الأربعاء، 14 ديسمبر 2011

ماذا يحدث في الجيس الاسرائيلي 2

ماذا يحدث في الجيش الاسرائيلي 2

يد المستوطنين أعلى وأقوى ...

ليس جديدا ولكنه يأخذ منحى اكثر تصعيدا وأخطر من ذي قبل. المستوطنون اليهود يهاجمون جنود الاحتلال ويقذفونهم بالحجارة ويستهدفون الضباط منهم، يقتحمون معسكرا للجيش. آخرون يحرقون مسجدا أضافيا في القدس. سالت دماء الجنود والضباط فطالبوا قيادات المستوطنين بتنديد واضح لا لبس فيه ولكن أحدا لم يفعل. اما قوى "الأمن" فعاجزة عن اعتقالهم وان اعتقلت أي منهم فيلتزم الصمت ويتم تحريره في اليوم ذاته بقرار محكمة. طاقم خاص يبحث الموضوع الملتهب في مكتب وزير القضاء ، كذلك لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، ولكن....
مهاجمة ضباط الجيش- بين 50-30 مستوطنا اقتحموا ليلة أمس معسكرا لجيش الاحتلال بالقرب من مستوطنة "كدوميم"، وقذفوه بالحجارة وعطلوا عجلات السيارات العسكرية، وفي وقت لاحق من تلك الليلة هاجم أكثر من 300 مستوطن جنود الاحتلال على شارع 55 بالقرب من المعسكر، وقذفوا سيارات الجنود والضباط على السواء بالحجارة ولم ينج من ذلك حتى قائد الكتيبة المسؤولة في المنطقة ونائبه، ومع ذلك لم يسمح للجيش بالرد على المستوطنين بالقوة او اعتقالهم. حدث ذلك على خلفية التزام الحكومة الاسرائيلية أمام المحكمة، وإعطاء توجيهات للجيش بإزالة نواة مستوطنة "جلعاد"، على حد قول قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال. احد المستوطنين يبرر أفعال أصدقائه بالقول: "الجيش حشرنا في الزاوية وكان علينا ان نفعل شيئا".
حرق المسجد- الى ذلك قام عدد من المستوطنين ليلة أمس ايضا بحرق مسجد يقع في القدس الغربية وتلويثه بكتابات عنصرية صهيونية. وكانت الشرطة قد اقامت طاقما خاصا للكشف عن عمليات مشابهة من حرق مساجد وتقطيع مئات أشجار الزيتون في حقول فلسطينية من قرية طوبا الزنغرية على الحدود اللبنانية وحتى القدر مرورا بقرى نابلس، ولكن الطاقم المذكور فشل فشلا ذريعا في الوصول الى المجرمين بسبب التزام المستوطنين الصمت في التحقيق وتحريرهم السريع من الاعتقال بأوامر من المحكمة.
جنود يشتكون من ان "المستوطنين "بالوا عليهم" وغانتس- قائد الاركان، يصف الحالة التي يعيش فيها الجنود مقابل المستوطنين بانها "حالة عبثية لا تصدق"، اما آفي مزراحي- قائد المنطقة الوسطى (الضفة الغربية المحتلة) فيقول: "ان الحادثتين كانتا وفق تخطيط مسبق وليستا بالصدفة"، ويضيف بغضب، "لم أرى في حياتي مثل هذا الكره للجيش"، وطالب قيادات المستوطنين بتنديد حاد وواضح لا يتلعثم.
من جهته تساءل دان مريدور- رئيس الطاقم الاستراتيجي في حكومة نتانياهو، ماذا كان الجيش فاعلا لو كان هؤلاء الذين اقتحموا المعسكر فلسطينيين؟ وهو يعرف الجواب طبعا.
بن اليعيزر- وزير حرب سابق وقائد المنطقة الوسطى قبل ذلك، أعاد تساؤلات مريدور واضاف، "كنت شاهدا على مثل هذا التصعيد في الماضي فأدى الى مقتل رابين، خسارة ان الجنود لم يطلقوا النار على من هاجمهم"، وحذر من يوم يسير فيه في جنازات الضحايا. فرد عليه ارييه الداد : "يبدو ان الجنون مرض معد".
تسيبي لفني- زعيمة المعارضة، كما هو متوقع، اكتشفت المياه الساخنة! فاتهمت نتانياهو وحملته المسؤولية وربطت بين حرق المساجد وتهميش النساء ومهاجمة الجيش. صح النوم تسيبي!
المستوطنون، كعادتهم، لم يتراجعوا الى الزاوية ولم يقبلوا موقف الدفاع عن النفس، فتصدوا للنقد باتهامات معاكسة وتهديدات، وغرشون مسيكا-رئيس المجلس الاقليمي"شومرون"يتهم إيهود براك "بمحاولة خسيسة لهدم منازل مستوطنين وجر المستوطنين الى مواجهة مع الجيش" وآخر يهدد بان "التنديد سيجلب ردة فعل أكثر عنفا".
الطاقم المجتمع في مكتب وزير القضاء اوصى اليوم أمام رئيس الحكومة بالإعلان عن تنظيم المستوطنين-"شبيبة التلال" على انه تنظيم ارهابي، مما يسهل على المؤسسات التنفيذية والقضائية العمل ضد اعضائه. ولكن مختصين في القانون يقولون ان القرار سيصطدم بمعوقات قانونية، ليس هناك تنظيم رسمي بهذا الاسم، وليس له هرمية ومسؤول وقيادة معروفة،ـ ومن الصعب تعريف من هو الارهابي .
المراسل والمعلق السياسي- العسكري، عاموس هريئل، لا يرى ان هذه المرة ستكون مختلفة عن سابقاتها، عاجزون عن اتخاذ خطوات جدية، و"الأمر الخطير ان هذه الحادثة كانت مخططة ومنظمة مسبقا". يمر يوم وتنتهي موجه التنديد اللطيف وتعود الأمور الى سابق عهدها، تساهل وتسامح المؤسسات تجاه اليمين المتطرف، ويستمر رؤساء المستوطنين بعقد صفقات مع مكتب رئيس الحكومة، في حين يسير الضباط على رؤؤس أصابعهم بكل ما يتعلق بسلوكيات المستوطنين. لماذا؟ يستاءل ويجيب هرئيل، لان كل ضابط يريد ان يتقدم في منصبه، وكل ضابط يعرف مدى قوة الجناح المتطرف لدى المستوطنين واللوبي ذو الصوت العالي الذي يمثلهم في الكنيست.
ليس الارهاب اليهودي الا نتاج طبيعي لسياسة الاحتلال والاستيطان، وهم ليسوا أعشابا ضارة في حقل قمح، بل حقلا كاملا من الأعشاب السامة، زرعها الاحتلال لتسميم صاحب الأرض فعادت عليه ليتذوق السم بنفسه. هذه هي الحقيقة ومعها يجب التعامل. لا بد من التخلص مرة والى الابد من هذا الزرع السام وإعادة الحقل إلى أصحابه، وكل ما عدا ذلك هراء.
اليف صباغ- مدونة حيفا برس
14.12.11









حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الجمعة، 18 نوفمبر 2011

ماذا يحدث في الجيش الاسرائيلي؟ (1)

ماذا يحدث في الجيش الاسرائيلي؟ (1)

ماذا يعني تعاظم قوة وتأثير أبناء المستوطنات ؟

تفيد معطيات قسم القوى العاملة في الجيش الاسرائيلي- نوفمبر 2011 ، والتي قدمتها يوم أمس رئيسة قسم القوى العاملة، برتبة ألوف، اورنا باربيباي، ان نسبة المجندين الجدد في الجيش الاسرائيلي تبلغ 50% من الشباب في اسرائيل، أي أن 50% أخرى لم تتجند للجيش.وتفيد التوقعات المستقبلية ان 60% من الشباب لن يتجندوا للجيش في العام 2020.
نسبة التجنيد الاعلى في البلاد هي في مدينة نس تسيونة وتساوي 93% تقريبا وبعدها تاتي مستوطنة موديعين مكابيم رعوت بنسبة 92.4% ومستوطنة اريئيل بنسبة 91.1% وكريات موتسكين بالقرب من المصانع العسكرية في منطقة حيفا 90% وكريات شمونه 88.4% ويهود ويوكنعام 88% وكريات بيالك بالقرب من كريات موتسكين 87% بينما تنخفض نسبة المجندين في اماكن أخرى لتصل في مستوطنة موديعين عليت مثلا (متدينين حرديم) الى 14% وبني براك (حرديم) الى 12.6%.
ما هو التغيير الحاصل مقارنة بسنوات سابقة؟ لماذا ترتفع النسبة هناك وتنخفض في مكان آخر؟ هل هو مقلق لإسرائيل؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة للمجتمع الاسرائيلي؟
للاجابة على هذه الاسئلة لا بد من الاشارة اولا ان نسبة ال 50% هي من مجمل الجيل نفسه في اسرائيل وهذا ما يفسر فارق الارقام والنسب المشار اليها، كما نشير الى ان القيادة العسكرية اتخذت قرارا في السنة الماضية برفع أجرة الجندي في الخدمة الاجبارية وخاصة في الوحدات القتالية، كمحفز مادي للخدمة، وتتضح اهمية العامل المادي لاحقا، وانه بالمقارنة مع سنوات سابقة لم يجر تغير كبير، فمعطيات 2010 تشير الى ان نسبة التجند للشباب من مدينة تل ابيب لا يتجاوز 62% وهي اكثر النسب انخفاضا في اسرائيل ، اذا استثنينا المدن ذات الطابع الديني المتزمت أي الحرديم. ولكن الملفت للنظر ان بلدية تل ابيب سارعت الى نفي "التهمة" وأكدت ان 92% من خريجي المدارس الثانوية التابعة للبلدية يتجندون للجيش، بمعنى آخر ان النسبة المنخفضة ترجع الى وجود شريحة كبيرة من الشباب، من سكان منطقة تل ابيب عامة، يتعلمون في المدارس المهنية في المدينة وهي مدارس غير تابعة للبلدية، وتتفاخر البلدية ان ثلث شباب تل ابيب يتجندون للوحدات القتالية، وان اكبر عدد من الضباط في الخدمة الدائمة يعيشون في تل ابيب وقد بلغ عددهم 1496 ضابطا في نهاية العام 2010 .
المعطيات هي معطيات وهي قابلة للتفسير والتأويل بحسب الجهة التي تعرضها وكيفية عرضها، والتغيرات لا تحسب بسنة واحدة، وما يهم المسؤولين هو اتجاهات التغيير وهي تحسب على مدى سنوات عديدة. في كل الحالات هناك فارق واضح بين نسبة التجند لدى سكان المدن الكبرى مقارنة مع سكان البلدات الوسطى، ويتضح تزايد هذه النسبة لدى سكان المستوطنات لأسباب ايديولوجية، كذلك ترتفع النسبة حيث توجد مصانع الانتاج الحربي مثل كريات موتسكين وكريات بيالك ويوكنعام ونستسيونة، وهذا أمر مفهوم إما لرغبة الشباب بالاندماج في هذه المصانع لاحقا او لإندماج عائلاتهم فيها في الوقت الحاضر، وليس سرا ان القبول للعمل في هذه المصانع يحتاج الى تصنيف امني وأوله الخدمة العسكرية ويتبعه نوع الوحدة التي خدم فيه المرشح للعمل وشروط اخرى. والملفت للنظر هو تفاخر المجتمع ومؤسساته بنسبة التجند للجيش فتسارع بلدية تل ابيب الى نفي "التهمة" كما اسلفنا وتتفاخر بعدد الضباط الذين يعيشون في المدينة.
تبقى هذه المعطيات عامة، وتصبح المعطيات الاهم هي نسبة المجندين الى الوحدات القتالية وخلفيتهم الاجتماعية والسياسية والايديولوجية. تشير معطيات نوفمبر 2011 ان نسبة المجندين الى الوحدات القتالية من سكان المستوطنات في الضفة الغربية تصل الى 61% ونسبتهم من سكان القدس، بما في ذلك المستوطنات الواقعة على اراضي القدس الشرقية، تبلغ 52% ولكن هذه النسبة تنخفض الى 36 % من سكان المركز، أي تل ابيب وما حولها ( مقارنة مع 31% في السنة الماضية لسكان تل ابيب وحدهم) ، لتعود وترتفع النسبة الى 67% من ابناء الكيبوتسات، فتنخفض مرة اخرى الى 46% من ابناء البلدات البعيدة عن مركز البلاد و41% من ابناء المدن الكبرى. لكن هذا لا يعني ان كل من رغب في الالتحاق بالوحدات القتالية تم قبوله فيها، مما يدل على رغبة اكبر للالتحاق في هذه الوحدات، وتشير الارقام والنسب ان 76.2% من ممن لديهم الرغبة في الالتحاق بالوحدات القتالية تم قبولهم إليها هذه السنة ، وهي اعلى نسبة قبول في هذه الوحدات حتى الآن، مقابل 74.2% في سنة 2010.. وهذا يعني ان عدد ونسبة المجندين الذين طلبوا الالتحاق بالوحدات القتالية هو اكبر من اولئك الذي قبلوا اليها.
لقد ركزت وسائل الاعلام اهتمامها على نسبة المجندين للوحدات القتالية من ابناء المستوطنات ولم تأخذ بعين الاعتبار ان نسبة المجندين لهذه الوحدات من ابناء الكيبوتسات هي اعلى، وذلك لسببين: اولا، ان النسبة العالية 67% لدى شباب الكيبوتسات لا تشير الى تزايد وانما الى اتجاه معاكس بينما نسبة 62 % لدى شباب المستوطنات تشير الى اتجاه تصاعدي وهو اتجاه مستمر منذ سنوات عديدة مما يثير قلق القيادات العسكرية والسياسية على حد سواء، وما يمكن ان يحدثه ذلك على مستوى الالتزام بالقرارات السياسية او حتى قرارات القيادات العسكرية مقابل الالتزام بقرارات وأوامر القيادات الدينية وخاصة المستوطنين حيث تربى غالبية هؤلاء الجنود في مدارس دينية. ان ظاهرة تزايد تأثير الجنود والضباط المتدينين، المستوطنين بشكل خاص، في الجيش الاسرائيلي، في ازدياد مطرد منذ عشرين سنة تقريبا، وهي ظاهرة مقلقة في المجالات السياسية والاجتماعية والعسكرية ايضا، ويتم مناقشتها ضمن محاور مختلفة منها العلني ومنها في الغرف المغلقة ، ويبدو ان المحور الأسهل للنقاش العلني هو المحور الاجتماعي، المتمثل بالتحذير المستمر، والمكثف أحيانا، من المساس بالمجندات تجاوبا مع ضغط القوى الدينية وعدم مساواتهن بالجنود الشباب وحرمانهن من الحق في المشاركة في جميع المناسبات والوحدات وحقهن في التبرج وما الى ذلك. وفي النقاشات غير العلنية، او شبه العلنية، يحذر الكثيرون من امكانية عصيان وحدات عسكرية وعدم تنفيذ قرارات سياسية في حال تعارضت هذه القرارات مع أوامر القيادات الدينية صاحبة التأثير الايديولوجي والابوي على الجنود المتدينين، او بسبب القناعات الدينية للجنود أنفسهم، وخاصة سكان المستوطنات. هذا التخوف الذي بدا واضحا حين اتخذت حكومة شارون قرار بالانسحاب من قطاع غزة وبدا واضحا ايضا في كل مناسبة قررت فيها او يمكن ان تقرر المحكمة فيها هدم بيت في المستوطنات بدون اذن سياسي او منع إقامة مستوطنة جديدة، ويطلب من الجيش، بطبيعة الحال، ان ينفذ القرار.
لا شك اننا سنشهد في المستقبل القريب تفاقما لظاهرة رفض الاوامر العسكرية او رفض تنفيذ قرارات سياسية تقضي بانسحاب جزئي او كامل من المناطق المحتلة عام 67، وربما تكون هذه الخشية الواقعية هي احد الأسباب لعد قدرة الحكومة الاسرائيلية اتخاذ قرار بالانسحاب ضمن تسوية سلمية، بالاضافة، طبعا، الى الأسباب الأيديولوجية والسياسية التي نعرفها عن أحزاب اليمين في إسرائيل.
____________________
اليف صباغ- مدومة حيفا برس
البقيعة 18.11.2011







حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الأحد، 6 نوفمبر 2011

[حين يتحكم جنون العظمة باصحاب القرار...

إفتحوا أبواب الملاجئ!
ليس للحروب أسباب بل أهداف تسعى الدول لتحقيقها

في الوقت الذي تجدد فيه الحراك الشعبي في اسرائيل للمطالبة بالعدالة الاجتماعية وخروج عشرات الآلاف من الاسرائيليين من جديد في تل ابيب والقدس الغربية وحيفا، اختار بنيامين نتانياهو، رئيس حكومة اسرائيل، ان يفتتح الدورة الشتوية للكنيست بخطاب عرض فيه قراءته، وقراءة وزير الحرب ايهود براك، لما يجري في الشرق الاوسط من متغيرات، والتحديات السياسية والعسكرية التي تفرضها هذه المتغيرات على اسرائيل، متناسيا الى حد كبير، وربما بشكل مقصود، ذلك الحراك الشعبي وان كان داخل البيت. ويبدو بعد أسبوع واحد من خطابه المذكور انه استطاع إسكات ذلك الحراك كما حصل غداة العملية العسكرية في إيلات قبل حوالي شهرين ونصف. لكن، من السذاجة الاعتقاد، أن الهدف من قرع طبول الحرب هو إسكات صوت الحراك الشعبي في إسرائيل فقط.
اهم ما جاء به نتانياهو هو مقدمة خطابه إذ قال: "إن سقوط حكم القذافي في ليبيا والاحداث الدامية في سوريا، خروج القوات الامريكية من العراق، الحكومة الجديدة في تونس، الانتخابات القريبة في مصر وأحداث كثيرة أخرى تشير الى المتغيرات العظمى التي تحدث من حولنا، هذه المتغيرات يمكن ان تعاظم عدم الاستقرار داخل الدول وبين الدول في الشرق الاوسط"، وأضاف، "دول عظمى إقليمية تريد ان تزيد من تأثيرها على دول الشرق الأوسط وهذا التأثير لن يكون دائما في صالحنا، ومن هذه القوى الإقليمية إيران، التي تستمر في جهودها للتسلح النووي وتشكل بذلك تهديدا لدول المنطقة ، للعالم كله وبالطبع تهديدا مباشرا وثقيلا علينا".
في خطابه هذا وضع نتانياهو أمام عينية صورة النظام الجديد في الشرق الأوسط والناتج عن المتغيرات الحاصلة فيه، ومن ثم تأثير القوى الاقليمية، ومنها اسرائيل، في تشكل هذا النظام الجديد. ووضع امام عينيه ايضا حقائق لا بد من اخذها بعين الاعتبار ومنها، ان التعويل على سقوط النظام السوري في أيدي حلفاء أمريكا، وبالتالي ضرب مثلث الممانعة للنظام الجديد المتمثل في ايران وسوريا وحزب الله، لم يعد واقعيا، وان الجيش الامريكي سينسحب حتى نهاية هذه السنة من العراق، وامور اخرى ذكرها في مقدمة خطابه، ومن هنا يأتي فهمنا لما تخطط له إسرائيل من حرب على إيران، ويتمثل في محاولة قصوى للتأثير في تشكل النظام الجديد في الشرق الأوسط. ولا يخفى على المتابع للعلاقات الاسرائيلية- الامريكية اختلاف الرؤى بينهما بالنظر الى الحركات الاسلاموية الصاعدة نحو سدة الحكم بدعم ورعاية أمريكية ومستقبل علاقة هذه الأنظمة الجديدة مع اسرائيل.
هذا الخطاب وما تبعه من مناقشات على شاشات وصفحات وسائل الاعلام في اسرائيل والعالم، لم يسكت الحراك الشعبي في اسرائيل فقط، بل شكل غيمة تمر تحتها كل قرارات الحكومة الاسرائيلية للتنكيل بالأسرى الفلسطينيين وتكثيف الاستيطان وحصار غزة وخنق السلطة الفلسطينية ومحاصرة مطلبها العادل على طاولة مجلس الأمن. وهو يأتي في ظروف مؤاتية اسرائيليا ودوليا ومن هنا تأتي خطورته.
ربما يجدر بنا التأكيد للمرة الالف ان لا اسباب للحروب بل لها أهداف، وتسعى الدول لتحقيق مصالحها بأدوات مختلفة منها السياسية ومنها الاقتصادية والعسكرية ايضا، ومن هنا جاءت المقولة المعروفة، "ان الحرب هي استمرار للسياسة بادوات اخرى". إذن، ما لم تستطع اسرائيل وحلفاؤها من تحقيقه بالأدوات السياسية والاقتصادية لخلق نظام سرق اوسطي يتجاوب مع مصالحها من خلال اثارة المعارضة الداخلية على نظام الحكم او الحصار الاقتصادي الدولي او العقوبات الاقتصادية والسياسية الدولية، يفرض التفكير والاستعداد لاستخدام أدوات عسكرية إذا ما توفرت هذه التجهيزات والظروف المناسبة لاستخدامها، ويبدو ان اسرائيل وصلت الى قناعة انه لابد من استخدام القوة العسكرية ضد إيران وربما سوريا وحزب الله بعد ان فشلت كل الأدوات الأخرى، بما في ذلك تعطيل أجهزة تخصيب اليورانيوم بواسطة فيروس stuxnet الذي هاجم الحواسيب الايرانية صيف العام 2010 ، ولكن العلماء الايرانيين استطاعوا التغلب عليه وفق تقرير سري صدر في شباط من هذه السنة.
لا يخفى على احد ان القوات العسكرية الاسرائيلية والامريكية والاوروبية أجرت خلال السنوات القليلة الماضية تدريبات مكثفة في البحر والجو بشكل خاص لضرب المنشآت النووية الايرانية، ولكن التحضيرات لحرب إقليمية، في اقل مقاييسها، وقد تكون مدمرة الى أبعد الحدود، يتطلب تحضيرات في المجالات كافة بما في ذلك، استعداد شعبي لتحمل العواقب وظروف مؤاتية جدا لحملة عسكرية أولى وناجحة. ولا يخفى على احد أيضا، قيام سلاح الجو الاسرائيلي في الآونة الأخيرة بتدريبات مكثفة في رومانيا وبلغاريا واليونان وايطاليا وتدريبات سابقة مع حلف الناتو في تركيا، كما ان هناك من يتحدث عن تنسيق مستمر مع دول الخليج ضد إيران، ويبدو ان الاستعداد المكثف للحرب في الاسبوعين الاخيرين وانضمام شمعون بيرس الى الحملة الإعلامية اكبر دليل على امكانية حصولها الفعلي، ومن مركبات هذه الحملة: تمرينات عسكرية مكثفة بالاضافة الى تمرينات مدنية لقوى الجبهة الداخلية للتعامل مع سقوط صواريخ مكثف على إسرائيل في حالة الهجوم على إيران، وبذلك يتم تحضير الرأي العام الاسرائيلي لمثل هذه الحرب وفحص قدرته على تحمل نتائجها المتوقعة، حملة دولية متجددة بدأتها الولايات المتحدة مؤخرا ضد إيران تزامنت مع صفقة تبادل الاسرى بين إسرائيل وحركة حماس، حملة دولية متجددة ضد سوريا وإتهامها بإقامة منشأة نووية على غرار المنشأة التي قصفتها اسرائيل عام 2007 ودعوة المعارضة المسلحة عدم تسليم اسلحتهم، حملة دولية متجددة ضد إيران مستعينة بتقرير وكالة الطاقة الذرية، الذي سيصدر في التوقيت المناسب خلال الاسبوع الجاري، تتهم فيه إيران بإجراء تجربة نووية والاستعداد لإنتاج قنبلة نووية مخالفا بذلك ما تم التصريح به من أن هدف تخصيب اليورانيوم الإيراني هو سلمي فقط. يرافق ذلك تقارير لاستطلاعات الرأي العام الإسرائيلي التي تؤيد ضربة عسكرية ضد إيران بنسبة تتجاوز 40% من المواطنين وثقة برئيس الحكومة وقدرته على اتخاذ القرار المناسب بنسبة تتجاوز 60% من الجمهور الاسرائيلي، وائتلافا حكوميا واسعا وثابتا لم يحظ به رئيس حكومة اسرائيلي من قبل، ائتلاف مؤيد للحرب على إيران. إذا أضفنا لكل هذه الاستعدادات الدولية والاسرائيلية والظروف المؤاتية، سيطرة جنون العظمة على بيبي نتانياهو وإهود براك، وفق بعض المحللين الاسرائيليين، وإيمانهما التام بان الجيش الاسرائيلي قادر على تنفيذ المهام المطلوبة منه، وان الفرصة المؤاتية اليوم لن تتكرر، يجعلنا نقترب من التأكيد أن الحرب قادمة لا محالة، وانه لا بد من فتح أبواب الملاجيء، لمن لديه. لقد كرس التراث اليهودي في نفوس الاسرائيليين خرافة شمشون الذي هدم البيت على من فيه كما هدمه على نفسه، ويبدو ان بيبي نتانياهو وإهود براك متأثران جدا بهذه الخرافة. فهل يسمح لهم العالم بتحقيق جنونهم؟ إن غدا لناظره قريب.

اليف صباغ- 6.11.2011
مدوّنة - حيفا برس


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الجمعة، 28 أكتوبر 2011

في ذكرى سقوط ترشيحا...ان الحياة لا تحب العاجزين!

بمناسبة ذكرى سقوط ترشيحا عام 48

إن الحياة لا تحب العاجزين!

ترشيحا ليست ككل قرية فلسطينية، كما أن فلسطين ليست ككل الأوطان....مقارنة أو تشبيه مبالغ فيه يقول بعضكم، خاصة وان ترشيحا ليست قريتي أما فلسطين فهي وطني. وطني الذي أحب وأهوى واعشق.
نعم ترشيحا ليست قريتي، واعترف انني احب قريتي ، البقيعة، واهوى ينابيعها العذبة وحواكيرها المروية وبساتينها، واشتاق الى العنب المتعربش فوق أشجار الميس الخضراء، وأتلذذ برمّانها خالي البذور ولا اتنازل عن الديوان تحت التوتة بجانب عين البلد، لكن ترشيحا هي فلسطين الصغيرة.
اليوم يحيي اهالي ترشيحا، ومعهم كل اللاجئين التراشحة في الشتات، وكل شعبهم، ذكرى سقوطها في أيدي المحتلين عام ثمانية وأربعين وتسعمائة وألف، عام "النكبة"، وان كنت لا أحب هذه التسمية، أقول: لا أحب التسمية لأن النكبات تحدث بفعل الطبيعة، أما احتلال فلسطين وتهجير أهلها لم يكن بفعل الطبيعة، بل بفعل الوحوش البشرية، الحكومات والاستعمار الاجنبي (العصابات القانونية) والتخاذل وحتى التآمر العربي والتناحر الفلسطيني الداخلي.
هي ترشيحا، بلد الآلاف الخمسة قبل عام 48، واكثر من خمسين الف في الشتات اليوم، غالبيتهم من المسلمين واقلهم من المسيحيين، بلد التعايش الحقيقي والاحترام المتبادل ولا فرق بين "اقلية" و"اكثرية"، كلهم ابناء ترشيحا. بلد الزراعة المتميزة قبل الاحتلال ، وبلد النواة الصناعية في الجليل وما تزال حارة الحدادين تشهد على ذلك. ترشيحا البلد التي احتضنت الثوار عام 36-39 وهي التي احتضنت جيش الانقاذ عام 48 ، وهي البلد التي قُصِفت بيوتها من الجو فوق ساكنيها وكان احد الطيارين الصهاينة هو داعية السلام لاحقا، ايبي ناتان، وما تزال السيدة فاطمة هواري، التي تجلس على كرسي العجلات من جراء ذلك القصف، وبطلة فيلم "عروس الجليل"، شاهدة حية على أدق التفاصيل. ترشيحا المدرسة التي تخرجت منها الأجيال تلو الأجيال منذ الإنتداب وحتى اليوم، وان تراجع مستواها في السنوات الأخيرة، "بفضل" البلدية المشتركة و"رعاية" رئيسها بعينه التي لا تنام ! نعم ،هي ترشيحا بلد الموسيقى والفنون الجميلة وابناؤها الموسيقار العالمي سيمون شاهين ونسيم دكور قائد فرقة ترشيحا للموشحات، والفنان ابراهيم عزام والراحل حكمت شاهين وغيرهم يشهدون على ذلك.
اليوم يحيي أهالي ترشيحا للمرة الثامنة ذكرى سقوطها، وهي آخر البلدات الفلسطينية التي سقطت في ايدي المحتلين. ويتساءل البعض، وماذا فعلوا منذ عام 1948 حتى 2004؟ السؤال وجيه والجواب صعب. كانت الغالبية منهم تخاف وتحسب ان للحيطان آذان صاغية وعيون تراقب الجميع. ليس هذا وحسب، بل كانوا يشاركون سكان معلوت التي أقيمت فوق أرضهم فرحة ذكرى إقامة المدينة. على اعتبار أنها مدينة مشتركة، أليس كذلك؟ ويا ويل ...من لا يرسل ابنه او ابنته ضمن وفد مدرسي شامل للتلويح بالعلم الاسرائيلي أمام بلدية معلوت احتفالا ب"عيد الاستقلال". تصوروا ان اليهود يسمونه بالعبرية "يوم" الاستقلال، وفي اللغة العربية يسمونه "عيد"، والمقصود هو ذكرى النكبة او الاحتلال، اليست هذه مهزلة؟ هل يوجد شعب في العالم يُلزم بالتلويح بعلم محتلي أرضه؟ وسارقي خيراته؟ ومصادري سيادته؟ كل هذه التناقضات وغيرها تراكمت وتحاشرت فتصارعت في وجدان وعقول الجيل الجديد من شباب وصبايا ترشيحا، وكان لا بد من اتخاذ القرار الصحيح، لن تستمر المهزلة! وهم اليوم من يقود هذه المسيرة الشاقة ولكنها الملهمة للأجيال القادمة وشعارهم ، "ترشيحا باقية بهويتها العربية للأبد"، وكلنا على ثقة ان يوم تحقيق الهدف ليس بعيدا.
ليس هذا فقط، بل ما يجعلني ارى ترشيحا نموذجا مصغرا لفلسطين، وخاصة لفلسطينيي ال 48، هو ان ترشيحا ملكت ما يزيد عن 64 الف دونم من الارض ووصلت املاكها من وسط الجليل الى شاطئ الزيب على البحر المتوسط، منهم 15 الف دونم مسجلة باسم اهالي ترشيحا، والمجلس المحلي، الذي اقيم عام 1922،مؤتمن عليها. على أراضها الواسعة اقيمت 14 مستوطنة يهودية لغاية الآن، ولا احد يعلم ماذا يخبئء لنا المستقبل، منهم مستوطنات "عين يعكوف" المجاورة حتى ان ارض السوق المشهور في ترشيحا يتبع تلك المستوطنة، "جعثون"، "الكابري"، "يفيه نوف" التي تزاحم اهالي ترشيحا على ما تبقى لهم من ملك خاص، "كفار فراديم" وهي مشروع مدينة كبيرة تبنى على مراحل وقد تم تغيير اسمها من مدينة الورود الى قرية الورود للتقليل من خوف واعتراض أهالي القرى المجاورة، وها هي تتسع لتقترب من مدينة، ومستوطنات اخرى، ولكن أهم المستوطنات واخطرها التي اقيمت على اراضي ترشيحا هي "معلوت". لأن سكان معلوت الاوائل استوطنوا قبل اقامتها في ترشيحا واحتلوا منازل اللاجئين الفارغة، منهم من هاجر من رومانيا وآخرون من هنغاريا ودول اخرى. في الستينات، مع اقامة معلوت، لحق بهم اليهود المغاربة، وهم من اصل بربري، وفي السنوات الأخيرة أصبح اليهود الروس مركبا أساسيا في المدينة.
يهود معلوت يحبون "التعايش" مع العرب، ولذلك اقامت لهم حكومة اسرائيل بلدية مشتركة مع ترشيحا. هل حبا في التعايش فعلا؟ هذه هي الكذبة الكبرى ومن هنا جاء العنصر الاساس في التشبية والمقارنة. تقول الوثيقة الاولى لتأسيس معلوت، ان اقامة معلوت ودمجها مع ترشيحا تهدف الى "الغاء الكيان المستقل للقرية العربية ترشيحا". وكيف لا؟ فلاجئوا ترشيحا تركوا عشرات الاف الدنمات من الاراضي الخصبة وراءهم، ومئات البيوت الفارغة التي يمكن ان تقدمها الحكومة الاسرائيلية الى من بقي من اهالي ترشيحا بدل اراضيهم الشاسعة التي تمت مصادرتها بقوة القانون، الم يقل الشاعر الفلسطيني نايف سليم: "قد يسحبون حديد السقف ذات ضحى باسم قانون هنا مرن" ؟. وكيف لا، وقد قدمت لهم هذه الشراكة سيطرة كاملة على 15 الف دونم أصبحت مسجلة باسم المجلس البلدي "المشترك"، والذي ورث مجلس محلي ترشيحا وفق القانون؟ أليست هذه الصورة الصغرى أشبه بالكبرى؟
تعايش، كلمة تبدو جميلة، ولكنها في المضمون وفي حالتنا العينية، هي سرقة قانونية في وضح النهار. قد يقول البعض: هرمنا وما استطعنا ان نفعل شيئا، وأقول لهم، بوركتم بأبناء أبوا أن يكونوا وارثين للعجز، لأن العجز هو المحطة الأخيرة قبل الموت، أبوا الا ان يكونوا أبناء الحياة، وأبناء المستقبل، فباركوا مسعاهم ولا تشككوا في النوايا. ان الحياة أمل وحلم وعطاء، إن الحياة لا تحب العاجزين!

اليف صباغ- مدونة حيفا برس
البقيعة- 28.10.2011



حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

من هو جلعاد شاليط؟ وما هو دوره العسكري؟

من هو جلعاد شليط؟ وهل خُطِفَ أم أُسِرَ؟

بالأمس عاد ابني من المدرسة، وهو طالب في الصف الثاني، يتحدث عن جلعاد شليط ، ويحضر إلي نصا كانت مربية الصف قد لقنتهم اياه تحت عنوان "الجندي المخطوف جلعاد شليط"، فيقول النص فيما يقول: ان الجندي "خُطِفَ وأسِرَ على أيدي حزب حماس" وان اسرائيل بادلته ب 1027 اسيرا فلسطينيا، ليعود الى أهله "المشتاقين اليه". فتساءلت، وهل أهل الأسرى الفلسطينيين غير مشتاقين لأبنائهم؟
ولكي لا يفهم كلامي هذا نقدا للمعلمة اقول: انني لا أمانع، بل أحبذ وأطالب أن يكون الأطفال شركاء في معرفة ما يحدث حولهم من أحداث سياسية وغير سياسية، ولا أعتقد ان ما قامت به المعلمة هو مبادرة شخصية منها بل بتوجيه رسمي من وزارة التربية والتعليم. وهنا لا بد ان نتساءل: هل تسمح الوزارة ان يتعلم أطفالنا أيضا أن هناك أكثر من 5000 أسير فلسطيني ما يزالون في السجون الاسرائيلية وأهلهم "مشتاقون" اليهم ايضا؟ وأن منهم من لم ير اطفاله او والديه منذ سنوات، ومنهم من لم يودع والده او والدته الوداع الأخير؟ وان هناك عشرات آلاف الأطفال الفلسطينيين الذي لم يتربوا في أحضان آبائهم او أمهاتهم لا لذنب الا لأنهم دافعوا عن حقهم وحق أبنائهم في العيش الحر الكريم كباقي أطفال العالم؟
واستكمالا للمعرفة المطلوبة، ليس فقط للاطفال بل للكبار ايضا، لا بد من التذكير بأمرين:
الاول، أن "الخطف" هو ان تقبض على شخص مدني من بيته او من الشارع وتقتاده الى مكان مجهول او معلوم وقد يسمى ذلك اعتقالا ايضا. اما ان تأخذ جنديا من ارض المعركة الساخنة بعد خروجه من دبابته المحترقة مستسلما، فهو أسر بكل المعايير القانونية الدولية، وليس خطفا. ومن المؤسف ان تسمع وسائل إعلام عربية فلسطينية، وحتى قيادات فلسطينية رسمية، تستخدم كلمة "خطف" او "مخطوف" بل "أسر" او "أسير" دون التمييز بين المصطلحين، وبذلك فهي تخدم الاعلام الاسرائيلي الهادف. وقد آثر الاعلام الاسرائيلي ان يقدم الضابط جلعاد شليط، وبالرغم من كل شيء، على انه "طفل" او "ولد" مسكين و"مخطوف"، في حين يُقدم أي طفل فلسطيني على انه مجرم وتنزع منه انسانيته. في السياق ذاته يمكن مقارنة توجه الاعلام العربي الى جلعاد شليط مقابل توجه الاعلام الاسرائيلي الى أي اسير فلسطيني بالمثل العيني، فالمقابلة التي أجرتها الصحافية المصرية مع الضابط الاسير جلعاد شاليط عند وصوله الى مصر في اطار صفقة التبادل، لم تكن تافهة وحسب، بل لوحظ التعاطف مع الضابط الاسرائيلي بالاضافة الى ترجمة أقواله وتأويلها ليجعلوا منه حمامة سلام، الأمر الذي لا يمكن ان تراه او تلاحظ شبيها له في أي مقابلة مع أسير فلسطيني او حتى مع مسؤول فلسطيني اذا ما قابله صحفي إسرائيلي. فهل هذا التصرف تعبير عن غباء ام عن موقف؟ وكلا الأمرين مقزز.
اما الامر الثاني فهو جلعاد شليط نفسه، من هو وما هو دوره العسكري؟ هل هو ولد مسكين ام ماذا؟
ولد جلعلد شاليط في 28 آب 1986 في مدينة نهاريا وهو يحمل الجنسيتين الاسرائيلية والفرنسية، وانتقل مع والدية في جيل سنتين للسكن في مستوطنة "هيلا" المقامة على أراضي قرية معليا في الجليل الغربي. وتعلم في المدرسة الابتدائية لمستوطنة معونة المقامة على ارض ترشيحا وفي المرحلة الاعدادية تعلم في مدرسة قرية الورود (كفار فراديم) المقامة على اراضي ترشيحا ايضا، وانهي تعليمه الثانوي بامتياز في مدرسة "منور" في كيبوتس الكابري، وهو على ارض ترشيحا وقرية الكابري المهجرة، بتخصص علوم..
في تموز 2005 التحق بالخدمة العسكرية الاسرائيلية وانضم الى سلاح المدرعات كتيبة 71 في لواء 188 ووصل الى رتبة "سمال رشون" ويعتبر صاحبها ضابطا استثنائيا في القوات البرية للجيش الاسرائيلي، وهي توازي رتبة رقيب أول، او ما يقابله first sergeant في الجيش الامريكي، وأسر في 25 حزيران 2006 خلال معركة عسكرية بين كتيبته العسكرية ورجال المقاومة الفلسطينية على حدود قطاع عزة . ومن ثم منح رتبة "راف سمال". وقد لاحظنا على شاشات التلفاز ان الجيش الاسرائيلي اصر على اعادة اللباس العسكري للاسير المحرر جلعاد شاليط كما اعاد اليه مسدسه واصر على تقديم التحية العسكرية لرئيس الحكومة ووزير الحرب وقائد الاركان، امعانا في تأكيد هويته العسكرية بل واستمرار حمله للسلاح.
شارة اللواء

تقول المصادر الاسرائيلية نفسها، ان في صبيحة الخامس والعشرين من حزيران 2006، أي قبل ساعة من طلوع الشمس، بدأت كتيبة جلعاد شليط بقصف مكثف لقطاع غزة، فردت عليها المقاومة الفلسطينية مباشرة بعملية عسكرية قام خلالها سبعة مسلحين بمهاجمة الكتيبة من خلال نفق حفر مسبقا ليصل الى الارض التي تمركزت عليها الكتيبة الاسرائيلية بجنودها ودباباتها وذخيرتها. الخلية الفلسطينية هاجمت مدرعة فارغة كانت قد وضعت في المكان للتمويه كما هاجمت نقطة مراقبة فجرحت ثلاثة جنود بالاضافة الى اطلاق صاروخ مضاد للدبابات على دبابة مركفاة 3 كانت تقوم بقصف القطاع ، وبعد ان اشتعلت النيران في الدبابة خرج منها قائد الطاقم وجندي آخر برتبة رقيب اول فقتلا كما خرج منها رقيب اول جلعاد شليط مستسلما فأسرعلى ايدي شباب المقاومة، اما سائق الدبابة الذي عانى من اصابة فلم يخرج وبقي فيها جريحا. استطاع شباب المقاومة، خلال دقائق معدودات، من إخفاء رقيب أول جلعاد شليط، واستمر أسره أكثر من خمس سنوات تم خلالها التفاوض بين الحكومة الاسرائيلية وممثلي المقاومة بهدف إطلاق سرح ألف أسير فلسطيني مقابل إطلاق سراح الجندي جلعاد شليط.
اما لواء 188 او ما يسمى ايضا لواء براك ، فهو لواء محارب في سلاح المدرعات، أقيم عام 1967 وحارب ضد الجيش الاردني في حرب حزيران ومن ثم شارك في حرب تشرين عام 1973 ضد القوات السورية في الجولان فتكبد خسائر كبيرة جدا، وفي غزو لبنان عام 1982 شارك اللواء في معركة قرية سيل اللبنانية، كما شارك في الانتفاضة الاولى والثانية وفي حرب تموز 2006 وشاركت الكتيبة 71 من هذا اللواء (أي كتيبة جلعاد شليط نفسها) في عملية الرصاص المصبوب في قصف سكان قطاع غزة عام 2008-2009 وكانت آلياته الاساسية هي الدبابة مركفاه 3 .

من بين قادة هذا اللواء هو عمرام متسناع بين 1975- 1976 ومئير دغان بين شباط 1982- وتشرين ثاني1982 وموشيه شطريت 2005-2007 وعوفر تسفرير بين 2007-2009

_______________________
اليف صباغ- 19.10.2011
مدونة- حيفا برس


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الخميس، 13 أكتوبر 2011

ألمَخفي أعظم !

ألمَخفي أعظم !
هل يختبىء جوهر الصفقة بالتفاصيل أم فيما وراءها؟
منذ اللجظة الاولى لإعلان الاتفاق على صفقة تبادل الاسرى بين اسرائيل وحماس يجتهد الصحافيون في البحث عن التفاصيل المثيرة، ماذا حدث في اللحظة الاخيرة؟ وكيف تنازلت حماس عن قيادات حمساوية من الصف الاول وقيادات اخرى مثل مروان البرغوثي واحمد سعدات، بالرغم من ان اسماءهم كانت مطروحة منذ البداية ولم يشكك احد بان حماس لن تتنازل عن ضمهم الى قائمة المحررين؟ وهل عدد الاسيرات 27 ام 33 وهل سيتم اطلاق سراح المعتقلات اللواتي لم يحاكمن بعد؟ ومتى سيتم التنفيذ وهل الجندي الاسرائيلي الأسير قد وصل مصر أم لا؟ وعشرات الاسئلة التي تتمحور في مضمون الصفقة وتفاصيلها، ولكني في هذا المقال اريد التطرق الى ما وراء الصفقة وليس الى ما في داخلها. فهل يوجد للصفقة المذكورة بعد سياسي؟ وهل بعدها السياسي ينسحب على المستوى الفلسطيني الضيق ام على المستوى العربي عامة؟ وحين تذكرت ان المفاوضات توقفت في صيف العام 2010 يتصريحات قاطعة من خالد مشعل يتهم فيها امريكا بتعطيل اتمام الصفقة، واتذكر ان مضمونها الحالي لا يختلف كثيرا عن مضمونها في تموز 2010، كان لا بد من البحث عن الموقف الامريكي من هذه الصفقة، واتساءل عن سبب الصمت، عدا تصريح واحد يوم أمس، قالت فيه الناطقة باسم البيت الابيض: ان الصفقة "كان يجب ان تتم منذ زمن". هل حقا؟ إذن لماذا لم تتم؟
للجواب على هذه الاسئلة لا يجوز البحث عما حدث في الليلة الاخيرة او في اللحظة الاخيرة او في المشهد الدراماتيكي الذي تدخل فيه الوسيط المصري او الالماني ليحسم الموقف، بل يجب البحث في مضمون ما حدث في الاسبوع الأخير منذ زيارة وزير الحرب الامريكي، ليون فانتا، الى اسرائيل ومصر في الثالث والرابع من هذا الشهر، ولقاء مدير القسم الاسرائيلي- الفلسطيني في مجلس الأمن القومي الامريكي، المدعو بريم ج كومار، مع رئيس حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسي لحركة الاخوان المسلمين في مصر)، د. محمد سعد الكتاتني في الثاني من هذا الشهر ايضا، مع العلم انه ليس من مهام هذا المسؤول الامريكي البحث في قضايا حقوق الانسان في مصر، بل في السياسة الخارجية للولايات المتحدة وتصوراتها الاستراتيجية، وربما يجب البحث عن المخفي ايضا في مضمون ما حدث في الاشهر الاخيرة من تطور للموقف الفلسطيني الرسمي بتوجه السلطة الفلسطينية الى مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة بطلب رسمي لقبول دولة فلسطين عضوا في كاملا في الامم المتحدة متحدية بذلك الموقف الامريكي المتصهين، في الوقت الذي أبدت فيه حماس معارضتها للخطوة المذكورة دون تفسيرات مقنعة، وليس من المبالغة أن نبحث عن المخفي ايضا فيما حصل في السنة الاخيرة من تطورات هامة في الشرق الاوسط والتقارب الحاصل بين الولايات المتحدة وحركة الاخوان المسلمين او ما يسمى "بتقاطع المصالح"، وخاصة في مصر وتقارب الاخوان مع المشير طنطاوي، ضمن استراتيجية جديدة للولايات المتحدة في الشرق الاوسط عامة.
ما يجعلنا نذهب بعيدا الى هذا الحد في البحث عما وراء الحدث وعن ابعاده السياسية، هو التصريح الاول والهام، في نظري، وان لم تعطه وسائل الاعلام الاسرائيلية اهميته، الذي صدر عن المفاوض الاسرائيلي دافيد ميدان، في الوقت الذي كان فيه مجلس الوزراء الاسرائيلي يبحث مضمون الصفقة بهدف المصادقة عليها، وقال فيه: "لقد تمت الصفقة لأن حماس أصبحت طرفا صالحا التفاوض" او בר שייח باللغة العبرية. وهنا كان لا بد من الوقوف برهة والتساؤل: أليست حماس هي التي فاوضت طيلة السنوات الخمس؟ وهل كانت غير صالحة للتفاوض طيلة هذه السنوات اما الان فقد اصبحت صالحة؟ فوق ذلك، في نظر مَن تغيرت حماس لتصبح صالحة للتفاوض؟ في نظر اسرائيل ام في نظر امريكا؟ واذا اضفنا لهذا التصريح ما قالته السيدة كلينتون في برنامج "الحياة اليوم" لقناة "الحياة" في الاول من اكتوبر، أي عشية زيارة وزير الحرب الامريكي لإسرائيل ومصر، من ان "الولايات المتحدة مستعدة للتعاون مع أي حكومة مصرية حتى لو كانت اسلامية"، وانها تنتظر "استكمال" المحادثات مع الاخوان المسلمين قريبا، وبالتالي فما سمي باللقاء الاول يوم 2 اكتوبر لم يكن الا "استكمالا" للقاءات سابقة لم يعلَن عنها. وتشير تصريحات الطرفين بعد هذا اللقاء الى ان ما تريده امريكا من الاخوان هو التعاون في السياسة الخارجية للولايات المتحدة مقابل السلطة السياسية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لمصر كما يطلب الاخوان.
الى ذلك، تشير وسائل الاعلام المتخصصة ان وزير الحرب الامريكي الجديد ، ليون فانتا، والذي استلم مهامه في الاول من تموز 2011 كان يشغل منصب مدير شعبة الاستخبارات المركزية في ال سي آي ايه قبل استلامه وزارة الحرب، وخلال ذلك التقى في إحدى دول الخليج مع خالد مشعل مشجعا إياه ان تترك حماس دمشق وتنتقل الى مصر او قطر، ولكن ذلك لم يحصل لعدم وجود مبرر لذلك. وتؤكد تلك المصادر ان خروج حماس من دمشق يشكل في أعين الأمريكان ضربة قاسية للنظام السوري وعلاقته بالفلسطينيين، الامر الذي يعمل الامريكان مع المعارضة السورية لتحقيقه من خلال زج الفلسطينيين في الصراع الداخلي السوري. ومن هنا يمكن فهم ايات الشكر التي وجهها مشعل الى تركيا وقطر ومصر لإتمام الصفقة.
كل ما أوردناه آنفا يدل على تأثير الموقف الامريكي في الجهة الفلسطينية الحمساوية والمصرية الاخوانية. في الوقت ذاته مارس وزير الحرب الامريكي تأثيرا مباشرا على الموقف الاسرائيلي من خلال ايهود براك اولا، ومساعدة اضافية من رئيس الموساد والشاباك، على بنيامين نتانياهو. في طريقه الى اسرائيل، يوم الثالث من هذا الشهر، تحدث الوزير الامريكي الى الصحافيين المرافقين له في الطائرة، ونقله بعض الصحافيين الاسرائيليين، فقال بوضوح لا يقبل التأويل: "ان الولايات المتحدة لا تستطيع بعد اليوم تنسيق مواقفها مع اسرائيل بكل ما يخص سياستها في الشرق الاوسط في ظل التعنت الاسرائيلي في العلاقة مع تركيا ومصر والفلسطينيين"، وكان هذا التصريح كاف، اضافة الى ما قاله الوزير الامريكي لنظيره الاسرائيلي براك خلال لقائهما، ليفهم نتانياهو ان عليه قبول الفرضية الامريكية بانها متجهة نحو استراتيجية جديدة في الشرق الاوسط وانه على اسرائيل التعاون معها.
اصبح من الواضح ان الاستراتيجية الامريكية الجديدة في الشرق الاوسط تتطلب تعاونا مع القوة الصاعدة في هذه المنطقة وهي الاخوان المسلمين وخاصة في تركيا ومصر، وقد فهمت امريكا ذلك منذ سنوات، وهذا يتطلب من اسرائيل وامريكا تنازلا ما تجاه حماس، وقد حان الوقت عندما عصي ابومازن اوامر اوباما وكان لا بد من "معاقبته".
إذن، ما يختفي وراء الصفقة هو الموقف الامريكي، الذي كان معطلا لها في الماضي فأصبح هو الراعي غير المباشر لها، خدمة لمصالحه وسياسته الاستراتيجية الجديدة في الشرق الاوسط. وقد جاء التحدي الفلسطيني للموقف الامريكي ليكون تلك "القشة التي قصمت ظهر البعير" والدافع الذي جعل بيبي نتانياهو يوافق على مسايرة الاستراتيجية الامريكية الجديدة لمصالحه الشخصية، مقابل موقف امريكي غير مسبوق ومساند له في الامم المتحدة. وما التراجع عن اطلاق سراح القائدين مروان البرغوثي واحمد سعدات الا اشارة لفتح والجبهة الشعبية بان امريكا تتجه للتعاون مع حماس، اما الامتناع عن الطلاق سراح قيادات حماس من الصف الاول عبدالله البرغوثي وحماد والسيد الا لتخوف الاسرائيليين من مواقفهم وعدم ثقة الامريكان بامكانية دعمهم لنهج التعاون الحمساوي مع الولايات المتحدة، وربما يكونون ثمنا لصفقة من نوع آخر في المستقبل.
انها اول الصفقات على طريق الاستراتيجية الجديدة بانتظار ان تكون معركة الاخوان في سوريا اختبارا حقيقيا وفاصلا لمستقبل هذه الاستراتيجية في الشرق الاوسط. او استعدادا لمعركة عسكرية مع ايران يكون فيها الاخوان الحليف السني لأمريكا مقابل ايران الشيعية. فهل الحملة التي اطلقتها امريكا ضد ايران بالأمس القريب تشكل محطة اضافية للاستراتيجية الجديدة؟ هذا ما سنراه في المستقبل القريب.
اخيرا، بالرغم من كل ما تخفيه هذه الصفقة والنوايا او الاهداف التي تبنيها أمريكا عليها، تبقى قيمتها في تحرر 1027 اسير واسيرة من سجون الاحتلال، الامر الذي لم تنجح المفاوضات السياسية من تحقيقه.


اليف صباغ- مدونة حيفا برس
الجليل 13.10.2011





قوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الأحد، 21 أغسطس 2011

من هم منفذو عملية ايلات؟




ولماذا تخفي اسرائيل هويتهم؟
بعد ساعتين من بدء عملية ايلات طُلب مني، في احدى محطات الراديو الفلسطينية، التعليق عليها، وسُئِلت: ما هي دافع هذه العملية وما هي أهدافها؟ فأجبت، انه من المبكر مناقشة هذين السؤالين طالما لم نعرف هوية المجموعة المسلحة ومن يقف وراءها خاصة وان سيناء تشكل اليوم مزرعة لعدد كبير من اجهزة المخابرات بما في ذلك الموساد، وأضفت، في كل الحالات فإسرائيل ستتهم حماس وتحملها المسؤولية، وبالغت بالقول: ان اسرائيل سوف تحمل المسؤولية لحماس لو أمطرت السماء في آب او تأخر موسم الشتاء في اكتوبر. وانها ستنتهز الفرصة لتنفيذ اغتيالات من قائمة الأهداف الجاهزة لديها مسبقا، كما ستنتهز الفرصة لتفكيك خيام حركة الإحتجاج الإسرائيلية كما توقع الكثيرون مسبقا، وسوف تنتهزها لخرق السيادة المصرية في سيناء وبذلك تختبر توجهات ونوايا القيادة المصرية الجديدة بعد الثورة، ولو كانت قيادة مؤقتة. وعبرت عن رأيي في ان التحليل الآن يجب ان يتمحور في من المستفيد او المستفيدون من هذه العملية، وما هي التداعيات التي يمكن ان تترتب عليها، وعلى عمليات التصعيد اللاحقة ونتائجها، وعلى موقع سيناء الجيو سياسي في المنظور الإستراتيجي. لم تمض ساعات قليلة حتى كانت قوات الإحتلال الإسرائيلي قد نفذت عمليات اغتيال في قطاع غزة طالت قيادات المقاومة من الصف الأول محملة حماس مسؤولية التخطيط والتوجيه لعملية ايلات، ووووو الخ
منذ تلك الساعة وانا انتظر معرفة اسماء وهوية منفذي عملية إيلات ولم اسمع او أقرأ جوابا بعد. ومع ذلك، فاتهام حماس حصل وسفك الدم الفلسطيني، ومنهم طفل أخذه عمه الطبيب ووالده الى المستشفى لمعالجته، فقصفت طائرة اسرائيلية سيارتهم واستشهدوا جميعا، كل ذلك استجابة لروح الإنتقام، التي لا تشفي غليل الإسرائيليين مهما بلغت، وسفك دماء الجنود المصريين على ارضهم المصرية، لا لسبب الا لأنهم لم يقوموا "بواجب" الحفاظ على الأمن الإسرائيلي، قد حصل، ونداء أمريكي للحكومة المصرية بضرورة القيام "بواجباتها" في سيناء، حفاظا على امن اسرائيل طبعا، قد حصل. فوق هذا وذاك قام الأمين العام للأمم المتحدة بإرسال مبعوث خاص لتهدئة الخواطر بين المصريين والإسرائيليين خوفا من تصاعد رد الفعل المصري الشعبي الذي قد يؤدي الى إجراء حكومي بطرد السفير الإسرائيلي من مصر، ولكن الإمين العام نفسه لم يكلف نفسه بارسال اي مندوب لمنع اسرائيل من قتل الأبرياء في قطاع غزة من رجال وأطفال على حد سواء. ولم يطلب من اسرائيل الالتزام بالقانون الدولي في حالات الحرب والقاضي بإسعاف الجرحى من الطرف الآخر وعدم تركهم ينزفون حتى الموت، حتى انه لم يطلب من اسرائيل ان تعلن عن اسمائهم وعن هويتهم المدنية او السياسية بدل تصديق الفرية الإسرائيلية والعمل وفقا لها، وكأن كل ما قامت به اسرائيل من جرائم هو اجراءات دفاعية وطبيعية جدا.
ليس جديدا ما يقوم به الأمين العام للأمم المتحدة ، ولكنه لا يجوز لنا التسليم بذلك، بل يتوجب على كل منا كاتبا او سياسيا او صحفيا او محتجا في الميادين، ان يوجه النقد للامين العام ولمندوبيه، لا نقدا خجولا على ندرته، بل حازما وعلنيا ومدويا حتى لو استخدمت فيه حبات البندورة او البيض النيئ.
والأهم من ذلك، يتوجب على اسرائيل ان تعلن عن هويات الجثث المحتجزة لديها لكي نعرف هوية المجموعة المسلحة التي قامت بعملية ايلات، وما هي اهدافها ومن يقف وراءها؟ فهل إخفاء هوية منفذي العملية تهدف الى تغطية الجرائم التي ترتكبها قوات الإحتلال الإسرائيلي في غزة منذ ثلاثة ايام؟
اليف صباغ 21.8.2001
مدونة حيفا برس


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الأربعاء، 17 أغسطس 2011

حول الحراك الشعبي في اسرائيل وموقف فلسطينيي ال 48



حول الحراك الشعبي الإسرائيلي وموقف فلسطينيي ال 48
جدلية المدني والقومي أم عبثيته العلاقة

بقلم: اليف صباغ
منذ اليوم الأول لانطلاق الحراك الشعبي الإسرائيلي تساءل النشطاء العرب ومنتخبو الجمهور من فلسطينيي ال 48 عن دورهم او موقفهم من هذا الحراك، وما اذا كانت المشاركة الفعلية فيه مجدية ام لا. وهل يشكل هذا الحراك اطارا مناسبا لتحقيق مطالب وحقوق المواطنين العرب في اسرائيل او فرصة، على الأقل، لاستخدام هذا الزخم الإعلامي لطرح قضاياهم على الرأي العام الاسرائيلي، لعل أجواء التأييد الشعبي الإسرائيلي لمطلب العدالة الإجتماعية يشكل فرصة لتفهم مواقف هذه الاقلية ومطالبها، وربما لدعم هذه المطالب في السياق المدني العام. في الحقيقة، لا يوجد جواب واحد لدى فلسطينيي ال 48 ولهذا وقفوا في الأيام الأولى من هذا الحراك موقف المتفرج وربما المصدوم من المفاجئة التي لم يتوقعها الكثيرون. لكن عندما أخذت حركة المحتجين تنسج قوتها الشعبية وتقيم الخيام في مدن أخرى غير تل ابيب، بدأت المواقف تتضح وعبرت القوى السياسية العربية بتصريحاتها وممارساتها عن مواقفها من هذا الحراك وضرورة المشاركة فيه على قدم وساق مع القوى اليهودية الفاعلة، ام لا ، ولماذا؟
في الأسبوع الأول من هذا الحراك قامت جرافات وزارة الداخلية بهدم بيت مواطن في مجد الكروم ( في الجليل) بني بدون ترخيص فقامت اللجنة الشعبية للدفاع عن المسكن ببناء خيمة احتجاج في المكان، وفي مدينة باقة الغربية (في مركز البلاد) أقامت اللجنة الشعبية خيمة اعتصام أخرى ودعت الجمهور العربي للمشاركة في الحراك الشعبي العام، كذلك اقيمت خيمة احتجاج في حيفا وسخنين ومدن عربية أخرى، ولوحظ هنا ان حركة الإحتجاج العربية لم تنضم الى معسكر الخيام في تل ابيب او أي مدينة يهودية وانما أخذت طابعا محليا، في الوقت ذاته لوحظ ان وسائل الإعلام العبرية، بما في ذلك وسائل الاعلام العربية الحكومية، التي ساندت وما تزال تساند الحراك الشعبي الإسرائيلي، لم تلتفت لخيام الإحتجاج في المدن والقرى العربية.
في هذه الأجواء قامت القوى السياسية الداعية الى العمل العربي اليهودي المشترك، مثل الحزب الشيوعي، بدعوة المواطنين العرب للمشاركة في المظاهرة الأولى لحركة الإحتجاج في تل ابيب، الى جانب نشاطات اللجان الشعبية في الأطر المحلية، احتجاجا على الضائقة السكنية التي يعاني منها المواطنون العرب وعلى سياسة التمييز عامة وفي جميع مجالات الحياة، كما دعا الى ذلك بعض النشطاء في قطاع المجتمع المدني، فكتب محمد دراوشة، وهو مدير مشارك لصندوق ابرهام، الذي يدعو الى التعايش العربي اليهودي والعمل المشترك في اسرائيل، وبعد ان زار مخيم الاحتجاج في تل ابيب، تحت عنوان "حان الوقت للإنضمام "، فدعا المواطنين العرب للانضمام الى حركة الإحتجاج الإسرائيلية تحت شعاراتها المدنية "الشعب يريد عدالة اجتماعية"، محذرا من محاولة استغلال الفرصة لرفع شعارات سياسية وقومية. اما الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة (الحزب الشيوعي) فقد دعت الى مشاركة جماهيرية في مظاهرات الإحتجاج في تل ابيب بموازاة حراك شعبي عربي في كل قرية ومدينة، منتقدة عدم فهم قيادات الحراك الإسرائيلي للعلاقة الجدلية بين العدالة الإجتماعية والحالة الإقتصادية الاجتماعية من جهة وانهاء الإحتلال والإستيطان من جهة أخرى. ومن هنا جاء قرار الجبهة في اجتماعها الأخير بالدعوة الى المشاركة في مظاهرات الحراك الشعبي في المدن والقرى العربية وفي تل ابيب تحت شعارات : "انهاء الإحتلال شرط اساس للعدالة الإجتماعية"..."لا ديموقراطية بدون عدالة اجتماعية". كما دعا حزب التجمع الوطني الديموقراطي الى مظاهرات احتجاج في عدد من المدن والقرى العربية والى مظاهرة قطرية في مدينة الناصرة، ورأى بان الحراك الشعبي الإسرائيلي "ينضوي تحت مظلة الإجماع الصهيوني" وبالتالي فهو لا يستطيع ان يعبر عن مطالب وطموحات فلسطينيي ال 48 ، ورأى ان "لتحقيق العدالة الإجتماعية في اسرائيل استحقاقات سياسية اولها تقليص دراماتيكي في ميزانيات الأمن والإستيطان"، وتغيير جذري في السياسة الإقتصادية التي تزيد الفقراء فقرا ويكون المواطنون العرب اول ضحاياها. من جهة اخرى طالب عضوا الكنيست احمد طيبي وطلب الصانع ، من التكتل الثالث للأحزاب العربية (التغيير والديموقراطي والحركة الإسلامية)، بتمثيل المواطنين العرب على قدم المساواة في الطاقم الذي اقامه بيبي نتانياهو لبحث امكانية تغيير النهج الإقتصادي، وهو طاقم مكون من 22 مختصا برئاسة البروفيسور طرختنبرغ، ومكلف ايضا بالحوار مع قيادات المحتجين حول طاولة مستديرة. ويلاحظ ايضا ان الأحزاب والقيادات العربية تُجمِع على التحذير من وصول الحكومة وقيادات الحراك الشعبي الى حلول على حساب حقوق المواطنين العرب، ولهذا التخوف الكثير مما يبرره، ومن هنا جاء الإجتماع الأخير للجان الشعبية العربية للدفاع عن الأرض والمسكن، ليلة أمس، في خيمة الأحتجاج في باقة الغربية، بمشاركة لجنة المتابعة العربية ووفد عن حركة الإحتجاج الإسرائيلية، وأجمعت اللجان الشعبية، على ضرورة تصعيد النضال الشعبي تحت مظلة لجنة المتابعة العربية العليا للجماهير العربية، التي من المفروض أن تعقد الخميس المقبل، اجتماعا لجميع اللجان الشعبية بالمجتمع العربي، للتباحث في سبيل تحريك النضال وتفعيل الجماهير، وكيفية التعامل مع المواقف الحكومية والاحتجاجات التي تشهدها البلدات اليهودية، احتجاجا على ارتفاع الأسعار.
من هنا، يمكن ان نحدد ما هو المشترك وما هو الخاص في موقف فلسطينيي ال 48 من الحراك الشعبي الإسرائيلي، فمصلحة فلسطينيي ال 48 كمواطنين هي مصلحة مدنية اقتصادية واجتماعية في محاربة الغلاء والفقر والبطالة والخصخصة وهذا ما يدعوها الى المشاركة في الحراك الشعبي العام، ولكن من ناحية اخرى لديهم مطالب اضافية ذات طابع قومي بصفتهم شعبا اصلانيا واصحاب الأرض والبلاد الأصليين، الامر الذي لم يلق في السابق وليس متوقعا ان يلقى آذانا صاغية لدى غالبية قيادات وجماهير الحراك الشعبي الإسرائيلي. اضافة الى اختلاف اساسي في وجهات النظر لحل الأزمة المتفاقمة في اسرائيل والتي ادت الى خروج هذا الجمهور الى الشارع، الفارق المتمثل بجدلية العلاقة بين السياسية والاجتماعي او فصلهما.
يبقى السؤال، هل العلاقة بين المطالب المدنية (الإجتماعية والإقتصادية) والإستحقاقات السياسية هي علاقة جدلية كما تقول القيادات العربية وبعض القوى اليسارية اليهودية، ام ان لا علاقة لهذا بذاك ، كما تدعي غالبية قيادات الحراك الشعبي الإسرائيلي؟
ان النظر الى التركيب السياسي لقوى الحراك الشعبي الإسرائيلي من خلال استطلاعات الرأي العام التي صدرت في الأسابيع الاخيرة يرى ان الغالبية العظمى من مؤيدي هذا الحراك هم في المعسكر السياسي اليميني، وقد اظهر آخر الإستطلاعات ان 88% من الجمهور اليهودي، ذي الغالبية اليمينية، يؤيد مطالب المحتجين، وان 46% من مؤيدي "الليكود" سيشاركون في المظاهرة القادمة وان 70% من منتخبي "كديما" سيشاركون فيها أيضا، وان 78% من الجمهور اليهودي يرى بأن الحركة اسرائيلية الصنع والقرار وليس للخارج أي تأثير فيها، بعكس ما حاولت بعض الجهات الحكومية ان تروج له بشكل غير رسمي، ومن هنا فليس غريبا الا تربط هذه الحركة تحقيق مطالبها الإجتماعية والإقتصادية بتقليص ميزانيات الحرب والإستيطان او بانهاء الإحتلال، بل توجهها ضد اباطرة رأس المال التي ازداد غناها فحشا على حساب الطبقة الوسطى، وليس غريبا ان يركب المتدينون اليهود ( الحرديم )على موجة الإحتجاج هذه للمطالبة بزيادة المبادرات الحكومية لإقامة مشاريع اسكان للازواج الشابة منهم، ولا ننسى ان وزير الإسكان هو واحد منهم، وكان أول إنجاز حققوه في هذا المجال هو إقرار بناء 4700 وحدة سكنية لليهود الحرديم في مدينة حريش الجديدة، بالإضافة الى 4100 وحدة اقروا سابقا، التي ستتسع الى 150 الف مواطن يهودي في منطقة وادي عارة على حساب القرى والمدن العربية المجاورة، بالإضافة الى اقرار توسيع مستوطنة جبل ابوغنيم على اراضي القدس العربية وبيت لحم في الضفة الغربية ومشروع اقرار توسيع مستوطنة جبعات همطوس، على طريق بيت لحم القدس، وتوسيع مستوطنات شمالي القدس، بما مجموعه 3500 وحدة سكنية واكثر. في هذا السياق ايضا دعا البروفيسور العنصري ارنون سوفير، احد ايديولوجيي الخطر الديموغرافي، الحكومة الى البناء في اللد والرملة وانتقال الشباب اليهودي للسكن هناك محذرا من انخفاض أسعار العقارات في تل ابيب الامر الذي سيسمح للطبقات الفقيرة من المتدينين الحرديم والعرب من شراء الشقق فيها. وفي هذا السياق ايضا استقبل المحتجون في تل ابيب يوم أمس للمرة الثانية قيادات المستوطنين في الضفة الغربية، الذين عبروا عن موقف مؤيد للحراك الشعبي معتبرين انفسهم شركاء في النضال، وهي في الواقع محاولة ذكية لمنع توجيه سهام هذا الحراك الى ميزانيات الإستيطان ولمنع ربط المطالب الإجتماعية بالاستحقاقات السياسية. كل هذا لا يعني ان الجمهور اليهودي مُجمِع بالكامل على الفصل بين الإستحقاقات السياسية المثمثلة بانهاء الإحتلال والإستيطان وبين تحقيق مطلب العدالة الإجتماعية، ومن هنا كتب المعلق السياسي ران اديلست يوم أمس ان التغيير الحقيقي يتطلب تغيير الحكومة ورأسها بيبي نتانياهو أولا.
إذن، في الوقت الذي يصر فيه مؤيدو التعايش العربي اليهودي من العرب واليهود على جدلية العلاقة بين السياسي والمطلبي، بين المدني والقومي، بين العدالة الإجتماعية وانهاء الإحتلال، بين الرفاه وتحويل ميزانيات الإستيطان الى ميزانيات اسكان شعبي داخل اسرائيل، ترى غالبية القيادة المتنفذة لهذا الحراك بامكانية تحقيق مطالبها بتغيير جذري في السياسة الإقتصادية بدون ربط ذلك بالإستحقاقات السياسية التي يطالب بها ما تبقى من اليسار اليهودي والمواطنين العرب، وهنا تكمن العبثية في ربط الاجتماعي بالسياسي، فان كان هذا الربط جدليا في المفهوم النظري الا انه عبثي في الواقع السياسي الحاضر، وما على المواطنين العرب في اسرائيل الا ان يخوضوا النضال بقوة اكبر اليوم، ليس فقط بهدف تحقيق مطالبهم العادلة، بل لمنع الوصول الى حلول اقتصادية واجتماعية على حساب الحقوق القومية لهم.
_______________
الجليل- 9.8.2011





حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الأحد، 31 يوليو 2011

من المسؤول؟

يقتلون ويتباكون
من هو اندريس برايفك ومن يحضنه؟ وما هو الدور الإسرائيلي في ذلك؟
تصوروا لو كان هذا الارهابي الاوروبي، المدعو اندريس برايفك، عربيا، او مسلما، وان لم يكن عربيا ، او عربيا مسلما وقد اجتمعت به الهويتان معا، ماذا سيكون رد فعل اوروبا؟ هل سيكون الحدث اشبه ب- 11 ايلول؟ اغلب الظن ان الاعلام الغربي كان سيتعامل معه كذلك. وفي الحقيقة، وبالرغم من هول المجزرة التي راح ضحيتها اكثر من 90 شابا وشابه التقوا لتبادل الرأي فيما يحدث في هذا العالم، وفي الشرق الأوسط بشكل خاص. والتهمة؟ يساريون!
وبالرغم من تصريحاته الواضحة انه لا يعمل بمفرده بل ينتمي الى تنظيم يعمل في اكثر من دولة اوروبية وانه نفذ عمليته بعد تخطيط دقيق استمر سنتين وساعده في ذلك عدد من رفاقه، الا ان الاعلام الغربي مصر ان يتعامل معه كفرد، وان ما قام به هو ردة فعل الخائف من تزايد الهجرة الأجنبية، وخاصة العربية المسلمة، وذلك بعد ان فشلوا في اتهامه بالجنون كما تفعل اسرائيل عادة في الحالات المشابهة. مرة اخرى العربي او المسلم هو السبب والقاتل هو الخائف والمسكين والضحية!
اذا كان لا بد للارهاب من مستنقع او بحيرة، فمن اين يستقي هؤلاء الارهابيون فكرهم السياسي ومواقفهم ودوافعهم للقيام باعمال من هذا النوع؟ أوليسَ من الفكر اليميني المتطرف الذي ما يزال رائجا في اذهان الاوروبيين المتمثل في عدائهم للآخر؟ ألم يكن هتلر وليدا لهذا الفكر وليس غيره؟ أوليس الإعلام الغربي عامة والحكومات الأوروبية اليمينية المتحالفة مع امريكا، التي تخوض معها حربا على العرب والمسلمين منذ غياب الإتحاد السوفييتي على الأقل، وتحرض ضدهم يوميا، هي المسؤولة عن تنامي هذه الجماعات الارهابية، والتي تعلن جهارا عداءها للأقليات المسلمة المهاجرة الى الغرب؟ أوليست، المستشارة الالمانية، اليمينية، انجيلا ميركل، هي التي حسمت النقاش حول امكانية التعايش في اطار التعددية الثقافية في اوروبا، مع بداية هذه السنة، بقولها: "ان التعددية الثقافية قد فشلت"؟ ألم تكن هذه هي الرسالة التي أودعتها ميركل في ايدي هذا الأرهابي وامثاله؟
من هو منفذ العملية الإرهابية؟ انه نرويجي متطرف ينتمي الى اليمين الاوروبي المتزايد قوة ونفوذا ووحشية، يوحده العداء للمهاجرين الأجانب وخاصة الاقليات المسلمة وعلى رأسهم العرب. هذا المجرم الإرهابي يجاهر بتأييده لإسرائيل الصهيونية كما يجاهر سكان دفيئته من اليمين الأوروبي بصداقتهم لاسرائيل ايضا. ليس هذا حكمي، بل هي تصريحاتهم ومواقفهم وافعالهم، ولا تنكر وسائل الاعلام الاسرائيلية ذلك، بتعقبها لقاءات ومؤتمرات تجمع اليمين الأوروبي مع اليمين الإسرائيلي، مرة في النمسا واخرى في المانيا وثالثة في تل ابيب او غوش عتصيون. حدث احد هذه اللقاءات/ المؤتمرات ، ولا اقول آخرها، في الخامس من كانون اول 2010 في تل أبيب، بمبادرة من عضو الكنيست أرييه إلداد وشارك فيه كل من عامي ايلون وموشيه آرنس وأيوب القرا من اسرائيل، كما شارك فيها قيادات أحزاب اليمين المتطرف في كل من المانيا والسويد والنمسا وبلجيكا وسويسرا وايطاليا وهولندا، وكان أبرزهم على الإطلاق هو كريستيان هينش شتراخا، زعيم حرب الحرية النمساوي، والذي خلف يورغ هايدر، في زعامة الحزب، ومن المعروف ان اسرائيل كانت قد شنت حملة اعلامية على يورغ هايدر واعتبرته زعيم النازيين الجدد في النمسا. فهل تغيرت ايديولوجية الحزب مع تبدل زعيمه؟ وما هو المشترك بين هذه الأحزاب؟ او ما هو المشترك بينهم وبين اليمين الإسرائيلي المتطرف؟ "المعاداة للأقليات المسلمة"، كما وصفتهم وسائل الإعلام الإسرائيلية آنذاك. وعلى هذا الإساس استقبلهم مستوطنو غوش طيف، وعلى رأسهم صديقهم وحليفهم شتراخا عندما زار متحف غوش قطيف على هامش المؤتمر المذكور.
في السنوات الأخيرة ازدادت وتيرة التعاون بين اليمين الإسرائيلي والأوروبي على قاعدة ان "اوروبا مهددة من قبل المسلمين" وان المسلمين سيحتلون اوروبا ويغيرون الميزان الديموغرافي"، كما هو الأمر في اسرائيل! وبالتالي، "فعلى اوروبا ان تدافع عن نفسها مثل ما تفعل اسرائيل"، هذه الأقوال هي جزء بسيط من الكلام الذي يتكرر في هذه اللقاءات وهي التي تغذي او تسقي أمثال اندريس برايفك وغيره في اوروبا.
ليس صدفة ان اليمين البريطاني الفاشي المتمثل في "عصبة الدفاع عن بريطانيا" I.D.L يرفع العلم الإسرائيلي في مظاهراته، كشكل منن اشكال المعاداة للمهاجرين العرب والمسلمين. لقد نسي هؤلاء الفاشيون ان بريطانيا امتصت خيرات هذا العالم لعقود طويلة وما تزال. ونسوا ان بريطانيا هي المسبب وهي المستفيد من هجرة العرب والمسلمين اليها، فهي لا تصنع لهم معروفا، بل تعتاش من عملهم الأسود من جهة بالإضافة الى قدراتهم العلمية العالية. لقد نسوا هؤلاء ان 34% من الأطباء الكبار في بريطانيا من العرب المهاجرين اليها، لا حبا بها، بل هربا من المآسي التي تركتها بريطانيا، وما تزال ترعاها، في اوطانهم.
اذا كانت تجربة التعددية الثقافية قد فشلت كما تقول ميركل، فكيف استوعبت المانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة أكثر من 450 ألف من حَمَلة الشهادات العليا الحيوية عالمياً للاقتصاد من خبراء وفنيين، خلال السنوات العشر الماضية؟ ووفقا لدراسة مؤسسة فلسطين الدولية "العقول العربية المهاجرة"، يتوقع أن العلماء العرب في الخارج يقدمون للولايات المتحدة الأميركية دخلا لا يقل عن 40 بليون دولار سنويا، وهو ما يعادل نصف دخل الوطن العربي من النفط. الم يحن الوقت لنحدد من هو القاتل ومن هو الضحية؟ الم يحن الوقت لنحدد من هو الإرهابي وما هي دوافع الإرهاب ومن هم ضحاياه؟ الم يحن الوقت لتسليط الأضواء على العلاقة الوثيقة بين اليمين الفاشي الأوروبي والإسرائيلي؟

اليف صباغ
مدونة - حيفا برس 31.7.11



حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

السبت، 30 يوليو 2011

ارض التايكونات والحرب الأبدية

ارض التايكونات والحرب الأبدية

عندما نشرت مقالي الاخير وقارنت بين الحراك الشعبي العربي والحراك الإسرائيلي، قلت: ان الحراك الإسرائيلي اكبر من قضية السكن او أي قضية اخرى وانما يهدف الى استعادة الدولة (الكلاسيكية)، هذه الدولة التي توازن بين مصالح الفئات والطبقات المختلفة؟ بين الضعيف والقوي، بين المنتج وصاحب ادوات الإنتاج...بين وبين وبين...الخ، عندها اتصل بي صديق عزيز وقال: "ألا تبالغ في التحليل يا صديقي؟ أيام وتمر كما مرت حركات احتجاجية سابقة". فقلت: دعنا نرى ما يحدث في الأيام او الأسابيع القادمة.
يتضح للمراقب يوما بعد يوم ان الأزمة التي يعكسها الحراك الشعبي في اسرائيل هي اكثر تعقيدا وعمقا من ازمة السكن او ازمة ثمن علبة لبن الكوتج او تدهور الخدمات الصحية، وان ما رأيناه في بداية الحراك الشعبي هو تجليات الأزمة فقط وليس جوهرها، واحدة واحدة على الطريقة الإسرائيلية المعروفة في إدارة الصراعات "بقرة بقرة"، أي خطوة خطوة، وربما ، بالمناسبة، حان الوقت ليتعلم المفاوض الفلسطيني كيف يدير الإسرائيلي صراعه مقابل الإسرائيلي الآخر، فالمنهجية لا تختلف كثيرا وان اختلف الطرف الآخر. وما يؤكد عمق الصراع هو انضمام مجموعات أخرى كل يوم الى حركة الإحتجاج، فأمس الأول خرجت أمهات مع عربات الأطفال في تظاهرة جماهيرية احتجاجا على ارتفاع تكاليف تربية الأطفال لدى العائلات الشابة، اليوم او غدا قد تنضم مجموعة الممرضات والممرضين وهي فئة لها تاريخها النضالي ايضا، وانضمام النقابة العامة للعمال (الهستدروت)، وربما سائقو الحافلات العمومية وقد تلحق بهم سيارات الأجرة العمومية ايضا ومن يدري ماذا بعد؟ إذن، انها ازمة مركبة بكل مركبات الحياة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية وقد يظهر لها في المستقبل مركبا ايديولوجيا لرؤيا مستقبلية غير واضحة المعالم بعد، رؤيا وموقف من الحرب والسلم، من الإستيطان، من فقدان الأمان الإجتماعي والإقتصادي بحجة الأمن والحرب الأبدية، والدعوة الى التأقلم مع كل الموبقات من اجل الدولة، أي دولة؟ هل هي دولة الرفاه ام دولة التايكونات؟ ولكن شعار "الشعب يريد عدالة اجتماعية" ، وهو الشعار الجامع لكل فئات الحراك الشعبي، يؤكد ان الهدف المشترك هو استعادة دور الدولة كطرف موازن بين فئات الشعب المختلفة.
يقول طال كانياس، وهو من المبادرين وأحد الفاعلين في هذا الحراك، على صفحته الخاصة في الفيسبوك يوم 29.7.11 : "ان الصراع ليس بين ايديولوجيتين، رأسمالية واشتراكية، بل هو صراع من اجل الوجود المجتمعي في اسرائيل"، ويضيف، "هذا الحراك ممزوج باحساس في الخيانة...في السنوات الأخيرة هناك جماعات في الطبقات العليا راكمت اموالا طائلة، في ظل عملية الخصخصة، مكنتها من التأثير بشكل مباشر او غير مباشر على متخذي القرار السياسي في اسرائيل، وبالتدريج اصبح هؤلاء هم اصحاب الدولة نفسها، ووجد منتخبو الجمهور انفسهم ملزمين بخدمتهم بدل خدمة الجمهور الذي انتخبرهم".
في اليوم نفسه قارن الكاتب السياسي الكبير يوئيل ماركوس، في صحيفة هآرتس بين مفجري الحراك الشعبي في اسرائيل وبينهم في مصر فقال: "لقد بدا نصب الخيام في شارع روتشيلد، عفويا، ولكن الأمر لم يكن كذلك، ليس سعر علبة الكوتج، وليست أجرة الدار وانما امور كثيرة اجتمعت سويا لتخرج الناس الى الشارع، الطبقة الوسطى التي تعمل وتدفع الضرائب وتخدم في الجيش وجدت نفسها في وضع لا تستطيع ان تعيش بكرامة حتى آخر الشهر". ولم يكن رئيس الدولة شمعون بيرس بعيدا عن ذلك حين قال قبل ثلاثة ايام فقط ان "الطبقة الوسطى في اسرائيل فقدت عالمها وثقتها بالمستقبل". من هنا، ومن خلال التعرف على القوى الإجتماعية التي تقولد هذا الحراك وتعبرمن خلاله عن مصالحها، وعن قلقها من حاضرها ومستقبلها، نسطيع ان نفهم عمق الازمة التي تعيشها اسرائيل ومركباتها ويعبر عنها هذا الحراك الشعبي. ويبقى السؤال المهم الذي طرحه صديقي، هل هو حراك كسابقيه؟ كان آخره التضامن مع فيكي كنافو عام 2003. وهل تستطيع الحكومة ان تنفس هذا الحراك باساليب التفكيك والتفريق التي يتقنها بيبي نتانياهو او بشن عدوان جديد بهدف القفز عن الصراعات الإجتماعية كما حدث في ايلول عام 2000 ؟ ام بتحويل قضية جنائية عادية الى قضية أمنية والترويج للخطر الامني العام كما حدث في العام 2003 بهدف القضاء على حركة فيكي كنافو؟ ويشير الى ذلك احد المعلقين على مقالة ماركوس فيقول: "احذروا! بيبي يمكن ان يشعل حربا لكي ترفع الكاميرات عن الخيام باتجاه آخر، لقد حدث ذلك في "دولة اليهود". ويقول آخر: "النظام يرعي الإرهاب الإقتصادي تحت غطاء الامن القومي" ، وبالمقابل هناك من يشير الى تدخل اليد الامريكية في انتاج هذا الحراك من خلال الدعم المادي الذي يقدمه "صندوق اسرائيل الجديد" لشراء الخيام للمحتجين.
تبقى نقطة الضعف الأساسية في ان المحتجين لم يربطوا سوء حالهم هذا باستمرار الإستيطان والإحتلال وليس فقط بتنامي اباطرة رأس المال، أو ما يسمى بالتايكونات، وانه لا بد لهم من تقديم الإستحقاق السياسي المطلوب من اسرائيل للتوصل الى تسوية سياسية، الأمر الذي يضمن تغييرا في اولويات الحكومة وتوجيه الميزانيات لخدمة الشعب والفئات الوسطى بدل توجيهها الى المستوطنين وتجار الحرب. قد يعتقدون ان عدم توجيه الأضواء الى موبقات الإحتلال والإستيطان هي نقطة قوتهم، وانه في حالة الربط بين مستوى المعيشة المتدهور وما بين صرف الميزانيات على الحرب والإحتلال والإستيطان سوف يخسرون شعبيتهم. او قد يفقدون الرابط الإجتماعي والإقتصادي الذي يجمعهم، فاختاروا عدوا مشتركا آخر وهو التايكونات ، ولكنهم آجلا ام آجلا سيضرون الى ذلك لأن المال أي التايكونات والسلطة السياسية قد اجمعا، ومعهم الإحتلال والإستيطان وتجار السلاح وايديولوجيا الحرب الابدية.
اليف صباغ
مدونة حيفا برس- 30.7.2011


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

ارض التايكونات والحرب الأبدية

حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

السبت، 23 يوليو 2011

حراك شعبي معاكس في الاتجاه ومطابق في الهدف

الحراك المعاكس
اعطونا نعيش...القنبلة النووية هنا...من اجل فصل المال عن السلطة السياسية.
تشهد المدن الإسرائيلية منذ اسابيع موجات من الإحتجاجات الشعبية بدأت بالتظاهر على ارتفاع ىاسعار الوقود ودعى المحتجون الى مقاطعة محطات الوقود، مرورا بالإحتجاج على ارتفاع اسعار لبن "الكوتج" المرغوب شعبيا، ومن ثم اعتصامات الاطباء على اهمال الحكومة لقطاع الصحة والعاملين فيه لدرجة قد تؤدي الى انهيار هذا القطاع الذي طالما تفاخرت به اسرائيل وكان جاذبا اساسيا لموجات المهاجرين اليهود وغير اليهود الى اسرائيل، ورأت به بعض الأوساط السياسية العليا اداة لإختراق الابواب الموصدة وربط خيوط التعاون مع العالم العربي او رافعة لمد جسور التطبيع معه، وكان أخرها قيام حركة شبابية كبيرة بنصب الخيام داخل ثماني مدن كبرى، اهمها في تل ابيب، احتجاجا على ارتفاع اسعار الشقق السكنية وارتفاع بدل ايجارها الشهري، لدرجة لم يعد فيها الشباب او الأزواج الشابة قادرة على شراء شقة او حتى استئجار شقة صغيرة أو أن يكلفة ذلك ما يقارب 50% من معاشه الشهري، اما شراء الشقة سيضطره، بالإضافة الى قرض الإسكان، الى طلب المساعدة من الأهل، وهذا ليس من طبيعة المجتمع الغربي عامة بما فيه الإسرائيلي، والعمل 30 سنة بشكل متواصل حتى يستطيع سداد ثمن شقته. لماذا حصل هذا؟ وما هي اهداف الاحتجاجات الشعبية هذه؟ وهل هي احتجاجات مطلبية ام ان وراءها اهداف سياسية غير معلنة؟ وما هي اوجه المقارنة مع الحراك الشعبي العربي؟
هنا لا بد من التذكير ان ازمة الإسكان الحالية لا تتمثل فقط بغلاء الشقق بل بغلاء مقابل الإيجار، وقد نتج ذلك عن قيام الحكومة منذ عام 2009 والى اليوم بإعطاء التسهيلات للمستثمرين الاجانب وكبار شركات العقارات في اسرائيل بشراء الشقق الموجودة، فادخل ذلك الى خزينة الحكومة مبلغ 1.5 مليارد دولار عام 2009 على شكل ضرائب وما يقارب 2 مليارد دولار عام 2010، هذا عدا العملة الصعبة التي دخلت صندوق بنك اسرائيل وتقدر بعشرات المليارات من الدولارات مما زاد من قوة الشيكل مقابل الدولار وحرك عجلة الإقتصاد، ولكنه في الوقت نفسه زاد من ارباح الأغنياء على حساب المحتاجين، لدرجة ان 130 الف موظف في اسرائيل يتقاضون معاشات بما يزيد عن 132 الف شاقل شهريا في حين ان 1.2 مليون موظف يتقاضون معاشات لا تزين عن 6000 شاقل شهريا، هذا الفارق جعل الطبقة الوسطى، التي تمتعت في الماضي برفاهية ما، ترى نفسها اليوم غير قادرة على سد احتياجاتها الإساسية، بينما هناك من يزداد غناه بشكل فاحش نتيجة ارتباطه بالسلطة السياسية وسياستها الإقتصادية اليمينية.
يقول المحامي الداد ريغف، وهو من المقيمين في مخيم الإحتجاج في تل ابيب ومن مؤسسي حركة اليسار القومي: "انها المرة الاولى التي يخرج فيها الجمهور الإسرائيلي الى الشارع، ليس مع المستوطنات او ضدها، ليس مع العرب او ضدهم، ليس مع السلام او ضده، بل على اساس، أعطونا ان نعيش في هذه البلاد". قد لا يكون هذا الكلام دقيقا لأن فقراء اليهود، والشرقيين بالذات، خرجوا في منتصف السبعينات من القرن الماضي بقيادة تشارلي بيطون، عضو الكنيست لاحقا، فملأوا الساحات وقطعوا الطريق على سيارات الحليب ووزعوه على ابناء احياء الفقر، وفي بداية التسعينيات من القرن الماضي ايضا خرج الفقراء، على انتماءاتهم العرقية، للبحث عن مساكن لهم في حين ملأ المهاجرون الجدد كل الشقق الاحتياطية او المعدة للإستئجار وبقي الفقراء في العراء، آنذاك، كانت الحكومة ما تزال ترى نفسها ملزمة بتلبية حاجات المواطنين الضعفاء، فاقيمت مشاريع البناء في كل مكان، بمبادرة الدولة ، وان كانت الشركات التي بنت هي شركات خاصة، وضمنت للضعفاء حاجاتهم باقامة المساكن الشعبية في كل المدن الكبرى وكذلك في المستوطنات القديمة والجديدة. وبالتالي، فهي المرة الأولى فعلا التي يتحرك فيها ابناء الطبقة الوسطى، الطلاب الجامعيون والمثقفون واصحاب المهن الحرة من فنانين ومحامين واطباء شباب، ليقولوا: ان الازمة وصلت اليهم ايضا، وانهم، في مثل هذه الظروف، هم غير قادرين ان يؤمنوا مستقبلهم. ويقول المخرج المسرحي، ريغف كونتاس، وهو من المبادرين الى اقامة مخيم الإحتجاج: "علمونا ان نفكر ان المهم هم القنبلة النووية الإيرانية وآي فون 4، في الحقيقة لا يهمنا هذا ولا ذاك، هذه، ويقصد الأزمة الإجتماعية، هي القنبلة النووية وهي ال –آي فون 4"، بمعنى آخر ان الخطر الحقيقي الذي يهدد وجود الدولة هو في انهيار دولة الرفاه، الدولة التي توحد وتوازن بين كل المواطنين.
لا شك ان بعض القوى السياسية المعارضة ترغب في تشجيع كل حركة تناهض او تنتقد السياسة الحكومية، بغض النظر ان كانت هذه المعارضة مسؤولة عن الوضع الحالي يوم كانت في السلطة ام لا. عضو الكنيست ايلان غلؤون لا يشك احد في انتمائه للطبقات الفقيرة والدفاع عنها في ظل أي حكومة كانت، يستند على عكازه كعادته، ويزور مخيم الإحتجاج يوميا، عله يجد فيه روحا "انتظرها وعمل من اجلها 30 عاما" كما يقول، وهي ان يرى الجمهور الإسرائيلي قد خرج الى الميادين للدفاع عن حقوقه امام طغمة راس المال. اما بعض السياسيين، من المعارضة او الحكومة منعوا من زيارة المخيم واتهموا بالنفاق. الواقع ان الروح العامة للمحتجين تقول: لا نريد نفاقا سياسيا، ولا نرغب في تحويل هذا الحراك الى منصة للمناكفة السياسية أي الحزبية، ولذلك نرى اصرار بعضهم على رفع العلم الإسرائيلي او ابراز صهيونيتهم او التأكيد على انهم يقدمون اهم واجباتهم للدولة بالخدمة العسكرية، ومع ذلك يقول احد المقيمين في المخيم: لن أغادر المخيم حتى تحقيق مطلبنا الأساس ويتمثل بفصل سلطة المال عن السلطة السياسية، او أن أهاجر".
يدعي المحلل السياسي المعروف، ران اديلست، ان "اليمين اصبح الوجه الآخر لدولة الرفاه". هل حقا؟ وأي يمين؟ هل هو اليمين الإقتصادي الذي يحول الحكومة الى راعِ لدولة الاغنياء مقابل اهمال دولة الفقراء؟ ام انه يقصد اليمين السياسي الذي يجرف الفقراء اكثر مما يجرف معه الطبقة الوسطى؟ واين يقف الليكود وبيبي نتانياهو خاصة من هذا التقسيم؟
يعلم المراقب ان بيبي نتانياهو بالذات يمثل مصالح القوى التي تربط بين اليمين السياسي واليمين الإقتصادي، تربط بين سلطة المال والسلطة السياسية، وبالتالي لامجال لتعليق الأمال عليه بحل ازمة السكن والأزمات الأجتماعية الأخرى وفق رغبة المحتجين، وما موقفه ضد اقامة لجنة برلمانية لفحص مصادر تمويل منظمات المجتمع المدني، والتي سميت بالمنظمات اليسارية، الا رغبة منه ان يظهر بموقف وسطي بعد ان قاد الحملة لسن قانون المقاطعة، وقوانين يمينية وعنصرية أخرى تقيد من الحريات السياسية. وبالتالي، وبالرغم من وعود نتانياهو في الأيام الاولى وتصريحاته بأنه يتمنى مساعدة المحتجين له لتمرير مشروع اصلاح كبير لتسهيل عملية البناء وحل ازمة الإسكان المتفاقمة، فقد تكشف سريعا انه يكذب بعد ان تراجع عن وعوده وعطل تمرير قرارات حكومية لصالح المحتجين .
ويعلم المراقب ايضا انه لا توجد قوة اجتماعية مركزية في اسرائيل مستعدة ان تتبنى مطلب الاستحقاق السياسي لتحقيق مصالحها الإقتصادية والإجتماعية، بما فيها الحق في الصحة والسكن والتعليم وما الى ذلك، وذلك خوفا من اتهامها "بالخيانة" ورفع الشرعية عنها، وهذا ما يفسر ابتعاد غالبية المحتجين عن الشعارات السياسية واهتمامهم بإضفاء الطابع الإقتصادي-الإجتماعي على مضمون مطالبهم وشعاراتهم. اذن "اليسار" السياسي ضعيف امام حكومة يمينية اقتصاديا وسياسيا، واليسار الإجتماعي- الإقتصادي غير منسجم مع اليسار السياسي او يخشى او يرتبط به خشية اتهامه بالخيانة، وعليه فليس اليمين الحاكم في ازمة بل المعارضة هي التي تعاني من ازمة وهي ازمة الرؤيا المتكاملة. هذه هي "اليسار" الإسرائيلي منذ ان بدأت مسيرة اوسلو على الأقل وحتى اليوم، وهذه الأزمة تتفاقم اكثر واكثر وليس أمامها من أفق نجاح الا ان تربط مطالبها الاجتماعية –الاقتصادية بمطالب الحل سياسي، فكما ارتبط اليمين الإقتصادي مع اليمين السياسي، هكذا يجب ان قوى "اليسار" والا فهي خاسرة لا محالة. اقول هذا بالرغم من نجاح الحراك الشعبي ضد اسعار الوقود، وضد سعر الكوتج، لأن اسعار العقارات في صلب حياة رأسمال، وقد كان عاملا اساسيا لعبور اسرائيل الأزمة الاقتصادية العالمية دون ان تتأثر سلبا بل كانت مستفيدة منها.
اما عن مقارنة الحراك الشعبي الإسرائيلي بالحراك العربي فاوجه المقارنة تشير الى اتجاهين مختلفين يهدفان للوصول الى هدف واحد وهو الدولة بمفهومها الكلاسيكي، الدولة التي تعني تلك المؤسسة العليا او مجموع المؤسسات التي ينتجها الشعب للحفاظ على التوازن المطلوب بين القوي والضعيف، بين الغني والفقير، بين المتج وصاحب ادوات افنتاج، بين الحاكم والمحكوم، هذا الدولة قامت في فلسطيني عام 1948 قبل وجود الشعب ولكنها تتخلى اليوم عن مهامها لتصبح دولتين واحدة للفقراء واخرى للاغنياء، واحدة للضعفاء واخرى للأقوياء....على شاكلة الدول الرأسمالية ذات الاقتصاد الحر في العقدين الأخيرين، وبالتالي يتحرك الجمهور الإسرائيلي اليوم للتمسك بالدولة التي عاش فيها بمستوى من التوازن والرفاه ويريد ان يحافظ عليها. اما الحراك الشعبي العربي، وبما ان الشعوب العربية لم تنشئ دولها الكلاسيكية بعد، بل هي "دول" مملوكة لحكامها، عائلات وطوائف وزعماء ولهؤلاء المالكين توجد جيوش وشرطة وسجون وما الى ذلك، "دول" اشبه بالإقطاعيات المعروفة في التاريخ، وتبقى المهمة الأكبر والاهم للحراك الشعبي العربي هي اسقاط هذه الإقطاعيات، او الدول المملوكة، لينشئ مكانها دولا تمثل الشعب وترعى مصالحه وتقيم التوازنات المطلوبة بين فئاته وطبقاته المختلفة.
اليف صباغ
مدونة حيفا برس – 23.7.11



حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الثلاثاء، 19 يوليو 2011

المستعرب اليهودي في سوريا واسمه المعلم جورج

قصة مستعرب يهودي في سوريا واسمه "المعلم جورج"

نشرموقع اسرائيلي مؤخرا قصة المستعرب اليهودي في سوريا واسمه الحقيقي يئير هراري وهو من اصل سوري والده تاجر دمشقي من عائلة فلاح. المستعرب هاجر الى فلسطيني وهو صغير السن وتدرب في اجهزة الإستخبارات اليهودية وعاد الى سوريا بعد عام 1948 على انه لاجىء فلسطيني باسم "جورج" وسكن في قرية درزية صغيرة لمدة خمس سنوات تقريبا وعمل معلما في المدرسة. أحبه الناس كثيرا وأكرموه كما يستحق المعلم واستمعوا الى الاغاني والاخبار من جهاز الراديو التي امتلكه دون غيره في القرية، ولكنهم لم يعرفوا انه يغلق بابه كل مساء ويرسل الى اسرائيل كل المعلومات التي جمعها من عملائه السوريين وهم موجودون في كل مكان بما في ذلك في مواقع حساسة في الجيش.


يئير كان واحدا من عشرات المستعربين الذين تم تدريبهم وتجهيزهم منذ عام 1943 وما بعد في وحدة الإستخبارات اليهودية في فلسطيني وتم توزيعهم في اماكن مختلفة وحساسة من العالم العربي. تدرب المستعربون على استخدام اللغة العربية العامية وتعلموا دروسا في القرآن بالإضافة الى استخدام الأسلحة وخاصة القنص.
في الفترة بين العملية العسكرية واخرى ذهب يئير ايام الجمعة الى المساجد للإستماع الى خطب أئمة مهمين لكي يكتب تقريره وانطباعاته عن الجو السائد لدى العرب. المستعرب يئير ، او جورج باسمه العربي، لم يكن مرتبطا مباشرة مع الشبكة التي تزوده بالاخبار، بل كان مرتبطا مع شخص واحد، هو الذي يركز الاخبار وينقلها اليه، اما اعضاء الشبكة على ما يبدو لم يعرفوا ان المعلومات التي يزودون بها زعيمهم تنقل الى اسرائيل.


يئير زود المخابرات الإسرائيلية في فترة الحرب بمعلومات هامة يطمح اليها كل جيش، معلومات عن تحركات القوات العربية ومواقعها واسلحتها وعددها كما زودها بمعلومات عن النقاشات الداخلية والقرارات التي اتخذتها القيادة بالهجوم او تأجيل الهجوم او الإنتقال الى مواقع جديدة.
التقارير تحدثت عن المزاج الشعبي وعن مزاج القوات العسكرية ورغبتها او عدم رغبتها في القتال.
عشرات السنوات مرت، حتى بعد عودة يئير هراري الى اسرائيل، ولم يعرف احد عن عمله السابق مستعربا في سوريا، ويبدو ان لا احد في تلك القرية الصغيرة عرف ان "المعلم جورج" ليس لاجئا فلسطينيا، وانما هو مستعرب يهودي. وفقط بعد مقابلة اجريت مع المستعرب غيورا زيد ومع جدعان عماشة (السوري الأصل) الذي ذكروا قصة يئير، عندها عرفت عائلة يئير ماذا عمل في سوريا آنذاك.
اذا كان نشاط المستعربين في سوريا سهل الى هذا الحد في العام 1948 وما بعده، فهل تغيرت الظروف؟ وهل انقطع عمل المستعربين او تغبرت اسماؤهم فقط، وهل ما زالت اسرائيل ترسل المستعربين تباعا على شكل خبراء او سياح وهل تدربهم على القنص ايضا؟ ولماذا القنص بالذات؟ وهل ترسلهم بجوازات سفر اجنبية ام عربية؟ ولا من شاف ولا من دري؟

اليف صباغ
18.7.11




حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

مستعربون!!!!!

قصة مستعرب يهودي في سوريا واسمه "المعلم جورج"
نشرموقع اسرائيلي مؤخرا قصة المستعرب اليهودي في سوريا واسمه الحقيقي يئير هراري وهو من اصل سوري والده تاجر دمشقي من عائلة فلاح. المستعرب هاجر الى فلسطيني وهو صغير السن وتدرب في اجهزة الإستخبارات اليهودية وعاد الى سوريا بعد عام 1948 على انه لاجىء فلسطيني با...سم "جورج" وسكن في قرية درزية صغيرة لمدة خمس سنوات تقريبا وعمل معلما في المدرسة. أحبه الناس كثيرا وأكرموه كما يستحق المعلم واستمعوا الى الاغاني والاخبار من جهاز الراديو التي امتلكه دون غيره في القرية، ولكنهم لم يعرفوا انه يغلق بابه كل مساء ويرسل الى اسرائيل كل المعلومات التي جمعها من عملائه السوريين وهم موجودون في كل مكان بما في ذلك في مواقع حساسة في الجيش. يئير كان واحدا من عشرات المستعربين الذين تم تدريبهم وتجهيزهم منذ عام 1943 وما بعد في وحدة الإستخبارات اليهودية في فلسطيني وتم توزيعهم في اماكن مختلفة وحساسة من العالم العربي. تدرب المستعربون على استخدام اللغة العربية العامية وتعلموا دروسا في القرآن بالإضافة الى استخدام الأسلحة وخاصة القنص. في الفترة بين العملية العسكرية واخرى ذهب يئير ايام الجمعة الى المساجد للإستماع الى خطب أئمة مهمين لكي يكتب تقريره وانطباعاته عن الجو السائد لدى العرب. المستعرب يئير ، او جورج باسمه العربي، لم يكن مرتبطا مباشرة مع الشبكة التي تزوده بالاخبار، بل كان مرتبطا مع شخص واحد، هو الذي يركز الاخبار وينقلها اليه، اما اعضاء الشبكة على ما يبدو لم يعرفوا ان المعلومات التي يزودون بها زعيمهم تنقل الى اسرائيل. يئير زود المخابرات الإسرائيلية في فترة الحرب بمعلومات هامة يطمح اليها كل جيش، معلومات عن تحركات القوات العربية ومواقعها واسلحتها وعددها كما زودها بمعلومات عن النقاشات الداخلية والقرارات التي اتخذتها القيادة بالهجوم او تأجيل الهجوم او الإنتقال الى مواقع جديدة. التقارير تحدثت عن المزاج الشعبي وعن مزاج القوات العسكرية ورغبتها او عدم رغبتها في القتال. عشرات السنوات مرت، حتى بعد عودة يئير هراري الى اسرائيل، ولم يعرف احد عن عمله السابق مستعربا في سوريا، ويبدو ان لا احد في تلك القرية الصغيرة عرف ان "المعلم جورج" ليس لاجئا فلسطينيا، وانما هو مستعرب يهودي. وفقط بعد مقابلة اجريت مع المستعرب غيورا زيد ومع جدعان عماشة (السوري الأصل) الذي ذكروا قصة يئير، عندها عرفت عائلة يئير ماذا عمل في سوريا آنذاك. اذا كان نشاط المستعربين في سوريا سهل الى هذا الحد في العام 1948 وما بعده، فهل تغيرت الظروف؟ وهل انقطع عمل المستعربين او تغبرت اسماؤهم فقط، وهل ما زالت اسرائيل ترسل المستعربين تباعا على شكل خبراء او سياح وهل تدربهم على القنص ايضا؟ ولماذا القنص بالذات؟ وهل ترسلهم بجوازات سفر اجنبية ام عربية؟ ولا من شاف ولا من دري؟ اليف صباغ 18.7.11See More
B


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الخميس، 14 يوليو 2011

المشهد السوري، من المراوحة الى الحسم /اليف صباغ 14.7.11

المشهد السوري، من المراوحة الى الحسم
الموقف الإسرائيلي من سوريا تابع وامريكا هي التي تقود .
هل تنجح سوريا في تغليب الحوار والاصلاح على الحسم العسكري ام تنجح امريكا في توريط النظام في المزيد من الدماء التي لا تبقي مجالا للحوار والإصلاح؟
من يبحث عن موقف اسرائيلي رسمي مما يحدث في سوريا قد لا يجد جوابا او لا يجده واضحا على الأقل. لا يوجد في اسرائيل موقف واحد متفق عليه لا في الاوساط الشعبية ولا في الاوساط الإعلامية او السياسية بما في ذلك الحكومية منها. السؤال الأساس الذي يحسم موقف الإسرائليين هو، "ما هي مصلحة اليهود؟" هذا هو السؤال الذي يضعه غالبية الإسرائيليين واليهود عامة قبيل اتخاذ موقف من هذا النظام او ذاك. من هذا العمل او غيره. فهل هناك "مصلحة لليهود" في سقوط النظام السوري؟ بالمقابل، هل هناك مصلحة يهودية في استمرار النظام الحالي؟ وهل فقد النظام قدرته على الحكم ام انه قادر على الصمود والخروج من الأزمة؟ للأجابة على هذا السؤال او ذاك، لا بد من الحديث عن البديل للنظام الذي يراد له السقوط او الحياة. من هي المعارضة السورية؟ وهل يمكنها ان تتفاهم مع اسرائيل؟ هل تستطيع ان تحتمل استمرار احتلال الجولان في الوقت الذي تتهم فيه النظام الحالي بالجبن والتخاذل عن تحريره؟ هل يكون النظام البديل بقيادة الإخوان المسلمين الذين يدعون تمثيل الغالبية السنية في سوريا، ام بقيادة قوى قومية فقدت السلطة سابقا لصالح نظام البعث وعائلة الأسد وتحاول اليوم استردادها؟ وهل هذه القوى التي تبدو متحالفة مع الولايات المتحدة وفرنسا اليوم قادرة ومستعدة ان تمدّ يد المصالحة الى اسرائيل؟
د. عودد عيران ، رئيس المعهد لإبحاث الأمن القومي INSS قال في 29.4.2011 ان حكومة اسرائيل تعاني من ارتباك في موقفها من الزلزال الحاصل في العالم العربي عامة وفي سوريا خاصة، وهذا الإرتباك مفهوم على المدى القصير ولكن لا يجوز ان يدوم لمدة طويلة. قد تكون نتائج هذا الزلزال مقلقة على المدى القصير وهذا سبب الإرتباك، ولكنه يتوقع على المدى البعيد ان ينتج هذا انظمة اكثر انفتاحا واستعدادا للتعاون الإقتصادي مع اسرائيل.
ماذا لو استطاع النظام الحالي ان يصمد امام التحديات الامريكية والمحلية من خلال تنفيذ اصلاحات جذرية ترضي الشعب الى حد يمكنه ان يتعايش معها وتسمح بتداول السلطة وإجراء مزيد من الإصلاحات في المستقبل القريب والبعيد؟ سؤال مهم ولا بد من مناقشته في الهيئات العليا قبل اتخاذ أي موقف. مع ذلك لم تناقش الحكومة الإسرائيلية هذا الموضوع بعد، ومن الصعب ان تجد موقفا رسميا في اسرائيل يقف مع هذا الطرف او ذاك ما عدا موقف بيبي نتانياهو في واشنطن الذي ايد فيه ما سماه بالربيع العربي، وهو موقف دعائي ديماغوغي لا اكثر ولا اقل. قد لا يكون من مصلحة اسرائيل اتخاذ موقف اصلا، لأن تجربة الماضي القريب بتأييد حسني مبارك علنا سرع في اسقاطه، وقد يكون اتخاذ موقف مؤيد للمعارضة السورية ليس في صالحها، ونحن نذكر محاولة بعض اعضاء المعارضة السورية، في الأيام الاولى للتمرد، ربط الخيوط مع اسرائيل عبر عضو الكنيست ايوب القرا ولكن بيبي نتانياهو رفض ذلك، بل منع القرا من التوجه الى اوروبا للقاء بعض اطراف المعارضة السورية سرا او علنا.
ان امتناع الدوائر الحكومية والأمنية او ما يسمى بالمطبخ السياسي- الامني او طاقم الثمانية، من مناقشة الموضوع، لم يمنع لجنة الخارجية والامن البرلمانية من مناقشة كل هذه الإسئلة في الخامس من تموز بمشاركة رئيس شعبة الإستخبارات العسكرية، الجنرال أفيف كوخافي، الذي اقترح "الا يستهتر احد بقوة الرئيس الأسد، وبجملة الإصلاحات التي بدأ بتنفيذها، هذه الإصلاحات التي تمس حياة الناس الإقتصادية مباشرة وتتضمن ايجاد اماكن عمل جديدة"، واضاف، "من الطبيعي ان هذا لا يكفي، ولكن الجيش السوري ما يزال لغاية الآن يقف الى جانب الأسد، ونفى الانباء عن حدوث انشقاقات في صفوف الجيش وقال : ان ّ عدد الضباط الذين تركوا الجيش لا يتعدّى 20 الى 30 ضابطا"، وتوقع كوخافي، "ان تغييرا جديا في النظام سوف يضعف المحور المتشدد، حتى لو بقي الأسد في الحكم". الجنرال كوخافي لم يخف اهمية التحرك الروسي للحفاظ على إستقرار الوضع في سوريا لما لروسيا من مصالح استراتيجية فيها، وكذلك ايران وحزب الله الذين يقدمان لسوريا "مساعدات معلوماتية وتقنية وليس قوات مقاتلة" كما يشاع. اما المصلحة الإسرائيلية من هذا الزلزال، قال كوخافي، "قد تاتي بعد سنين عديدة عندما تستقر الانظمة الجديدة، اذا ما تحولت الى انظمة ديموقراطية".
الصمت الحكومي، لم يمنع اوساطا سياسية ذات تصنيف امني عالي جدا، كما قال موقع معاريف يوم 7.7.11، ويعتقد البعض ان شمعون بيرس كان بينهم، اجتمعت مؤخرا في القدس بعيدا عن الإعلام، ووجهت انتقادات لاذعة للحكومة ورئيسها لعدم بحثهم السيناريوهات المحتملة في سوريا، وخاصة احتمال ما بعد الأسد، وطالبت بفتح الخط مع المعارضة السورية لفحص هذا السيناريو، بهدف "التقليل من الضرر المحتمل قدر الإمكان"، مما يعني ان هذه الأوساط قلقة من كل الإحتمالات، بما في ذلك سقوط النظام الحالي. وكما انه لا اتفاق في اسرائيل كذلك يعتقد المجتمعون ان لا اتفاق في واشنطن من الرئيس الأسد والمعارضة السورية، بسبب ما لهذا التغيير او ذاك من تداعيات على مستوى الشرق الاوسط عامة والمصالح الامريكية في العراق والأردن ولبنان بشكل خاص. قد تعرف المعارضة، بمساعدة امريكية وفرنسية وتركيا واخرى، كيف تسقط النظام البعثي ولو ذهب الاف الضحايا السوريين لإجل ذلك، ولكن التحدي الأكبر والاكثر تعقيدا كيف يتم اسقاط النظام مع ضمان المصالح الامريكية؟ يبدو ان اسرائيل قلقة بنفس القدر او اكثر من الأمريكان، خاصة وان الأمريكان هم الذين يديرون العلاقة مع المعارضة وليست اسرائيل، وهذه على ما يبدو رغبة غالبية قوى المعارضة الداعية الى اسقاط النظام وتحريم الحوار وهي القوى المتحالفة مع الولايات المتحدة.
بالرغم من هذا الإرتباك الا ان ساعة الحسم آتية لا محالة. لم يعد سرا ان امريكا تقدم المساعدات المادية الكبرى للمعارضة السورية، وكذلك المساندة السياسية المنسقة جيدا، وربما تحيل المساعدات العسكرية على طرف آخر مثل تركيا او العراق او دول مجاورة اخرى، ولم يعد سرا ان بعض اوساط المعارضة السورية في الولايات المتحدة، ابدت استعدادها للتفاهم مع اسرائيل بشأن حل في الجولان دون تفكيك المستوطنات الإسرائيلية هناك، وليس خفيا ان طائرات استطلاع تركية تحلق في سماء سوريا بين الحين والآخر، وان التعاون الإسرائيلي التركي الامني والمعلوماتي قد عاد الى ما كان عليه، كما تقول وسائل اعلام اسرائيلية، بضغط امريكي مباشر. وليس خافيا على احد ان الجيش التركي يقف على اهبة الإستعداد للتدخل في شمال سوريا، وان الجيش الإسرائيلي متيقظ الى اقصى حد على الحدود الشمالية وكذلك القوات العراقية.
من الواضح والمعروف ان اسرائيل والولايات المتحدة ترى ضرورة ماسة في ضرب المثلث الإيراني السوري اللبناني المتمثل بحزب الله وحلفائه، وان لم تستطيع في عام 2006 في ضرب حزب الله ولم تنجح الولايات المتحدة وبريطانيا في تثوير الشارع الإيراني ضد الرئيس احمدي نجاد، فلن تتأخر في استغلال الظرف المؤاتي لتنفيذ مخططها من خلال ضرب سوريا بكل الوسائل السياسية والشعبية وغيرها حتى لو كان الثمن الاف الضحايا السوريين.
لقد اختلف الموقف الإسرائيلي عن الامريكي فيما يخص الرئيس المخلوع حسني مبارك، حتى قبلت اسرائيل بتبني الموقف الامريكي، وهي تتابع الموقف الامريكي وتتبعه في الشأن السوري أيضا. حكومة اسرائيل برئاسة بيبي نتانياهو تعطي الرئيس اوباما التفويض الكامل للعمل في سوريا طالما لا يتطلب ذلك فرض تسوية سياسية على نتانياهو، وطالما ان الهدف المشترك هو ضرب المثلث الإيراني السوري مع حزب الله وهناك دماء عربية، وليست اسرائيلية، تسفك في هذا الإتجاه . في الوقت الحاضر يستمر نتانياهو في استغلال الفرصة لمزيد من الإستيطان ومزيد من الإبتزاز، ولديه، وفق كل التقديرات الإسرائيلية، سنين طويلة حتى يستقر الوضع العربي للعودة الى مسار التسوية الشاملة. نتانياهو يؤمن ايمانا عميقا ان الوقت يعمل لصالح اسرائيل وان الصراع مع العرب دائم وابدي وان التسوية هو عملية مستمرة الى اجل غير محدد.
ان الإجراءات الامريكية الاخيرة التي تمثلت في مرافقة المظاهرات في مدينة حماه، وما تبعها من هجوم شعبي على السقارة الامريكية في دمشق والتصريحات عالية النبرة والسقف التي صدرت عن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، وعزم السفير الامريكي والفرنسي مرافقة مظاهرات اخرى هذا الإسبوع في دير الزور ، المدينة النفطية الهامة لسوريا، وربما في اماكن اخرى ايضا، لا تشكل ردود فعل على المواقف السورية الرسمية او الشعبية، بل هي الفعل بحد ذاته. الدول الكبرى، وخاصة امريكا، لا تتخذ موقفها على شكل ردات فعل، ولا تقوم بعمل الا لهدف وضعته امامها مسبقا. ان القصد من هذه المرافقة والتصريحات التي تطلقها كلينتون هو تطمين المعارضة التي استجابت الى المطلب الامريكي بمقاطعة الحوار الوطني، ان امريكا لم تتراجع عن اهدافها، وعلينا ان ننتظر تصعيدا امريكيا كلما اقترب السوريون من بعضهم، لان الخشية الكبرى لدى امريكا واسرائيل والمعارضة المتمردة، هو نجاح الحوار وتحقيق الإصلاح دون التنازل عن موقف الممانعة والتحالف مع حزب الله وايران في وجه مخطط امريكي اسرائيلي لشرق اوسط جديد على الطراز الامريكي، وان اختلفت الاحصنة .
مستقبل سوريا مهم لأمريكا ولاسرائيل ولا فصل بينهما، ليس فقط بسبب تحالفها مع ايران وحزب الله، بل بسبب القوة التي تمنحها سوريا لروسيا في البحر المتوسط ايضا. وعليه فأمريكا تتجه نحو الحسم مع النظام السوري في عملية تصعيد تدريجية مدروسة، في الطريق توجد ألغام إضافية للرئيس الأسد، قرار اتهامي ضد شخصيات عليا في النظام السوري في قضية اغتيال الحريري، وتحويل الملف النووي السوري الى مجلس الأمن، وتفجير للاوضاع على الحدود التركية السورية، يرافقها استعدادات حلف الناتو لنقل قوات من اسبانيا الى تركيا.
الحسم العسكري قد يورط النظام في أعمال لا يحتملها حتى الأصدقاء، أو قد يورطه في عملية عسكرية في الأراضي التركية، فهل تنجح سوريا في تغليب الحوار والاصلاح على الحسم العسكري ام تنجح امريكا في توريط النظام في المزيد من الدماء التي لا تبقي مجالا للحوار والإصلاح؟ الأمر منوط ليس فقط بالتحرك الامريكي من ناحية او السوري من ناحية اخرى، بل بقوى اخرى لا بد من تحركها وعلى رأسها الأمين العام الجديد للجامعة العربية د. نبيل العربي. فهل يتحول كسابقه الى موظف لدى دول النفط ام انه سيتخذ مواقف واجراءات تليق به وبتاريخه المعروف؟

اليف صباغ
مدونة حيفا برس 14.7.2011








حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الثلاثاء، 12 يوليو 2011

قانون المقاطعة الإسرائيلي.

نظام المقاطعات، هل يعاقِب على المقاطعة؟
قانون المقاطعة الاسرائيلي يضرب القوى اللبرالية في الصميم
ويضع اموال السلطة الفلسطينية في اسرائيل هدفا للقرصنة القانونية
اوري افنيري: نحن في الطريق الى نظام من ذلك النوع.

قبل ايام معدودات كتبت مقالا تحت عنوان "الحرية الأسيرة"، استذكرت فيه عددا من القوانين العنصرية والإجراءات الإسرائيلية التي تقوض الحريات الفردية والعامة في الوقت الذي تقاتل الشعوب العربية لنيلها، وها هي حكومة اسرائيل تضيف الى ما قلته دليلا جديدا. في حين تسعى الشعوب العربية لمزيد من الحرية، وهي طموح الطبيعة البشرية منذ الأزل، فتنتفض وتدفع ثمنا باهضا لتحقيق ذلك، وتجبر الحكام على تحيق مطالبها المشروعة ولو جزئيا، يسعى حكام اسرائيل الى تقويض الحريات الفردية والعامة ليس فقط للمواطنين العرب فيها، بل لليهود ايضا، وذلك بسن قوانين جائرة، موجهة ضد اليهود ايضا لدرجة تطال حرية التعبير في اتخاذ موقف سياسي والتعبر عنه كلاميا، ويتمثل هذا بسن قانون "المقاطعة"، ويعاقب بموجبه كل من يدعو الى مقاطعة دولة اسرائيل او الإستيطان الإسرائيلي، ان كان ذلك اقتصاديا او ثقافيا او اكاديميا، ان كان بمقاطعة الإنتاج او بمقاطعة تقديم الخدمات على اشكالها بما في ذلك الترفيهية، للمستوطنين. وبموجبه يستطيع كل مستوطن ان يقدم دعوى تعويض مادي الى المحكمة ضد الشخص او الهيئة المخالفة للقانون دون ان يثبت تعرضه لضرر مادي. ويطمح القانون ايضا الى تقديم دعاوى ضد جهات اجنبية واسرائيلية على حد سواء، واعتقد ان المقصود في ذلك اولا وقبل كل شيء هي السلطة الفلسطينية، وبالتالي تصبح أموال السلطة في إسرائيل معرضة للقرصنة، باسم القانون، اكثر مما هي معرضة اليوم.
بموجب هذا القانون تساوي حكومة اسرائيل وبرلمانها بين وجود اسرائيل ووجود المستوطنات اليهودية في المناطق التي احتلت عام 1967. ربط تقوم به حكومة وبرلمان اسرائيل نفسهما، فاذا كان العالم كله، بما في ذلك قطاع معين من الجمهور الإسرائيلي اليهودي، يرى ان هذا الإستيطان هو عمل غير شرعي وهو مخالف للقانون الدولي، بل يعد بحد ذاته جريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي، فان هذا الربط يضع اسرائيل نفسها في خانة اللاشرعية، ليس فقط من وجهة نظرنا كعرب عامة وكفلسطينيين خاصة، بل حتى من وجهة نظر المنطق القانوني.
المعروف ان نظام المقاطعة هو حزء اساس من الكينونة الإسرائيلية، المقاطعة لكل منتوج غذائي لم يحصل على ختم "الكاشير" (أي حلال)، الذي معناه الفعلي اقتطاع جزء من الربح لصالح الحاخامين اليهود، واعادة تحميل المستهلك ذلك، ومقاطعة المنتوج العربي بدوافع عنصرية، دون ان يكتب ذلك في قانون، خاصة اذا كان الإنتاج قد يقوي من علاقة الفلسطيني بأرضه، مثل منتوجات الزيتون، وقبل ذلك التبغ والقمح الذين لم يعودا جزءا من انتاج الفلاح الفلسطيني منذ عشرات السنين، ومقاطعة قوى العمل العربي بإعطاء الأفضلية للمستوطن اليهودي او ما يسمى بالمهاجر الجديد، وتشجع الحكومة ذلك بمنح محفزات لصاحب العمل الذي يشغل مهاجرين جدد.
القيمة المضافة لهذا القانون انه يعاقب، ليس المواطنين العرب وممثليهم فقط، فئة كبيرة من اليهود الذين يرفضون، لأسباب ضميرية، تقديم خدمات ترفيهية للمستوطنين. أي ان القانون يضرب في الصميم اكثر الفئات حساسية لحرية التعبير وهي فئة المثقفين والفانين اللبراليين، ومن هنا اعتقد ان توجه هؤلاء الى المحكمة العليا بهدف ابطال القانون، لتعارضة مع حرية التعبير كحق اساس تضمنه القوانين الساسية في اسرائيل، هو ما يرفع من احتمال التصدي القانوني والشعبي له. والأهم من ذلك، حان الوقت ان يفهم الإسرائيليون اليهود، ومنهم فئة الطبقة الوسطى، ان تنبيهاتنا السابقة من ان العنصرية، وان كانت دائما تحت مسوغات الامن، ستطالهم يوما ما، وها هي تتحقق.
الصحفي المخضرم اوري افنيري يقول: "لقد تسلط المستوطنون على الدولة"، ويضيف: "بأموال دافعي الضرائب أقيمت المستوطنات وبهذه الاموال يدافع الجيش عنها حتى تحول المستوطنون الى غول صنعناه بأنفسنا فقام ضدنا". افنيري يستذكر تلك الأيام حين كان طفلا في العاشرة عندما غادر والداه المانيا بعد تسلم هتلر السلطة السياسية، فيقول: "كل اقاربي قالوا لأبي انت مجنون، لا يوجد شيء يستدعي ان تترك البلاد، اليوم نذكر ان اسماء كل اقاربي هؤلاء مسجلة في ميدان تلك المدينة... نحن في الطريق الى نظام من ذلك النوع، يقول افنيري، ويضيف، كل حياتي امتنعت عن المقارنة وخشيت من قول هذه الكلمات، هذا خطأ وانا نادم لأنني لم اقل ذلك".
ما يضيف الى احتمال ابطال القانون من قبل المحكمة العليا هو موقف المستشار القضائي للحكومة بنفسه، والذي يقف ضد القانون اذا ما قدم التماس الى المحكمة العليا بهذا الشأن. ومن هنا جاءت نداءات أعضاء الكنيست العرب الى خرق جماعي لهذا القانون لتلتقي مع اصوات يهودية ومنظمات حقوقية تقدمت اليوم بالتماس الى المحكمة العليا لإبطاله.

اليف صباغ 12.7.11
مدونة حيفا برس


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الجمعة، 8 يوليو 2011

الحرية الأسيرة

الحرية الأسيرة

شهد مطار بن غوريون الإسرائيلي، بالقرب من مدينة اللد، اليوم، توترا شديدا واجراءات أمنية مشددة استعدت لها القوات الخاصة الإسرائيلية والمسماه ي.س.م وَ ي.م.م، وذلك بهدف منع مئات المتضامنين الجانب من الوصول الى المناطق المحتلة للتضامن مع الشعب الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة المحاصر، هذا الشعب الذي يعاني الإحتلال والتنكيل والحصار على مسمع ومرأى ما يسمى "بالشرعية الدولية". ليس هذا وحسب، بل قامت قوات الامن التابعة لحكومة اليونان "الديموقراطية"، الاسبوع الماضي، بالهجوم على اسطول الحرية في مياهها واعتقال ربان احدى السفن وزملاؤه المطالبين بالحرية ورفع الحصار عن قطاع غزة. فوق هذا، قامت هذه الحكومات، بالامس واليوم، بالتعاون مع حكومة اسرائيل للضغط على شركات الطيران الأوروبية لمنع مغادرة غالبية المتضامنين الأوروبيين من دولهم الى المناطق الفلسطينية المحتلة عبر مطار بن غوريون ، مع العلم انه ليس هناك مطار آخر للوصول من خلاله الى المناطق المحتلة، وان الطريق البحرية الى قطاع غزة مرصود بالقراصنة الإسرائيليين والمدعومين من الحكومات الديموقراطية نفسها وأجهزة مخابراتها الدولية.
اليوم، وبالرغم من التعاون المخابراتي الإسرائيلي الأوروبي، وخاصة فرنسا والمانيا، وتعاون شركات الطيران الأوروبية معهم، من خلال قوائم باسماء المسافرين غير المرغوب بهم في مطار بن غوريون، استطاع عشرات المتضامنين الوصول الى مطار بن غوريون، ولكن القوات الخاصة والمخابرات كانت بانتظارهم فساقتهم مباشرة الى التحقيق. وماذا كان رد فعل الحكومات بلادهم المدافعة عن الحريات وحقوق الإنسان عامة، على تقييد حريات رعاياهم؟ الجواب لا شيء، بل تفهم الموقف الإسرائيلي علنا، والتعاون المخابراتي مع اسرائيل ضد رعاياهم سرا، كما تفيد الصحافة الإسرائيلية نفسها، لقد فضحتهم.
اليوم وفي الساعات نفسها قام السفيران الامريكي والفرنسي في سوريا، وربما آخرون ايضا، بمرافقة مظاهرات المعارضة للنظام في مدينة حماة، "دفاعا عن حق السوريين في الحرية". وبالأمس وصلت السفيرة الأمريكية الجديدة، انا باترسون، الى القاهرة لاستلام مهامها، وهي معروفة بتاريخ سلوكها التآمري من خلال عملها في السلك الدبلوماسي الأمريكي في دول العالم الثالث وإنشاء أبواق إعلامية ومنظمات تدعي الدفاع عن الحريات العامة وتمويلها، وهي شخصية مشبوهة لكثرة حصول الأغتيالات لشخصيات سياسية مرموقة في الفترة التي خدمت فيها في تلك الدول، حتى سميت بسفيرة جهنم.
كل هذا يحصل وفي اسرائيل تزداد التقييدات على الحريات العامة والفردية دون رقيب او حسيب، بل بدعم وتعاون مخابراتي وسياسي من ذات الحكومات التي تدعي الدفاع عن الحريات. في السجون الإسرائيلية انضم اليوم الأسير الفلسطيني رقم 42 الى نادي الأسرى القدامى، أي من مضى على أسرهم اكثر من 25 عاما ومنهم من وصل الى 35 عاما. وفي السجون والمعتقلات الإسرائيلية ما يزال يقبع اكثر من 8000 اسير فلسطيني منهم اعضاء برلمان كثر، وكل ذنوبهم انهم قاوموا الإحتلال بما ملكت ايديهم او حناجرهم، ومعتقلون آخرون في سجون سرية، كالعالم النووي الإيراني الكبير علي عسكري، الذي لم يزره احد ولم تعترف به اسرائيل علنيا بعد. وفي اسرائيل يعتقل الناشط السياسي محمد كناعنة، امين عام حركة ابناء البلد، بأعذار لا تنتهي، وفي بريطانيا يعتقل الشيخ رائد صلاح بأمر من حكومة اسرائيل ولسبب لاتعرفه حتى وزيرة الداخلية البريطانية في جلسة استجواب أمام لجة برلمانية يوم أمس.
في اسرائيل، التي تدافع عن "حق الشعب السوري في الحرية"، ما يزال قانون الطوارئ ساري المفعول لأسباب "أمنية " يتفهمها حتى بعض الضحايا احيانا. وفيها تسن اكثر القوانين عنصرية في العالم الحاضر دون وازع او حساب لحقوق المواطن فيها، وكان آخرها اقتراح تعديل قانون يقضي بمنع كل شخصية أدينت بأعمال "ارهابية" او "بمساعدة الإرهاب"، من الدخول الى الجامعات او المدارس وتقديم محاضرة فيها او القاء خطاب، دون اذن مسبق من وزير التربية والتعليم، وهذا الإذن كما هو معلوم لن يعطى. وفي اسرائيل ايضا تقوم منظمة يمينية متطرفة، بالتعاون مع الحكومة، بالتحريض علنا على منظمات حقوقية يهودية وأخرى عربية لتجفيف مصادر التبرع لها، بحجة انها تؤيد حقوق الفلسطينيين تحت الإحتلال، بالرغم من محدودية هذا التأييد. ليس هذا وحسب، بل تقوم هذه المنظمة بتهديد الجامعات التي تشغل محاضرين لا تتفق آراؤهم مع فكر وممارسات المحتل، بقطع التبرعات عنها او تقديم شكاوى ضد محاضرين فيها، وحتى تهديد المتبرعين بمقاطعتهم ومحاصرتهم اقتصاديا، وقد وصل الأمر برئيس جامعة بن غوريون في بئر السبع ، بروفيسور تسفي هكوهن، يوم أمس الاول، ان يقول: "ان المحاضرين في الجامعات يخافون من التعبير عن آرائهم بسبب ملاحقة بعض المنظمات ( ويقصد على رأسهم منظمة "إم ترتسو" ، أي ان كنتم تريدون) لمحاضرين لا تروق أفكارهم ومواقفهم لليمين المتطرف".
في الشرق الاوسط وشمال افريقيا تتصاعد المطالبة بالحرية وتدفع الشعوب آلاف الأرواح وأنهارا من الدماء ثمنا لها، وتتسارع الحكومات "الديموقراطية" في تمويل وتسليح الموالين لها تحت شعار المطالبة بالحريات، في حين يشتد الحصار على الإنسان الفلسطيني في قطاع غزة، ويزداد التيار اليميني، العنصري، المقيد للحريات والمعادي للديموقراطية قوة، يوما بعد يوم، برعاية الحكومة الإسرائيلية وبتعاون الحكومات الحليفة وعلى رأسها الامريكية والالمانية والفرنسية. فهل "يمشي الملك عاريا" ام انه يقف على رأسه؟
كنا نتمنى ان تكون الحرية مبدءا اساسيا في الحياة الإنسانية عامة وحقا مطلقا بعيدا عن أي تحالفات سياسية او غيرها، وان تكون الحرية حقا فعليا ممارسا لكل انسان كان من كان وحيثما كان، ولكنها في الواقع كانت وستبقى حرية اسيرة للمواقف والمصالح السياسية .

اليف صباغ
حيفا برس- 8.7.2011

حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الجمعة، 10 يونيو 2011

حيفا برس: الإسهال الفموي

حيفا برس: الإسهال الفموي: "الإسهال الفموي توجهت عضو الكنيست الإسرائيلي، ليا شمطوف، من كتلة يسرائيل بيتينو التي يرأسها ليبرمان، برسالة رسمية الى قيادة الجيش وقوات الا..."

حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الثلاثاء، 7 يونيو 2011

الإسهال الفموي

الإسهال الفموي

توجهت عضو الكنيست الإسرائيلي، ليا شمطوف، من كتلة يسرائيل بيتينو التي يرأسها ليبرمان، برسالة رسمية الى قيادة الجيش وقوات الامن في اسرائيل، اقترحت من خلالها ان تقوم قوات الأمن باستبدال الغاز المسيل للدموع ب"غاز الإسهال"، واعتبرت ذلك "سلاحا سريا"، به يمكن مواجهة جماهير المتظاهرين العرب رجالا ونساء، متحدية المحتجين بالصمود امام هذا السلاح. وذكرت شمطوف الجيش، في رسالتها، ان "غاز الإسهال" هذا تم استخدامه في بريطانيا ضد المتظاهرين قبل عدة سنوات واثبت فاعليته. شمطوف ترى ان العرب اعتادوا على الغاز المسيل للدموع ولاءموا انفسهم له، وبالتالي من الضروري فحص امكانية استخدام وسائل جديدة مثل "غاز الإسهال" واسلحة اخرى لم تفصح عنها.
شمطوف لم تأت بهذا السلاح او الإقتراح من بنات افكارها الخاصة وانما، كما تقول، تلقت الإقتراح من قبل عدد من انصارها، وهي تقدمه باسمهم. مثل هذه الإقتراحات ليست جديدة بل تم تنفيذها في السابق وبقيت سرا لعشرات السنين. في العام 1948 اقام بن غوريون وحدة سرية خاصة لتطوير السلاح البيولوجي، قامت، خلال حصار مدينة عكا في صيف عام 48، بتسميم آبار مياه الشرب بجرثومة أدت الى اصابة كل سكانها بالإسهال خلال 24 ساعة، مما ادى الى خروج وجهاء المدينة طالبن الإستسلام. هذه الوحدة وهذا السلاح بقيا سرا حتى كشف عنه احد الأطباء من اعضاء الوحدة السرية قبل سنوات قليلة في كتاب خاص تحدث فيه عن السلاح البيولوجي السري لبن غويون. فهل هذا هو "المخ اليهودي" الي يتحدثون عنه؟
مثل هذا الاقتراح يبدو للوهلة الاولى مضحكا، ولكنه ليس كذلك، بل هو في غاية الجدية بكل ابعاده متناقضة الإتجاهات. وفي سبيل السخرية والضحك نستطيع القول ان اصحاب الإقتراح "انسهلوا" من افواههم قبل ان ينسهل المتظاهرون من مخارج الإسهال الطبيعية. ولكن الفعل الحقيقي لهذا الغاز سيكون في الميدان، والرد الحقيقي سيكون في الميدان عشرات السنين ونحن نواجه الغاز المسيل لدموع برائحة البصل دون ان يكلف عالم عربي واحد نفسه او ان يكلفة احد بإيجاد مادة مضادة له، فهل سنكون على قدر هذا التحدي؟
هذا الإقتراح يشير الى حركة دائمة في اسرائيل للبحث عن الأسلحة وعن وسائل مواجهة المد الشعبي الفلسطيني في طريق العودة والحرية والإستقلال، الامر الذي يتطلب منا ايضا حركة دائمة مبدعة في استخدام الوسائل المناسبة للوصول الى اهدافنا. التقليد وصفة تقليدية للفشل، والثرثرة وصفة اخرى يستقي منها العدو اشكال وادوت العمل، اما استكبار الكلام والتهديد والوعيد فهو وصفة ثالثة للإحباط وفقدان الأمل. لعلكم تتقون....

اليف صباغ
7.6.2011



حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الاثنين، 6 يونيو 2011

كيف تنتصر الشعوب؟

كيف تنتصر الشعوب؟
الإنتفاضة الاولى كانت ابداعا وهذا سر نجاحها، واستمراريتها بفعل التقليد هو الذي اجهضها. يوم النسكة تقليد ليوم النكبة فلا تجعلوا من الحدث القادم نكسة اضافية!
حين لا تقوم السلطات السياسية او العسكرية او ...بعمل يفترض انه من واجباتها او لا تقوم بتقييم الأفعال او ردود الأفعال ذات الصلة بواجباتها، لا بد ان يقوم بذلك آخرون. انا أتهم الأنظمة العربية كلها بكل مكوناتها السياسية والعسكرية والإقتصادية وكذلك القوى السياسية من احزاب وحركات، بغالبيتها، او باستثناء حزب الله، انها لا تقوم بابسط واجباتها وهي التخطيط والتقييم واستخلاص العبر من التجربة، وهذا هو السبب الأساس لأزمتها المستمرة او لعبثية أزمتها، وبالتالي تخلفها وتعفنها، وبالتالي فقدان شرعيتها. ويبقى السؤال الثاني، اذا كانت الانظمة الحاكمة لا تقوم بما يتطلب حراك التطور الطبيعي، فلماذا لا تقوم الشعوب بتنظيماتها المختلفة بالتخطيط لمستقبلها ووضع الاهداف والآليات المناسبة مع تقييم لأفعالها واستخلاص العبر والقيام بكل تغيير مطلوب بهدف الوصول الى الاهداف المنشودة؟ ولماذا لا يقوم المثقف العربي، السياسي والناقد والباحث والصحفي والنشطاء على انواعهم وهيئاتهم بقييم الفعل او رد الفعل واستخلاص العبر؟ اذا كان هؤلاء غائبون ايضا فلماذا يلومون السلطات؟ وهنا يجب ان نعترف باننا نعاني من مرض اجتماعي مزمن لا بد من معالجته، وما الحكام الا انعكاس للمجتمع.
من قيم احداث ذكرى النكبة؟ وما هي العبر التي استخلصت؟ وهل تم تطبيقها في ذكرى النكسة؟ ام ان الهدف هو نفسه والاسلوب هو نفسه والفعل او رد الفعل هم انفسهم مما يسهل على العدو اتخاذ كل التدابير دون كلل وجهد اضافي؟ إذا كان الهدف النهائي هو العودة والهدف المرحلي هو الزام المجتمع الدولي الرسمي، في أيلول، الإعتراف بعضوية الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة على حدود الرابع من حزيران عام 67، وكنا نريد، منذ اليوم وحتى ايلول ان ننهك اسرائيل، ومن وراءها، فلماذا عدنا، في ذكرى النكسة، على الاسلوب نفسه والى المكان نفسه، بالضبط كما توقعت اسرائيل وسهلنا عليها مهمة القتل والترويع؟ وهل درسنا تجربة الماضي وفكرنا ما هي الحالة التي ترعب اسرائيل حقا؟ وهل المواجهة على الشريط الشائك في الجولان، في مكان المواجهة السابق هو الأسلوب الأفضل وهو المكان الافضل، بعد ان استعدت اسرائيل لذلك؟ وهل فكرنا بماهية الإستعدادات الإسرائيلية؟ بالرغم من نشر معلومات كثيرة عن ذلك وتحذيرات أخرى صادرة عمن يراقبون الأوضاع عن كثب؟ يؤسفني القول انني حزين ومتشائم ، او في افضل الحالات متشائل.
يقول رون بن يشاي، احد كبار المعلقين العسكريين في إسرائيل: "ان السلوك الفلسطيني هو تقليد لما حدث في يوم النكبة ويبدو انه سيبقى كذلك". ويعيد ذلك الى ثلاثة اسباب: الاول "عدم وجود الحماس لدى التنظيمات والقيادات الفلسطينية لمثل هذا النشاط وقد برز ذلك في من خلال مراقبة نشاطاتهم في الشبكات الإلكترونية"، قد نختلف معه ولكن دعونا نفهم كيف يفكرون. والثاني، هو "قوة الردع التي اظهرتها اسرائيل في يوم النكبة" وهذا ايضا قابل للنقض، ولكنه يضيف الى ذلك، "التهديدات التي اطلقتها القيادات العسكرية والسياسية في اسرائيل بعدم السماح بتسلق الجدران الشائكة مرة اخرى وتحميل الأنظمة العربية مسؤولية النتائج المترتبة على ذلك". والثالث ان "الانظمة العربية الفلسطينية والسورية والمصرية واللبنانية والاردنية وكذلك حرب الله عملوا بكل قوتهم على منع الأحتكاك بالجيش الإسرائيلي خوفا من تدحرج الحالة الى حرب شاملة ليسوا جاهزين لها". ولا ينسى بن يشاي ان يشير الى "الدور الامريكي على ما قامت به من جهد سياسي مسبق، وكذلك اوروبا والأمم المتحدة"، وقد قامت هذه القوى، على حد قوله بافهام هذه الأنظمة انه "من حق اسرائيل ان تدافع عن سيادتها، وان كل نظام يسمح بتسلق الجدران الشائكة سيتحمل مسؤولية قانونية عن النتائج". ويعود بن يشاي فيقول: "لا يجوز ان نزودهم بافكار جديدة ولكن لحسن حظنا ان الفلسطينيين في الضفة وفي الجولان عادوا على تقليد ما حدث في يوم النكبة وجاءوا الى الاماكن نفسها حيث نحن جاهزون لهم اكثر من المرة السابقة. الجيش، في هذه المرة، كان جاهزا ميدانيا، سياسيا وقانونيا". في التلخيص يقول بن يشاي ان الجيش نجح في الامتحان ولكن عليه ان يخطط لإمتحانات اصعب واكثر تعقيدا في الطريق الى ايلول.
الجيش استعد ميدانيا بواسطة اعادة تركيب الشريط الشائك وتقويته واستقدام قوات خاصة راكبة على الخيل وكلاب مدربة على الهجوم القاتل وزرع الالغام بالقرب من الشريط واقامة جدران ترابية شرقي الشريط الشائك، وكاميرات منصوبة في الأماكن المناسبة ترصد كل تحرك مسبقا وميدانيا، بالإضافة الى زيادة عدد القوات والقناصة بشكل خاص مع نواظير كبيرة ومرشد بجانب كل قناص وتعيين قائد ميداني في الجولان يدعى منير عمار، هل هو من قبيل الصدفة او امتحان للجولانيين؟ اطلاق النار كان حسب التعليمات: تحذير باللغة العربية واطلاق نار في الهواء وفي المرحلة اللاحقة اطلاق نار القناصة عن بعد 200 متر على الجزء السفلي من الجسم، كما يدعي الجيش، اما التفسيرات عن اصابة الجزء العلوي القاتلة فهي جاهزة مسبقا ومفادها ان المتظاهر كان يركض او كان منبطحا على الأرض،الامر الذي ادى الى اصابته في مكان آخر، الجيش يصور كل طلقة وهو ينتقي ان يعرض للإعلام ما يريد وفي مصلحته فقط، اطلاق قنابل الغاز يحكمها اتجاه الريح بحيث لا تعود على الجيش الذي يطلقها، خاصة وان الموقع في الوادي.
قانونيا علل القادة العسكريون استخدام النيران الحية ضد المتظاهرين باعتبار ان الشريط الشائك هو حدود دولية وان الجيش يدافع عن السيادة. كيف نسي او تناسى بان كي مون الذي نقل هذه الرسالة الى السلطات السورية ان الجولان هو ارض محتلة من طرفي الشريط؟ ام انه كسابقه كوفي عنان يرى بسياسة الإمم المتحدة "انعكاسا لموازين القوى"، وأن عليه تمثيل الطرف الاقوى في هذا الميزان؟ وهذا شأن هام لا بد من معالجته يوما ما.
موقع "واي نت" عنون صفحته الأولى اليوم: "الجيش يخاف من بلعين ثانية" والخوف هو من "انتفاضة الجدران"وحركات احتجاج كما في الضفة، الأمر الذي يؤثر على شكل وحجم وتنظيم القوى. هذه الليلة، يقول الكاتب، اضطر الجيش الى اضاءة الجو فوق نقطتين على الشريط الشائك بالقرب من مجدل شمس وكذلك بالقرب من القنيطرة. اضافة الى ذلك يعمل على استرضاء اهالي المجدل حتى لا يتكرر مشهد القاء الحجارة على الجنود من الجهة الغربية للشريط الشائك. مع ذلك فالجيش قلق من "انتفاضة جدران" "يجب ان نفكر في الظاهرة الجديدة، قد نكون امام اتجاهات جديدة ولها تداعيات خطيرة" وينقل الصحفي عن مصدر في الجيش قوله: "ان القيادة العسكرية اضطرت الى استبدال القوات وارسال الفرق الاولى للراحة واستبدالها بفرق اخرى"، "قد يضطرنا الأمر الى اعادة تنظيم القوى واستقدام اكبر قوة ممكنة للمرابطة على الشريط بدل ان تكون في الأماكن الصحيحة لها" ويضيف المصدر العسكري، "لا يجوز ان ننظر الى الرزنامة وننتظر، ايلول دخل حيز التنفيذ، ويمكن ان نرى مسيرات تملأ الشوارع". ويعترف الجيش ايضا انه اختار طريقة القنص العيني،وليس اطلاق النار بدون تمييز، وهذا يعني ان القتل كان متعمدا، مع العلم ان اطلاق النار بدون تمييز على المدنيين هو جريمة ايضا.
كعادته، وكما هو متوقع، يتهم البيت الأبيض النظام السوري بتأجيج الاوضاع وكأن اللاجىءالفلسطيني في سوريا يحتاج الى من يحرضه للنضال من اجل العودة الى وطنه وبيته وارضه. البيت الابيض يعتبر ان اسرائيل تدافع عن نفسها ويكرر المقولة التي نجحت اسرائيل ان تدخلها الى افواه الناطقين السياسيين: "من حق اسرائيل ان تدافع عن مواطنيها" وليس من حق من احتلت ارضه وشرد منها ان يدافع عن حقه وعن وجوده وحياته.
النظام السوري هدف لإطلاق النيران السياسية مهما فعل. ان سمح للمتظاهرين الفلسطينيين بالنشاط فيحملونه المسؤولية وان لم يسمح يقولون انه متعاون مع اسرائيل ويقتل شعبه. في الصباح كانت المعارضة السورية من امريكا تقول ان النظام يوجه دباباته الى حماه بدل ان يوجهها الى الجولان، في المساء قالوا انه يدفع الف دولار لكل متظاهر يتوجه الى الجولان، معلقون اسرائيليون يسخرون من هذا الإدعاء. صحيفة هآرتس كغيرها لا توفر جهدا للهجوم على سوريا، النظام متهم وحتى مذنب مهما فعل او لم يفعل، "عنزة ولو طارت".
المعلقان عاموس هرئيل وافي يسخاروف من صحيفة هآرتس يقولان تحت عنوان "الاستعدادات لم تقلل من عدد الضحايا": انه "لن يطول الزمن حتى يقوم الإوروبيون بالتنديد باسرائيل ويطالبونها بضبط النفس، وبالتالي ستهزم اسرائيل نفسها بنفسها". الغرب يتفهم حاليا التصرف الإسرائيلي ويعطي اسرائيل متنفسا للعمل ولكن من يضمن ان يبقى كذلك؟ وقد تؤدي التعليمات المعطاة للجيش في كيفية التعامل مع المتظاهرين في الجولان واخرى التي اعطيت له بالتعامل مع الذين يقتربون من جدران المستوطنات في الضفة الى قتل جماعي يصعب تقبله.
وزير الأمن الأسبق فؤاد بن اليعزر قال لراديو اسرائيل اليوم صباحا: "ان الجيش لا يملك حلا لمظاهرات على طول الحدود". تصوروا لو ان هذه النشاطات تنتشر تدريجيا على طول الشريط الشائك والجدران الإسمنتية او الحواجز العسكرية؟ ويتزايد عدد المواقع بالتدريج وتتبدل، كما تتبدل مواعيدها، وفق خطة مدروسة، وحتى دون الوصول الى الشرط الشائك. تصوروا لو ان عشرات الآلاف من الفلسطينيين ينتشرون على طول الحدود الفلسطينية في اكثر من مائة موقع خلال شهر ايلول، دون اطلاق أي رصاصة او حتى حجر. تصوروا لو كنا نستطيع ان نلتزم بخطة ونقيمها ونطورها؟ تصوروا لو كان باستطاعتنا تجنيد عشرات الاف الشباب العرب في مصر والاردن وسوريا ولبنان وعشرات الآلاف من اصدقائنا الشباب في روسيا واوربا وامريكا الشمالية والجنوبية، حتى لو تظاهروا وهم في بلادهم، وحتى دون لو نلمس الشريط الشائك وحتى دون ان نقذف بحجر واحد على جنود الإحتلال، ويكفي ان نصرح :حق العودة لا يموت"، "خائن من ينسى وصية والديه"، "امريكا رأس الحية"، "الشعب يريد انهاء الإحتلال"، "الشعب يريد عودة واستقلال". نعم "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".


اليف صباغ- 6.6.2011


حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .

الأربعاء، 1 يونيو 2011

لا تتركوا القدس وحيدة

لماذا تركت القدس وحيدة؟
في ذكرى احتلال ما تبقى من القدس، أي في الخامس من حزيران يصر عدد من الشباب الفلسطيني على تخطي الحواجز الحزبية والعصبية المتعفنة والإستعداد لنشاط سياسي ووطني مميز يعبرون فيه عن رفضهم للإحتلال الإسرائيلي وطموحهم للتحرر وتحرير القدس. هذه القدس التي احتضنت وما تزال تحتضن أولى القبلتين وأم الكنائس، وهل من يشك بذلك؟ بالمقابل يحتفل الإسرائيليون بالذكرى الرابعة والأربعين لاحتلال ما تبقى من القدس وتوحيد شطريها لتكون تحت السلطة والسيادة الإسرائيلية بقوة الإحتلال.
اليوم، في الاول من حزيران، وفي هذه الساعات بالذات، يقيم الإسرائيليون احتفالاتهم برعاية حكومية رسمية ويبدأون مسيرتهم من حي الشيخ جراح بالذات تأكيد على سيطرتهم المطلقة على المدينة وامعانا في نهج الإستيطان واستفزازا لمشاعر العالمين العربي والإسلامي وفي تحد صارخ للقانون الدولي وللعالم اجمع، مستعينين بالذات "بأصدقاء" الامتين العربية والإسلامية ومناصري "الديموقراطية والتحرر" في البيت الأبيض والكونغرس الأمريكيين.
في هذه الذكرى تقيم اسرائيل صقوسا رسمية واخرى شعبية، وعليه اعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بيبي نتانياهو امس في الكنيست وأعاد تأكيده اليوم في المدرسة الدينية (يشيفاه) "بيت الراب" في القدس ان حكومة اسرائيل "ستستمر في البناء في القدس وان القدس لن تتقسم" واضاف، "ان المدينة اليوم في اوج ازدهارها"، وتوجه الى رئيس البلدية التي حضر المناسبة مشيرا له " ان الخطة بحاجة الى بعض الاضافات وان المدينة بحاجة الى نشاط مستمر لمزيد من البناء والتطوير".
ونشرت الشرطة الإسرائيلية اليوم حوالي 2000 شرطي في اماكن مختلفة من المدينة تحسبا "لأعمال اخلال بالنظام"، كما تقول المصادر الإسرائيلية، وضمن ذلك قام اليوم القائد العام للشرطة بجولة مجوقلة، بالتنسيق ولأول مرة، بين الشرطة والجيش في المدينة وفوقها، ويقول القائد العام للشرطة: "ان هذا هو تجسيد للنموذج الذي تستعد له قوى الامن الإسرائيلية ضمن الإستعدادات الشاملة لما يمكن ان يحدث من سيناريوهات في ايلول المقبل".
من جهته قال قائد الأركان الجديد للجيش الإسرائيلي خلال اجتماع لجنة الخارجية والأمن في الكنيست يوم امس: "ان الجيش استخلص العبر من احداث يوم النكبة، مؤكدا ان في الميدان لاعب جديد وهو الجمهور الواسع، وبالتالي يمكن أن يجد الجيش نفسه في ايلول في مواجهة مظاهرات جماهيرية واسعة ذات صدى كبير، وعليه فالجيش يستعد لذلك بكل الإجراءات الضرورية الادوات والعتاد المطلوب".
بالمقابل نشرت اليوم مؤسسات حقوقية اسرائيلية تعنى بالسياسة الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة تقريرا يدين استخدام الشرطة الإسرائيلية للعنف المرفوض مثل القاء قنابل الغاز إلى داخل البيوت والتي تؤدي إلى اشتعال النيران فيها أحيانا، وإطلاق الرصاص المطاطي من مسافة قريبة بما يتنافى وتعاليم إجراءات إطلاق النار في الشرطة، وكذلك تغطية الشرطيين لوجوههم حين يهاجمون ويعتقلون المتظاهرين في القدس الشرقية، بما يتنافى وتعليمات عمل الشرطة التي توجب أفراد الشرطة بوضع شارة تحمل أسماءهم عند القيام بعملهم. إضافة إلى اعتقالات الأطفال التي تتزايد وتتفاقم بشكل مستمر. وتشير المعطيات وأرقام من السنة الماضية، نشرت حديثا، ايضا الى اعتقال الأطفال، وصورة قاسية للنّحو الذي تنفَّذ فيه اعتقالات الأولاد بصورة غير قانونيّة. فبحسب بيانات الشرطة الإسرائيليّة في القدس، جرى التّحقيق خلال العام 2010 مع نحو 1,200 طفلا بشبهة إلقاء الحجارة، واعتقال فعلي ل-759 طفلا للاشتباه فيهم برمي الحجارة وقُدّمت لوائح اتّهام وحصلت اعتقالات حتّى إتمام الإجراءات في 226 حالة للأطفال.
كما تشير تقارير حقوقية فلسطينية انه منذ العام 2009 ولغاية اليوم ابعدت السلطات الإسرائيلية 122 ناشطا فلسطينيا من القدس المحتلة منهم رجال دين واكاديميون وناشطون حقوقيون وطلاب مدارس، وذلك استنادا الى قانون الطوارئ منذ عام 1945 ومنهم من طرد استنادا الى معلومات سرية.
كل هذا لم يحرك زعماء الامة وملوكها وامراءها ورؤساءها، وبقيت مقاومة الإحتلال وتحرير القدس من مسؤولية عشرات، وربما مئات الناشطين، من الشباب الفلسطيني من الداخل وداخل الداخل، في محاولة مستغيثة لتخطي العصبيات الحربية اولا ولرفع الصوت عاليا: "ووووامعتصماااااااه"!!! ربما نسي هؤلاء الشباب ان المعتصم بالله قد مات، وان من جاء بدلا منه عاجز الا عما حرم الله، وانهم هم ، نعم هم، المعتصمون الجدد في هذا العصر، والاحصنة الجدد في هذه الأمة ، وانهم هم اهل القدس الجديدة، فلا تتركوا القدس وحيدة.

اليف صباغ
1.6.2011






حقوق النشر محفوظة للكاتب ، الرجاء الإشارة إلى المصدر .