السبت، 8 نوفمبر 2014

بمناسبة 20 عاما على اتفاقية وادي عربة....

استدعاءات وتهديدات ولقاءات سرية ومهاتفات، لا تصدقوا!
الخازوق،  مِن زماااااان ،  فات
                                                             
                                                                                بقلم: اليف صباغ

في أعقاب "التهديدات" الاردنية "المجلجلة" بإعادة النظر في اتفاقية وادي عربة، واستدعاء السفير الاردني في اسرائيل من قبل الحكومة الاردنية للتشاور، وتقديم الاردن شكوى الى مجلس الامن ضد ممارسات اسرائيل الهمجية في الحرم القدسي الشريف، وفي اعقاب المحادثة الهاتفية بين نتنياهو والملك عبدالله الثاني التي تخللت ذلك، اصدر مكتب رئيس الحكومة الاسرائيلية بيانا جاء فيه، "ان نتنياهو قال للملك الأردني بان إسرائيل ستحافظ على الموقع والوضع الخاص للأردن في منطقة المسجد الأقصى والأماكن المقدسة بمدينة القدس وذلك وفقا لاتفاقية السلام المبرمة فيما دعا نتنياهو وعبدالله الثاني إلى الوقف الفوري لأعمال العنف والتحريض" ( هذا نص وسائل الاعلام العربية). وكان نتانياهو قد التقى الملك عبدالله الثاني نهاية الاسبوع الماضي سرا ، وفق وسائل الاعلام الاسرائيلية، مكررا الكلام والتعهدات نفسها ولكنه، كعادته، سرعان ما أخل بوعوده والتزاماته في اليوم التالي، فهل يمكن انه يفسر تعهداته غير ما يفسرها ويفهمها العرب؟
لا يختلف اثنان، حتى في البيت الابيض، من متابعي نهج نتانياهو السياسي بأنه مخادع ومضلل وكاذب محترف، ولكن هل يكفي ان نفند اكاذيبه دون ان نفحص مسؤولية الاطراف الاخرى عن تضليل الرأي العام العربي عامة والفلسطيني خاصة؟ وهل يستطيع الاردن حقا قطع العلاقة مع اسرائيل او اعادة النظر في اتفاقية السلام بين البلدين، اي اتفاقية وادي عربة؟
للإجابة على هذه الاسئلة لا بد من العودة الى نص الاتفاقية حرفيا وجوهريا،

تنص "اتفاقية وادي عربة" الموقعة في 26 اكتوبر لعام 1994 في الفقرة 9 الخاصة بالأماكن المقدسة والتاريخية، بند 1،2 منها على التالي:
1.      "يسمح كل طرف بحرية الوصول الى الاماكن ذات الاهمية التاريخية والدينية".
2.      ارتباطا بهذا، وطبقا لتصريح واشنطن، تحترم اسرائيل الدور الخاص القائم للمملكة الاردنية الهاشمية في أماكن مقدسة اسلامية في القدس . وعند التفاوض على الحل الدائم، تمنح اسرائيل للاردن افضلية عليا للدور الاردني التاريخي في هذه الاماكن المقدسة".
هنا لا بد من التوقف عند النص جيدا، مع التأكيد ان هذا النص مطابق تماما للنص العبري والانجلزي، ويستطيع كل قارئ مراجعة ذلك على صفحات الانترنت ايضا، اما التوقف عند دقة النص والانتباه جيدا الى صياغة الالتزامات المتبادلة والمفردات  المستخدمة في النص، وحتى الى وجود او حذف ال التعريف، فهو ضروري لأن تجربة حذف "أل التعريف" من قرار 242؟ باللغة الانجليزية ، اي ضرورة الانسحاب من "المناطق" او من "مناطق" احتلت في الحرب الاخيرة،  لا بد ان تعلمنا اهمية النص ودقته. وفي حين تتوقف اسرائيل عند كل كلمة ونقطة وفاصلة في اي اتفاق او تصريح، نجد ان الانظمة العربية والمفاوضين العرب "الافذاذ" يستهينون بذلك عجزا او اهمالا او استهتارا بحقوق شعوبهم.
ماذا ينص قول المعاهدة؟ وكيف تفهمه اسرائيل؟
يلزم النص اعلاه ( البند الاول اعلاه) "كل طرف" السماح بحرية الوصول...الخ، واذا اتفقنا ان الطرف الاسرائيلي يلتزم بالسماح للمسلمين الوصول الى الحرم القدسي الشريف، فماذا يعني التزام الاردن المقابل؟ اين هي الاماكن المقدسة والتاريخية للطرف الاسرائيلي؟ هل يعني ان الاردن يلتزم بالسماح للاسرائيليين للوصول بحرية الى حائط البراق ؟ وهل يوجد تفسير آخر لهذا النص؟ وكيف يمكن ان تعترف "بحق" وصول الاسرائيليين الى حائط البراق دون ان تعترف ب"حق" الصعود الى باحة الحرم القدسي؟
اما البند الثاني للمعاهدة فيُذَكّر ب "تصريح واشنطن" ويعبره اساسا لهذه "الحقوق"، (انتبه للمفردات) فيقول:
 ان اسرائيل "تحترم" ولا يقول تعترف..... 
ب "الدور الخاص" ، وليس بالمكانة الخاصة،....
 في "أماكن مقدسة اسلامية" وليس الاماكن المقدسة الاسلامية، ودون ان يذكر الاماكن المقدسة المسيحية ايضا،
وان اسرائيل هي التي "ستمنح" الاردن ، وكأنها هي صاحبة الحق، وهذا ما يفسر كلمة "تحترم" بدلا من تعترف، .. 
وماذا ستمنحها يا ترى؟  "أفضلية عليا"... على من هذه الافضلية؟ ان لم تكن افضلية على الطرف الفلسطيني صاحب الحق الشرعي والوطني والسياسي!!!
 فهل كل هذا صدفة؟ وهل مرت هذه الصياغة وهذه المفردات دون دراية لأهميتها؟ وهل حذفت ال التعريف، وحذفت الاماكن المقدسة المسيحية من النص دون ان ينتبه اليها أحد من الطرف الاردني؟ ام سقطت سهوا !!!؟ أوليس في هذا النص اعتراف اردني "بحق" اسرائيلي يتمسك به الاسرائيليون اليوم في كل مناسبة وحلبة سياسية؟ وهل يفسر هذا النص تراجع المملكة الاردنية عن مواجهة اسرائيل والبطريركية اليونانية عند تسريب الاوقاف الارثوذكسية الى الشركات الاسرائيلية المختلفة؟ اليس في هذا النص انتقاصا فاضحا من الحق السياسي والوطني الفلسطيني في القدس؟ الا يجدر ان نخشى من تحويل قضية القدس، وخاصة على ضوء التصعيد الاسرائيلي الأخير، الى قضية حقوق دينية فقط تنتهي بالتفاوض بين اسرائيل والاردن، وفي الحد الاعلى بين اليهود والمسلمين في كل العالم؟ الا يجوز لنا ان نخشى، في ظل هذا التصعيد الاسرائيلي الديني للصراع، من اختزال الحقوق الوطنية والسياسية للشعب الفلسطيني في مدينته بالحق الديني فقط؟
لقد اخبرني مصدر اردني مطلع جدا ان عدم اضافة جملة "الاماكن المقدسة المسيحية " الى النص، جاء تكرارا لحذفها من نص "تصريح واشنطن" الذي وُقّع  في 25 تموز من السنة نفسها. واذا ما راجعنا تصريح واشنطن نفسه نجد ايضا ان البنود المذكورة اعلاه لا تختلف بنصها ومفرداتها عن تصريح واشنطن ايضا، ففي الفقرة ب (3) ينص التصريح ما يلي: "تحترم اسرائيل الدور الخاص الحالي للمملكة الاردنية الهاشمية في الاماكن المقدسة الاسلامية في القدس.( مع ال التعريف  أ. ص) وعندما يتم التفاوض على الحل النهائي، ستمنح اسرائيل للاردن افضلية عليا للدور الاردني التاريخي في الاماكن المقدسة هذه. اضافة الى ذلك اتفق الجانبان على تطوير العلاقة الدينية بين الاديان التوحيدية الثلاث".
حين نتأكد ان هذا هو نص اتفاقية وادي عربة ، وقد اكتفينا بالتنويه الى فقرة واحدة فقط من الاتفاقية،  وهذا هو النص الحرفي لتصريح واشنطن، وقد وقع عليهما الملك حسين، فهل يمكن ان نصدق تصريحات القصر الملكي في عمان وتهديداته بقطع العلاقات مع اسرائيل، بحجة ان اسرائيل "تعترف بالوصاية الاردنية على الاماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية في القدس"؟. أوليس هذا تضليلا للرأي العام الفلسطيني والاردني على حد سواء؟ أما من اراد ان يصدق،  فهذا شأنه.
اضافة الى اهمية النص المذكور للمعاهدة، لا بد من التذكير ان الاردن قد ارتبطت مع اسرائيل باتفاقيات عديدة اخرى مثل اتفاقية المياه، والتي، بموجبها، تعطي اسرائيل للاردن ما يساوي 500 مليون كوب من بحيرة طبريا لري غور الاردن الشرقي، حيث انتشرت فيه المزارع الاسرائيلية، والذي يصدر خضاره الى اسرائيل. واتفاقية قناة البحرين التي تربط بين البحر الأحمر والبحر الميت، واتفاقية إمداد الاردن بالغاز الطبيعي من اسرائيل، وإتفاقية الاستيراد والتصدير عبر ميناء حيفا، وهذا يشمل مرور الاستيراد الخليجي عبر ميناء حيفا مرورا بخط اوتوستراد اردني اسرائيلي... واتفاقيات اخرى  كثيرة... فهل بعد كل هذا يمكن ان نصدق هذه "التهديدات"؟
قد يحسب الطرف الاسرائيلي حسابات سياسية لهذه التهديدات، ولكنه في الواقع قد حسبها قبل التوقيع على الاتفاقيات المبرمة وربطها بعقوبات مادية منصوص عليها في الاتفاقيات العينية، ويعلم جيدا ان الاردن هو الطرف التابع بين الفريقين المتعاقدين، وان الاردن هو الطرف الذي لا يستطيع ان يحتمل تبعات ابطال اي اتفاقية وقعها مع اسرائيل. فهل بعد كل هذا السقوط يمكن ان يتعظ العرب؟
                            __________________________________
اليف صباغ- البقيعة
7.11.14


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق