السبت، 29 نوفمبر 2014

قانون الدولة اليهودية

                                   دولة خارج السياق


عندما يتحدث المُشرِّع للقانون، في أي دولة، عن حقوق الفرد، التي يقدسها الغرب في العصر الحاضر، لا بد ان يضع ذلك في سياق دولته المدنية، وهي دولة كل مواطنيها بمجموعهم كأفراد، اما ان يتحدث عن حق جماعي (قومي او ديني او خليط بين الاثنين) لمجموعة بعينها، ويتعامل مع كل الآخرين بحقوق فردية، فهي اشد الوصفات عنصرية وظلما وبعدا عن حقوق الفرد التي يقدسها الغرب. وفي حين تتطور الدول الديموقراطية من طابعها القومي الى طابعها المدني، تصر اسرائيل ان تعود الى عصر الدول الدينية التي غابت قبل قرون. من هنا فهي دولة خارج السياق التاريخي.

يُناقَشُ قانون هوية دولة اسرائيل كدولة للشعب اليهودي اليوم، ويُطرح للتصويت في ظل صراع بين اليمين واليمن الاكثر تطرفا، نتانياهو وبينيت، على السلطة. وكل منهما يريد ان يثبت للجمهور الصهيوني-المتدين،  المتطرف انه الزعيم الأقوى.

لماذا يقف وزراء يائير لبيد (يش عتيد) وتقف تسيبي ليفني (هتنوعاة)، وهم أعضاء في الحكومة، ضد القانون؟ ولماذا تعارضه أحزاب العمل وميرتس ايضا؟ لا شك ان الصراعات السياسية اي الحزبية واستفادة نتانياهو الحزبية من القانون تلعب دورا في ذلك، ولكن الأهم، في نظري، عدة اسباب أخرى:
 اولا ، ان تعريف الدولة في القانون الاساس كدولة يهودية دون تحديد مفهوم ومضمون كلمة "اليهودية" يجعل القوى العلمانية او اللبرالية اليهودية في اسرائيل والعالم تخشى من اضفاء القيم الدينية لمعنى اليهودية، وبالتالي يُترجَم ذلك وينعكس على مجمل القوانين الاجتماعية في الدولة فيحد من الحريات الاجتماعية والسياسية. والدليل على ذلك ان النقاش لتحديد مفهوم "يهودية" الدولة لم ينته بعد، وقد احتد النقاش في بداية التسعينيات من القرن الماضي وما يزال يحتد كلما طرح الموضوع للنقاش، ويأتي مشروع القانون الحالي، كقانون أساس، في ظل موازين قوى سياسية مختلفة ولصالح اليمين الصهيوني المتدين، لينتصر به هذا التيار على التيار الصهيوني الللبرالي.
ثانيا، ان هناك تيارا تاريخيا في الحركة الصهيونية ( وهو التيار اللبرالي) يرى بأنه لا يجوز لدولة اسرائيل ان تغلق ابوابها لمن يريد ان يكون صهيونيا او يهوديا او اسرائيليا. اي انه لا بد ان تستوعب مهاجرين جدد، وان لم يكونوا يهودا حسب الشرع اليهودي، بل ان المهم ما هي ايديولوجيتهم ومدى خدمتهم للمشروع الصهيوني في فلسطين. هذا التيار يطالب باستيعاب عمال أجانب واعطائهم المواطنة او الإقامة في اسرائيل كما عمل ويعمل على استيعاب حوالي 350 ألف مهاجر روسي وهم ليسوا يهودا.
والسبب الثالث، ان مثل هذا القانون يغلق الباب نهائيا امام اي مساومة في موضوع عودة، ولو جزء من اللاجئين الفلسطينيين، في اطار تسوية تاريخية مستقبلية، الامر الذي وافقت عليه مبدئيا حكومات اسرائيلية سابقة، مثل حكومة رابين وحكومة اولمرت.
هذا كله، اضافة الى خشية هؤلاء من اضعاف الموقف الاسرائيلي الدولي، أمام انظمة ودول تعتبر ان الدولة يفترض ان تخدم كل مواطنيها بدون تمييز، مما يصعب على اسرائيل كسب تأييد هذه الدول في صراعها مع العرب عامة والفلسطينيين بشكل خاص.


على الصعيد الداخلي، فإن اخطر ما في هذا القانون هو كونه قانون أساس ( في ظل غياب الدستور لغاية الان) وهو، كما يُفهم، مُعد ليكون الفصل الأول في الدستور الاسرائيلي، حين تتم صياغته. وبالتالي فهو قانون جاء ليغلق الباب امام اشتقاق اي قانون جديد يبنى على مبادئ قانون أساس آخر، حرية الانسان وكرامته الذي سُن عام 1992. بالرغم من ان قانون حرية الانسان وكرامته يعرف الدولة على انها "يهودية وديموقراطية" وكان قد فتح الباب، ولو جزئيا، نحو سن قوانين تعزز الديموقراطية وتحترم كرامة الانسان المواطن على اختلاف انتماءاته، الا ان بيبي نتانياهو كان صريحا برغبته في اضعافه عندما قال: انه مثلما سن قانون حرية الانسان وكرامته من الطبيعي ان يسن هذا قانون دولة اليهود، في اشارة واضحة ان الهدف هو قتل القانون السابق من خلال استبدال اهدافه والقيم التي بني عليها. لم يتردد نفتالي بينيت ان يشير الى ذلك ايضا بقوله: "هذا القانون سيخلص سكان جنوب تل ابيب من المتسللين، وفي المرة القادمة ستضطر محكمة العدل العليا ان تأخذ بعين الاعتبار وجود قانون البيت القومي للشعب اليهودي وليس فقط قانون حرية الانسان وكرامته". اما وزير الاسكان، اوري اريئل ، زميل بينيت، فقال: " ان هذا القانون هو خطوة في الاتجاه الصحيح"، وهذا يعني ان هناك خطوات ستلحق به، اي قوانين اخرى واجراءات سيتم اشتقاقها منه، وأضاف، "ان الحاجة لهذا القانون ملحة جدًّا لان اسرائيل تشهد في السنوات الاخيرة انتقاصا من هويتها اليهودية، وعليه يأتي القانون ليمنع امكانية تحويل اسرائيل الى دولة كل مواطنيها".

قد لا يبدو هذا القانون في اعين البعض خطيرا، معللين ذلك ان "اسرائيل في ممارستها وفي وثيقة "استقلالها" هي دولة يهودية وعنصرية، هكذا كانت وهكذا ستبقى، فما الجديد؟ المهم ان لا نوافق عليه وفقط" ، كما يقول أيمن عودة، سكرتير الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة وعضو الكنيست القادم. وفي تقديري ان هذا الموقف هو سطحي ومستسلم، باٌسم الواقعية السياسية. ذلك لأن المتمعن في القانون لا يرتبك بتصور ما سيترتب عليه من سن قوانين عنصرية، ومن اتخاذ اجراءات عنصرية ايضا، تجعل كل مواطن غير يهودي يجد نفسه خارج سياق المواطنة، ومن هذه البوادر الواضحة في القانون ان "الدولة ستشجع البناء لليهود فقط ولن تكون ملتزمة بتوفير البناء لغير اليهود"، وهذا يعني ان غير اليهود هم خارج السياق المواطني. ومن يدري؟ كيف سيترجم هذا القانون في الواقع وهو يلغي اللغة العربية كلغة رسمية في اسرائيل؟ هل سيلغى التعليم في المدارس باللغة العربية؟ هل سيلغى حق المواطن العربي من التحدث بالمحاكم او في اي مؤسسة رسمية باللغة العربية؟ هل سيُسمح للمواطنين العرب إقامة مؤسسات مثل لجنة المتابعة العربية على أساس قومي؟ ام ان ذلك سيصبح عملا مخالفا لقانون الاساس، الدولة اليهودية؟ وعليه يتساءل المعارضون، كيف يمكن ان سيضمن هذا القانون الحرية والمساواة لكل المواطنين؟  وكيف يمكن ان تحافظ اسرائيل على طابعها وجوهرها الديموقراطي؟ من هنا يقول النائب السابق صالح طريف: "ان هذا القانون يطلق رصاصة الرحمة على امكانية دمج المواطنين غير اليهود، بما في ذلك من يخدمون في الجيش، في حياة الدولة". من هنا يُخشى ان يكون الاستسلام للأمر الواقع هو شكل من اشكال الاعتراف غير المباشر بالدولة اليهودية، كما يعرفها بيبي نتانياهو، ومقدمة لقبول م.ت.ف وباقي العرب بذلك ايضا. ألا يعرّف العرب دولهم بانها دول إسلامية؟ وهل سيتردد بيبي نتانياهو عن تذكيرهم بذلك؟ ويُخشى ايضا ان يكون الاعتراف باسرائيل كدولة الشعب اليهودي، بالاضافة الى الاعتراف "بحق اسرائيل" في الوجود، يعني اعترافا بالرواية الاسطورية للحركة الصهيونية، متخطين بذلك كل الحقائق التاريخية، والحقيقة المُغيَّبة القائلة، بأن يهود العالم الحالي ليسوا أحفادا ليهود مملكة اسرائيل ويهودا، بل هم من احفاد الخزر في القفقاز (اشكناز) ومن احفاد البرابرة في شمال افريقيا ومن احفاد العرب اليمنيين، ثلاثة عروق مختلفة، كما يقول بروفيسور شلومو زاند، ليس لهم اي علاقة اثنية باليهود الذين استوطنوا ارض كنعان في التاريخ القديم.
                                                           
                                                _______________________

اليف صباغ
البقيعة 24.11.14




حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق