الأحد، 31 يوليو 2011

من المسؤول؟

يقتلون ويتباكون
من هو اندريس برايفك ومن يحضنه؟ وما هو الدور الإسرائيلي في ذلك؟
تصوروا لو كان هذا الارهابي الاوروبي، المدعو اندريس برايفك، عربيا، او مسلما، وان لم يكن عربيا ، او عربيا مسلما وقد اجتمعت به الهويتان معا، ماذا سيكون رد فعل اوروبا؟ هل سيكون الحدث اشبه ب- 11 ايلول؟ اغلب الظن ان الاعلام الغربي كان سيتعامل معه كذلك. وفي الحقيقة، وبالرغم من هول المجزرة التي راح ضحيتها اكثر من 90 شابا وشابه التقوا لتبادل الرأي فيما يحدث في هذا العالم، وفي الشرق الأوسط بشكل خاص. والتهمة؟ يساريون!
وبالرغم من تصريحاته الواضحة انه لا يعمل بمفرده بل ينتمي الى تنظيم يعمل في اكثر من دولة اوروبية وانه نفذ عمليته بعد تخطيط دقيق استمر سنتين وساعده في ذلك عدد من رفاقه، الا ان الاعلام الغربي مصر ان يتعامل معه كفرد، وان ما قام به هو ردة فعل الخائف من تزايد الهجرة الأجنبية، وخاصة العربية المسلمة، وذلك بعد ان فشلوا في اتهامه بالجنون كما تفعل اسرائيل عادة في الحالات المشابهة. مرة اخرى العربي او المسلم هو السبب والقاتل هو الخائف والمسكين والضحية!
اذا كان لا بد للارهاب من مستنقع او بحيرة، فمن اين يستقي هؤلاء الارهابيون فكرهم السياسي ومواقفهم ودوافعهم للقيام باعمال من هذا النوع؟ أوليسَ من الفكر اليميني المتطرف الذي ما يزال رائجا في اذهان الاوروبيين المتمثل في عدائهم للآخر؟ ألم يكن هتلر وليدا لهذا الفكر وليس غيره؟ أوليس الإعلام الغربي عامة والحكومات الأوروبية اليمينية المتحالفة مع امريكا، التي تخوض معها حربا على العرب والمسلمين منذ غياب الإتحاد السوفييتي على الأقل، وتحرض ضدهم يوميا، هي المسؤولة عن تنامي هذه الجماعات الارهابية، والتي تعلن جهارا عداءها للأقليات المسلمة المهاجرة الى الغرب؟ أوليست، المستشارة الالمانية، اليمينية، انجيلا ميركل، هي التي حسمت النقاش حول امكانية التعايش في اطار التعددية الثقافية في اوروبا، مع بداية هذه السنة، بقولها: "ان التعددية الثقافية قد فشلت"؟ ألم تكن هذه هي الرسالة التي أودعتها ميركل في ايدي هذا الأرهابي وامثاله؟
من هو منفذ العملية الإرهابية؟ انه نرويجي متطرف ينتمي الى اليمين الاوروبي المتزايد قوة ونفوذا ووحشية، يوحده العداء للمهاجرين الأجانب وخاصة الاقليات المسلمة وعلى رأسهم العرب. هذا المجرم الإرهابي يجاهر بتأييده لإسرائيل الصهيونية كما يجاهر سكان دفيئته من اليمين الأوروبي بصداقتهم لاسرائيل ايضا. ليس هذا حكمي، بل هي تصريحاتهم ومواقفهم وافعالهم، ولا تنكر وسائل الاعلام الاسرائيلية ذلك، بتعقبها لقاءات ومؤتمرات تجمع اليمين الأوروبي مع اليمين الإسرائيلي، مرة في النمسا واخرى في المانيا وثالثة في تل ابيب او غوش عتصيون. حدث احد هذه اللقاءات/ المؤتمرات ، ولا اقول آخرها، في الخامس من كانون اول 2010 في تل أبيب، بمبادرة من عضو الكنيست أرييه إلداد وشارك فيه كل من عامي ايلون وموشيه آرنس وأيوب القرا من اسرائيل، كما شارك فيها قيادات أحزاب اليمين المتطرف في كل من المانيا والسويد والنمسا وبلجيكا وسويسرا وايطاليا وهولندا، وكان أبرزهم على الإطلاق هو كريستيان هينش شتراخا، زعيم حرب الحرية النمساوي، والذي خلف يورغ هايدر، في زعامة الحزب، ومن المعروف ان اسرائيل كانت قد شنت حملة اعلامية على يورغ هايدر واعتبرته زعيم النازيين الجدد في النمسا. فهل تغيرت ايديولوجية الحزب مع تبدل زعيمه؟ وما هو المشترك بين هذه الأحزاب؟ او ما هو المشترك بينهم وبين اليمين الإسرائيلي المتطرف؟ "المعاداة للأقليات المسلمة"، كما وصفتهم وسائل الإعلام الإسرائيلية آنذاك. وعلى هذا الإساس استقبلهم مستوطنو غوش طيف، وعلى رأسهم صديقهم وحليفهم شتراخا عندما زار متحف غوش قطيف على هامش المؤتمر المذكور.
في السنوات الأخيرة ازدادت وتيرة التعاون بين اليمين الإسرائيلي والأوروبي على قاعدة ان "اوروبا مهددة من قبل المسلمين" وان المسلمين سيحتلون اوروبا ويغيرون الميزان الديموغرافي"، كما هو الأمر في اسرائيل! وبالتالي، "فعلى اوروبا ان تدافع عن نفسها مثل ما تفعل اسرائيل"، هذه الأقوال هي جزء بسيط من الكلام الذي يتكرر في هذه اللقاءات وهي التي تغذي او تسقي أمثال اندريس برايفك وغيره في اوروبا.
ليس صدفة ان اليمين البريطاني الفاشي المتمثل في "عصبة الدفاع عن بريطانيا" I.D.L يرفع العلم الإسرائيلي في مظاهراته، كشكل منن اشكال المعاداة للمهاجرين العرب والمسلمين. لقد نسي هؤلاء الفاشيون ان بريطانيا امتصت خيرات هذا العالم لعقود طويلة وما تزال. ونسوا ان بريطانيا هي المسبب وهي المستفيد من هجرة العرب والمسلمين اليها، فهي لا تصنع لهم معروفا، بل تعتاش من عملهم الأسود من جهة بالإضافة الى قدراتهم العلمية العالية. لقد نسوا هؤلاء ان 34% من الأطباء الكبار في بريطانيا من العرب المهاجرين اليها، لا حبا بها، بل هربا من المآسي التي تركتها بريطانيا، وما تزال ترعاها، في اوطانهم.
اذا كانت تجربة التعددية الثقافية قد فشلت كما تقول ميركل، فكيف استوعبت المانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة أكثر من 450 ألف من حَمَلة الشهادات العليا الحيوية عالمياً للاقتصاد من خبراء وفنيين، خلال السنوات العشر الماضية؟ ووفقا لدراسة مؤسسة فلسطين الدولية "العقول العربية المهاجرة"، يتوقع أن العلماء العرب في الخارج يقدمون للولايات المتحدة الأميركية دخلا لا يقل عن 40 بليون دولار سنويا، وهو ما يعادل نصف دخل الوطن العربي من النفط. الم يحن الوقت لنحدد من هو القاتل ومن هو الضحية؟ الم يحن الوقت لنحدد من هو الإرهابي وما هي دوافع الإرهاب ومن هم ضحاياه؟ الم يحن الوقت لتسليط الأضواء على العلاقة الوثيقة بين اليمين الفاشي الأوروبي والإسرائيلي؟

اليف صباغ
مدونة - حيفا برس 31.7.11



حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

السبت، 30 يوليو 2011

ارض التايكونات والحرب الأبدية

ارض التايكونات والحرب الأبدية

عندما نشرت مقالي الاخير وقارنت بين الحراك الشعبي العربي والحراك الإسرائيلي، قلت: ان الحراك الإسرائيلي اكبر من قضية السكن او أي قضية اخرى وانما يهدف الى استعادة الدولة (الكلاسيكية)، هذه الدولة التي توازن بين مصالح الفئات والطبقات المختلفة؟ بين الضعيف والقوي، بين المنتج وصاحب ادوات الإنتاج...بين وبين وبين...الخ، عندها اتصل بي صديق عزيز وقال: "ألا تبالغ في التحليل يا صديقي؟ أيام وتمر كما مرت حركات احتجاجية سابقة". فقلت: دعنا نرى ما يحدث في الأيام او الأسابيع القادمة.
يتضح للمراقب يوما بعد يوم ان الأزمة التي يعكسها الحراك الشعبي في اسرائيل هي اكثر تعقيدا وعمقا من ازمة السكن او ازمة ثمن علبة لبن الكوتج او تدهور الخدمات الصحية، وان ما رأيناه في بداية الحراك الشعبي هو تجليات الأزمة فقط وليس جوهرها، واحدة واحدة على الطريقة الإسرائيلية المعروفة في إدارة الصراعات "بقرة بقرة"، أي خطوة خطوة، وربما ، بالمناسبة، حان الوقت ليتعلم المفاوض الفلسطيني كيف يدير الإسرائيلي صراعه مقابل الإسرائيلي الآخر، فالمنهجية لا تختلف كثيرا وان اختلف الطرف الآخر. وما يؤكد عمق الصراع هو انضمام مجموعات أخرى كل يوم الى حركة الإحتجاج، فأمس الأول خرجت أمهات مع عربات الأطفال في تظاهرة جماهيرية احتجاجا على ارتفاع تكاليف تربية الأطفال لدى العائلات الشابة، اليوم او غدا قد تنضم مجموعة الممرضات والممرضين وهي فئة لها تاريخها النضالي ايضا، وانضمام النقابة العامة للعمال (الهستدروت)، وربما سائقو الحافلات العمومية وقد تلحق بهم سيارات الأجرة العمومية ايضا ومن يدري ماذا بعد؟ إذن، انها ازمة مركبة بكل مركبات الحياة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية وقد يظهر لها في المستقبل مركبا ايديولوجيا لرؤيا مستقبلية غير واضحة المعالم بعد، رؤيا وموقف من الحرب والسلم، من الإستيطان، من فقدان الأمان الإجتماعي والإقتصادي بحجة الأمن والحرب الأبدية، والدعوة الى التأقلم مع كل الموبقات من اجل الدولة، أي دولة؟ هل هي دولة الرفاه ام دولة التايكونات؟ ولكن شعار "الشعب يريد عدالة اجتماعية" ، وهو الشعار الجامع لكل فئات الحراك الشعبي، يؤكد ان الهدف المشترك هو استعادة دور الدولة كطرف موازن بين فئات الشعب المختلفة.
يقول طال كانياس، وهو من المبادرين وأحد الفاعلين في هذا الحراك، على صفحته الخاصة في الفيسبوك يوم 29.7.11 : "ان الصراع ليس بين ايديولوجيتين، رأسمالية واشتراكية، بل هو صراع من اجل الوجود المجتمعي في اسرائيل"، ويضيف، "هذا الحراك ممزوج باحساس في الخيانة...في السنوات الأخيرة هناك جماعات في الطبقات العليا راكمت اموالا طائلة، في ظل عملية الخصخصة، مكنتها من التأثير بشكل مباشر او غير مباشر على متخذي القرار السياسي في اسرائيل، وبالتدريج اصبح هؤلاء هم اصحاب الدولة نفسها، ووجد منتخبو الجمهور انفسهم ملزمين بخدمتهم بدل خدمة الجمهور الذي انتخبرهم".
في اليوم نفسه قارن الكاتب السياسي الكبير يوئيل ماركوس، في صحيفة هآرتس بين مفجري الحراك الشعبي في اسرائيل وبينهم في مصر فقال: "لقد بدا نصب الخيام في شارع روتشيلد، عفويا، ولكن الأمر لم يكن كذلك، ليس سعر علبة الكوتج، وليست أجرة الدار وانما امور كثيرة اجتمعت سويا لتخرج الناس الى الشارع، الطبقة الوسطى التي تعمل وتدفع الضرائب وتخدم في الجيش وجدت نفسها في وضع لا تستطيع ان تعيش بكرامة حتى آخر الشهر". ولم يكن رئيس الدولة شمعون بيرس بعيدا عن ذلك حين قال قبل ثلاثة ايام فقط ان "الطبقة الوسطى في اسرائيل فقدت عالمها وثقتها بالمستقبل". من هنا، ومن خلال التعرف على القوى الإجتماعية التي تقولد هذا الحراك وتعبرمن خلاله عن مصالحها، وعن قلقها من حاضرها ومستقبلها، نسطيع ان نفهم عمق الازمة التي تعيشها اسرائيل ومركباتها ويعبر عنها هذا الحراك الشعبي. ويبقى السؤال المهم الذي طرحه صديقي، هل هو حراك كسابقيه؟ كان آخره التضامن مع فيكي كنافو عام 2003. وهل تستطيع الحكومة ان تنفس هذا الحراك باساليب التفكيك والتفريق التي يتقنها بيبي نتانياهو او بشن عدوان جديد بهدف القفز عن الصراعات الإجتماعية كما حدث في ايلول عام 2000 ؟ ام بتحويل قضية جنائية عادية الى قضية أمنية والترويج للخطر الامني العام كما حدث في العام 2003 بهدف القضاء على حركة فيكي كنافو؟ ويشير الى ذلك احد المعلقين على مقالة ماركوس فيقول: "احذروا! بيبي يمكن ان يشعل حربا لكي ترفع الكاميرات عن الخيام باتجاه آخر، لقد حدث ذلك في "دولة اليهود". ويقول آخر: "النظام يرعي الإرهاب الإقتصادي تحت غطاء الامن القومي" ، وبالمقابل هناك من يشير الى تدخل اليد الامريكية في انتاج هذا الحراك من خلال الدعم المادي الذي يقدمه "صندوق اسرائيل الجديد" لشراء الخيام للمحتجين.
تبقى نقطة الضعف الأساسية في ان المحتجين لم يربطوا سوء حالهم هذا باستمرار الإستيطان والإحتلال وليس فقط بتنامي اباطرة رأس المال، أو ما يسمى بالتايكونات، وانه لا بد لهم من تقديم الإستحقاق السياسي المطلوب من اسرائيل للتوصل الى تسوية سياسية، الأمر الذي يضمن تغييرا في اولويات الحكومة وتوجيه الميزانيات لخدمة الشعب والفئات الوسطى بدل توجيهها الى المستوطنين وتجار الحرب. قد يعتقدون ان عدم توجيه الأضواء الى موبقات الإحتلال والإستيطان هي نقطة قوتهم، وانه في حالة الربط بين مستوى المعيشة المتدهور وما بين صرف الميزانيات على الحرب والإحتلال والإستيطان سوف يخسرون شعبيتهم. او قد يفقدون الرابط الإجتماعي والإقتصادي الذي يجمعهم، فاختاروا عدوا مشتركا آخر وهو التايكونات ، ولكنهم آجلا ام آجلا سيضرون الى ذلك لأن المال أي التايكونات والسلطة السياسية قد اجمعا، ومعهم الإحتلال والإستيطان وتجار السلاح وايديولوجيا الحرب الابدية.
اليف صباغ
مدونة حيفا برس- 30.7.2011


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ارض التايكونات والحرب الأبدية

حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

السبت، 23 يوليو 2011

حراك شعبي معاكس في الاتجاه ومطابق في الهدف

الحراك المعاكس
اعطونا نعيش...القنبلة النووية هنا...من اجل فصل المال عن السلطة السياسية.
تشهد المدن الإسرائيلية منذ اسابيع موجات من الإحتجاجات الشعبية بدأت بالتظاهر على ارتفاع ىاسعار الوقود ودعى المحتجون الى مقاطعة محطات الوقود، مرورا بالإحتجاج على ارتفاع اسعار لبن "الكوتج" المرغوب شعبيا، ومن ثم اعتصامات الاطباء على اهمال الحكومة لقطاع الصحة والعاملين فيه لدرجة قد تؤدي الى انهيار هذا القطاع الذي طالما تفاخرت به اسرائيل وكان جاذبا اساسيا لموجات المهاجرين اليهود وغير اليهود الى اسرائيل، ورأت به بعض الأوساط السياسية العليا اداة لإختراق الابواب الموصدة وربط خيوط التعاون مع العالم العربي او رافعة لمد جسور التطبيع معه، وكان أخرها قيام حركة شبابية كبيرة بنصب الخيام داخل ثماني مدن كبرى، اهمها في تل ابيب، احتجاجا على ارتفاع اسعار الشقق السكنية وارتفاع بدل ايجارها الشهري، لدرجة لم يعد فيها الشباب او الأزواج الشابة قادرة على شراء شقة او حتى استئجار شقة صغيرة أو أن يكلفة ذلك ما يقارب 50% من معاشه الشهري، اما شراء الشقة سيضطره، بالإضافة الى قرض الإسكان، الى طلب المساعدة من الأهل، وهذا ليس من طبيعة المجتمع الغربي عامة بما فيه الإسرائيلي، والعمل 30 سنة بشكل متواصل حتى يستطيع سداد ثمن شقته. لماذا حصل هذا؟ وما هي اهداف الاحتجاجات الشعبية هذه؟ وهل هي احتجاجات مطلبية ام ان وراءها اهداف سياسية غير معلنة؟ وما هي اوجه المقارنة مع الحراك الشعبي العربي؟
هنا لا بد من التذكير ان ازمة الإسكان الحالية لا تتمثل فقط بغلاء الشقق بل بغلاء مقابل الإيجار، وقد نتج ذلك عن قيام الحكومة منذ عام 2009 والى اليوم بإعطاء التسهيلات للمستثمرين الاجانب وكبار شركات العقارات في اسرائيل بشراء الشقق الموجودة، فادخل ذلك الى خزينة الحكومة مبلغ 1.5 مليارد دولار عام 2009 على شكل ضرائب وما يقارب 2 مليارد دولار عام 2010، هذا عدا العملة الصعبة التي دخلت صندوق بنك اسرائيل وتقدر بعشرات المليارات من الدولارات مما زاد من قوة الشيكل مقابل الدولار وحرك عجلة الإقتصاد، ولكنه في الوقت نفسه زاد من ارباح الأغنياء على حساب المحتاجين، لدرجة ان 130 الف موظف في اسرائيل يتقاضون معاشات بما يزيد عن 132 الف شاقل شهريا في حين ان 1.2 مليون موظف يتقاضون معاشات لا تزين عن 6000 شاقل شهريا، هذا الفارق جعل الطبقة الوسطى، التي تمتعت في الماضي برفاهية ما، ترى نفسها اليوم غير قادرة على سد احتياجاتها الإساسية، بينما هناك من يزداد غناه بشكل فاحش نتيجة ارتباطه بالسلطة السياسية وسياستها الإقتصادية اليمينية.
يقول المحامي الداد ريغف، وهو من المقيمين في مخيم الإحتجاج في تل ابيب ومن مؤسسي حركة اليسار القومي: "انها المرة الاولى التي يخرج فيها الجمهور الإسرائيلي الى الشارع، ليس مع المستوطنات او ضدها، ليس مع العرب او ضدهم، ليس مع السلام او ضده، بل على اساس، أعطونا ان نعيش في هذه البلاد". قد لا يكون هذا الكلام دقيقا لأن فقراء اليهود، والشرقيين بالذات، خرجوا في منتصف السبعينات من القرن الماضي بقيادة تشارلي بيطون، عضو الكنيست لاحقا، فملأوا الساحات وقطعوا الطريق على سيارات الحليب ووزعوه على ابناء احياء الفقر، وفي بداية التسعينيات من القرن الماضي ايضا خرج الفقراء، على انتماءاتهم العرقية، للبحث عن مساكن لهم في حين ملأ المهاجرون الجدد كل الشقق الاحتياطية او المعدة للإستئجار وبقي الفقراء في العراء، آنذاك، كانت الحكومة ما تزال ترى نفسها ملزمة بتلبية حاجات المواطنين الضعفاء، فاقيمت مشاريع البناء في كل مكان، بمبادرة الدولة ، وان كانت الشركات التي بنت هي شركات خاصة، وضمنت للضعفاء حاجاتهم باقامة المساكن الشعبية في كل المدن الكبرى وكذلك في المستوطنات القديمة والجديدة. وبالتالي، فهي المرة الأولى فعلا التي يتحرك فيها ابناء الطبقة الوسطى، الطلاب الجامعيون والمثقفون واصحاب المهن الحرة من فنانين ومحامين واطباء شباب، ليقولوا: ان الازمة وصلت اليهم ايضا، وانهم، في مثل هذه الظروف، هم غير قادرين ان يؤمنوا مستقبلهم. ويقول المخرج المسرحي، ريغف كونتاس، وهو من المبادرين الى اقامة مخيم الإحتجاج: "علمونا ان نفكر ان المهم هم القنبلة النووية الإيرانية وآي فون 4، في الحقيقة لا يهمنا هذا ولا ذاك، هذه، ويقصد الأزمة الإجتماعية، هي القنبلة النووية وهي ال –آي فون 4"، بمعنى آخر ان الخطر الحقيقي الذي يهدد وجود الدولة هو في انهيار دولة الرفاه، الدولة التي توحد وتوازن بين كل المواطنين.
لا شك ان بعض القوى السياسية المعارضة ترغب في تشجيع كل حركة تناهض او تنتقد السياسة الحكومية، بغض النظر ان كانت هذه المعارضة مسؤولة عن الوضع الحالي يوم كانت في السلطة ام لا. عضو الكنيست ايلان غلؤون لا يشك احد في انتمائه للطبقات الفقيرة والدفاع عنها في ظل أي حكومة كانت، يستند على عكازه كعادته، ويزور مخيم الإحتجاج يوميا، عله يجد فيه روحا "انتظرها وعمل من اجلها 30 عاما" كما يقول، وهي ان يرى الجمهور الإسرائيلي قد خرج الى الميادين للدفاع عن حقوقه امام طغمة راس المال. اما بعض السياسيين، من المعارضة او الحكومة منعوا من زيارة المخيم واتهموا بالنفاق. الواقع ان الروح العامة للمحتجين تقول: لا نريد نفاقا سياسيا، ولا نرغب في تحويل هذا الحراك الى منصة للمناكفة السياسية أي الحزبية، ولذلك نرى اصرار بعضهم على رفع العلم الإسرائيلي او ابراز صهيونيتهم او التأكيد على انهم يقدمون اهم واجباتهم للدولة بالخدمة العسكرية، ومع ذلك يقول احد المقيمين في المخيم: لن أغادر المخيم حتى تحقيق مطلبنا الأساس ويتمثل بفصل سلطة المال عن السلطة السياسية، او أن أهاجر".
يدعي المحلل السياسي المعروف، ران اديلست، ان "اليمين اصبح الوجه الآخر لدولة الرفاه". هل حقا؟ وأي يمين؟ هل هو اليمين الإقتصادي الذي يحول الحكومة الى راعِ لدولة الاغنياء مقابل اهمال دولة الفقراء؟ ام انه يقصد اليمين السياسي الذي يجرف الفقراء اكثر مما يجرف معه الطبقة الوسطى؟ واين يقف الليكود وبيبي نتانياهو خاصة من هذا التقسيم؟
يعلم المراقب ان بيبي نتانياهو بالذات يمثل مصالح القوى التي تربط بين اليمين السياسي واليمين الإقتصادي، تربط بين سلطة المال والسلطة السياسية، وبالتالي لامجال لتعليق الأمال عليه بحل ازمة السكن والأزمات الأجتماعية الأخرى وفق رغبة المحتجين، وما موقفه ضد اقامة لجنة برلمانية لفحص مصادر تمويل منظمات المجتمع المدني، والتي سميت بالمنظمات اليسارية، الا رغبة منه ان يظهر بموقف وسطي بعد ان قاد الحملة لسن قانون المقاطعة، وقوانين يمينية وعنصرية أخرى تقيد من الحريات السياسية. وبالتالي، وبالرغم من وعود نتانياهو في الأيام الاولى وتصريحاته بأنه يتمنى مساعدة المحتجين له لتمرير مشروع اصلاح كبير لتسهيل عملية البناء وحل ازمة الإسكان المتفاقمة، فقد تكشف سريعا انه يكذب بعد ان تراجع عن وعوده وعطل تمرير قرارات حكومية لصالح المحتجين .
ويعلم المراقب ايضا انه لا توجد قوة اجتماعية مركزية في اسرائيل مستعدة ان تتبنى مطلب الاستحقاق السياسي لتحقيق مصالحها الإقتصادية والإجتماعية، بما فيها الحق في الصحة والسكن والتعليم وما الى ذلك، وذلك خوفا من اتهامها "بالخيانة" ورفع الشرعية عنها، وهذا ما يفسر ابتعاد غالبية المحتجين عن الشعارات السياسية واهتمامهم بإضفاء الطابع الإقتصادي-الإجتماعي على مضمون مطالبهم وشعاراتهم. اذن "اليسار" السياسي ضعيف امام حكومة يمينية اقتصاديا وسياسيا، واليسار الإجتماعي- الإقتصادي غير منسجم مع اليسار السياسي او يخشى او يرتبط به خشية اتهامه بالخيانة، وعليه فليس اليمين الحاكم في ازمة بل المعارضة هي التي تعاني من ازمة وهي ازمة الرؤيا المتكاملة. هذه هي "اليسار" الإسرائيلي منذ ان بدأت مسيرة اوسلو على الأقل وحتى اليوم، وهذه الأزمة تتفاقم اكثر واكثر وليس أمامها من أفق نجاح الا ان تربط مطالبها الاجتماعية –الاقتصادية بمطالب الحل سياسي، فكما ارتبط اليمين الإقتصادي مع اليمين السياسي، هكذا يجب ان قوى "اليسار" والا فهي خاسرة لا محالة. اقول هذا بالرغم من نجاح الحراك الشعبي ضد اسعار الوقود، وضد سعر الكوتج، لأن اسعار العقارات في صلب حياة رأسمال، وقد كان عاملا اساسيا لعبور اسرائيل الأزمة الاقتصادية العالمية دون ان تتأثر سلبا بل كانت مستفيدة منها.
اما عن مقارنة الحراك الشعبي الإسرائيلي بالحراك العربي فاوجه المقارنة تشير الى اتجاهين مختلفين يهدفان للوصول الى هدف واحد وهو الدولة بمفهومها الكلاسيكي، الدولة التي تعني تلك المؤسسة العليا او مجموع المؤسسات التي ينتجها الشعب للحفاظ على التوازن المطلوب بين القوي والضعيف، بين الغني والفقير، بين المتج وصاحب ادوات افنتاج، بين الحاكم والمحكوم، هذا الدولة قامت في فلسطيني عام 1948 قبل وجود الشعب ولكنها تتخلى اليوم عن مهامها لتصبح دولتين واحدة للفقراء واخرى للاغنياء، واحدة للضعفاء واخرى للأقوياء....على شاكلة الدول الرأسمالية ذات الاقتصاد الحر في العقدين الأخيرين، وبالتالي يتحرك الجمهور الإسرائيلي اليوم للتمسك بالدولة التي عاش فيها بمستوى من التوازن والرفاه ويريد ان يحافظ عليها. اما الحراك الشعبي العربي، وبما ان الشعوب العربية لم تنشئ دولها الكلاسيكية بعد، بل هي "دول" مملوكة لحكامها، عائلات وطوائف وزعماء ولهؤلاء المالكين توجد جيوش وشرطة وسجون وما الى ذلك، "دول" اشبه بالإقطاعيات المعروفة في التاريخ، وتبقى المهمة الأكبر والاهم للحراك الشعبي العربي هي اسقاط هذه الإقطاعيات، او الدول المملوكة، لينشئ مكانها دولا تمثل الشعب وترعى مصالحه وتقيم التوازنات المطلوبة بين فئاته وطبقاته المختلفة.
اليف صباغ
مدونة حيفا برس – 23.7.11



حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الثلاثاء، 19 يوليو 2011

المستعرب اليهودي في سوريا واسمه المعلم جورج

قصة مستعرب يهودي في سوريا واسمه "المعلم جورج"

نشرموقع اسرائيلي مؤخرا قصة المستعرب اليهودي في سوريا واسمه الحقيقي يئير هراري وهو من اصل سوري والده تاجر دمشقي من عائلة فلاح. المستعرب هاجر الى فلسطيني وهو صغير السن وتدرب في اجهزة الإستخبارات اليهودية وعاد الى سوريا بعد عام 1948 على انه لاجىء فلسطيني باسم "جورج" وسكن في قرية درزية صغيرة لمدة خمس سنوات تقريبا وعمل معلما في المدرسة. أحبه الناس كثيرا وأكرموه كما يستحق المعلم واستمعوا الى الاغاني والاخبار من جهاز الراديو التي امتلكه دون غيره في القرية، ولكنهم لم يعرفوا انه يغلق بابه كل مساء ويرسل الى اسرائيل كل المعلومات التي جمعها من عملائه السوريين وهم موجودون في كل مكان بما في ذلك في مواقع حساسة في الجيش.


يئير كان واحدا من عشرات المستعربين الذين تم تدريبهم وتجهيزهم منذ عام 1943 وما بعد في وحدة الإستخبارات اليهودية في فلسطيني وتم توزيعهم في اماكن مختلفة وحساسة من العالم العربي. تدرب المستعربون على استخدام اللغة العربية العامية وتعلموا دروسا في القرآن بالإضافة الى استخدام الأسلحة وخاصة القنص.
في الفترة بين العملية العسكرية واخرى ذهب يئير ايام الجمعة الى المساجد للإستماع الى خطب أئمة مهمين لكي يكتب تقريره وانطباعاته عن الجو السائد لدى العرب. المستعرب يئير ، او جورج باسمه العربي، لم يكن مرتبطا مباشرة مع الشبكة التي تزوده بالاخبار، بل كان مرتبطا مع شخص واحد، هو الذي يركز الاخبار وينقلها اليه، اما اعضاء الشبكة على ما يبدو لم يعرفوا ان المعلومات التي يزودون بها زعيمهم تنقل الى اسرائيل.


يئير زود المخابرات الإسرائيلية في فترة الحرب بمعلومات هامة يطمح اليها كل جيش، معلومات عن تحركات القوات العربية ومواقعها واسلحتها وعددها كما زودها بمعلومات عن النقاشات الداخلية والقرارات التي اتخذتها القيادة بالهجوم او تأجيل الهجوم او الإنتقال الى مواقع جديدة.
التقارير تحدثت عن المزاج الشعبي وعن مزاج القوات العسكرية ورغبتها او عدم رغبتها في القتال.
عشرات السنوات مرت، حتى بعد عودة يئير هراري الى اسرائيل، ولم يعرف احد عن عمله السابق مستعربا في سوريا، ويبدو ان لا احد في تلك القرية الصغيرة عرف ان "المعلم جورج" ليس لاجئا فلسطينيا، وانما هو مستعرب يهودي. وفقط بعد مقابلة اجريت مع المستعرب غيورا زيد ومع جدعان عماشة (السوري الأصل) الذي ذكروا قصة يئير، عندها عرفت عائلة يئير ماذا عمل في سوريا آنذاك.
اذا كان نشاط المستعربين في سوريا سهل الى هذا الحد في العام 1948 وما بعده، فهل تغيرت الظروف؟ وهل انقطع عمل المستعربين او تغبرت اسماؤهم فقط، وهل ما زالت اسرائيل ترسل المستعربين تباعا على شكل خبراء او سياح وهل تدربهم على القنص ايضا؟ ولماذا القنص بالذات؟ وهل ترسلهم بجوازات سفر اجنبية ام عربية؟ ولا من شاف ولا من دري؟

اليف صباغ
18.7.11




حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

مستعربون!!!!!

قصة مستعرب يهودي في سوريا واسمه "المعلم جورج"
نشرموقع اسرائيلي مؤخرا قصة المستعرب اليهودي في سوريا واسمه الحقيقي يئير هراري وهو من اصل سوري والده تاجر دمشقي من عائلة فلاح. المستعرب هاجر الى فلسطيني وهو صغير السن وتدرب في اجهزة الإستخبارات اليهودية وعاد الى سوريا بعد عام 1948 على انه لاجىء فلسطيني با...سم "جورج" وسكن في قرية درزية صغيرة لمدة خمس سنوات تقريبا وعمل معلما في المدرسة. أحبه الناس كثيرا وأكرموه كما يستحق المعلم واستمعوا الى الاغاني والاخبار من جهاز الراديو التي امتلكه دون غيره في القرية، ولكنهم لم يعرفوا انه يغلق بابه كل مساء ويرسل الى اسرائيل كل المعلومات التي جمعها من عملائه السوريين وهم موجودون في كل مكان بما في ذلك في مواقع حساسة في الجيش. يئير كان واحدا من عشرات المستعربين الذين تم تدريبهم وتجهيزهم منذ عام 1943 وما بعد في وحدة الإستخبارات اليهودية في فلسطيني وتم توزيعهم في اماكن مختلفة وحساسة من العالم العربي. تدرب المستعربون على استخدام اللغة العربية العامية وتعلموا دروسا في القرآن بالإضافة الى استخدام الأسلحة وخاصة القنص. في الفترة بين العملية العسكرية واخرى ذهب يئير ايام الجمعة الى المساجد للإستماع الى خطب أئمة مهمين لكي يكتب تقريره وانطباعاته عن الجو السائد لدى العرب. المستعرب يئير ، او جورج باسمه العربي، لم يكن مرتبطا مباشرة مع الشبكة التي تزوده بالاخبار، بل كان مرتبطا مع شخص واحد، هو الذي يركز الاخبار وينقلها اليه، اما اعضاء الشبكة على ما يبدو لم يعرفوا ان المعلومات التي يزودون بها زعيمهم تنقل الى اسرائيل. يئير زود المخابرات الإسرائيلية في فترة الحرب بمعلومات هامة يطمح اليها كل جيش، معلومات عن تحركات القوات العربية ومواقعها واسلحتها وعددها كما زودها بمعلومات عن النقاشات الداخلية والقرارات التي اتخذتها القيادة بالهجوم او تأجيل الهجوم او الإنتقال الى مواقع جديدة. التقارير تحدثت عن المزاج الشعبي وعن مزاج القوات العسكرية ورغبتها او عدم رغبتها في القتال. عشرات السنوات مرت، حتى بعد عودة يئير هراري الى اسرائيل، ولم يعرف احد عن عمله السابق مستعربا في سوريا، ويبدو ان لا احد في تلك القرية الصغيرة عرف ان "المعلم جورج" ليس لاجئا فلسطينيا، وانما هو مستعرب يهودي. وفقط بعد مقابلة اجريت مع المستعرب غيورا زيد ومع جدعان عماشة (السوري الأصل) الذي ذكروا قصة يئير، عندها عرفت عائلة يئير ماذا عمل في سوريا آنذاك. اذا كان نشاط المستعربين في سوريا سهل الى هذا الحد في العام 1948 وما بعده، فهل تغيرت الظروف؟ وهل انقطع عمل المستعربين او تغبرت اسماؤهم فقط، وهل ما زالت اسرائيل ترسل المستعربين تباعا على شكل خبراء او سياح وهل تدربهم على القنص ايضا؟ ولماذا القنص بالذات؟ وهل ترسلهم بجوازات سفر اجنبية ام عربية؟ ولا من شاف ولا من دري؟ اليف صباغ 18.7.11See More
B


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الخميس، 14 يوليو 2011

المشهد السوري، من المراوحة الى الحسم /اليف صباغ 14.7.11

المشهد السوري، من المراوحة الى الحسم
الموقف الإسرائيلي من سوريا تابع وامريكا هي التي تقود .
هل تنجح سوريا في تغليب الحوار والاصلاح على الحسم العسكري ام تنجح امريكا في توريط النظام في المزيد من الدماء التي لا تبقي مجالا للحوار والإصلاح؟
من يبحث عن موقف اسرائيلي رسمي مما يحدث في سوريا قد لا يجد جوابا او لا يجده واضحا على الأقل. لا يوجد في اسرائيل موقف واحد متفق عليه لا في الاوساط الشعبية ولا في الاوساط الإعلامية او السياسية بما في ذلك الحكومية منها. السؤال الأساس الذي يحسم موقف الإسرائليين هو، "ما هي مصلحة اليهود؟" هذا هو السؤال الذي يضعه غالبية الإسرائيليين واليهود عامة قبيل اتخاذ موقف من هذا النظام او ذاك. من هذا العمل او غيره. فهل هناك "مصلحة لليهود" في سقوط النظام السوري؟ بالمقابل، هل هناك مصلحة يهودية في استمرار النظام الحالي؟ وهل فقد النظام قدرته على الحكم ام انه قادر على الصمود والخروج من الأزمة؟ للأجابة على هذا السؤال او ذاك، لا بد من الحديث عن البديل للنظام الذي يراد له السقوط او الحياة. من هي المعارضة السورية؟ وهل يمكنها ان تتفاهم مع اسرائيل؟ هل تستطيع ان تحتمل استمرار احتلال الجولان في الوقت الذي تتهم فيه النظام الحالي بالجبن والتخاذل عن تحريره؟ هل يكون النظام البديل بقيادة الإخوان المسلمين الذين يدعون تمثيل الغالبية السنية في سوريا، ام بقيادة قوى قومية فقدت السلطة سابقا لصالح نظام البعث وعائلة الأسد وتحاول اليوم استردادها؟ وهل هذه القوى التي تبدو متحالفة مع الولايات المتحدة وفرنسا اليوم قادرة ومستعدة ان تمدّ يد المصالحة الى اسرائيل؟
د. عودد عيران ، رئيس المعهد لإبحاث الأمن القومي INSS قال في 29.4.2011 ان حكومة اسرائيل تعاني من ارتباك في موقفها من الزلزال الحاصل في العالم العربي عامة وفي سوريا خاصة، وهذا الإرتباك مفهوم على المدى القصير ولكن لا يجوز ان يدوم لمدة طويلة. قد تكون نتائج هذا الزلزال مقلقة على المدى القصير وهذا سبب الإرتباك، ولكنه يتوقع على المدى البعيد ان ينتج هذا انظمة اكثر انفتاحا واستعدادا للتعاون الإقتصادي مع اسرائيل.
ماذا لو استطاع النظام الحالي ان يصمد امام التحديات الامريكية والمحلية من خلال تنفيذ اصلاحات جذرية ترضي الشعب الى حد يمكنه ان يتعايش معها وتسمح بتداول السلطة وإجراء مزيد من الإصلاحات في المستقبل القريب والبعيد؟ سؤال مهم ولا بد من مناقشته في الهيئات العليا قبل اتخاذ أي موقف. مع ذلك لم تناقش الحكومة الإسرائيلية هذا الموضوع بعد، ومن الصعب ان تجد موقفا رسميا في اسرائيل يقف مع هذا الطرف او ذاك ما عدا موقف بيبي نتانياهو في واشنطن الذي ايد فيه ما سماه بالربيع العربي، وهو موقف دعائي ديماغوغي لا اكثر ولا اقل. قد لا يكون من مصلحة اسرائيل اتخاذ موقف اصلا، لأن تجربة الماضي القريب بتأييد حسني مبارك علنا سرع في اسقاطه، وقد يكون اتخاذ موقف مؤيد للمعارضة السورية ليس في صالحها، ونحن نذكر محاولة بعض اعضاء المعارضة السورية، في الأيام الاولى للتمرد، ربط الخيوط مع اسرائيل عبر عضو الكنيست ايوب القرا ولكن بيبي نتانياهو رفض ذلك، بل منع القرا من التوجه الى اوروبا للقاء بعض اطراف المعارضة السورية سرا او علنا.
ان امتناع الدوائر الحكومية والأمنية او ما يسمى بالمطبخ السياسي- الامني او طاقم الثمانية، من مناقشة الموضوع، لم يمنع لجنة الخارجية والامن البرلمانية من مناقشة كل هذه الإسئلة في الخامس من تموز بمشاركة رئيس شعبة الإستخبارات العسكرية، الجنرال أفيف كوخافي، الذي اقترح "الا يستهتر احد بقوة الرئيس الأسد، وبجملة الإصلاحات التي بدأ بتنفيذها، هذه الإصلاحات التي تمس حياة الناس الإقتصادية مباشرة وتتضمن ايجاد اماكن عمل جديدة"، واضاف، "من الطبيعي ان هذا لا يكفي، ولكن الجيش السوري ما يزال لغاية الآن يقف الى جانب الأسد، ونفى الانباء عن حدوث انشقاقات في صفوف الجيش وقال : ان ّ عدد الضباط الذين تركوا الجيش لا يتعدّى 20 الى 30 ضابطا"، وتوقع كوخافي، "ان تغييرا جديا في النظام سوف يضعف المحور المتشدد، حتى لو بقي الأسد في الحكم". الجنرال كوخافي لم يخف اهمية التحرك الروسي للحفاظ على إستقرار الوضع في سوريا لما لروسيا من مصالح استراتيجية فيها، وكذلك ايران وحزب الله الذين يقدمان لسوريا "مساعدات معلوماتية وتقنية وليس قوات مقاتلة" كما يشاع. اما المصلحة الإسرائيلية من هذا الزلزال، قال كوخافي، "قد تاتي بعد سنين عديدة عندما تستقر الانظمة الجديدة، اذا ما تحولت الى انظمة ديموقراطية".
الصمت الحكومي، لم يمنع اوساطا سياسية ذات تصنيف امني عالي جدا، كما قال موقع معاريف يوم 7.7.11، ويعتقد البعض ان شمعون بيرس كان بينهم، اجتمعت مؤخرا في القدس بعيدا عن الإعلام، ووجهت انتقادات لاذعة للحكومة ورئيسها لعدم بحثهم السيناريوهات المحتملة في سوريا، وخاصة احتمال ما بعد الأسد، وطالبت بفتح الخط مع المعارضة السورية لفحص هذا السيناريو، بهدف "التقليل من الضرر المحتمل قدر الإمكان"، مما يعني ان هذه الأوساط قلقة من كل الإحتمالات، بما في ذلك سقوط النظام الحالي. وكما انه لا اتفاق في اسرائيل كذلك يعتقد المجتمعون ان لا اتفاق في واشنطن من الرئيس الأسد والمعارضة السورية، بسبب ما لهذا التغيير او ذاك من تداعيات على مستوى الشرق الاوسط عامة والمصالح الامريكية في العراق والأردن ولبنان بشكل خاص. قد تعرف المعارضة، بمساعدة امريكية وفرنسية وتركيا واخرى، كيف تسقط النظام البعثي ولو ذهب الاف الضحايا السوريين لإجل ذلك، ولكن التحدي الأكبر والاكثر تعقيدا كيف يتم اسقاط النظام مع ضمان المصالح الامريكية؟ يبدو ان اسرائيل قلقة بنفس القدر او اكثر من الأمريكان، خاصة وان الأمريكان هم الذين يديرون العلاقة مع المعارضة وليست اسرائيل، وهذه على ما يبدو رغبة غالبية قوى المعارضة الداعية الى اسقاط النظام وتحريم الحوار وهي القوى المتحالفة مع الولايات المتحدة.
بالرغم من هذا الإرتباك الا ان ساعة الحسم آتية لا محالة. لم يعد سرا ان امريكا تقدم المساعدات المادية الكبرى للمعارضة السورية، وكذلك المساندة السياسية المنسقة جيدا، وربما تحيل المساعدات العسكرية على طرف آخر مثل تركيا او العراق او دول مجاورة اخرى، ولم يعد سرا ان بعض اوساط المعارضة السورية في الولايات المتحدة، ابدت استعدادها للتفاهم مع اسرائيل بشأن حل في الجولان دون تفكيك المستوطنات الإسرائيلية هناك، وليس خفيا ان طائرات استطلاع تركية تحلق في سماء سوريا بين الحين والآخر، وان التعاون الإسرائيلي التركي الامني والمعلوماتي قد عاد الى ما كان عليه، كما تقول وسائل اعلام اسرائيلية، بضغط امريكي مباشر. وليس خافيا على احد ان الجيش التركي يقف على اهبة الإستعداد للتدخل في شمال سوريا، وان الجيش الإسرائيلي متيقظ الى اقصى حد على الحدود الشمالية وكذلك القوات العراقية.
من الواضح والمعروف ان اسرائيل والولايات المتحدة ترى ضرورة ماسة في ضرب المثلث الإيراني السوري اللبناني المتمثل بحزب الله وحلفائه، وان لم تستطيع في عام 2006 في ضرب حزب الله ولم تنجح الولايات المتحدة وبريطانيا في تثوير الشارع الإيراني ضد الرئيس احمدي نجاد، فلن تتأخر في استغلال الظرف المؤاتي لتنفيذ مخططها من خلال ضرب سوريا بكل الوسائل السياسية والشعبية وغيرها حتى لو كان الثمن الاف الضحايا السوريين.
لقد اختلف الموقف الإسرائيلي عن الامريكي فيما يخص الرئيس المخلوع حسني مبارك، حتى قبلت اسرائيل بتبني الموقف الامريكي، وهي تتابع الموقف الامريكي وتتبعه في الشأن السوري أيضا. حكومة اسرائيل برئاسة بيبي نتانياهو تعطي الرئيس اوباما التفويض الكامل للعمل في سوريا طالما لا يتطلب ذلك فرض تسوية سياسية على نتانياهو، وطالما ان الهدف المشترك هو ضرب المثلث الإيراني السوري مع حزب الله وهناك دماء عربية، وليست اسرائيلية، تسفك في هذا الإتجاه . في الوقت الحاضر يستمر نتانياهو في استغلال الفرصة لمزيد من الإستيطان ومزيد من الإبتزاز، ولديه، وفق كل التقديرات الإسرائيلية، سنين طويلة حتى يستقر الوضع العربي للعودة الى مسار التسوية الشاملة. نتانياهو يؤمن ايمانا عميقا ان الوقت يعمل لصالح اسرائيل وان الصراع مع العرب دائم وابدي وان التسوية هو عملية مستمرة الى اجل غير محدد.
ان الإجراءات الامريكية الاخيرة التي تمثلت في مرافقة المظاهرات في مدينة حماه، وما تبعها من هجوم شعبي على السقارة الامريكية في دمشق والتصريحات عالية النبرة والسقف التي صدرت عن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، وعزم السفير الامريكي والفرنسي مرافقة مظاهرات اخرى هذا الإسبوع في دير الزور ، المدينة النفطية الهامة لسوريا، وربما في اماكن اخرى ايضا، لا تشكل ردود فعل على المواقف السورية الرسمية او الشعبية، بل هي الفعل بحد ذاته. الدول الكبرى، وخاصة امريكا، لا تتخذ موقفها على شكل ردات فعل، ولا تقوم بعمل الا لهدف وضعته امامها مسبقا. ان القصد من هذه المرافقة والتصريحات التي تطلقها كلينتون هو تطمين المعارضة التي استجابت الى المطلب الامريكي بمقاطعة الحوار الوطني، ان امريكا لم تتراجع عن اهدافها، وعلينا ان ننتظر تصعيدا امريكيا كلما اقترب السوريون من بعضهم، لان الخشية الكبرى لدى امريكا واسرائيل والمعارضة المتمردة، هو نجاح الحوار وتحقيق الإصلاح دون التنازل عن موقف الممانعة والتحالف مع حزب الله وايران في وجه مخطط امريكي اسرائيلي لشرق اوسط جديد على الطراز الامريكي، وان اختلفت الاحصنة .
مستقبل سوريا مهم لأمريكا ولاسرائيل ولا فصل بينهما، ليس فقط بسبب تحالفها مع ايران وحزب الله، بل بسبب القوة التي تمنحها سوريا لروسيا في البحر المتوسط ايضا. وعليه فأمريكا تتجه نحو الحسم مع النظام السوري في عملية تصعيد تدريجية مدروسة، في الطريق توجد ألغام إضافية للرئيس الأسد، قرار اتهامي ضد شخصيات عليا في النظام السوري في قضية اغتيال الحريري، وتحويل الملف النووي السوري الى مجلس الأمن، وتفجير للاوضاع على الحدود التركية السورية، يرافقها استعدادات حلف الناتو لنقل قوات من اسبانيا الى تركيا.
الحسم العسكري قد يورط النظام في أعمال لا يحتملها حتى الأصدقاء، أو قد يورطه في عملية عسكرية في الأراضي التركية، فهل تنجح سوريا في تغليب الحوار والاصلاح على الحسم العسكري ام تنجح امريكا في توريط النظام في المزيد من الدماء التي لا تبقي مجالا للحوار والإصلاح؟ الأمر منوط ليس فقط بالتحرك الامريكي من ناحية او السوري من ناحية اخرى، بل بقوى اخرى لا بد من تحركها وعلى رأسها الأمين العام الجديد للجامعة العربية د. نبيل العربي. فهل يتحول كسابقه الى موظف لدى دول النفط ام انه سيتخذ مواقف واجراءات تليق به وبتاريخه المعروف؟

اليف صباغ
مدونة حيفا برس 14.7.2011








حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الثلاثاء، 12 يوليو 2011

قانون المقاطعة الإسرائيلي.

نظام المقاطعات، هل يعاقِب على المقاطعة؟
قانون المقاطعة الاسرائيلي يضرب القوى اللبرالية في الصميم
ويضع اموال السلطة الفلسطينية في اسرائيل هدفا للقرصنة القانونية
اوري افنيري: نحن في الطريق الى نظام من ذلك النوع.

قبل ايام معدودات كتبت مقالا تحت عنوان "الحرية الأسيرة"، استذكرت فيه عددا من القوانين العنصرية والإجراءات الإسرائيلية التي تقوض الحريات الفردية والعامة في الوقت الذي تقاتل الشعوب العربية لنيلها، وها هي حكومة اسرائيل تضيف الى ما قلته دليلا جديدا. في حين تسعى الشعوب العربية لمزيد من الحرية، وهي طموح الطبيعة البشرية منذ الأزل، فتنتفض وتدفع ثمنا باهضا لتحقيق ذلك، وتجبر الحكام على تحيق مطالبها المشروعة ولو جزئيا، يسعى حكام اسرائيل الى تقويض الحريات الفردية والعامة ليس فقط للمواطنين العرب فيها، بل لليهود ايضا، وذلك بسن قوانين جائرة، موجهة ضد اليهود ايضا لدرجة تطال حرية التعبير في اتخاذ موقف سياسي والتعبر عنه كلاميا، ويتمثل هذا بسن قانون "المقاطعة"، ويعاقب بموجبه كل من يدعو الى مقاطعة دولة اسرائيل او الإستيطان الإسرائيلي، ان كان ذلك اقتصاديا او ثقافيا او اكاديميا، ان كان بمقاطعة الإنتاج او بمقاطعة تقديم الخدمات على اشكالها بما في ذلك الترفيهية، للمستوطنين. وبموجبه يستطيع كل مستوطن ان يقدم دعوى تعويض مادي الى المحكمة ضد الشخص او الهيئة المخالفة للقانون دون ان يثبت تعرضه لضرر مادي. ويطمح القانون ايضا الى تقديم دعاوى ضد جهات اجنبية واسرائيلية على حد سواء، واعتقد ان المقصود في ذلك اولا وقبل كل شيء هي السلطة الفلسطينية، وبالتالي تصبح أموال السلطة في إسرائيل معرضة للقرصنة، باسم القانون، اكثر مما هي معرضة اليوم.
بموجب هذا القانون تساوي حكومة اسرائيل وبرلمانها بين وجود اسرائيل ووجود المستوطنات اليهودية في المناطق التي احتلت عام 1967. ربط تقوم به حكومة وبرلمان اسرائيل نفسهما، فاذا كان العالم كله، بما في ذلك قطاع معين من الجمهور الإسرائيلي اليهودي، يرى ان هذا الإستيطان هو عمل غير شرعي وهو مخالف للقانون الدولي، بل يعد بحد ذاته جريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي، فان هذا الربط يضع اسرائيل نفسها في خانة اللاشرعية، ليس فقط من وجهة نظرنا كعرب عامة وكفلسطينيين خاصة، بل حتى من وجهة نظر المنطق القانوني.
المعروف ان نظام المقاطعة هو حزء اساس من الكينونة الإسرائيلية، المقاطعة لكل منتوج غذائي لم يحصل على ختم "الكاشير" (أي حلال)، الذي معناه الفعلي اقتطاع جزء من الربح لصالح الحاخامين اليهود، واعادة تحميل المستهلك ذلك، ومقاطعة المنتوج العربي بدوافع عنصرية، دون ان يكتب ذلك في قانون، خاصة اذا كان الإنتاج قد يقوي من علاقة الفلسطيني بأرضه، مثل منتوجات الزيتون، وقبل ذلك التبغ والقمح الذين لم يعودا جزءا من انتاج الفلاح الفلسطيني منذ عشرات السنين، ومقاطعة قوى العمل العربي بإعطاء الأفضلية للمستوطن اليهودي او ما يسمى بالمهاجر الجديد، وتشجع الحكومة ذلك بمنح محفزات لصاحب العمل الذي يشغل مهاجرين جدد.
القيمة المضافة لهذا القانون انه يعاقب، ليس المواطنين العرب وممثليهم فقط، فئة كبيرة من اليهود الذين يرفضون، لأسباب ضميرية، تقديم خدمات ترفيهية للمستوطنين. أي ان القانون يضرب في الصميم اكثر الفئات حساسية لحرية التعبير وهي فئة المثقفين والفانين اللبراليين، ومن هنا اعتقد ان توجه هؤلاء الى المحكمة العليا بهدف ابطال القانون، لتعارضة مع حرية التعبير كحق اساس تضمنه القوانين الساسية في اسرائيل، هو ما يرفع من احتمال التصدي القانوني والشعبي له. والأهم من ذلك، حان الوقت ان يفهم الإسرائيليون اليهود، ومنهم فئة الطبقة الوسطى، ان تنبيهاتنا السابقة من ان العنصرية، وان كانت دائما تحت مسوغات الامن، ستطالهم يوما ما، وها هي تتحقق.
الصحفي المخضرم اوري افنيري يقول: "لقد تسلط المستوطنون على الدولة"، ويضيف: "بأموال دافعي الضرائب أقيمت المستوطنات وبهذه الاموال يدافع الجيش عنها حتى تحول المستوطنون الى غول صنعناه بأنفسنا فقام ضدنا". افنيري يستذكر تلك الأيام حين كان طفلا في العاشرة عندما غادر والداه المانيا بعد تسلم هتلر السلطة السياسية، فيقول: "كل اقاربي قالوا لأبي انت مجنون، لا يوجد شيء يستدعي ان تترك البلاد، اليوم نذكر ان اسماء كل اقاربي هؤلاء مسجلة في ميدان تلك المدينة... نحن في الطريق الى نظام من ذلك النوع، يقول افنيري، ويضيف، كل حياتي امتنعت عن المقارنة وخشيت من قول هذه الكلمات، هذا خطأ وانا نادم لأنني لم اقل ذلك".
ما يضيف الى احتمال ابطال القانون من قبل المحكمة العليا هو موقف المستشار القضائي للحكومة بنفسه، والذي يقف ضد القانون اذا ما قدم التماس الى المحكمة العليا بهذا الشأن. ومن هنا جاءت نداءات أعضاء الكنيست العرب الى خرق جماعي لهذا القانون لتلتقي مع اصوات يهودية ومنظمات حقوقية تقدمت اليوم بالتماس الى المحكمة العليا لإبطاله.

اليف صباغ 12.7.11
مدونة حيفا برس


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الجمعة، 8 يوليو 2011

الحرية الأسيرة

الحرية الأسيرة

شهد مطار بن غوريون الإسرائيلي، بالقرب من مدينة اللد، اليوم، توترا شديدا واجراءات أمنية مشددة استعدت لها القوات الخاصة الإسرائيلية والمسماه ي.س.م وَ ي.م.م، وذلك بهدف منع مئات المتضامنين الجانب من الوصول الى المناطق المحتلة للتضامن مع الشعب الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة المحاصر، هذا الشعب الذي يعاني الإحتلال والتنكيل والحصار على مسمع ومرأى ما يسمى "بالشرعية الدولية". ليس هذا وحسب، بل قامت قوات الامن التابعة لحكومة اليونان "الديموقراطية"، الاسبوع الماضي، بالهجوم على اسطول الحرية في مياهها واعتقال ربان احدى السفن وزملاؤه المطالبين بالحرية ورفع الحصار عن قطاع غزة. فوق هذا، قامت هذه الحكومات، بالامس واليوم، بالتعاون مع حكومة اسرائيل للضغط على شركات الطيران الأوروبية لمنع مغادرة غالبية المتضامنين الأوروبيين من دولهم الى المناطق الفلسطينية المحتلة عبر مطار بن غوريون ، مع العلم انه ليس هناك مطار آخر للوصول من خلاله الى المناطق المحتلة، وان الطريق البحرية الى قطاع غزة مرصود بالقراصنة الإسرائيليين والمدعومين من الحكومات الديموقراطية نفسها وأجهزة مخابراتها الدولية.
اليوم، وبالرغم من التعاون المخابراتي الإسرائيلي الأوروبي، وخاصة فرنسا والمانيا، وتعاون شركات الطيران الأوروبية معهم، من خلال قوائم باسماء المسافرين غير المرغوب بهم في مطار بن غوريون، استطاع عشرات المتضامنين الوصول الى مطار بن غوريون، ولكن القوات الخاصة والمخابرات كانت بانتظارهم فساقتهم مباشرة الى التحقيق. وماذا كان رد فعل الحكومات بلادهم المدافعة عن الحريات وحقوق الإنسان عامة، على تقييد حريات رعاياهم؟ الجواب لا شيء، بل تفهم الموقف الإسرائيلي علنا، والتعاون المخابراتي مع اسرائيل ضد رعاياهم سرا، كما تفيد الصحافة الإسرائيلية نفسها، لقد فضحتهم.
اليوم وفي الساعات نفسها قام السفيران الامريكي والفرنسي في سوريا، وربما آخرون ايضا، بمرافقة مظاهرات المعارضة للنظام في مدينة حماة، "دفاعا عن حق السوريين في الحرية". وبالأمس وصلت السفيرة الأمريكية الجديدة، انا باترسون، الى القاهرة لاستلام مهامها، وهي معروفة بتاريخ سلوكها التآمري من خلال عملها في السلك الدبلوماسي الأمريكي في دول العالم الثالث وإنشاء أبواق إعلامية ومنظمات تدعي الدفاع عن الحريات العامة وتمويلها، وهي شخصية مشبوهة لكثرة حصول الأغتيالات لشخصيات سياسية مرموقة في الفترة التي خدمت فيها في تلك الدول، حتى سميت بسفيرة جهنم.
كل هذا يحصل وفي اسرائيل تزداد التقييدات على الحريات العامة والفردية دون رقيب او حسيب، بل بدعم وتعاون مخابراتي وسياسي من ذات الحكومات التي تدعي الدفاع عن الحريات. في السجون الإسرائيلية انضم اليوم الأسير الفلسطيني رقم 42 الى نادي الأسرى القدامى، أي من مضى على أسرهم اكثر من 25 عاما ومنهم من وصل الى 35 عاما. وفي السجون والمعتقلات الإسرائيلية ما يزال يقبع اكثر من 8000 اسير فلسطيني منهم اعضاء برلمان كثر، وكل ذنوبهم انهم قاوموا الإحتلال بما ملكت ايديهم او حناجرهم، ومعتقلون آخرون في سجون سرية، كالعالم النووي الإيراني الكبير علي عسكري، الذي لم يزره احد ولم تعترف به اسرائيل علنيا بعد. وفي اسرائيل يعتقل الناشط السياسي محمد كناعنة، امين عام حركة ابناء البلد، بأعذار لا تنتهي، وفي بريطانيا يعتقل الشيخ رائد صلاح بأمر من حكومة اسرائيل ولسبب لاتعرفه حتى وزيرة الداخلية البريطانية في جلسة استجواب أمام لجة برلمانية يوم أمس.
في اسرائيل، التي تدافع عن "حق الشعب السوري في الحرية"، ما يزال قانون الطوارئ ساري المفعول لأسباب "أمنية " يتفهمها حتى بعض الضحايا احيانا. وفيها تسن اكثر القوانين عنصرية في العالم الحاضر دون وازع او حساب لحقوق المواطن فيها، وكان آخرها اقتراح تعديل قانون يقضي بمنع كل شخصية أدينت بأعمال "ارهابية" او "بمساعدة الإرهاب"، من الدخول الى الجامعات او المدارس وتقديم محاضرة فيها او القاء خطاب، دون اذن مسبق من وزير التربية والتعليم، وهذا الإذن كما هو معلوم لن يعطى. وفي اسرائيل ايضا تقوم منظمة يمينية متطرفة، بالتعاون مع الحكومة، بالتحريض علنا على منظمات حقوقية يهودية وأخرى عربية لتجفيف مصادر التبرع لها، بحجة انها تؤيد حقوق الفلسطينيين تحت الإحتلال، بالرغم من محدودية هذا التأييد. ليس هذا وحسب، بل تقوم هذه المنظمة بتهديد الجامعات التي تشغل محاضرين لا تتفق آراؤهم مع فكر وممارسات المحتل، بقطع التبرعات عنها او تقديم شكاوى ضد محاضرين فيها، وحتى تهديد المتبرعين بمقاطعتهم ومحاصرتهم اقتصاديا، وقد وصل الأمر برئيس جامعة بن غوريون في بئر السبع ، بروفيسور تسفي هكوهن، يوم أمس الاول، ان يقول: "ان المحاضرين في الجامعات يخافون من التعبير عن آرائهم بسبب ملاحقة بعض المنظمات ( ويقصد على رأسهم منظمة "إم ترتسو" ، أي ان كنتم تريدون) لمحاضرين لا تروق أفكارهم ومواقفهم لليمين المتطرف".
في الشرق الاوسط وشمال افريقيا تتصاعد المطالبة بالحرية وتدفع الشعوب آلاف الأرواح وأنهارا من الدماء ثمنا لها، وتتسارع الحكومات "الديموقراطية" في تمويل وتسليح الموالين لها تحت شعار المطالبة بالحريات، في حين يشتد الحصار على الإنسان الفلسطيني في قطاع غزة، ويزداد التيار اليميني، العنصري، المقيد للحريات والمعادي للديموقراطية قوة، يوما بعد يوم، برعاية الحكومة الإسرائيلية وبتعاون الحكومات الحليفة وعلى رأسها الامريكية والالمانية والفرنسية. فهل "يمشي الملك عاريا" ام انه يقف على رأسه؟
كنا نتمنى ان تكون الحرية مبدءا اساسيا في الحياة الإنسانية عامة وحقا مطلقا بعيدا عن أي تحالفات سياسية او غيرها، وان تكون الحرية حقا فعليا ممارسا لكل انسان كان من كان وحيثما كان، ولكنها في الواقع كانت وستبقى حرية اسيرة للمواقف والمصالح السياسية .

اليف صباغ
حيفا برس- 8.7.2011

حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .