملة الدبلوماسية في تغيير الاجواء خاصة وان مكتب رئيس الحكومة اقام مؤخرا "وحدة خاصة" للتعامل مع شبكات الفيسبوك، كما يقول ريغف، الناطق الرسمي لرئيس الحكومة، هذا بالإضافة الى "جيش" المعقبين على صفحات الإنترنت الذي يعمل منذ سنوات بعدة لغات وبتمويل من مكتب رئيس الحكومة. بالمقابل، هل ينتظر العرب، وخاصة الفلسطينيين، حتى ايلول دون حراك دبلوماسي واعلامي يساند الحراك الشعبي؟

                                                                                اليف صباغ
                                                                                16.5.2011



حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الأحد، 15 مايو 2011

الحقل الفلسطيني والحصاد الإسرائيلي

الحقل الفلسطيني والحصاد الإسرائيلي ل- 15 ايار

ما قدمه ابناء اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان والضفة والقطاع وحتى داخل مناطق ال 48 من شجاعة واصرار على تحدي كل المخاطر من اجل التاكيد على حق العودة الى وطنهم وبيوتهم التي اخرجوا منها عنوة، لم يتوقعه احد من الإسرائيليين باعتراف قيادات الجيش الإسرائيلي وكبار السياسيين والمعلقين العسكريين، والكثير الكثير من الفلسطينيين انفسهم، وكانت الحصيلة غير المتوقعة اختراق مئات الشباب للشريط الحدودي بسهولة وبالمقابل أكثر من عشرين شهيدا ومئات المصابين اصابات بعضهم خطيرة وخاصة اولئك الذين تظاهروا على سفوح بلدة مارون الراس على الحدود الشمالية لفلسطين.
للمرة الاولى حاول مئات الشباب الفلسطيني من الداخل، في الجليل والمثلث واللد والرملة والنقب، ان يصلوا الى الشريط الحدودي مقابل بلدة مارون الراس ليقولوا لأشقائهم اللاجئين في لبنان: نحن بانتظار عودتكم، وانه لا عودة عن حق العودة ولا سلام من دون عودتكم الى دياركم مهما طال الزمان، وقد طال كثيرا. لكن القوات الإسرائيلية المعززة بالشرطة والجيش والمجهزة بأحدث المعدات كانت منتشرة في كل مكان على بعد حوالي عشرة كيلومترات من الحدود ومنعت دخول أي حافلة محملة بالمتظاهرين او حتى سيارة خصوصية شكت ان ركابها ينوون التظاهر مقابل إخوانهم المتواجدين في مارون الراس، هذا بالإضافة الى اعلان الحدود الشمالية منطقة عسكرية مغلقة يمنع فيها حتى دخول الصحافيين إلا بإذن من الجيش وبرفقته.
رئيس الحكومة ب. نتانياهو طلب من الجيش، كما اعلن مكتبه، ان يتصرف بضبط النفس ولكن في الوقت نفسه طالبه ان يمنع كل محاولة لتخطي الشريط الحدود. واضاف، ان القضية  "ليست قضية حدود بل تدمير دولة اسرائيل". متهما ايران (!) بالوقوف وراء هذا التحرك الجماهيري.
وزير المالية المتطرف يوفال شطاينتس، الذي أرغم، في اليوم نفسه، على تحرير الأموال الفلسطينية المحتجزة لدى اسرائيل، والتي تقدر ب 350 مليون دولار، اتهم النظام السوري بتوجيه المتظاهرين الفلسطينيين لقطع وعبور الشريط قصدا بهدف تسليط الضوء على اسرائيل  واغفال ما يقوم به الجيش السوري ضد المواطنين السوريين.
اما وزير الأمن ا. براك فيعترف بأن جيشه قتل عشرة لاجئين فلسطينيين عبروا الشريط على خط الهدنة مع سوريا، وان عشرة آخرين قتلوا على الحدود اللبنانية ولكن، بالرغم من اعتراف الجيش الإسرائيلي في ساعات ما بعد الظهر باطلاق النار على المتظاهرين الفلسطينيين في مارون الراس الا ان براك عاد واتهم الجيش اللبناني باطلاق الرصاص على المتظاهرين وحمل الحكومة اللبنانية مسؤولية سفك دماء المتظاهرين الفلسطينيين هناك. وفي السياق نفسه اكد براك في تلخيصه الأولي، ان الجيش "نجح في مهمته بالرغم من انه لم يكن جاهزا لذلك". واضاف، ان جيشه قد يضطر الى مواجهات اكثر تعقيدا في المستقبل. براك انتقد من يعتقد ان بإمكان الجيش وضع الاف الجنود في كل نقطة احتكاك وقال: مقابل سبعة الاف متظاهر يمتدون على مسافة طويلة على الشريط ويحاولون تفكيكه او اختراقه  كنا بحاجة الى اكثر من 7000 جندي وهذا غير ممكن.
ربما يكون هذا الكلام هو اهم ما اشار اليه براك بنظرة الى السيناريوهات المستقبلية المحتملة. ويمكننا ان نتخيل معه انتشار الاف او عشرات الاف المتظاهرين الفلسطينيين، وربما معهم الاف المتضامنين العرب والأجانب على طول الشريط الشمالي والشرقي وربما الجنوبي أيضا، في عشرات النقاط وليس نقطة واحدة من كل جهة، بالإضافة الى تجمعات مشابهة على عدد كبير من نقاط التماس بين الضفة الغربية واسرائيل او بالقرب من الحواجز داخل المناطق المحتلة عام 67، ويمكننا ان نتخيل ايضا ان يضاف الى كل هذا عشرات نقاط التظاهر داخل مناطق ال 48 ودون ان يحمل أي من المتظاهرين في أي من هذه الاماكن أي نوع من السلاح، فكيف سيتعامل الجيش الإسرائيلي مع هذه الحالة الخاصة؟ هل هذا ما يتخيله براك  ويقلقه عندما يتحدث عن "حالات اكثر تعقيدا" ؟ في الوقت نفسه أكد براك ان الجيش الى سيفحص كل ما حدث وسوف يستخلص العبر. بالمقابل، هل سيقوم الفلسطينيون ايضا بمراجعة كل ما حصل واستخلاص العبر؟.
                                                                      اليف صباغ
                                                                      15.5.2011


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

السبت، 14 مايو 2011

مسيرة العودة


حيث يوجد الصبّار او تشم رائحة الزعتر، حيث ترى بقايا شجر التين او السماق وربما بقايا زيتون سوري او رومي يمد اعناقه او رافعا يديه بين احراش السنديان الجليلي، وحيث ترى احراش الصنوبر في الخمسينات من عمرها، قف... وقل: هنا توجد قرية فلسطينية مهدمة، هجّر أهلها خلال عام 1948 ولم يمكنهم المجتمع الدولي "المتحضر" ان يعودوا الى بيوتهم. لماذا؟ لأن "شعب الله المختار" احتل أرضهم  بقرار المجتمع الدولي هذا، وسموه ب- "قرار التقسيم" ورقمه 181 ، هذا الرقم الذي لا يقسم على صحيح، تبا له الى ابد الآبدين. هنا ترقد رفاة من هدمت بيوتهم وشرد ابناؤهم، اطفال وشيوخ، رجال ونساء، في صحراء العرب او عبر البحار البعيدة.