الخميس، 14 يوليو 2011

المشهد السوري، من المراوحة الى الحسم /اليف صباغ 14.7.11

المشهد السوري، من المراوحة الى الحسم
الموقف الإسرائيلي من سوريا تابع وامريكا هي التي تقود .
هل تنجح سوريا في تغليب الحوار والاصلاح على الحسم العسكري ام تنجح امريكا في توريط النظام في المزيد من الدماء التي لا تبقي مجالا للحوار والإصلاح؟
من يبحث عن موقف اسرائيلي رسمي مما يحدث في سوريا قد لا يجد جوابا او لا يجده واضحا على الأقل. لا يوجد في اسرائيل موقف واحد متفق عليه لا في الاوساط الشعبية ولا في الاوساط الإعلامية او السياسية بما في ذلك الحكومية منها. السؤال الأساس الذي يحسم موقف الإسرائليين هو، "ما هي مصلحة اليهود؟" هذا هو السؤال الذي يضعه غالبية الإسرائيليين واليهود عامة قبيل اتخاذ موقف من هذا النظام او ذاك. من هذا العمل او غيره. فهل هناك "مصلحة لليهود" في سقوط النظام السوري؟ بالمقابل، هل هناك مصلحة يهودية في استمرار النظام الحالي؟ وهل فقد النظام قدرته على الحكم ام انه قادر على الصمود والخروج من الأزمة؟ للأجابة على هذا السؤال او ذاك، لا بد من الحديث عن البديل للنظام الذي يراد له السقوط او الحياة. من هي المعارضة السورية؟ وهل يمكنها ان تتفاهم مع اسرائيل؟ هل تستطيع ان تحتمل استمرار احتلال الجولان في الوقت الذي تتهم فيه النظام الحالي بالجبن والتخاذل عن تحريره؟ هل يكون النظام البديل بقيادة الإخوان المسلمين الذين يدعون تمثيل الغالبية السنية في سوريا، ام بقيادة قوى قومية فقدت السلطة سابقا لصالح نظام البعث وعائلة الأسد وتحاول اليوم استردادها؟ وهل هذه القوى التي تبدو متحالفة مع الولايات المتحدة وفرنسا اليوم قادرة ومستعدة ان تمدّ يد المصالحة الى اسرائيل؟
د. عودد عيران ، رئيس المعهد لإبحاث الأمن القومي INSS قال في 29.4.2011 ان حكومة اسرائيل تعاني من ارتباك في موقفها من الزلزال الحاصل في العالم العربي عامة وفي سوريا خاصة، وهذا الإرتباك مفهوم على المدى القصير ولكن لا يجوز ان يدوم لمدة طويلة. قد تكون نتائج هذا الزلزال مقلقة على المدى القصير وهذا سبب الإرتباك، ولكنه يتوقع على المدى البعيد ان ينتج هذا انظمة اكثر انفتاحا واستعدادا للتعاون الإقتصادي مع اسرائيل.
ماذا لو استطاع النظام الحالي ان يصمد امام التحديات الامريكية والمحلية من خلال تنفيذ اصلاحات جذرية ترضي الشعب الى حد يمكنه ان يتعايش معها وتسمح بتداول السلطة وإجراء مزيد من الإصلاحات في المستقبل القريب والبعيد؟ سؤال مهم ولا بد من مناقشته في الهيئات العليا قبل اتخاذ أي موقف. مع ذلك لم تناقش الحكومة الإسرائيلية هذا الموضوع بعد، ومن الصعب ان تجد موقفا رسميا في اسرائيل يقف مع هذا الطرف او ذاك ما عدا موقف بيبي نتانياهو في واشنطن الذي ايد فيه ما سماه بالربيع العربي، وهو موقف دعائي ديماغوغي لا اكثر ولا اقل. قد لا يكون من مصلحة اسرائيل اتخاذ موقف اصلا، لأن تجربة الماضي القريب بتأييد حسني مبارك علنا سرع في اسقاطه، وقد يكون اتخاذ موقف مؤيد للمعارضة السورية ليس في صالحها، ونحن نذكر محاولة بعض اعضاء المعارضة السورية، في الأيام الاولى للتمرد، ربط الخيوط مع اسرائيل عبر عضو الكنيست ايوب القرا ولكن بيبي نتانياهو رفض ذلك، بل منع القرا من التوجه الى اوروبا للقاء بعض اطراف المعارضة السورية سرا او علنا.
ان امتناع الدوائر الحكومية والأمنية او ما يسمى بالمطبخ السياسي- الامني او طاقم الثمانية، من مناقشة الموضوع، لم يمنع لجنة الخارجية والامن البرلمانية من مناقشة كل هذه الإسئلة في الخامس من تموز بمشاركة رئيس شعبة الإستخبارات العسكرية، الجنرال أفيف كوخافي، الذي اقترح "الا يستهتر احد بقوة الرئيس الأسد، وبجملة الإصلاحات التي بدأ بتنفيذها، هذه الإصلاحات التي تمس حياة الناس الإقتصادية مباشرة وتتضمن ايجاد اماكن عمل جديدة"، واضاف، "من الطبيعي ان هذا لا يكفي، ولكن الجيش السوري ما يزال لغاية الآن يقف الى جانب الأسد، ونفى الانباء عن حدوث انشقاقات في صفوف الجيش وقال : ان ّ عدد الضباط الذين تركوا الجيش لا يتعدّى 20 الى 30 ضابطا"، وتوقع كوخافي، "ان تغييرا جديا في النظام سوف يضعف المحور المتشدد، حتى لو بقي الأسد في الحكم". الجنرال كوخافي لم يخف اهمية التحرك الروسي للحفاظ على إستقرار الوضع في سوريا لما لروسيا من مصالح استراتيجية فيها، وكذلك ايران وحزب الله الذين يقدمان لسوريا "مساعدات معلوماتية وتقنية وليس قوات مقاتلة" كما يشاع. اما المصلحة الإسرائيلية من هذا الزلزال، قال كوخافي، "قد تاتي بعد سنين عديدة عندما تستقر الانظمة الجديدة، اذا ما تحولت الى انظمة ديموقراطية".
الصمت الحكومي، لم يمنع اوساطا سياسية ذات تصنيف امني عالي جدا، كما قال موقع معاريف يوم 7.7.11، ويعتقد البعض ان شمعون بيرس كان بينهم، اجتمعت مؤخرا في القدس بعيدا عن الإعلام، ووجهت انتقادات لاذعة للحكومة ورئيسها لعدم بحثهم السيناريوهات المحتملة في سوريا، وخاصة احتمال ما بعد الأسد، وطالبت بفتح الخط مع المعارضة السورية لفحص هذا السيناريو، بهدف "التقليل من الضرر المحتمل قدر الإمكان"، مما يعني ان هذه الأوساط قلقة من كل الإحتمالات، بما في ذلك سقوط النظام الحالي. وكما انه لا اتفاق في اسرائيل كذلك يعتقد المجتمعون ان لا اتفاق في واشنطن من الرئيس الأسد والمعارضة السورية، بسبب ما لهذا التغيير او ذاك من تداعيات على مستوى الشرق الاوسط عامة والمصالح الامريكية في العراق والأردن ولبنان بشكل خاص. قد تعرف المعارضة، بمساعدة امريكية وفرنسية وتركيا واخرى، كيف تسقط النظام البعثي ولو ذهب الاف الضحايا السوريين لإجل ذلك، ولكن التحدي الأكبر والاكثر تعقيدا كيف يتم اسقاط النظام مع ضمان المصالح الامريكية؟ يبدو ان اسرائيل قلقة بنفس القدر او اكثر من الأمريكان، خاصة وان الأمريكان هم الذين يديرون العلاقة مع المعارضة وليست اسرائيل، وهذه على ما يبدو رغبة غالبية قوى المعارضة الداعية الى اسقاط النظام وتحريم الحوار وهي القوى المتحالفة مع الولايات المتحدة.
بالرغم من هذا الإرتباك الا ان ساعة الحسم آتية لا محالة. لم يعد سرا ان امريكا تقدم المساعدات المادية الكبرى للمعارضة السورية، وكذلك المساندة السياسية المنسقة جيدا، وربما تحيل المساعدات العسكرية على طرف آخر مثل تركيا او العراق او دول مجاورة اخرى، ولم يعد سرا ان بعض اوساط المعارضة السورية في الولايات المتحدة، ابدت استعدادها للتفاهم مع اسرائيل بشأن حل في الجولان دون تفكيك المستوطنات الإسرائيلية هناك، وليس خفيا ان طائرات استطلاع تركية تحلق في سماء سوريا بين الحين والآخر، وان التعاون الإسرائيلي التركي الامني والمعلوماتي قد عاد الى ما كان عليه، كما تقول وسائل اعلام اسرائيلية، بضغط امريكي مباشر. وليس خافيا على احد ان الجيش التركي يقف على اهبة الإستعداد للتدخل في شمال سوريا، وان الجيش الإسرائيلي متيقظ الى اقصى حد على الحدود الشمالية وكذلك القوات العراقية.
من الواضح والمعروف ان اسرائيل والولايات المتحدة ترى ضرورة ماسة في ضرب المثلث الإيراني السوري اللبناني المتمثل بحزب الله وحلفائه، وان لم تستطيع في عام 2006 في ضرب حزب الله ولم تنجح الولايات المتحدة وبريطانيا في تثوير الشارع الإيراني ضد الرئيس احمدي نجاد، فلن تتأخر في استغلال الظرف المؤاتي لتنفيذ مخططها من خلال ضرب سوريا بكل الوسائل السياسية والشعبية وغيرها حتى لو كان الثمن الاف الضحايا السوريين.
لقد اختلف الموقف الإسرائيلي عن الامريكي فيما يخص الرئيس المخلوع حسني مبارك، حتى قبلت اسرائيل بتبني الموقف الامريكي، وهي تتابع الموقف الامريكي وتتبعه في الشأن السوري أيضا. حكومة اسرائيل برئاسة بيبي نتانياهو تعطي الرئيس اوباما التفويض الكامل للعمل في سوريا طالما لا يتطلب ذلك فرض تسوية سياسية على نتانياهو، وطالما ان الهدف المشترك هو ضرب المثلث الإيراني السوري مع حزب الله وهناك دماء عربية، وليست اسرائيلية، تسفك في هذا الإتجاه . في الوقت الحاضر يستمر نتانياهو في استغلال الفرصة لمزيد من الإستيطان ومزيد من الإبتزاز، ولديه، وفق كل التقديرات الإسرائيلية، سنين طويلة حتى يستقر الوضع العربي للعودة الى مسار التسوية الشاملة. نتانياهو يؤمن ايمانا عميقا ان الوقت يعمل لصالح اسرائيل وان الصراع مع العرب دائم وابدي وان التسوية هو عملية مستمرة الى اجل غير محدد.
ان الإجراءات الامريكية الاخيرة التي تمثلت في مرافقة المظاهرات في مدينة حماه، وما تبعها من هجوم شعبي على السقارة الامريكية في دمشق والتصريحات عالية النبرة والسقف التي صدرت عن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، وعزم السفير الامريكي والفرنسي مرافقة مظاهرات اخرى هذا الإسبوع في دير الزور ، المدينة النفطية الهامة لسوريا، وربما في اماكن اخرى ايضا، لا تشكل ردود فعل على المواقف السورية الرسمية او الشعبية، بل هي الفعل بحد ذاته. الدول الكبرى، وخاصة امريكا، لا تتخذ موقفها على شكل ردات فعل، ولا تقوم بعمل الا لهدف وضعته امامها مسبقا. ان القصد من هذه المرافقة والتصريحات التي تطلقها كلينتون هو تطمين المعارضة التي استجابت الى المطلب الامريكي بمقاطعة الحوار الوطني، ان امريكا لم تتراجع عن اهدافها، وعلينا ان ننتظر تصعيدا امريكيا كلما اقترب السوريون من بعضهم، لان الخشية الكبرى لدى امريكا واسرائيل والمعارضة المتمردة، هو نجاح الحوار وتحقيق الإصلاح دون التنازل عن موقف الممانعة والتحالف مع حزب الله وايران في وجه مخطط امريكي اسرائيلي لشرق اوسط جديد على الطراز الامريكي، وان اختلفت الاحصنة .
مستقبل سوريا مهم لأمريكا ولاسرائيل ولا فصل بينهما، ليس فقط بسبب تحالفها مع ايران وحزب الله، بل بسبب القوة التي تمنحها سوريا لروسيا في البحر المتوسط ايضا. وعليه فأمريكا تتجه نحو الحسم مع النظام السوري في عملية تصعيد تدريجية مدروسة، في الطريق توجد ألغام إضافية للرئيس الأسد، قرار اتهامي ضد شخصيات عليا في النظام السوري في قضية اغتيال الحريري، وتحويل الملف النووي السوري الى مجلس الأمن، وتفجير للاوضاع على الحدود التركية السورية، يرافقها استعدادات حلف الناتو لنقل قوات من اسبانيا الى تركيا.
الحسم العسكري قد يورط النظام في أعمال لا يحتملها حتى الأصدقاء، أو قد يورطه في عملية عسكرية في الأراضي التركية، فهل تنجح سوريا في تغليب الحوار والاصلاح على الحسم العسكري ام تنجح امريكا في توريط النظام في المزيد من الدماء التي لا تبقي مجالا للحوار والإصلاح؟ الأمر منوط ليس فقط بالتحرك الامريكي من ناحية او السوري من ناحية اخرى، بل بقوى اخرى لا بد من تحركها وعلى رأسها الأمين العام الجديد للجامعة العربية د. نبيل العربي. فهل يتحول كسابقه الى موظف لدى دول النفط ام انه سيتخذ مواقف واجراءات تليق به وبتاريخه المعروف؟

اليف صباغ
مدونة حيفا برس 14.7.2011








حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق