الثلاثاء، 24 مايو 2011

الضغط الإسرائيلي والعجز العربي


        نجح التعنت والإبتزاز وفشلت الحكمة والعجز



في مقال سابق تحت عنوان "الطريق الى واشنطن زنغة زنغة" تساءلت: من اين ينتظر بيبي نتانياهو الفرج هذا المرة؟ من عاصمة عربية ام من امريكا نفسها ا وان معجزة قد تحدث. وفي مقال لاحق، في "قراءة اولية لخطاب اوباما" الاول مساء الخميس الماضي، قلت ان الهجوم الذي سيشنه بيبي نتانياهو وحلفاؤه على اباما، انما هو جزء من الضغط لمزيد من الابتزاز وانه في التقييم الداخلي سوف ترى اسرائيل بخطاب اباما نصرا، فهل من يشك في ذلك بعد خطابه الثاني؟ ويبقى السؤال الذي لا بد تكراره ولو للمرة الألف: ماذا نحن فاعلون؟ وماذا نريد؟ اذا كنا لا نتلعم من تجربة الآخرين، الم يحن الوقت لتقييم تجربتنا واستخلاص العبر؟

لكي اسهل على حكامنا ومستشاريهم لا بد من تلخيص الفترة التي امتدت سنتين بالضبط، منذ زيارة بيبي نتانياهو الاولى الى واشنطن في عهد الإدارة الجديدة في نهاية ايار 2009 وخطاب أباما الشهير في القاهرة حتى يومنا هذا وان لم يلقِ نتانياهو بعد خطابه المتوقع اليوم مساء امام الكونغرس.

 لقد ابتدات هذه الفترة بملامح صعود النجم الامريكي الجديد، الرئيس الديموقراطي وهو الاول من بين ذوي البشرة السمراء، اضافة الى كونه من اصول افريقية او شرقية، بل محبوب لدى العاهل السعودي بشكل خاص، وربما بسبب كل هذا، او بدونه، لم يتردد الملك عبدالله بن عبدالعزيز وكل زعماء الخليج النفطي، يضاف اليهم القذافي نفسه، من تقديم الهدايا الذهبية الى الزعيم الجديد والدعم المادي السخي لامريكا، وذلك بنقل او الاحتفاظ، بمئات ملياردات الدولارات، وصلت الى اكثر من 300 مليارد دولار حسب ما ذكرته وسائل الإعلام، في البنوك الأمريكية دعما للأقتصاد الأمريكي المنهار، في حين كانت تتسرب رؤؤس الموال اليهودية من امريكا الى اسرائيل دعما للإقتصاد الاسرائيلي او تفاديا لخسائر الإنهيار في امريكا.

في الشأن السياسي بدا رئيس الحكومة الإسرائيلي بيبي نتانياهو، بعد خطاب القاهرة في حزيران 2009، ضعيفا امام اباما الحالم برؤية عالمية واعدة، وخشي الإسرائيليون من ان الإدارة الامريكية الجديدة سوف تلغي كل التفاهمات السرية (!) التي قدمتها ادارة بوش الى شارون واولمرت في السابق، فيما يخص الإستيطان  في الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية. الإدارة الجديدة برئاسة اباما طالبت اسرائيل بوقف الإستيطان بكل اشكاله وفي المناطق المحتلة كافة تسهيلا لنجاح المفاوضات ، الامر الذي تعارض بل اصطدم مع ايديولوجية نتانياهو والوعود التي قطعها على نفسه عشية انتخابه لرئاسة الحكومة. هذا التصادم كاد ان يؤدي الى واحد من اثنين، إما صدام سياسي قوي بين ادارة ادارة اباما وحكومة نتانياهو او خضوع نتانياهو للارادة الامريكية والتأقلم مع مصالحها وسياستها، وهذا ما كان الحكام العرب يعلقون عليه آمالهم ويبررون به عجزهم المستديم دون ان يفعلوا شيئا لتحقيق آمالهم هذه.  لكن ما حدث  بعد ذلك اكد ان نتانياهو استطاع ان يهرب من الحالتين المذكورتين، باستخدام بعض اعضاء الكونغرس عندما احتاج اباما الى كل صوت فيه لتمرير قانون التأمين الصحي الذي يهم كل امريكي ورأى به اباما وعدا وحلما للناخب الامريكي لا بد من تحقيقه، وكانت المعركة الاولى التي نجح بها نتانياهو من ليّ ذراع ابامام واستدراج الإدارة الامريكية الى سراديب الحوار اللامنتهي فيما يخص الشرق الاوسط ووضع الملف الإيراني فوق كل الملفات الاخرى على الطاولة الأمريكية، مستعينا بالعجز العربي والمسمى "بالحكمة و التروي" و"ملاحقة العيار لباب الدار"، وبالعداء العربي السني للشيعة وايران "الفارسية" في محاولة لبناء اصطفاف جديد للقوى السياسية في الشرق الاوسط  تكون فيه ايران وسوريا وحزب الله هم العدو لإسرائيل وامريكا والحكام العرب السنيين وعليه تتغير الأولويات بحيث يصبح الملف الفلسطيني الإسرائيلي ثانويا، بالضبط كما حصل عشية العدوان الامريكي على العراق بحجة تحرير الكويت. وهل سيكون اباما عربيا اكثر من العرب اوستكون روسيا او اوروبا  فلسطينية اكثر من الفلسطينيين؟

لاحقا، وحتى قبل ان بينت انتخابات الكونغرس عن خسارة اوباما للغالبية لصالح اسرائيل في نوفمبر 2010، كانت النتيجة الفعلية لهذا التحول ان تراجع اباما عن شرط ايقاف الإستيطان بالكامل الى الإعلان الرسمي عن ايقافه "جزئيا" و"مؤقتا" مع استمراره فعليا، ومع ذلك قبل الفلسطينيون بالعودة الى المفاوضات وبذلك شكلوا بانفسهم، وبنصيحة مباكية معهودة، سلما لأباما ان ينزل جزئيا ومؤقتا عن شجرة وقف الإستيطان لصالح نتانياهو وحلفائه المستوطنين. واعتمادا على ذلك، وفي ظل نتائج انتخابات الكونغرس لصالح حلفاء نتانياهو، اقتنع اكثر من ذي قبل بامكانية نجاحه من جديد في ليّ ذراع اباما واصر لاحقا الا يتنازل للادارة الامريكية وللسلطة الفلسطينية في موضوع الإستيطان قيد انملة ، ونجح مرة اخرى بمنع اباما حتى من التذكير بالاستيطان كعثرة في وجه المفاوضات، بل استطاع  نتانياهو بالضغط المتواصل بعد خطابه الاول، ان يجبر اباما في خطابه الثاني ان يطالب الفلسطينيين بوضوح التعامل من الإستيطان على انه امر واقع يجب ان يؤخذ بالحسبان في أي حل نهائي، كما استطاع ، بعناده وعجز الحكام العرب، ان يبتز اباما بموقف يقول ان المفاوضات المشروطة بكل الشروط الإسرائيلية هي الطريق الوحيد للوصول الى تسوية،  مع الإلتزام بالتفوق العسكري والتكنولوجي لإسرائيل، والإلتزام بالتصدي الامريكي الفاعل لأي محاولة فلسطينية للجوء الى الجمعية العامة للامم المتحدة للإعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن حدود الرابع من حزيران عام 67 او اعتبار هذه الحدود هي المرجعية المشتركة لمفاوضات مستقبلية، والزام العرب والفلسطينيين بالإعتراف باسرائيل على انها دولة للشعب اليهودي ومنع عودة اللاجئين الفلسطينيي الى اراضيهم داخل اسرائيل ,,,و ...و.. ولم يبق شرط اسرائيلي واحد لم يذكره ولم يلتزم به اباما في خطابه الأخير. فاي نجاح اكبر من هذا كان يحلم به نتانياهو؟

اما الإنجاز الاكبر لإسرائيل في نظري، واعتقد انه في نظر الإسرائيليين عامة ايضا، هو التزام امريكا باستمرار الدعم المادي والسياسي والعسكري والتكنولوجي لإسرائيل، التزاما لا لبس فيه ولا تردد وغير مشروط، بغض النظر عن السياسة الإسرائيلية ومواقفها من عملية التسوية، وهذا ما اكده اباما في خطابه الأخير بشكل لا يقبل التاويل. هذا الفصل بين المسارين لم تستطع اسرائيل تحقيقه من قبل في ظل اكثر الإدارات الامريكية تأييدا لها وهي ادارة بوش الإبن. هذا الفصل يعطي اسرائيل القدرة على التهرب من كل ضغط امريكي. كل هذه الإنجازات ستحسب لنتانياهو في اسرائيل ولا يستغربن احد اذا استقبل عند عودته من الولايات المتحدة في نهاية هذا الإسبوع استقبال الأبطال. هذه البطولات صنعتها له الانظمة العربية التابعة والذليلة والعاجزة .

اكتب هذا الكلام قبل اربع ساعات او اكثر من خطاب بيبي نتانياهو اما الكونغرس الامريكي المؤيد له، ولا اشك انه سوف يؤكد لهم اصراره على الإستمرار في سياسته مع بعض المديح والمجاملات لاباما  المغلوب والمنكسر امامهم جميعا، ولا يغرن احد تصريحات نتانياهو المتوقعة بالإستعداد للمفاوضات بلا شروط ورغبة اسرائيل بالسلام... وما الى ذلك من الشعارات التي نعرفها من نصف قرن واكثر. المصيبة الأكبر ان الإنظمة العربية المخلوعة كانت خانعة، والإنظمة المأزومة اليوم تقع تحت التهديد الامريكي الفعلي برفع الحماية عنها، في البحرين واليمن والأردن مثلا او تقديم المزيد من الدعم السياسي او العسكري للمعارضة في اماكن اخرى. اما الانظمة الجديدة فهي تحت التهديد الامريكي بخلق "الفوضى الخلاقة " عندها او دعم الثورة المضادة .

اما عن حركة الشعوب العربية فللحديث بقية...



اليف صباغ

24.5.2010 

 


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق