الجمعة، 8 يوليو 2011

الحرية الأسيرة

الحرية الأسيرة

شهد مطار بن غوريون الإسرائيلي، بالقرب من مدينة اللد، اليوم، توترا شديدا واجراءات أمنية مشددة استعدت لها القوات الخاصة الإسرائيلية والمسماه ي.س.م وَ ي.م.م، وذلك بهدف منع مئات المتضامنين الجانب من الوصول الى المناطق المحتلة للتضامن مع الشعب الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة المحاصر، هذا الشعب الذي يعاني الإحتلال والتنكيل والحصار على مسمع ومرأى ما يسمى "بالشرعية الدولية". ليس هذا وحسب، بل قامت قوات الامن التابعة لحكومة اليونان "الديموقراطية"، الاسبوع الماضي، بالهجوم على اسطول الحرية في مياهها واعتقال ربان احدى السفن وزملاؤه المطالبين بالحرية ورفع الحصار عن قطاع غزة. فوق هذا، قامت هذه الحكومات، بالامس واليوم، بالتعاون مع حكومة اسرائيل للضغط على شركات الطيران الأوروبية لمنع مغادرة غالبية المتضامنين الأوروبيين من دولهم الى المناطق الفلسطينية المحتلة عبر مطار بن غوريون ، مع العلم انه ليس هناك مطار آخر للوصول من خلاله الى المناطق المحتلة، وان الطريق البحرية الى قطاع غزة مرصود بالقراصنة الإسرائيليين والمدعومين من الحكومات الديموقراطية نفسها وأجهزة مخابراتها الدولية.
اليوم، وبالرغم من التعاون المخابراتي الإسرائيلي الأوروبي، وخاصة فرنسا والمانيا، وتعاون شركات الطيران الأوروبية معهم، من خلال قوائم باسماء المسافرين غير المرغوب بهم في مطار بن غوريون، استطاع عشرات المتضامنين الوصول الى مطار بن غوريون، ولكن القوات الخاصة والمخابرات كانت بانتظارهم فساقتهم مباشرة الى التحقيق. وماذا كان رد فعل الحكومات بلادهم المدافعة عن الحريات وحقوق الإنسان عامة، على تقييد حريات رعاياهم؟ الجواب لا شيء، بل تفهم الموقف الإسرائيلي علنا، والتعاون المخابراتي مع اسرائيل ضد رعاياهم سرا، كما تفيد الصحافة الإسرائيلية نفسها، لقد فضحتهم.
اليوم وفي الساعات نفسها قام السفيران الامريكي والفرنسي في سوريا، وربما آخرون ايضا، بمرافقة مظاهرات المعارضة للنظام في مدينة حماة، "دفاعا عن حق السوريين في الحرية". وبالأمس وصلت السفيرة الأمريكية الجديدة، انا باترسون، الى القاهرة لاستلام مهامها، وهي معروفة بتاريخ سلوكها التآمري من خلال عملها في السلك الدبلوماسي الأمريكي في دول العالم الثالث وإنشاء أبواق إعلامية ومنظمات تدعي الدفاع عن الحريات العامة وتمويلها، وهي شخصية مشبوهة لكثرة حصول الأغتيالات لشخصيات سياسية مرموقة في الفترة التي خدمت فيها في تلك الدول، حتى سميت بسفيرة جهنم.
كل هذا يحصل وفي اسرائيل تزداد التقييدات على الحريات العامة والفردية دون رقيب او حسيب، بل بدعم وتعاون مخابراتي وسياسي من ذات الحكومات التي تدعي الدفاع عن الحريات. في السجون الإسرائيلية انضم اليوم الأسير الفلسطيني رقم 42 الى نادي الأسرى القدامى، أي من مضى على أسرهم اكثر من 25 عاما ومنهم من وصل الى 35 عاما. وفي السجون والمعتقلات الإسرائيلية ما يزال يقبع اكثر من 8000 اسير فلسطيني منهم اعضاء برلمان كثر، وكل ذنوبهم انهم قاوموا الإحتلال بما ملكت ايديهم او حناجرهم، ومعتقلون آخرون في سجون سرية، كالعالم النووي الإيراني الكبير علي عسكري، الذي لم يزره احد ولم تعترف به اسرائيل علنيا بعد. وفي اسرائيل يعتقل الناشط السياسي محمد كناعنة، امين عام حركة ابناء البلد، بأعذار لا تنتهي، وفي بريطانيا يعتقل الشيخ رائد صلاح بأمر من حكومة اسرائيل ولسبب لاتعرفه حتى وزيرة الداخلية البريطانية في جلسة استجواب أمام لجة برلمانية يوم أمس.
في اسرائيل، التي تدافع عن "حق الشعب السوري في الحرية"، ما يزال قانون الطوارئ ساري المفعول لأسباب "أمنية " يتفهمها حتى بعض الضحايا احيانا. وفيها تسن اكثر القوانين عنصرية في العالم الحاضر دون وازع او حساب لحقوق المواطن فيها، وكان آخرها اقتراح تعديل قانون يقضي بمنع كل شخصية أدينت بأعمال "ارهابية" او "بمساعدة الإرهاب"، من الدخول الى الجامعات او المدارس وتقديم محاضرة فيها او القاء خطاب، دون اذن مسبق من وزير التربية والتعليم، وهذا الإذن كما هو معلوم لن يعطى. وفي اسرائيل ايضا تقوم منظمة يمينية متطرفة، بالتعاون مع الحكومة، بالتحريض علنا على منظمات حقوقية يهودية وأخرى عربية لتجفيف مصادر التبرع لها، بحجة انها تؤيد حقوق الفلسطينيين تحت الإحتلال، بالرغم من محدودية هذا التأييد. ليس هذا وحسب، بل تقوم هذه المنظمة بتهديد الجامعات التي تشغل محاضرين لا تتفق آراؤهم مع فكر وممارسات المحتل، بقطع التبرعات عنها او تقديم شكاوى ضد محاضرين فيها، وحتى تهديد المتبرعين بمقاطعتهم ومحاصرتهم اقتصاديا، وقد وصل الأمر برئيس جامعة بن غوريون في بئر السبع ، بروفيسور تسفي هكوهن، يوم أمس الاول، ان يقول: "ان المحاضرين في الجامعات يخافون من التعبير عن آرائهم بسبب ملاحقة بعض المنظمات ( ويقصد على رأسهم منظمة "إم ترتسو" ، أي ان كنتم تريدون) لمحاضرين لا تروق أفكارهم ومواقفهم لليمين المتطرف".
في الشرق الاوسط وشمال افريقيا تتصاعد المطالبة بالحرية وتدفع الشعوب آلاف الأرواح وأنهارا من الدماء ثمنا لها، وتتسارع الحكومات "الديموقراطية" في تمويل وتسليح الموالين لها تحت شعار المطالبة بالحريات، في حين يشتد الحصار على الإنسان الفلسطيني في قطاع غزة، ويزداد التيار اليميني، العنصري، المقيد للحريات والمعادي للديموقراطية قوة، يوما بعد يوم، برعاية الحكومة الإسرائيلية وبتعاون الحكومات الحليفة وعلى رأسها الامريكية والالمانية والفرنسية. فهل "يمشي الملك عاريا" ام انه يقف على رأسه؟
كنا نتمنى ان تكون الحرية مبدءا اساسيا في الحياة الإنسانية عامة وحقا مطلقا بعيدا عن أي تحالفات سياسية او غيرها، وان تكون الحرية حقا فعليا ممارسا لكل انسان كان من كان وحيثما كان، ولكنها في الواقع كانت وستبقى حرية اسيرة للمواقف والمصالح السياسية .

اليف صباغ
حيفا برس- 8.7.2011

حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق