الأحد، 9 نوفمبر 2014

كيف لا تنتفض؟ وهل تَصمِت مُغتصَبة؟


                كيف لا تنتفض؟ وهل تَصمِت مُغتصَبة؟
                                                       بقلم: اليف صباغ

انهم يُزوّجون ابنتهم لِمن اغتصبها "صونا للعار" !!! أليس هذا هو عار العاجزين عن الدفاع حرماتهم؟ وهكذا هي قصة القدس التي اطلق عليها الشاعر الكبير مظفر النواب، "عروس عروبتكم". فلماذا يقف مليارد وثلاث مائة مليون مسلم "يسترقون السمع...." ألم يتعبوا من ذلك؟ ولماذا يقف 350 مليون عربي " يسترقون السمع....." الا يخجلون من طول انتظارهم؟

في شهر شباط من العام 2012 قامت بلدية القدس بنقل ملكية مطار قلنديا اليها، وشرعت فورا بتخطيط منطقة صناعية هناك، الامر الذي يقطع التواصل الجغرافي بين الاحياء العربية المتاخمة للمطار ويوصل حدود بلدية القدس الى رامالله، بالإضافة الى ان ذلك لا يبقى للدولة الفسطينية امكانية استخدامه مطارا وان كان صغيرا، وهذا يتعارض مع الالتزامات الرسمية التي قدمتها تسيبي لفني للسلطة عام 2008 مقابل العادة الى المفاوضات. ليس هذا فحسب بل اعلنت السلطات الاسرائيلية بالامس عن مصادرة حوالي 13 الف دونم من اراضي بيت اكسا شمال غربي القدس، بحجة تحويلها الى منطقة تدريب عسكري، وقد تضمها لاحقا الى بلدية القدس ايضا.
عندما احتلت اسرائيل القدس العربية في حزيران من العام 1967  قامت سلطات الاحتلال بحل البلدية العربية وضم منطقة نفوذها الى بلدية القدس الغربية، ثم شرعت بسن قوانين فضمت القدس المحتلة الى السيادة الاسرائيلية، وبذلك تحولت مدينة القدس بغربها وشرقها من 6.5 كم مربع الى 70 كم مربع، وفي مرحلة لاحقة ضمت حكومة اسرائيل مناطق اضافية لتصبح 108 كم مربع وفي العام 1990 اصبحت 123 كم مربع، اما اليوم فتساوي مساحة القدس الكبرى ما يقارب 100 ميل مربع وهذا يعني اكثر من 160 كم مربع. كل ذلك حصل تحت سمع وبصر الأمتين العربية والاسلامية وهم "يسترقون السمع ...." كما قال مظفر النواب.
نتيجة لهذا الاغتصاب المستمر منذ سبعٍ واربعين عاما لمدينة القدس، انجب المُحتل 12 مستوطنة يهودية جديدة،  بالاضافة الى 20 بؤرة استيطانية داخل الاحياء العربية منها، ناهيك عن الفنادق والمؤسسات الحكومية والمشاريع السياحية الإسرائيلية، وما يزيد عن 50 الف وحدة سكنية يعيش فيهم حوالي 200 الف مستوطن جاءوا من كل بقاع العالم. مقابل حوالي 250 الف فلسطيني فقط. اما سكان القدس بغربها وشرقها فهو يزيد عن 800 الف انسان.
يعيش في البؤر الاستيطانية داخل الاحياء العربية حوالي الفي مستوطن من غلاة المستوطنين المتطرفين ذوي الخلفية الايديولوجية، يحرسهم حوالي 350 رجل أمن بشكل دائم على حساب حكومة اسرائيل رسميا. هذه البؤر موجودة في أحياء البلدة القديمة، راس العامود، جبل المكبر، سلوان، ابوديس، شيخ جراح، الطور، الصوانة واماكن اخرى.
واضح تماما ان الهدف من كل عمليات الاستيطان، داخل الاحياء العربية او في احياء منفصلة، هو منع اي احتمال للطلاق بين المغتصب والمغتصبة/ امكانية تقسيم القدس من جديد، ومنع امكانية تحويل القدس العربية الى عاصمة للدولة الفلسطينية القادمة.  يُذكر ان الغالبية العظمى لهذه البؤر الاستيطانية داخل الاحياء أقيم بعد اتفاقية اوسلو.
من الواضح لكل متابع، ان الباب الذي تدخل منه حكومات اسرائيل لتعطي "شرعية" للاستيطان في القدس، وخلق اجماع اسرائيلي حول ذلك، هو قناعة الاحزاب الصهيونية جميعها بأن المستوطنات في القدس باقية تحت السيادة الاسرائيلية، في ظل اي حل مستقبلي دائم. هذه القناعة تتعزز بالادعاء ان هناك تفاهم اسرائيلي- فلسطيني- عربي وربما عالمي، الا يطالب الفلسطينيون بإخلاء المستوطنات في الحل الدائم وانما بالتعويض عن ذلك بما يسمى تبادل الاراضي.
يمتد نفوذ بلدية القدس اليوم من رامالله في الشمال حتى العيزرية في الشرق وحتى بيت لحم في الجنوب . بحيث تفقد رام الله التواصل مع بيت لحم والخليل ويضطر ابن رامالله ان يلتف حول القدس، اي المرور بجانب اريحا، للوصول الى بيت لحم او الخليل، وهذا ايضا غير مضمون في المستقبل، وتفقد الاحياء العربية التواصل فيما بينها من خلال اقامة مناطق صناعية اسرائيلية او احياء استيطانية على الاراضي المصادرة فيما بين تلك الاحياء.
آخر هذه المخططات، كما ذكرنا اعلاه، هو مصادرة أراضي بيت إكسا، واستيلاء بلدية القدس على مطار قلنديا والبدء بتخطيط منطقة صناعية على ارض المطار، بحيت يُقطع التواصل الجغرافي بين الاحياء العربية ويصل حدود بلدية القدس الى حدود رامالله. ومن الناحية الجنوبية، وبعد بناء حي جبل ابوغنيم، او ما يسمونه هار حوماة، على حدود مدينة بيت لحم، وقد بني جزء من هذا الحي على اراض تابعة للبطريركية اليونانية في القدس تحت سمع وبصر السلطة الفلسطينية والاردن. وفي هذه الايام،  تستعد الشركات الاسرائيلية  للبدء ببناء حي جديد من الجهة الغربية للشارع الرئيس الموصل بين بيت لحم والقدس، اي على أرض تلة المطار، التي باعها البطريرك ثيوفيلوس عام 2011 الى الشركات الاسرائيلية، ولم تنجح كل محاولات ابناء الطائفة العرب من تحريك السلطة الفلسطينية او الاردن لمنع هذه الصفقة. وهكذا يتم قطع التواصل العربي بين بيت لحم والقدس ايضا.
صرفت حكومات اسرائيل منذ عام 2005-2013 حوالي 60 مليون شاقل اضافي سنويا ، من خلال صندوق مغلق تديره "سلطة تطوير القدس"، بهدف تعزيز السيطرة الاسرائيلية في القدس الشرقية لتبقى ، وفق مفهومهم، "عاصمة ابدية لاسرائيل" ومنع اي امكانية لتكون عاصمة فلسطينية او حتى اقامة عاصمة فلسطينية على جزء منها. اما ابناء الامة وزعمائها، كالعادة، فيصرفون الوعود للمقدسيين لصرفها على المُقدسات، ويصرفون مليارات الدولارات في اماكن أخرى لا قدس فيها ولا قدسية لها.
اضافة لكل ذلك، تمنع بلدية القدس، والحكومة الاسرائيلية، من المقدسيين اي بناء او حتى تخطيط لبناء أحياء عربية جديدة، كما تمنعهم من البناء طوابق اضافية في أحياء عديدة، بهدف منع زيادة عدد السكان العرب في المدينة، فكما تحاول حكومات اسرائيل المتعاقبة ان تبقي نسبة السكان العرب في المدن المختلطة لا تزيد عن 20% هكذا تفعل في القدس ايضا.
فوق هذا وذاك، تقوم سلطات الاحتلال باستخدام اشكال  متعددة لتهجير المقدسيين من مدينتهم، ان كان ذلك من خلال منع رخص البناء، او هدم البيوت التي تقام دون ترخيص، او الاستيلاء على بيوت عربية بطرق الغش والخداع او مداهمات ضريبية وعزل القدس عن الضفة الغربية او سحب الهويات/ الاقامة ، بحجة ان صاحبها غادر المدينة لفترة طويلة، او ان المقيمة تزوجت من خارج المدينة، وعليها ان تلحق بزوجها، او ان الرجل تزوج من خارج المدينة وبالتالي لا تمنح زوجته غير المقدسية هوية الاقامة الدائمة في المدينة فيضطر الى المغادرة.
رغم كل هذه الضغوط، يرفض المقدسيون، ولأسباب سياسية ووطنية معروفة، المشاركة بالانتخابات البلدية، الا القليل منهم، وهم يحملون هوية زرقاء، باعتبارهم مقيمين دائمين وليسوا مواطنين، وقد فشلت كل المحاولات الاسرائيلية لدمج المقدسيين في بلدية واحدة، خشية ان يعطي ذلك شرعية للاحتلال. بعد كل هذا وبسبب كل ما تقدم، وما لم يتقدم اقسى وافظع، فهل تستكثرون على القدس انتفاضتها ضد المُحتل؟  فهل توقعتم ان تصمت مغتصبة؟ ان عروس عروبتكم تمشي عارية....  والحياة لا تحب العاجزين.
                       _________________________________
اليف صباغ- البقيعة 9.11.14




حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق