السبت، 14 مايو 2011

مسيرة العودة


حيث يوجد الصبّار او تشم رائحة الزعتر، حيث ترى بقايا شجر التين او السماق وربما بقايا زيتون سوري او رومي يمد اعناقه او رافعا يديه بين احراش السنديان الجليلي، وحيث ترى احراش الصنوبر في الخمسينات من عمرها، قف... وقل: هنا توجد قرية فلسطينية مهدمة، هجّر أهلها خلال عام 1948 ولم يمكنهم المجتمع الدولي "المتحضر" ان يعودوا الى بيوتهم. لماذا؟ لأن "شعب الله المختار" احتل أرضهم  بقرار المجتمع الدولي هذا، وسموه ب- "قرار التقسيم" ورقمه 181 ، هذا الرقم الذي لا يقسم على صحيح، تبا له الى ابد الآبدين. هنا ترقد رفاة من هدمت بيوتهم وشرد ابناؤهم، اطفال وشيوخ، رجال ونساء، في صحراء العرب او عبر البحار البعيدة.
لكنهم، رغم مرور 63 عاما، ما يزالون على العهد، يحملون ويورثون مفاتيح بيوتهم الى ابنائهم جيلا بعد جيل في اصرار منقطع النظير للعودة الى ارض وطنهم، الى البيت العتيق ، الى الحاكورة والبستان والكرم، الى الزيتون والرمان وماء العين، الى ظل التوتة او عريشة العنب المتدلي من كل جانب، الى سنابل القمح الذهبية، الى سهرة الموال والأوف والميجنا، الى زفة العريس وحناء العروس، الى هذه الأرض التي قدسها الله بشمسها وقمرها فجعلها فضاء للروح الإلهية ومعراجا للرسل والانبياء. إذن، كيف ينساها بنوها؟ وكيف لا يحنون الى ترابها وفضائها وعبق عطرها؟ هل يفهم هذا العالم "المتحضر" لماذا يصرّ الفلسطيني على العودة الى وطنه؟ هل يفهم ان "لا عودة عن العودة"؟ هل يفهم ان العودة حق، تماما كما ان الله حق والموت حق والحياة الكريمة حق والسلام حق.
منذ اربعة عشر عاما وانا اشارك ابناء شعبي في مسيرة العودة السنوية احياء لذكرى النكبة، حتى اصبحت مسيرة تقليدية ليوم واحد فتثير نقاشا جديا بين ابناء الجيل الثاني والثالث من اللاجئين خاصة، وابناء شعبنا عامة. هل حدثت النكبة في يوم واحد من سنة عام 1948؟ وهل كانت على مدار سنة واحدة فقط؟ اليس صحيحا ان النكبة ما تزال مستمرة حتى يومنا هذا؟ والعديد العديد من الأسئلة المثيرة. الشعوب تحيي ذكرى حدث حصل وانتهى أما نحن فنحيي "ذكرى" حدث ما زال مستمرا. هل تتحول المسيرة السنوية من مهرجان خطابي وتصريحات صحفية، وفي افضل الاحوال فعالية تربوية وسياسية توعوية، الى مسيرة عودة فعلية وبناء؟ بناء الحجر من جديد وتجميع البشر من بعيد؟ يبدو ان هذا الجيل قرر ان يخطو الى مرحلة جديدة،  ولا يكفي بمهرجان خطابي او بمسيرة تقليدية ليوم واحد، بل قرر ان يقوم بفعاليات متعددة في اماكن متعددة ولا ادري ان كانت هذه الفعاليات قد جاءت متأثرة بالحراك الشبابي العربي عفويا ام انها تأتي ضمن خطة وضعت لها اهدافها وادواتها ومراحلها وحسبت لها ديناميكيتها افضل مما حسبت تحركات فلسطينية سابقة.
لا شك ان التحرك الشبابي الفلسطيني، بالإضافة الى المسيرة التقليدية في الرويس والدامون يوم العاشر من الشهر الحالي، وقرار التظاهرلأول مرة على الحدود الشمالية مقابل قرية مارون الراس، حيث يحضر الى هناك مئات وربما الاف اللاجئين الفلسطينيين، معبرين بذلك عن اصرارهم على تجسيد حق العودة الى قراهم ومدنهم وبيوتهم التي شردوا منها، وقرار التظاهرة لأول مرة في يافا، عروس البحر، تذكيرا بعروبة يافا وحق اهلها في العودة اليها، وزحف آلاف، وربما عشرات آلاف، اللاجئين الفلسطينيين من الأردن ومصر ، بالإضافة الى لبنان، نحو الشريط الحدودي الذي يفصلهم عن وطنهم، لا شك ان هذا كله يشكل قفزة نوعية في العمل المطلوب لتحقيق العودة، فهل يكفي؟
يبدو لي من الترتيبات وبعض ردود الفعل عليها اننا لم نتعلم كثيرا من التجربة، لأننا لم ندرسها اصلا، لم ندرس تجربتنا فكيف ندرس تجربة الآخرين! يبدو لي ان في الامر حماس شبابي قد لا يوصلنا الى اهدافنا ان لم تغذيه وتهذبه دروس الماضي. ليس في الكلام الحماسي ولا في المبالغة ولا بالشعارات والقوافي تشحذ الهمم، وليس هذا ما يخيف الاعداء ويفقدهم توازنهم، بل ما يقلقهم فعلا هو عملنا التراكمي وما يشحذ همم شعبنا هو تراكم الإنجازات ولو كانت صغيرة وما يحشد جماهيرنا ويصقل صفوفنا هو المثابرة والتشبث بالبوصلة نحو الهدف. اكتب هذا ونحن في اللحظة الاخيرة قبل نشاط في غاية الأهمية والحساسية، واقصد التظاهر على الحدود الشمالية مقابل مارون الراس، وخلال او بعد فعاليات مشابهة في يافا، المتداخلة مع تل ابيب، او على الحدود المصرية الفلسطينية والاردنية الفلسطينية. وأتساءل: ماذا نريد؟ وهل الشعارات المطروحة على صفحات الفيسبوك هي أهداف الحراك الشبابي فعلا؟ وهل الهدف هو العودة ام ان الشهادة اصبحت هدفا بحد ذاتها؟ هل نريد العودة "شهداء بالملايين" ام أحياء وأحرارا بالملايين؟ وهل بن لادن هو نموذجنا في الكفاح ام اننا نحن الذين نعطي للعالم نماذج في النضال الوطني والإنساني؟
 من حقي وحق غيري ممن يرغبون، بل يتوقون، الى المشاركة في كل فعالية نضالية ان يسألوا: هل هي فعالية إعلامية نسجل فيها شريطا تلفزيونيا تخضبه دماء الشباب، ام اننا نقوم بفعالية هادفة ضمن عمل تراكمي طويل له مراحله وأدواته المتفق عليها وهدفه الأسمى هو تحقيق العودة؟  فبقدر ما يتطلب العمل النضالي شجاعة واقداما وتضحيات فهو يتطلب ايضا مسؤولية وتخطيطا له أسسه المتينة، هذا يجعل من كل فعالية رافعة لما بعدها ومدماكا لنبني فوقه، هذه المسؤولية هي التي توحد كل القوى السياسية في اطار وحدوي هادف، فلا مجال للعنتريات بغير حساب بالضبط كما انه لا مجال للتردد والإنكفاء. ان المسيرة الحقيقة لشعبنا اليوم هي مسيرته نحو أيلول جديد، مرورا بتواريخ احتلال هذه المدينة او تلك القرية او هدمها، ومرورا بالخامس من حزيران 67 والعدوان الإسرائيلي على لبنان عام في حزيران 1982 والمجازر الرهيبة التي نفذها شارون وجيشه، وذكرى الثالث عشر من تموز و.... حتى نصل الى أيلول "الأسود" فنجعل منه شهر الحرية والإستقلال والسيادة، شهر التأكيد وإعادة التأكيد أن، لا عودة عن حق العودة، وانه لا سلام بلا عودة. انها مسيييييييييييييرة فعلا وليست نشاطا ليوم واحد، بل هي فعل تراكمي متواصل ضمن هدف وأدوات متفق عليها.
                                                                           
اليف صباغ – البقيعة
                                                                               14.5.2011    

حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق