السبت، 30 يوليو 2011

ارض التايكونات والحرب الأبدية

ارض التايكونات والحرب الأبدية

عندما نشرت مقالي الاخير وقارنت بين الحراك الشعبي العربي والحراك الإسرائيلي، قلت: ان الحراك الإسرائيلي اكبر من قضية السكن او أي قضية اخرى وانما يهدف الى استعادة الدولة (الكلاسيكية)، هذه الدولة التي توازن بين مصالح الفئات والطبقات المختلفة؟ بين الضعيف والقوي، بين المنتج وصاحب ادوات الإنتاج...بين وبين وبين...الخ، عندها اتصل بي صديق عزيز وقال: "ألا تبالغ في التحليل يا صديقي؟ أيام وتمر كما مرت حركات احتجاجية سابقة". فقلت: دعنا نرى ما يحدث في الأيام او الأسابيع القادمة.
يتضح للمراقب يوما بعد يوم ان الأزمة التي يعكسها الحراك الشعبي في اسرائيل هي اكثر تعقيدا وعمقا من ازمة السكن او ازمة ثمن علبة لبن الكوتج او تدهور الخدمات الصحية، وان ما رأيناه في بداية الحراك الشعبي هو تجليات الأزمة فقط وليس جوهرها، واحدة واحدة على الطريقة الإسرائيلية المعروفة في إدارة الصراعات "بقرة بقرة"، أي خطوة خطوة، وربما ، بالمناسبة، حان الوقت ليتعلم المفاوض الفلسطيني كيف يدير الإسرائيلي صراعه مقابل الإسرائيلي الآخر، فالمنهجية لا تختلف كثيرا وان اختلف الطرف الآخر. وما يؤكد عمق الصراع هو انضمام مجموعات أخرى كل يوم الى حركة الإحتجاج، فأمس الأول خرجت أمهات مع عربات الأطفال في تظاهرة جماهيرية احتجاجا على ارتفاع تكاليف تربية الأطفال لدى العائلات الشابة، اليوم او غدا قد تنضم مجموعة الممرضات والممرضين وهي فئة لها تاريخها النضالي ايضا، وانضمام النقابة العامة للعمال (الهستدروت)، وربما سائقو الحافلات العمومية وقد تلحق بهم سيارات الأجرة العمومية ايضا ومن يدري ماذا بعد؟ إذن، انها ازمة مركبة بكل مركبات الحياة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية وقد يظهر لها في المستقبل مركبا ايديولوجيا لرؤيا مستقبلية غير واضحة المعالم بعد، رؤيا وموقف من الحرب والسلم، من الإستيطان، من فقدان الأمان الإجتماعي والإقتصادي بحجة الأمن والحرب الأبدية، والدعوة الى التأقلم مع كل الموبقات من اجل الدولة، أي دولة؟ هل هي دولة الرفاه ام دولة التايكونات؟ ولكن شعار "الشعب يريد عدالة اجتماعية" ، وهو الشعار الجامع لكل فئات الحراك الشعبي، يؤكد ان الهدف المشترك هو استعادة دور الدولة كطرف موازن بين فئات الشعب المختلفة.
يقول طال كانياس، وهو من المبادرين وأحد الفاعلين في هذا الحراك، على صفحته الخاصة في الفيسبوك يوم 29.7.11 : "ان الصراع ليس بين ايديولوجيتين، رأسمالية واشتراكية، بل هو صراع من اجل الوجود المجتمعي في اسرائيل"، ويضيف، "هذا الحراك ممزوج باحساس في الخيانة...في السنوات الأخيرة هناك جماعات في الطبقات العليا راكمت اموالا طائلة، في ظل عملية الخصخصة، مكنتها من التأثير بشكل مباشر او غير مباشر على متخذي القرار السياسي في اسرائيل، وبالتدريج اصبح هؤلاء هم اصحاب الدولة نفسها، ووجد منتخبو الجمهور انفسهم ملزمين بخدمتهم بدل خدمة الجمهور الذي انتخبرهم".
في اليوم نفسه قارن الكاتب السياسي الكبير يوئيل ماركوس، في صحيفة هآرتس بين مفجري الحراك الشعبي في اسرائيل وبينهم في مصر فقال: "لقد بدا نصب الخيام في شارع روتشيلد، عفويا، ولكن الأمر لم يكن كذلك، ليس سعر علبة الكوتج، وليست أجرة الدار وانما امور كثيرة اجتمعت سويا لتخرج الناس الى الشارع، الطبقة الوسطى التي تعمل وتدفع الضرائب وتخدم في الجيش وجدت نفسها في وضع لا تستطيع ان تعيش بكرامة حتى آخر الشهر". ولم يكن رئيس الدولة شمعون بيرس بعيدا عن ذلك حين قال قبل ثلاثة ايام فقط ان "الطبقة الوسطى في اسرائيل فقدت عالمها وثقتها بالمستقبل". من هنا، ومن خلال التعرف على القوى الإجتماعية التي تقولد هذا الحراك وتعبرمن خلاله عن مصالحها، وعن قلقها من حاضرها ومستقبلها، نسطيع ان نفهم عمق الازمة التي تعيشها اسرائيل ومركباتها ويعبر عنها هذا الحراك الشعبي. ويبقى السؤال المهم الذي طرحه صديقي، هل هو حراك كسابقيه؟ كان آخره التضامن مع فيكي كنافو عام 2003. وهل تستطيع الحكومة ان تنفس هذا الحراك باساليب التفكيك والتفريق التي يتقنها بيبي نتانياهو او بشن عدوان جديد بهدف القفز عن الصراعات الإجتماعية كما حدث في ايلول عام 2000 ؟ ام بتحويل قضية جنائية عادية الى قضية أمنية والترويج للخطر الامني العام كما حدث في العام 2003 بهدف القضاء على حركة فيكي كنافو؟ ويشير الى ذلك احد المعلقين على مقالة ماركوس فيقول: "احذروا! بيبي يمكن ان يشعل حربا لكي ترفع الكاميرات عن الخيام باتجاه آخر، لقد حدث ذلك في "دولة اليهود". ويقول آخر: "النظام يرعي الإرهاب الإقتصادي تحت غطاء الامن القومي" ، وبالمقابل هناك من يشير الى تدخل اليد الامريكية في انتاج هذا الحراك من خلال الدعم المادي الذي يقدمه "صندوق اسرائيل الجديد" لشراء الخيام للمحتجين.
تبقى نقطة الضعف الأساسية في ان المحتجين لم يربطوا سوء حالهم هذا باستمرار الإستيطان والإحتلال وليس فقط بتنامي اباطرة رأس المال، أو ما يسمى بالتايكونات، وانه لا بد لهم من تقديم الإستحقاق السياسي المطلوب من اسرائيل للتوصل الى تسوية سياسية، الأمر الذي يضمن تغييرا في اولويات الحكومة وتوجيه الميزانيات لخدمة الشعب والفئات الوسطى بدل توجيهها الى المستوطنين وتجار الحرب. قد يعتقدون ان عدم توجيه الأضواء الى موبقات الإحتلال والإستيطان هي نقطة قوتهم، وانه في حالة الربط بين مستوى المعيشة المتدهور وما بين صرف الميزانيات على الحرب والإحتلال والإستيطان سوف يخسرون شعبيتهم. او قد يفقدون الرابط الإجتماعي والإقتصادي الذي يجمعهم، فاختاروا عدوا مشتركا آخر وهو التايكونات ، ولكنهم آجلا ام آجلا سيضرون الى ذلك لأن المال أي التايكونات والسلطة السياسية قد اجمعا، ومعهم الإحتلال والإستيطان وتجار السلاح وايديولوجيا الحرب الابدية.
اليف صباغ
مدونة حيفا برس- 30.7.2011


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق